الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا يفتك بالاتحاد الأوروبي

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2020 / 3 / 15
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


أفاقت أوروبا على مفاجأة صاقعة عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن القارة العجوز مرشحة لتصبح البؤرة الأخطر لوباء كورونا على مستوى العالم. لكن مخاطر تفشي المرض لن تقتصر على الدول الأوروبية، وفي مقدمتها إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، فحسب، وإنما أظهرت أيضا بوضوح عجز مؤسسات الاتحاد الأوروبي في ظل هذه الأزمة غير المسبوقة. فقد انتقلت، كما يبدو، عدوى الفيروس إلى أهم سلطة تنفيذية للاتحاد وهي المفوضية الأوروبية في بروكسل. حتى الآن بقيت رئيسة المفوضية أورزولا فون دير لاين تلهث وراء الأحداث وكأنها تعاني من التهاب رئوي جراء كورونا والذي يمنعها من الإمساك بزمام المبادرة بما يتناسب مع حجم الخطر الداهم. في المقابل أقدمت الكثير من الدول الأعضاء من جانب واحد على إجراءات كثيرة تتعارض تماما مع مبادئ الاتحاد ومواثيقه، ومنها إغلاق حدودها مع دول أعضاء أخرى وحظر الرحلات الجوية ومنع تنقل الافراد.
لم تدن فون دير لاين هذه القرارات صراحة، وإنما اكتفت بإعلان تحفظها عليها، مشيرة إلى إلى وجود إمكانية فرض فحص طبي على الحدود داخل أراضي الاتحاد الأوروبي. لكن وزيرة الدفاع الألمانية السابقة أبدت قبل ذلك بيوم واحد فقط استيائها الشديد إزاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجي بمنع غير الأمريكيين القادمين من أوروبا من دخول الأراضي الأمريكية كإجراء احترازي ضد تفشي فيروس كورونا المستجد. عابت فون دير لاين وغيرها من المسؤولين الأوربيين على الإدارة الأمريكية اتخاذ قرار حظر السفر بشكل منفرد دون التشاور مع حلفائها، على الرغم من أن الولايات المتحدة ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي. وبدلا من الاعتراف بصواب قرار ترامب – رغم أنه هوّن من شأن المرض في البداية - يركز الكثير من السياسين والإعلامين الأوروبيين هجماتهم على الرئيس الأمريكي وانتقاداتهم لسياسته وسط تجاهل واضح لأخطاء قادة الدول الأوروبية، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لا سيما وأن الأخيرة اكتفت حتى الآن بتصريحات عمومية ولم تبادر لقرارات حاسمة متذرعة بالنظام الفيدرالي لألمانيا وأن السياسة الصحية من صلاحيات الولايات الألمانية وليس الحكومة المركزية. في نفس الوقت لم يتم تسليط الضوء بشكل كافٍ على الشلل الذي أصاب الاتحاد الأوروبي وعلى تجاوز الأحداث لرئيسة مفوضيته التي لم تثبت في بلدها ألمانيا أيضا قدرات قيادية فائقة وحنكة في التعامل مع الأزمات.
يوم الاثنين التاسع من شهر مارس 2020 مرت 100 يوم على تسلم وزيرة الدفاع الألمانية السابقة لمنصبها الجديد في بروكسل. حتى الآن جذبت فون دير لاين الأضواء بتصريحات رنانة عن البئية ومرض السرطان. يوم تنصيبها عرضت رئيسة المفوضية الجديدة "صفقة القرن الأوروبية"، وهو برنامج بيئي طويل المدى طموح يهدف لتصفير الانبعاثات الغازية في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050. بعدها بأسابيع قليلة أعلنت فون دير لاين عن خطة أكثر غرابة للاتحاد الأوروبي، وهي القضاء تماما على مرض السرطان حتى 2040! يمكن بالتأكيد تفهم الدوافع الإنسانية لهذه الخطة، لا سيما وأن رئيسة المفوضية فقدت عدة أفراد من عائلتها نتيجة المرض الخبيث، ولكن الخطتين توحيان بأن أهم مؤسسة تنفيذية للاتحاد الأوروبي تفقد بالتدريج الصلة بالواقع وتتجاهل التحديات الآنية والخطيرة التي تواجهها القارة العجوز.
الآن يبدو أن مرض كورونا وليس مرض السرطان هو من أظهر ضعف المؤسسات الأوروبية وانعدام فعاليتها، وقد يعجل بنهاية حلم الوحدة الأوروبية. وقد تفاقم هذا الخطر لأن الوباء جاء في فترة تواجه فيها أوروبا صعوبات كبيرة مع أزمة "قديمة" جديدة تطرق أبوابها. فبعد أن تعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لصفعة قوية في إدلب من قبل روسيا والنظام السوري، لم يجد سوى إذلال الاتحاد الأوروبي الضعيف ليسترد هيبته المفقودة من خلال فتح أبواب الهجرة ونقل المهاجرين إلى حدود اليونان وبلغاريا وابتزاز العواصم الأوربية وإجبارها على تقديم مزيد من التنازلات. رغم التضامن اللفظي مع البلدين الأوروبيين إلا أن دول القارة العجوز ومؤسستاها فوق القومية وجدت نفسها عاجزة عن ردع أردوغان وطموحاته الإمبرالية. ولعل أكثر ما يظهر الدلائل المتشابهة للأزمتنين وتشابكهما هو أن رئيسة المفوضية الأوروبية ألغت قبل أيام قليلة زيارتها المقررة لليونان لإظهار دعمها لأثينا في مواجهة أزمة الهجرة، والسبب بالطبع هو تفشي وباء كورونا في دول الاتحاد والإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها هذه الدول دون التشاور مع بروكسل، الأمر يعني عمليا انتفاء الحاجة للاتحاد الأوروبي ووضع قيادته في موقف حرج.
يُقال إن مرض كوفيد 19 يفتك بالدرجة الأولى بكبار السن الذي يعانون أصلا من أمراض مزمنة أخرى. صحيح أن الاتحاد الأوروبي ليس كبيرا في السن، ولكنه يعاني منذ فترة من علل كثيرة. فتفاقم مؤشرات الضعف وتلاشي الإرداة السياسية يأتي ضمن عملية طويلة ظهرت فيها بوادر التفكك والانقسام وتوجت مؤخرا بخروج بريطانيا.
باختصار شديد يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي يبدو الآن أحد المرشحين للانضمام إلى قائمة ضحايا وباء كورونا. غير أن ذلك لن يعني نهاية الاتحاد الأوروبي كتكتل اقتصادي أو سوق مشتركة، وإنما تقليص صلاحيات المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي والمحكمة الأوروبية وغيرها لصالج الدول الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة