الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يقظة السيد نون

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2020 / 3 / 13
الادب والفن


هواجس السيد نون
١٧ - استيقظ السيد نون ليجد نفسه فيما يشبه صالة إنتظار ضخمة المقاييس، حيث العشرات والمئات من البشر من كل لون ومن كل الأعمار والأجناس ينتظرون في صمت يشبه صمت الأموات أن يحدث شيء ما. منهم من يتحرك ويتمشى من مكان لآخر ومنهم من هو جالس أو مستلق على الأرض ومنهم من هو نائم ومنهم من هو جالس على المقاعد العديدة الموزعة بطريقة عشوائية على أرضية الصالة التي يبدو أنها لا حدود ولا نهاية لها. كان يشعر بالدوار في البداية وكأنه في حلم غريب بين اليقظة والنوم أو بين الوعي واللاوعي بما يحيط به، وكأن جسده بكامله كان مخدرا أو فاقدا للإحساس بما حوله. وتدريجيا، بعد ساعات أو أيام أو ربما شهور وسنوات، فليس لديه أية نقطة إرتكاز لتكوين فكرة عن الوقت، بدأت الأمور تنتظم والصورة تتضح وتنقشع الغيوم من أمام ناظريه وبدأ يحس بصلابة الأرض تحت قدميه. تحسس جسده ليتأكد من أنه ما يزال كاملا من الناحية المادية ولا تنقصه أية أعضاء، تحسس يديه وقدميه وبطنه ورأسه، جسده كامل كما هو عندما يستيقظ كل صباح. أراد أن يتأكد من إنه لا يحلم، لقد حدث شيء ما غير حالته الوجودية، إحساس غامض بأنه يتواجد فيما يسمونه العالم الآخر، أو محطة من محطات الطريق إلى العالم الآخر. إنه بكل بساطة ميت ويعد من بين الأموات. لكنه لم يصدق هذه الفكرة تصديقا كاملا، كان يراوده نوع من الشك بخصوصها أو بالأحرى لم ترقه واعتبرها مستحيلة ولا تأتي إلا في الأحلام. لقد حلم مرارا بكونه قريب من الموت أو على وشك الموت، لابد أنه يحلم وعليه فقط الإنتظار حتى يستيقظ. وبقي الوضع هكذا معلقا، مؤكدا لنفسه إمتلاكه لكل قواه العقلية، حيث من المستحيل أن يحلم الإنسان بكونه ميتا أو حتى بمجرد فقدان الوعي، وحتى في حالة السقوط من علو شاهق لابد للحالم أن يستيقظ قبل أن يلمس جسده الأرض. وتأكد بأنه لا يمكن أن يحلم بأنه ميت وفي عالم الأموات، منطقيا لابد أن يكون ميتا حقا، ميتا موتة حقيقية. والموت حالة لا يعرفها ولم يجربها من قبل، وربما هذا هو سبب إرتباكه وحيرته. إنه فقط يتذكر الإنفجار في لحظة خاطفة وبطريقة غائمة، يتذكر كيف أخرج سيارته من الكاراج وكيف نزل من السيارة تاركا باب السائق مفتوحا والمحرك مستمر في الدوران وكيف أقفل باب الكاراج ثم عاد إلى سيارته وعندما جلس في مقعده وأقفل باب السياره سمع ذلك الصوت القوي مثل زلزال مدوي والذي أعقبه ظلام وصمت مطلق لا يدري كم دام من الوقت. وتذكر أيضا صوت سيارة الإسعاف ورائحة المستشفى والممرضين والممرضات ثم يعود ذلك الظلام الدامس مرة أخرى، إنه لا يدري ما هو ترتيب هذه الذكريات زمنيا وهل هي مرتبطة ببعضها البعض أم أنها مبعثرة هنا وهناك زمنيا ومكانيا. إنه الآن يرى ويسمع ويحس بأجساد الآخرين عندما يصطدمون به في حركتهم العشوائية، ويلاحظ انه ما يزال في ملابس المستشفى الزرقاء، حافيا وبدون نظاراته. العديد من هؤلاء الذين يهيمون في هذا الفضاء مثله يشبهونه ويشاركونه بطريقة ما فيما يحدث وفيما سيحدث له. من حين لآخر كان هناك صوت يعلن أوينادي عن إسم شخص ما ويطلب منه التوجه إلى أحد الأبواب العديدة المتواجدة على جانبي الصالة الضخمة. لم يهتم بهذه الإعلانات الصوتية في أول الأمر، وتدريجيا اكتشف أن الناس ينتظرون هذه الإعلانات وأن سبب وجودهم في هذا المكان هو أن يسمعوا إسمهم في لحظة ما ليتوجهوا إلى أحد هذه الأبواب المغلقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا