الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض البرهان الفلسفي لدى محمد باقر الصدر

هيبت بافي حلبجة

2020 / 3 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لدى التمعن الدقيق والتحليل النقدي الواعي بروح حيادية موضوعية لمؤلفات العلامة والمرجع الديني العراقي الشيعي السيد محمد باقر الصدر ، سيما تلك المؤلفات التي أعتبرت بحق من أقوى الإطروحات الفلسفية والحجج المنطقية ، مثل ، كتاب فلسفتنا ، وكتاب الأسس المنطقية للإستقراء ، وكذلك كتاب دروس في علم الأصول ، والمعالم الجديدة للأصول ، والبنك اللاربوي في الإسلام ، ومن ثم إقتصادنا ، ندرك بكل جلاء وشفافية إن هذا العقل المفكر هو حبيس ومقيد ومصفد بثلاثة محددات تقتل فيه مسوغات الأبعاد البرهانية والقيمة الجمالية لتسلسل الأفكار ، وتسفه كذلك الصورة النمطية في العلاقة مابين المقدمات والنتائج :
المحدد الأول : في لاشعوره الجمعي وفي شفراته الوراثية ، ينطلق السيد محمد باقر الصدر من قاعدة لاعقلية وهي إن وجود الله ، إله الإسلام ، ووجود محمد ، نبي الإسلام ، والنص القرآني ، من مسلمات أولية ، حتى إنها لديه ماقبل أولية ، ماقبل أوكسيوم ، أي إن العقل والمنطلق الفعليان خاضعان بالضرورة لهذا العقل اللاواعي ، فهو يثبت النقطة المطلقة من خلال وجود هذا التثليث (الله ومحمد والنص القرآني) ، ومن ثم ينطلق إلى مفهوم العقل ومحتوى المنطق وجوهر الإطروحات ، ولايكترث أولاٌ ، إطلاقاٌ ، بالمضمون الفعلي لحقيقة وجود هذا الإله من عدمه ، ولايتسائل لماذا يصادر هذا الإله المفترض بطبعه إرادة الكون والطبيعة والإنسان والوجود برمته ، ولايتسائل ماهي حقيقة الثواب والعقاب وكذلك الجنة والجحيم ، ولايتسائل ، في نهاية المطاف الأبدي ، كيف يبقى هذا الإله بمفرده وحيداٌ لإن الفناء يشمل ، بالضرورة ، كل الوجود تعريفاٌ ؟. ولايكترث ثانياٌ فيما إذا كان شخصية محمد قد وجدت فعلاُ ، أم إن ثمة إلتباس تاريخي في جوهر الموضوع مابين السيد المسيح ( الذي هو محمد من الزاوية الآركيولوجية الوثائقية ) ومابين القائد العربي الهاجري السرنسري ( كلمة كوردية ) ؟ ولايكترث ثالثاٌ بالنص القرآني ، فهل هو المنزل هكذا من الأساس ومن اللوح المحفوظ أم إن إرادة عثمان بن عفان أخرجته بهذا الشكل بعد أن أحرق المصاحف الآخرى ، أم إن الخلفاء العباسيين هم الذين تصرفوا في الإسلام كله !! أضف إلى ذلك ، وجود آلاف من الإشكاليات المتعلقة بأولاٌ وثانياٌ وثالثاٌ .
المحدد الثاني : إن السيد محمد باقر الصدر يلغي مفهوم المشخص المجسد ولايعترف به البتة ، لإن المفاهيم والأعداد والروابط كلها خالية المعنى ، خاوية المحتوى . وهي جميعها ليست إلا مجرد تصورات عقلية ، فالشجرة هي شجرة بغض النظر عن حجمها وإرتفاعها ، أو قصرها وطولها ، أو حتى نوعها فلايهم إن كانت شجرة الزيزفون أم شجرة الصنوبر . والأرقام هي هي ، فالواحد هو واحد بغض النظر عن كونه تفاحة أم عدد الذرات أم عدد الفوتونات ، ولايهم كذلك كون التفاحة فاسدة أم سليمة ، وهكذا فإن التفاعلات الكيميائية هي تفاعلات تصورية عقلية ، والإنفعالات العاطفية والشعورية هي مجرد معادلات في ساحة الجسد . وبالنتيجة إذا كانت المفاهيم والإطروحات أضحت ، في المحدد الأول ، توابع رياضية لثالوث ( الله ، محمد ، النص القرآني ) فإنها أمست ، في المحدد الثاني ، مجرد أشكال ، وفقط أشكال .
المحدد الثالث : يرتكز العلامة محمد باقر الصدر في الخضوع لخواص حالة المحدد الأول ، الثالوث ( الله ، محمد ، النص القرآني ) ، وإدراك أشكال حالة المقارنة في المحدد الثاني ، على العقل النظري الصرف ، أي على العقل المتفارق قسرياٌ عن الوجود ، عن الكون ، والأشياء ، والظواهر ، وعن الفيزياء ، وفيزياء الكوانتوم ، والمنطق ، وعن العقل الفعلي نفسه . وهذه الحالة تعتبر خطيرة لإن الرابطة الموضوعية والأصيلة مابين أطراف المحمول الفلسفي أو التحليل المنطقي تغدو خارج دائرتها الفعلية والمناطة بها . فالظاهرة الفيزيائية ، على سبيل المثال ، لم تعد ظاهرة إنما مجرد معادلة خرقاء ، والقلم المكسور في الماء لامعنى له ، والسراب هو مجرد شيء ما . ومن هذا المنظور ةالموقع ، تحديداٌ ، يعالج العلامة محمد باقر الصدر مايسمى ، لديه ، بالبرهان الفلسفي وكذلك البرهان الأستقرائي . وهكذا لا يصادر فقط ، مصادرة قسرية ، السلوك العقلي نفسه ، ومحتوى قواعد المنطق ، وموضوع إرادة الطبيعة والكون والوجود في عملية الإرتقاء والتطور والتفاعل ، إنما يغتالها ويدمرها ويمزقها.
إلى ذلك وبعده ، لنلج الآن إلى مضمار ما المقصود بالبرهان الفلسفي لدى السيد محمد باقر الصدر ، ذلك البرهان الذي أستند على ثلاثة مقدمات نظرية بحتة ، ثلاثة تصورات فلسفية ، ثلاثة مبادىء وهي :
المقدمة الأولى : ويعتبرها مقدمة أولية عقلية ، فلكل حادث محدث أو سبب ، ولكل معلول علة ، فلايعقل أن يوجد حادث دون محدث ، كما لايعقل أن يوجد معلول دون علة ، فالمعلول والحادث يفتقران ، من حيث التأصيل الأنطولوجي ، إلى ماهو قادر بذاته وبعينه أن يمنحهما الحدوث والوجود . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ، لايمكن أن ينبثق الحدوث والوجود إلى التمظهر من خلال مفهوم الصدفة ، فالصدفة ليست قاعدة ، ولاتعتمد على أطروحات المقدمات والنتائج ، كما إنها خالية من فعل المنطق الأستدلالي بصورتيه ، الإستنباطي والإستقرائي ، ومن جانب آخر ، إن الصدفة تعريفاٌ قد تكون وقد لاتكون ، وما بين القدين ، قد يلغي أي محتوى للمفهومية وللمعقولية في مسألة الحدوث والوجود .
المقدمة الثانية : ويعتبرها أيضاٌ مقدمة أولية عقلية ، فما هو أدنى درجة ورتبة في وجوده لايمكن أن يكون سبباٌ وعلة لوجود ما هو أعلى درجة وأسمى رتبة منه ، فما هو أعلى درجة ورتبة هو أغنى أنطولوجيا ، وبالنتيجة يمتاز بخاصية تخصه دون سواه ، فكيف يمكن ، أذن ، أن يتمكن الأضعف أنطولوجياٌ أن يكون سبباٌ في وجود ما هو أغنى منه ؟ في حين ، بالتضاد ، يتمكن لما هو أغنى أن يكون علة لما هو أضعف درجة ورتبة .
المقدمة الثالثة : من الملاحظ ، حسب العلامة محمد باقر الصدر ، إن الوجود المحسوس والمعقول يمتاز ، في كينونته ، بتفاوت أكيد في الأنواع وفي الخصوصية الأنطولوجية وفي مفهوم الذاتوية ، فالجماد هو ، حتماٌ ، أدنى ، درجة ورتبة من النبات ، الذي هو أدنى رتبة من الحيوان ، الذي هو أدنى درجة من الإنسان ، فلايعقل أن تتساوى ، أنطولوجياٌ ، المادة الجامدة مع المادة الحية .
وهكذا لدى المقاربة والمقارنة ندرك المقصود الفعلي في فكر الإمام الصدر ، فالمقدمة الأخيرة تؤكد وجود تدرج أنطولوجي في عالم الموجودات من حيث الرتبة والدرجة ، والمقدمة الثانية تؤكد إن ماهو أدنى درجة لايستطيع ، من زاوية خصوصيته الكينونية ، أن يكون سبباٌ وعلة لما هو أعلى منه درجة وأغنى منه أنطولوجياٌ ، والمقدمة الأولى تؤكد إن لكل حادث سبب ومحدث ، ولكل معلول علة بالضرورة ، والعلة ، وهذه هي النقطة الحرجة ، هي علة حدوثية ووجودية ، ووجوديتها قد تكون من المادة نفسها ، وقد تكون بالصدفة ، وقد تكون من العدم ، وقد تكون هي الخالق والآلهة أو الله ( إله الإسلام ) : فإذا كانت الفرضية الأولى صادقة فهذا يعني إن المقدمتان الثانية والثالثة كاذبتان ، ولقد شاهدنا ، للتو ، وحسب الصدر ، إن المقدمة الثانية هي صادقة وبدهية أولية عقلية ، كما إن المقدمة الثالثة هي صادقة بالضرورة والمادة لاتستطيع أن تزرع التفاوت في الوجود ، وإذا كانت الفرضية الثانية صادقة ، فالصدفة لاتستطيع أن تكون منهجاٌ للحياة ، والحياة بدون منهج هي العبث واللامنطق واللاعقل ، وإذا كانت الفرضية الثالثة صادقة ، فالعدم تصور وجودي وذهني وليست حقيقة وجودية ، وعلى فرض حدوث ذلك فالعدم لايستطيع إلا أن يخلق عدماٌ مثله ، إذن لامناص من وجود إله هو أغنى أنواع الوجود ، وهو علة هذا التفاوت الوجودي في الكون .
إن هذا التصور ، برمته ، هو تصور ، باهت ومدحض ومنقوض من الزوايا التالية :
الزاوية الأولى : بداهة ، ومن المنطق الخاص به ، إن إذا إنهارت إحدى هذه المقدمات ، إنهارت المقدمتان الآخريتان من حيث الرابطة المشنركة ، وبالتالي إنهار البرهان الفلسفي المزعوم ، لذلك دعونا ندقق في المقدمة الثالثة ، فالإمام الصدر ينطلق من التفاوت في الدرجة والرتبة مابين الموجودات والأشياء ، ويؤكد ، في المقدمة الثانية ، إن الأدنى عاجز ، بطبعه ، أن يكون علة وسبب ومحدث للأعلى ، وإذا ماصحت هذه الفرضية ، فالنتيجة الطبيعية هي إن الأعلى ليس عاجزاٌ ، بطبعه أيضاٌ ، إن يكون سبباٌ أو علة أو محدثاٌ لما هو أدنى ، فالإنسان قادر ، من حيث طبعه وكينونته وتحليل الإمام الصدر ، أن يكون علة وسبباٌ للحيوان ، الذي بدوره ، وبنفس القياس ، قادر أن يكون علة للنبات ، الذي بدوره ، ولنفس الضرورة ، أن يكون سبباٌ للجماد ، وهذا ما يتنافى ، بالمطلق ، مع مفهوم الخلق الإلهي ، المسألة الجوهرية والمطلقة في العقيدة الإسلامية ولدى الإمام الصدر .
وإذا ما أنبرى الإمام الصدر محتدمأ ، إنني لم أرم إلى ذلك ، حينها نقول لجنابه ، إذن تصدعت بالمطلق المقدمتان الثانية والثالثة ، وإنهار البرهان الفلسفي .
ثانياٌ إذا ما صدقت المقدمتان الثانية والثالثة ، وصح البرهان الفلسفي بمعياره الصارم ، فدل ذلك إن الله جل وعز قد خلق الكون ليس لإنه إله ، إنما لإنه أغنى إنطولوجياٌ من الموجودات الآخرى ، وبالتالي إنتفت ألوهيته ، وبالتالي إنتفت إرادته ، وبالتالي إنتفت قدرته ، وبالتالي إنتفت الغائية ، وولجنا إلى بوابة العبث الأبدي المطلق .
الزاوية الثانية : إن هذا البرهان الفلسفي المزعوم يفضي إلى مفهوم تناقضي بخصوص الوجود ، فنحن لم نعد بصدد أشكال الوجود ، إنما بصدد أعداد الوجود ، الوجود الأول ، الوجود الثاني ، والثالث والرابع .... وكإن الله ، وحسب العقيدة الإسلامية والإمام الصدر في مسألة الخلق التكويني ، أتت إرادته إن يخلق الوجود الأول ، ثم الثاني والثالث .... بصورة منفصلة ومتباعدة من زاوية ، ومن زاوية أخرى بصورة لارابطة ولا حيوية ولا وحدة موضوعية ، فيما بينها جميعاٌ ، وهذا مالايرضاه الإمام الصدر ، وما لاتقبل به العقيدة الإسلامية .
الزاوية الثالثة : إن هذا البرهان الفلسفي المزعوم يفضي إلى نتائج كارثية ، فأولاٌ إذا كان وجود الله كاملاٌ مطلقاٌ ، وهو كذلك حسب العقيدة الإسلامية وحسب الإمام الصدر ، فما قيمة الوجود الأول والثاني .... أو حتى الوجود الآخر بصورة مطلقة ؟ ثم ثانياٌ كيف يخلق الله وجودأ أدنى من وجوده وأقل درجة ورتبة ؟ ثم ثالثاٌ كيف نصنف هذا الوجود الآخر ، وكيف نقيمه ، هل هو وجود ناقص !! أم وجود مزيف !! أم وجود حقيقي !! فلو كان حقيقياٌ فماهو الكمال والمطلق في الوجود الإلهي !!! ألم يكن ، إذن حينها ، الوجود الإلهي ناقصاٌ !!!
الزاوية الرابعة : لن نتعمق في مسألة المقدمة الأولى ، لإننا عالجناها في مناسبات عديدة أخرى ، ونذكر ، إن تلك المقدمة تحتزل فقط في القاعدة الفلسفية ، لكل معلول علة ، وأما قضية إن لكل حادث سبب فهي سخيفة وغير دقيقة وليست فلسفية على الإطلاق ، وإما قضية إن لكل معلول علة ، فهي علة وجودية ، وعلة واحدة ، ويكفي أن أذكر ، هنا ، إن فيزياء الكوانتوم يناقض هذا المفهوم بالتمام والكمال ولايقبل بأي طرح من هذا النوع . وإلى اللقاء في الحلقة الخامسة والثمانين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر