الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان بيضة القبان وتركيا ستخسر معركة النفط والغاز

جورج حداد

2020 / 3 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*

في الشهر الماضي جرى حادثان في غاية الاهمية لا علاقة لاحدهما بالآخر في الظاهر ولكنهما في الواقع على علاقة عضوية وثيقة ويكثـّفان ويكشفان كل المشهد الجيوستراتيجي الاقليمي (الشرق اوسطي) والعالمي. وهذان الحدثان هما:
ـ1ـ تعرض الوحدات التركية الغازية في ادلب بسوريا لضربات من الجيش السوري والطيران الروسي وحلفائهما وسقوط عشرات القتلى والجرحى من الجنود والضباط الاتراك وقيام مناحة حقيقية في تركيا الاردوغانية، وهو ما يحدث لاول مرة. وهناك "تفصيل صغير" مرافق لهذا الحدث وهو اعلان حزب الله "اللبناني" عن ارتقاء عدد من الشهداء الابطال له في معركة ادلب ضد الارهابيين التكفيريين وحلفائهم ـ مشغّليهم الاتراك. وقد طلبت تركيا مساندة حلف الناتو استنادا الى البند 5 لنظام الحلف الذي يقضي بدعم الحلف لكل عضو من اعضائه يتعرض للاعتداء. ولكن وكالة تاس الروسية نقلت عن ناطق رسمي باسم احدى الدول الاعضاء في الحلف ان الحلف لن يقف الى جانب تركيا في ادلب بسوريا لان البند الخامس لا ينطبق على هذه الحالة اذ ان القوات التركية هي خارج اراضيها وليس هناك عدوان على تركيا بالذات.
ـ2ـ الحدث الثاني هو قيام رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون يرافقه رئيس الوزراء اللبناني الجديد الدكتور حسان دياب بتدشين البدء في التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 4 في المياه الاقليمية اللبنانية. وهنا ايضا يوجد "تفصيل صغير" وهو ان الشركة المختلطة التي تتولى الحفر تتألف من ثلاث شركات اوروبية: فرنسية وايطالية و... روسية (والعياذ بالله!).
وهذان الحدثان يسلطان الضوء بقوة على الوقائع الجيوستراتيجية الرئيسة التالية:
أ ـ ان الاقتصاد الاوروبي هو بالدرجة الاولى يعتمد على التكنولوجيا والصناعة. وحتى الزراعة الاوروبية فهي ممكننة تقريبا 100% اي تعتمد ايضا اعتمادا شبه كلي على الصناعة. ومن ثم فإن اوروبا تحتاج بشدة الى محرك الصناعة، اي الطاقة، واساسها في المرحلة التاريخية الراهنة: النفط والغاز. وحتى الامس القريب كانت اوروبا تقع تحت رحمة (او الاصح: لارحمة) الوصاية الاميركية بفعل حاجتها الحيوية الى النفط من (الشرق الاوسط) الذي كانت تسيطر عليه اميركا بشكل شبه كلي.
ب ـ وبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران سنة 1979 فتحت امام اوروبا كوة محدودة للخروج الجزئي من تحت الوصاية الاميركية فيما يتعلق بالطاقة. ولكن بعد نهاية الحرب الباردة السابقة وظهور استعداد روسيا الجديدة لتزويد اوروبا بالغاز والنفط فتحت امام اوروبا نافذة واسعة جدا للخروج من تحت الوصاية الاميركية. وهذا مما يفسر، بالدرجة الاولى، العداء الشديد (وغير المبرر) الذي اظهرته اميركا ضد روسيا وايران.
وبالرغم من جميع العقوبات والصعوبات الاقتصادية والسياسية، استطاعت روسيا ان تمد خط الغاز القاري المسمى "السيل الشمالي" ثم خط الغاز الثاني المسمى "السيل الشمالي ـ 2" الى المانيا عير بحر البلطيق في الشمال. مما يكفي الحاجات الكبيرة لالمانيا الى الطاقة ويحول المانيا الى موزع رئيسي للغاز الروسي الى بلدان اوروبا الغربية والوسطى. ثم مدت روسيا خط الغاز المسمى "السيل التركي" الى تركيا عبر البحر الاسود في الجنوب، وهو سيبدأ العمل التجاري في السنة الجارية 2020 مما يجعل تركيا موزعا رئيسيا للغاز الروسي في بلدان اوروبا الشرقية والوسطى. وسيكون لكل ذلك تأثيره الكبير في التوجهات الستراتيجية والسياسية لاوروبا بمعزل عن الوصاية الاميركية.
ج ـ وفي هذه الاثناء وبعد اكتشاف تكنولوجيا استخراج ما يسمى "الغاز الصخري" والامكانيات الكبرى لاميركا تحولت اميركا الى منتج كبير للغاز الصخري وقادرة على ان تكفي حاجاتها وتزود اوروبا بهذا الغاز لتطرد الغاز الروسي. ولكنها فشلت في ذلك لان كلفة استخراج الغاز الصخري الاميركي وايصاله الى اوروبا تزيد عشرة اضعاف عن كلفة استخراج الغاز الطبيعي الروسي.
ونظريا يمكن لاوروبا ايضا ان تنتج الغاز الصخري في اراضيها، وهي تمتلك التكنولوجيا والامكانيات المالية لذلك. ولكن انتاج هذا النوع من الغاز يقتضي ضخ كميات هائلة من المياه الممزوجة بالمواد الكيماوية السامة في باطن الارض وهو ما يسمم المياه الجوفية والانهار والتربة ويجعل الاراضي غير صالحة للسكن والحياة لعشرات وربما مئات السنين. وهذا متعذر ايكولوجيا في اوروبا ذات الكثافة السكانية العالية، في حين انه ممكن في اميركا ذات الاراضي الشاسعة والكثافة السكانية الاقل بكثير من اوروبا، وطبعا "بفضل" الطابع المتوحش للاحتكارات الرأسمالية الكبرى التي تستفيد من هذه العملية على حساب الاراضي الاميركية التي تحكم بالاعدام في المرحلة التاريخية الراهنة وسيكون لها تأثير مدمر على المجتمع الاميركي في المدى البعيد وربما المتوسط. اما روسيا ذات الاراضي الشاسعة ايضا والكثافة السكانية الاقل في العالم فهي قادرة ايضا، جغرافيا وتكنولوجيا وماليا، على انتاج الغاز الصخري. ولكنها ليست بحاجة الى ذلك لانه اكثر كلفة بكثير من انتاج الغاز الطبيعي المتوفر لديها بكميات هائلة لم تكتشف كلها بعد.
د ـ بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران جاء الى السلطة في تركيا حزب نجم الدين اربكان ذي التوجهات الاسلامية، مما ازعج الجيش خاصة والتيار الاتاتوركي الليبيرالي في تركيا. واقام اربكان علاقات جيدة مع ايران، لا سيما في اطار استيراد الطاقة، مما اثار حفيظة اميركا. وهكذا سقط اربكان في المواجهة السياسية مع الجيش والاتاتوركيين في الداخل واميركا في "الخارج". واخيرا احتل واجهة المسرح سياسي انتهازي و"اسلاموي مودرن" هو رجب طيب اردوغان الذي عمل على التوفيق بين النزعة الشوفينية التركية "الاتاتوركية" والتوجهات التوسعية العثمانية "الاسلاموية". ومن خلال هذه الخلطة العجيبة التي ادارها لسنوات بنجاح، وتحت الشعارات الشعبوية والمسرحية الكاذبة لدعم القضية الفلسطينية، عمل اردوغان على تحويل تركيا الى لاعب اول ومركز رئيسي لتشكيل وتجميع وتدريب وتسليح "الجيش التكفيري الارهابي العالمي" وشن الهجوم بواسطته على سوريا والعراق لتأسيس "الخلافة الداعشية" كتمهيد للتوسع التركي العثماني الجديد في الاراضي العربية وغير العربية. وتحت عنوان "مكافحة الارهاب" الذي سبق وصنعته بنفسها دخلت قوات الجيش النظامي التركي الغازية الى سوريا، بالاضافة الى القوات الاميركية، بحجة اقامة "حزام امان" للحدود التركية وحمايتها من الارهابيين التكفيريين والاكراد.
وجاء الاعلان عن اكتشاف النفط والغاز في شرقي المتوسط ليزيد سعير الشهية التوسعية للعثمانية الجديدة الاردوغانية. فأرسلت تركيا سفينتي تنقيب، بحماية من الاسطول الحربي التركي، الى المياه الاقليمية القبرصية في شرقي وغربي جزيرة قبرص وشرعتا في الحفر، ضاربة عرض الحائط بالاحتجاجات الاوروبية على هذا الخرق الفاضح للقوانين الدولية. ثم وقعت حكومة اردوغان اتفاقا مع حكومة السراج الليبية في طرابلس حول انشاء ممر بحري يربط المياه الاقليمية التركية بالمياه الاقليمية الليبية، ويقضم هذا الممر قسما كبيرا من المياه الاقليمية اليونانية. وعلى هذا الاساس نشبت الازمة الاخيرة بين تركيا واليونان واعلنت تركيا على لسان اردوغان وغيره من المسؤولين انها سترسل سفينة للشروع في التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية اليونانية المقضومة.
على هذه الخلفية الاقليمية والدولية وقع الحادثان المشار اليهما في بداية هذا المقال واللذان تجمع بينهما المشاركة الروسية واللبنانية (حزب الله) في التصدي للقوات التركية الغازية في سوريا، والمشاركة الروسية مع الاوروبيين في التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية.
ان اوروبا ستكون المستفيد الاول والاكبر من استخراج النفط والغاز في شرقي المتوسط. وهذا يعني تحويل لبنان الى بيضة قبان في موازين القوى الاقليمية والدولية المتشابكة في المنطقة، والى نقطة تلاق اوروبي ـ روسي ـ ايراني ـ لبناني للتخلص التام من نزعة التوسع العثمانية الجديدة (وفلول جيشها الارهابي التكفيري)، وللتخلص من الاحتلال الاميركي للاراضي السورية والعربية، والتخلص من الوصاية الاميركية على اوروبا؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص