الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادلب، هل يكون الشفاءمن جنس المرض

راتب شعبو

2020 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن لذي عقل أن يأخذ على أهلنا في إدلب ترحيبهم بالجيش التركي، فهم يعيشون في رعب دائم جراء قصف مستمر على يد نظام الأرض المحروقة الأسدي وحلفائه الروس، حتى عرّف أحدهم الحياة هناك بأنها "هروب مستمر من السماء" التي باتت مصدراً ثابتاً لشتى أشكال الموت. إذا كان الجيش التركي قادراً على لجم آلة الموت ووقف تقدمها، من الطبيعي أن يكون في نظر الأهالي محط ترحيب وتقدير، بصرف النظر عن الغايات النهائية لهذا الجيش، وعن الموقف السياسي من الحكومة التركية وسياساتها. "الغريق يتعلق بأردوغان"، كما قالت إحدى عبارات كفرنبل الشهيرة.
السؤال الأولي هو ما هي المصلحة التركية من الدخول العسكري المباشر إلى إدلب وتحملها حتى الآن خسارة عشرات الجنود، فضلاً عن المخاطرة في حدوث مواجهة مع روسيا؟ إيران وروسيا يدخلان المعركة لدعم حليف يؤمن لهما مصالحهما في "الدولة السورية"، فما هي المصلحة التركية في الدخول العسكري المباشر في الصراع حول إدلب، حيث لا وجود ثمة للخطر الكردي الذي شكل على طول الخط هاجساً تركياً؟
بديهي أن للدولة التركية، كأي دولة، مصالح وحسابات تحركها وتعلو على حماية المدنيين، وقد خبر السوريون ذلك مراراً، كان من أبرزها صفقة شرقي حلب مقابل مدينة الباب مع روسيا في 2016، ثم إغلاق الحدود في وجه اللاجئين من جحيم إدلب اليوم، إلى درجة فتح النار وقتل من يجرؤون على عبور الحدود، ثم الاتفاق الأخير بين الرئيسين الروسي والتركي الذي يتراجع فيه الأتراك عن حدود اتفاق سوتشي، ربما مقابل مكاسب "تركية" في محل آخر.
لا شك أن أكثر المتحمسين السوريين لتركيا ولزعامة أردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي، لا يصل به الأمر إلى حد الاعتقاد أن السوري يعادل التركي، ليس فقط سياسياً بل وانسانياً أيضاً، في منظور الحكومة التركية الإسلامية، ولا يخرج هذا عن منطق الأمور، ولكنه يعني أن القبول بسيطرة تركية على مناطق سورية، أينما كانت، هو قبول بأن يكون السوري في مرتبة ثانية بالقياس إلى التركي. هذا تمييز سلبي "استعماري" عريق لا يمكن تخطيه سياسياً إلا بأحد خيارين: "الاستقلال" التام، أو الانضمام إلى البلد المستعمر أو المسيطر.
إذا مضينا أبعد على هذا الخط من التفكير، سنقول إن خيار "الاستقلال" عن السيطرة التركية، مع استمرار نظام الأسد، سوف يعني العودة إلى تحت حكم الأسد على اعتبار أنه لا يزال هو من يمثل الدولة السورية في نظر المجتمع الدولي. هذه العودة تنطوي على مخاطر انتقامية فظيعة، تطال حتى الأموات، ناجمة عن البنية العدوانية "العصبوية" لطغمة الحكم، مخاطر يدركها السوريون جيداً، ولاسيما منهم من عاش تجربة الوقوع مجدداً تحت سيطرة نظام الأسد بعد خروج منطقته من تحت هذه السيطرة.
في المقابلة التي أجرتها قناة روسيا 24 مع رأس الطغمة، يعترف هذا، في الإجابة على سؤال ما هي أول الإجراءات التي يقوم بها النظام حين يستعيد مدينة ما، بأن المدينة تكون خالية من المدنيين حين تدخلها قواته، ويستدرك مفسرا ذلك بأن المدنيين يتركون المدينة حين يدخلها "الإرهابيون"، ولكنه لا يفسر لماذا تنشأ موجات اللجوء بالتوازي مع تقدم قواته على الأرض. هذا الواقع يقول إن نشوء مطالب استقلالية في مناطق سيطرة تركيا في ظل استمرار نظام الأسد، هو ضرب من المستحيل، إلا إذا كان استقلالاً مزدوجاً عن تركيا وعن نظام الأسد معاً، وفي هذه الحال نكون أمام بروز دولة جديدة لا يبدو أن المجتمع الدولي جاهز لها.
يبقى الخيار الثاني لتجاوز التمميز السلبي الاستعماري بحق السوريين الواقعين تحت السيطرة التركية، في حال تكرست هذه السيطرة، وهو الانضمام إلى تركيا للالتحاق ببقية الأراضي السورية التي صارت في عداد الأراضي التركية. رغم أن الشهية التركية مفتوحة لمثل هذا الحل، ورغم أن المزاج الشعبي في هذه المناطق لن يكون معارضاً له، بل سوف يرحب به غالباً بوصفه طريقاً بديلاً للخلاص من نظام الأسد الذي عجزوا، حتى الآن، عن الإطاحة به، لكن يبدو أن عدم جاهزية المجتمع الدولي لقبول بروز دولة سورية ثانية، تنسحب أيضاً على القبول بضم أراض سورية إلى الدولة التركية، ما يعني أن مثل هذا الحل غير محتمل أيضاً.
بين هذين الاحتمالين يبرز خيار ثالث هو قيام منطقة حكم ذاتي سورية تحت حماية دولية وإشراف تركي بحكم الجوار وبحكم المزاج الشعبي العام المتقبل للدور التركي. قد يكون هذا الخيار هو الحلم الذي يدغدغ مخيلة زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، في مقابلته مع مجموعة الأزمات الدولية في أواخر كانون الثاني/يناير من العام الحالي، حيث يهبط الجولاني فجأة من سماء المستحيل إلى أرض الواقع ليؤكد "تأثرت بالوسط السلفي الجهادي الذي انبثق من الرغبة في مقاومة الاحتلال الاميريكي للعراق، ولكن مرجعنا اليوم هو الواقع على الأرض"، وعلى هذا "إذا طلبت مني أن أكون واقعياً وأن أقبل أنه لا توجد إرادة دولية لإحداث تغيير في النظام، فيجب أن يكون العالم واقعياً، وأن يقبل أن أكثر من نصف سكان سوريا اختاروا عدم العيش تحت سيطرة النظام السوري"، ويضيف "مبادئنا الأساسية واضحة وهي تحقيق الاستقرار في المنطقة الخاضعة لسيطرتنا وإدارتها"، كما لا يتردد في طمأنة الروس والعالم إلى نوايا هيئة تحرير الشام في التزامها بإصلاح نفسها وبوقف اطلاق النار، ووقف الهجمات على مطار حميميم ومناطق سيطرة النظام خارج إدلب، سواء من قبلها أو من قبل المجموعات الجهادية الصغيرة الأكثر تشدداً، وباحتواء الجهاديين الأجانب الموجودين التابعين لتنظيم الدولة .. الخ، مع التشديد، في الوقت نفسه، على أن اقتلاع الهيئة من معقلها الأخير سوف يعني كارثة إنسانية بمقاييس غير مسبوقة.
تصريح الجولاني هذا، وما سبقه وأعقبه من سلوك عسكري للهيئة إزاء تقدم قوات نظام الأسد في إدلب، هو مسعى واع من "متحوِّل" أو براغماتي الهيئة إلى صياغة نفسه على شاكلة تناسب الخيار الثالث المذكور أعلاه، والذي يمكن أن يكون حلا متوسط الأمد في سورية، ذلك أنه لا يمكن أن يكون نهائياً. على أمل أن يتاح للجولاني الوقت والفرصة للتحول المناسب للدخول فيما يمكن أن يكون تركيبة الحل النهائي.
في هذا الحل المتوسط الأمد (منطقة محمية دولياً بإشراف تركي وإدارة محلية سورية) مصلحة مشتركة بين تركيا التوسعية، وبين الهيئة التي أثبتت مقدرة على الثبات العسكري وعلى التكيف، والتي من الراجح أن تكون الجهة الأقدر على حكم هذه المنطقة إذا قيض لها أن ترى النور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان