الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصولية بين الهدم والبناء.. ليبيا كحالة.

محمد عبعوب

2020 / 3 / 10
المجتمع المدني


يُزايد الليبيون اليوم، بعد انهيار دولتهم الوطنية عام 2011م، وفشلهم في إعادة بنائها من جديد، و انكفائهم نحو انتماءاتهم القبلية والعرقية؛ يزايدون على بعضهم بأصالة وهمية، و نجدهم ينقبون في صفحات تاريخ موغلة في القِدم، عن اصول لهم تنافي واقعهم و حقيقتهم كأحفاد لخليط من بقايا هجرات شعوب مختلفة قادمة من الشرق او الغرب او الشمال او من الجنوب، مرت بليبيا عبر العصور، نتيجة صراعات بين امبراطوريات متنافسة، او بين قبائل او جماعات تسعى للهيمنة.. هذه هي حقيقة اصول الليبيين اليوم، وهي قاعدة يمكن ان تنطبق بدرجات متفاوتة على شعوب العالم كافة، باستثناء تلك الشعوب التي لا تزال تعيش في عزلة وهي نادرة اليوم بحكم تطورات التواصل والاتصال بين ساكنة كوكب الارض منذ اكتشاف المحرك البخاري قبل ثلاثة قرون، وما تحقق حتى اليوم من تطورات معلوماتية الغت في قمتها الجغرافيا، محولة الكرة الارضية الى قرية صغيرة ..
بالعودة الى موضوعنا عن أصالة عرقية وقبلية وهمية يزايد بها الليبيون اليوم؛ أقول عن الليبيين من أصول عرقية عربية، بأنهم سوى احفاد قبائل عربية ضعيفة جاءت مع موجات الفتوحات الاسلامية الاولى، او مع موجات الهلاليين وبني سليم القادمة من مصر، و أنهم (العرب الليبيون) إجمالا أفخاذ ضعيفة في تلك القبائل التي اختلطت بالجماعات السكانية التي تواجدت بجوارها، أغرتها ندرة السكان في تلك المساحات الشاسعة التي تشكل ليبيا ليوم بالاستقرار فيها، فآثرت الجماعات شبه الحضرية منها البقاء على أطراف التجمعات السكانية الكبيرة مكونة مجتمعات زراعية وحرفية ، فيما آثرت الجمعات البدوية التي تحترف تربة المواشي الانتشار في السهول واطراف الصحاري حيث البيئة المناسبة لحرفتهم. أما القبائل القوية من هذه الهجرات فقد واصلت مسيرتها نحو الغرب ضمن موجات الفتح الاسلامي او كأطراف في صراعات متنوعة، لتستوطن بها على مراحل متعدة..
أما عن الليبيين من سكان المدن الموجودة عل الساحل، فهم بقايا احفاد اسر جنود الامبراطوريات التي تواجدت على الساحل الليبي منذ العصر الفينيقي الى العصر العثماني، وما مر بينهما من امبراطوريات اوروبية وعربية تواجدت على الساحل الليبي، لحماية ممرات تجارتها . او هم بقايا هجرات متنوعة نتجت عن حروب مختلفة، ابرزهم المورسيكيون اي عرب الاندلس الذين اجبرتهم حروب الاسترداد الاسبانية على مغادرة الاندلس، و توزعوا بين مدن ساحل شمال افريقيا، و استقر جزء منهم في المدن الساحلية الليبية، مثل درنة وطرابلس، وبالتالي فإن سكان المدن الساحلية الليبية هم خليط من أصول فينيقية و يونانية ورومانية وعربية و تركية ووغيرها من شعوب تولت إدارة هذه المدن والسيطرة عليها عبر العصور..
أما قبائل الامازيغ و الطوارق و التبو الليبيين الذين يستوطنون اليوم أرياف ومدن الدواخل او يقيمون على أطراف المدن الساحلية، فهم ينحدرون من قبائل استعملت في صراعات امبراطوريات كانت تتنافس للسيطرة على حوض المتوسط عبر العصور، او هم أفخاذ من قبائل ضعيفة مطرودة من المناطق الخصبة في المغرب الكبير أو الصحراء الكبرى، نتيجة صراعات قبلية، او بين دويلات قامت وتحللت في تلك المناطق عبر العصور. وبالتالي فمن السذاجة التغني بأصالة وانتماء عرقي لم يخالطه التنوع بين هذه الجماعات وكل مكونات المجتمع الليبي اليوم..
هذا الاستعراض المختزل لمشهد التنقلات البشرية التي مرت بها ما يعرف اليوم بليبيا عبر العصور، وانتجت لنا ما يعرف بالشعب الليبي، يبدد تلك الاساطير المتداولة اليوم بين التيارات المتصارعة عن صفاء عرقي أو ثقافي لمكوناته، او أصولية أسطورية في ليبيا، ويضع الليبيين كافة أمام واقعهم كخليط متنوع الاعراق والثقافات ، ليس لهم من سبيل للعيش الا بالاعتراف بهذا الواقع الذي انتجته عوامل ثقافية واقتصادية وسياسية متجاوزة للعرق، ينتمون سياسيا لفضاء عربي اوسع . مجتمع اجبرته ظروف الحياة و أطماع اقليمية ودولية في ارضه وموارده على الاتحاد وتجاوز تلك الانتماءات الضيقة والاسطورية من أجل البقاء، في عالم تجاوز منذ قرون ثقافة الاصالة القائمة على الاساطير، بل نراه اليوم يتجاوز حتى فكرة الدولة الوطنية ويتجه لإقامة فضاءات بحجم قارات من أجل ضمان البقاء في ظل انفجار سُكّاني ينذر بصراعات لا مكان فيها للكيانات الضعيفة مثل الدولة الوطنية، فما بالك بالكيانات العرقية والقبلية التي اندثر وجودها على الارض بحكم تقلص الجغرافيا ثم الغائها نهائيا اليوم بفعل الثورة الرقمية التي حولت الكرة الارضية الى قرية .
وأمام هذا الواقع القائم على التنوع في كل صوره، ارى أنه من السخف والسذاجة ان نزايد عن بعضنا البعض بأصالة عرقية او قبلية يدحض وجودها وقعنا، بل لا بدلنا من أن نعي وندرك أن التنوع إذا ما وظف إيجابيا يمكن يحقق أعظم الانجازات، وتقدم أمريكيا اليوم ابرز و اوضح نموذج لنجاح التنوع العرقي والثقافي والديني في بناء أعظم دولة في زمننا المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في


.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في




.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ