الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوفاني لورنزو برنيني / ملخص تشبيه الرخام ، للون والروح والحياة ... (ترجمة مرتضى محمد)

مرتضى محمد
(Murtadha Mohammed)

2020 / 3 / 10
الادب والفن


أولا ً : الشغف
الشغف، كان قبل كل شيء قد حكّم المخطط الذي قاد النحّات الايطالي (جيوفاني لورنزو برنيني)1. ثم بعد ذلك تأتى له من خلال معتقده الديني الى جانب دراسته الطويلة الامد ان يضيف على شكل النحت مقدمة الطريق المؤدي الى أدخال الديناميكية والغزارة والجولة (الضخمة) ، في الاسلوب .
مركزاً على التعبيرية العاطفية ، تلك التي جسدت بامتياز حقبة الباروك2. كان سيد الرخام ، الى جانب كونه باقيا ً - بطلاقة - وعلى قدم المساواة في مختلف الوسائل الاعلامية ؛ حيث شابه سابقه (الرائع) مايكل أنجلو. حيث بطريقته ، ورؤيته المبتكرة للغاية ؛كان رائدا ً لعصر جديد في مجال النحت على الصعيد الاوربي ، والذي كان أثره جليا ً على شكل النحت حتى يومنا هذا .
برنيني ، كان شخصية ٌ بارزة ايضا ً في ظهور العمارة الرومانية الباروكية ، الى جانب معاصرية : المهندس المعماري (فرانشيسكو دي بوروميني) ، والرسام والمهندس المعماري (بيترو دا كورتونا)، حيث ساعدت تصميماته على أرجاع رومــــا الى مجدها في الشكل المعماري القديم ؛ من خلال التخطيط لمشروع حضري واسع النطاق، مستعينا ً - كحجر أساس – برعاية الباباوات الرومانية القوية في ذلك الوقت .
ثانيا ً :مفاتيح أفكاره
برنيني كان مصرا ً على أن الجمال يجب أن يوجد من خلال الادراك والملاحظة البشرية لتسجيل أهمية الاشياء، وأيضا ً على الطبيعة، بدلا ً من دراسة التماثيل الكلاسيكية، ولوحات عصر النهضة؛ بمعنى أنه يجب الابتعاد عن الطرق التقليدية من أجل خلق العمل .
نقل برنيني بيده التماثيل النحتيه من خلال جعلها شكلا ً من أشكال الفن؛ لتقدم صور غير رسمية للمعيشه، حيث جعلها ممارسة لم تستخدم على نطاق واسع منذ روما القديمة ، بعد أن كانت التماثيل النحتيه قبله مجرد صور رسمية للمقابر .
لقد غيّر برنيني ، الطريقة/ (التعاطي) في تقديم المنحوتات حيث خلقهم في كثير من الاحيان فيما اصطلحه " في الجولة" : بمعنى الأعمال التي كانت قائمة بذاتها في المساحات الواسعة ، قاصدا ً بذلك أن يراها المشاهد من جميع الجوانب من أجل وجهات نظر مختلفة ، مما يعزز التجربة الشاملة والألفة مع القطعة.
مستوحيا بشكل كبير من كتابته و أخراجه اضافة الى تمثيله المسرحي ، خاصة في هجاء أو التهكم على الكرنفال 3 . حيث أن هذا النوع من الدراما لو يؤثر فقط على فن العمارة والنحت فحسب؛ بل أدى أيضًا إلى جعله يصمم لمجموعات المسرح والآلات المسرحية ، مضيفا ً مجموعة واسعة من التحف الفنية المزخرفة بما في ذلك المصابيح والطاولات والمرايا وحتى المدربين الذين تجرهم الخيول؛ بتجسيد مقدار (الحب الذي جلبه) الباروك بالتفاصيل والزخرفة. وقد ساهم ذلك في قدرة الفنان على تجميع النحت والرسم والهندسة المعمارية في كيان مفاهيمي ومرئي متماسك.

ثالثا ً: أهم اعماله من خلال وصفها الفني والتحليلي :
الأعمال الفنية أدناه هي الأكثر أهمية لجيوفاني لورينزو بيرنيني – تُطلعُنا على الفترات الإبداعية الرئيسية ، وتسلط الضوء على أعظم إنجازات الفنان.
الروح الملعون (1619(
تم إنشاء هذا التمثال في وقت مبكر من حياته المهنية ، عندما كان الفنان في الحادية والعشرين من عمره. إنه يظهر وجه رجل يصرخ ، وملامحه ملتوية بالتعبير الوحشي للإرهاب أو حتى العذاب. تم تكليف هذه القطعة إلى جانب تمثال نصفي آخر (الروح المباركة )، الذي يصور امرأة جميلة شابة تنظر بسعادة هانئه. عندما توضع هذه المنحوتات معًا ، فإنها تضفي ازدواجًا من المشاعر الإنسانية ، وهي الطيف المتعارض بين المباركة و اللعنة. بينما نظرت هذه القطعة للأسفل نحو الجحيم ، تمثل الأخرى نظرًا للأعلى نحو الله. يعتقد أن (الروح الملعون) ما هو ألا صورة الذات ( بزعم انه/برنيني ) كان قد نظر في المرآة ؛ ويعتقد البعض أنه (جرح) ذراعه حتى ينتج التعبير المعذب على وجهه. على الرغم من أن هذه الأعمال قد تم إنتاجها مبكراً في مسيرة بيرنيني ، فانها قد جمعت العديد من العناصر التي ستظل موجودة في جميع أعمال برنيني المستقبلية مثل الخلاص الديني والعاطفة الإنسانية الشديدة والمهارة الفنية في التصوير الحسي للجسم البشري.
كان هذا التصوير الدرامي للجسد أيضًا جديدًا في الفن ، على النقيض من أساليب )مانيريست/4(Mannerist السابقة ، والتي حاولت غالبًا إعادة إنشاء التقاليد الرومانية واليونانية القديمة. على النقيض من ذلك ، مهد برنيني وغيره من فنانين حقبة (الباروك) مثل كارافاجيو وروبنز الطريق (لرؤية) جديدة لتصوير جسم الإنسان مع تركيز جديد على الشهوانية.
أغتصاب بروزربينا (22-1621):
يصور هذا التمثال قصة من "تحولات أوفيد/ Ovid" التي يقع فيها (بلوتو) في حب الإلهة (بروزربينا) ويختطفها ، ويأخذها إلى العالم السفلي حيث مُلكهِ. يظهر (بلوتو) مع تاج ملكي وصولجان بينما الكلب ذو الرؤوس الثلاثة ، (سيربيروس) ، يقف وراء كضمان لعدم تدخل أي شخص. (بلوتو) يمسك (بروزربينا) حول الخصر والفخذ بينما تكافح من أجل الهروب ؛ إنها تدفع رأسه بعيدًا بينما يمتد ذراعها الآخر بلا حول ولا قوة. في هذا العمل ، يُظهر برنيني افتتانه بتصوير المشاهد في منتصف الأحداث المثيرة ، ويدعو المشاهد إلى مشاهدة القطعة بحيث يسترعي استعيابه كاملا ً. وصفه ابنه (دومينيكو) بأنه "نقيض مذهل من الحنان والقسوة" ، كما هو موضح في تفاصيل أصابع بلوتو التي تضغط على فخذ بروزيربينا ، مما يخلق وهمًا غير عادي لأن الرخام الصلب والبارد يبدو ناعمًا وحساسًا على النقيض من العنف. يشير مؤرخ الفن (دانييلي بينتون) إلى أن العمل هو سمة من سمات فن النحت في برنيني في "تصوير ليس شخصية بل حدث". يحاول برنيني تجميد لحظة في الوقت المناسب ويتم تعليق الحدث في خضم الدراما. غالبًا ما تم إنشاء أعماله بغرض إظهارها في الجولة في مساحة كبيرة، بحيث يمكن للناس التجول حولها ومواجهة ذلك من خلال وجهات نظر مختلفة. لقد كان هذا مبتكرًا للغاية في ذلك الوقت وأضفى أنفاسًا من الهواء النقي على هذا النوع.
يُنظر إلى هذا العمل الآن على أنه تحفة باروكية وقد أشار إليه فنانون معاصرون مثل جيف كونز الذي أعاد تشكيل تمثال من الفولاذ المقاوم للصدأ في شكل مشابهه لهذه (التحفه).


نشوة القديسة تيريزا (52-1647) :
قام الكاردينال (فيديريكو كورنارو) بتكليف برنيني بهذا العمل من أجل كنيسة عائلته. في ذلك ، نرى الراهبة والمتصوفة الإسبانية (سانت تيريزا) من (أفيلا). تظهر على سحابة ، مما يشير إلى صعودها إلى الجنة ، مع أشعة الضوء الذهبية التي تتدفق من نافذة خفية فوق المشهد، تضيء بالضوء الطبيعي. ملاك مجنح يحمل حربة على وشك أن يدخل في قلب تيريزا كتعبير عن النشوة التي تغمر وجهها. يعرض هذا العمل تألق بيرنيني التقني وابتكاره في التلاعب بالرخام ، حيث تظهر طيات أردية تيريزا ، بدلاً من الطيات المتحكم بها في المنحوتات الكلاسيكية ، وهي تدور حول تيريزا تسهم في الشعور بالحركة.
استمد برنيني من رواية تيريزا الشهيرة عن تجربتها الدينية بعد أن اخترقت الرمح قلبها :
" تركني كلي على النار مع حب عجيب لله. كان الالم كبير جدا ً لدرجة أنه تركني بعدة تنهيدات مطلقة، أدرك حلاوتها الى الان، هذا هو أعظم الآلآم؛لانه من المستحيل ان ترغب في التخلص منه، أو ان ترغب في أن تكون الروح متصلة مع غير الله " .
النشوة الموصوفة في كتابة القديسة تيريزا قد فتنت المشاهدين ، وكان هناك خلاف حول ما إذا كان التمثال يصور تجربة جنسية، حيث يذكر بعض العلماء ان هذا قد يكون نية برنيني في ذلك الوقت؛ لكن التصورات الحسية (التي جسدت النحت) هي تصورات وفيه لاعتبارات تيريزا الخاصة ، -في هذ الشأن- يجادل بيترسون بأن " رؤية تيريزا كشخصية مثيرة تحددها بشدة ، ذلك أن كونها بأكملها تُستهلك من قبل عاطفة إلهية تمتلك الجسم والعقل معا ً " . ذلك أن برنيني يصور ألى جانب النشوة الروحية ،ايضا ً النشوة الجسدية الناتجة من التدخل الألهي" ! .
هذا الخلق الكليُّ الموحد من نحت ، ورسم، وعمارة ، وضوء ، جعل من هذه المنحوته واحدة من ضمن اجمل واهم الاعمال الفريدة من نوعها لبرنيني .
أضافة الى الكثير من الاعمال الفنية الاخرى التي قام بها برنيني ، مثل تمثال (أبولو ودافني 25-1622( الذي اتمه عندما كان عمره (27 سنة) ، وهو تمثال مشابه الى حد ما تمثال (اغتصاب بروزربينا) - المذكور آنفا - ؛ حيث يصور في هذا التمثال (أبولو) أله النور والشعر قد اصيب باحد سهام (كيوبيد ) مما سبب له الوقوع بجنون في حب (دافني) ، والتي كانت قد كرست حياتها للألهة (ديانا) حيث تعهدت بالبقاء عذراء طيلة حياتها . لذا عندما قام أبولو بالبحث عنها توجهت الى ألهة النهر طلبا ً للمساعدة .
في هذا التمثال يجسد برنيني ذروة القصة ، عندما استجابت الالهة لدافني محولة ً اياها الى شجرة غار مجنبة اياها أبولو . قال الفنان بيتر روكويل إن "أي نحات ينظر إلى أبولو ودافني ...لا يمكن إلا أن يذهل".
وتقول (سارة مكافي/حبيبة برنيني ) في كتابها أن التمثال "يجسد الفردية المنفتحة... شغف شبابها ، وتهور سلوكها ، والذكاء الذي سيشعرها بالثروة والنجاح كلها معلقة في الحجر"
مهارات (جيوفاني لورنزو برنيني) التقنية وابتكاراته ، ألهمت العديد العديد من فناني العصر الحديث ، كونه احدث تغييرًا رئيسيًا بين عصر النهضة والباروك؛ ذلك ان اعمال فناني عصر النضة اقتصرت على التماثيل القديمة ، بينما اعمال بيرنيني (كانت وستبقى) مباشرة ً من الحياة.
------------------------------------------------------------------------------------------------


* المقالة اعلاه نقلا ً عن موقع: (قصة الفن - البصيرة الفنية الحديثة/THE ART STORY- Modern Art Insight) على الرابط التالي: https://www.theartstory.org/artist-bernini-giovanni-lorenzo.htm
حيث تم جمع المحتوى والكتابة عنه بواسطة: (ريبيكا يالوب/Rebecca Yallop).
تم تحريره ومراجعته ، مع إضافة ملخص الأفكار الرئيسية بواسطة: (كيمبرلي نيكولز/Kimberly Nichols)

1) جيوفاني لورنزو برنيني : ولد في نابولي في ايطاليه عام 1598 ، من انجليكا غالانتي وبيترو بيرنيني ، وهو السادس من بين ثلاثة عشر طفلاً . أمضى طفولتة في نابولي ، وبدأ في النحت منذ صغره وهو يعمل عن كثب مع والده ، وهو نحات ... ناجح قام بتنفيذ عمولات مرموقة في نابولي وفي روما لاحقًا. شجع والده مهارته ، مع الاعتراف مبكرا بالمعجزة التي سيصبح. في الواقع اعتبروه ( مايكل أنجلو عصره) وفقًا لابنه وكاتب سيرته الذاتية دومينيكو جيوفاني بيرنيني”ساهم برنيني بتفانيه وشغفه وحبه للعمل إلى تطوير أسلوب خاص به ، والذي سيساهم بشكل كبير في حركة الباروك".
2) طراز فني قام الفنانون من خلاله بأحياء المثل العليا للجمال في عصر النهضة ، وإغراق الأعمال الفنية والموسيقى والهندسة المعمارية للعصر بإسراف جديد مفعم بالحيوية وميل للمزخرف، وأصبح يتميز بتقنياته وتفاصيله المبتكرة ، مما يوفر لغة بصرية خصبة جديدة في فترة كانت منخفضة نسبيًا بالنسبة للفن.
3) (الهجاء أو التهكم على الكرنفال/Carnival stires) ، الظاهر - كما يرى مترجم المقال كوجهة نظر محتملة في ظل سياقات المعطى في المقال – أن هذه العبارة اذا أخذت كمصطلح تجد ان احد تعريفاتها تعني : "استخدام الفكاهة أو السخرية أو المبالغة لفضح وانتقاء سلبيات الناس ، لا سيما في سياق السياسة ... والقضايا الموضوعية الأخرى" .
لمزيد من تسليط الضوء على هذا الموضوع الآنف الذكر؛ ينظر الى القراءة التي قُــدِمت كمنظار عام وموجز لكتاب (المصلحون على خشبة المسرح/Reformers on the stage) للكاتب (غاري ك. ويت / Gary K. Waite) على الرابط التالي:
https://books.google.iq/books?id=g9ntQF9q1rAC&dq=plays,+especially+carnival+satires.&hl=ar&source=gbs_navlinks_s
4) هو أسلوب الفن والتصميم الذي يعود للقرن السادس عشر والذي يتميز بالتصنيع والأناقة والتشويه الحسي للشخصية البشرية. (ينظر الى مزيد من التفاصيل حوله من خلال الرابط : https://www.tate.org.uk/art/art-terms/m/mannerist








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و