الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الولادة العراقية الجديدة

جعفر المظفر

2020 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


هذا الجيل يختلف دون أدنى شك عن الجيل الذي سبقه, فالشعوب هي حالة مركبة وليست مجموعة ثابتة من البشر الوارثين لثقافتهم جينيا. ولست الآن بمعرض تحديد من هو الأفضل بين الجيلين غير أن ما يعنيني هنا هو الإهتمام بطبيعة المخاضات التي يجابهها كل جيل وأهمية تأثير تراكمات النتائج وإختلاف البيئات الاجتماعية العراقية (بيئة إسلامية مغلقة بالكامل على أهلها في زمن كان التنقل والإتصال فيه صعبا, والمقارنة تنطبق على الطوائف أيضا, الذين يعيشون في بيئات مغلقة (النجف أو كربلاء على طرف وعانة أو حديثة على الطرف الآخر).
في زمن كذاك كان نزوح مواطن من بيئته إلى أخرى مختلفة أو حتى نقيضة أو ضدية, كان وكأنما هو رحلة إلى الفضاء, حيث المجهول والإكتشافات الغريبة. فما هي نوع الثقافات الإجتماعية التي كان بإمكان هذه البيئات أن تنتجها.
الحال إن أفضل وصف لتلك البيئات أنها كانت ذات ثقافة أحادية الجانب.
بكل تأكيد أنا لا أنكر هنا وجود مواطنين كانوا يخرجون على النص سريعا حينما يتواجدون في بيئة غير بيئتهم ويعيشون مع ناس من خارج محيطهم القومي أو الديني أو المذهبي غير أن هؤلاء لم ولن يكونوا خالين تماما من موروثات عالقة وترسبات غير مُدْرَكة تخرج من دون وعي إلى السطح لتعكس صورة كانت هي واقع حال في زمان سابق.

والآن لنتحدث عن شباب الإنتفاضة التشرينية الذين كانوا مفاجأة بحق. وحتى لمن بشرَّ بها وتوقعها بناء على قدرات تحليلية ووعي متفتح ومتابعة دقيقة, فإن سرعة الحدث وثوريته على الأقل قد عقدت الألسن وسأكتفي في معرض وصفها بالقول أنها أعادت للعراقيين ثقتهم بوطنهم العراق.
ورغم إنني كنت من بين كتاب بشروا بالتغيير القادم إلا أن عنصر المفاجأة كان يعقد لساني بفعل (صدمة تفاصيل المفاجأة, وبداية من أبو التكتك وليس نهاية بجميلات العراق الشابات بعمر الورود, اللواتي كُنّ شريكات للرجال في التضحية). وفي يوم واحد تحول الشعب العراقي إلى شعب تضرب به الأمثال على الوعي والإعتزاز بالنفس والوطن, وتحول من (شعب لا يستحي "مقالة سخيفة سابقة لكاتب سخيف بهذا المعنى" إلى شعب تستحي منه الشعوب) وظهر لنا كيف أن ساحة التحرير صارت ساحة إكتشاف وطن وقد صاح فيها المنتمون لكل الأديان والطوائف نحن شعب واحد تحت راية علمهم العراقي, وقد حصل هذا في وطن كانت الطوائف فيه تقاتل بعضها البعض قبل عدة سنوات وليس عدة قرون.
وفي الجنوب العراقي كنت أتعجب من مكاني هذا من صورة لرجل أكاديمي من معارفي وهو لا يفارق الحسينية ويجلس في الأسفل من منبر أو منصة يعلوها رجل معمم لم يحصل على عمامته إلا لفشله في الدراسة التي كان صديقي قد نجح فيها بتفوق وحصل بواسطتها على شهادة الدكتوراه.
هذا الأخير وغيره هم الذين أعادوا إكتشاف أنفسهم وخرجوا من رحم معاناة أنجبت الولادة الجديدة وصاروا الآن لا يشبهون أنفسهم بالأمس.
نحن الذين نعيش خارج العراق, أمريكا مثالا, نعلم أن هناك كانتونات عراقية خالصة ما زالت تنام على ثقافتها الأحادية الجانب, وفيهم الشيعي الذي لم يغادر شيعيته والسني الذي إزداد تمسكه بها. هؤلاء ما زالوا يعيشون "ثقافة لحظة المغادرة" التي تحول عنها الشباب العراقي المنتفض.
إنها الولادة الجديدة وليس من الحق أن نلوم أحدا إلا بلهجة عتاب مخففة حينما نكتشف أن هناك مكان للعوالق في سراويله, أما ثقافة الكانتونات الطائفية وثقافة لحظة المغادرة فقد آن أوان التخلي عنها إلى ثقافة عراقية جامعة باتت أنوارها الساطعة تشع علينا من شوارع العراق الثائرة المتزينة بتضحية الشباب وبالعلم العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة