الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة في اقتصادات الصين والدول العربية

رمزي عطية مزهر

2020 / 3 / 18
الادارة و الاقتصاد


18/آذار/2020
تعتبر الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية على وجه الأرض، بالشكل الذي يجعلها فعلاً لا قولاً إذا عطست أو أصيبت جائِحة يتداعى لها العالم أجمع بالسهر والحمى؛ فلا يخلو أي بيت في العالم من جهاز حتى وإن كان صغيراً منتج في الصين، وفي الوقت الذي يقف العالم في حالة ترقب، ليشاهد ما يحدث من تطورات جديدة لفيروس كورونا، بعد تسلله إلى أكثر من 154 دولة في العالم دون أذناً من أحد، وامتد الخوف من الفيروس الصيني، إلى القلق من تأثر العملاق الصيني اقتصادياً مما يؤثر على الاقتصاد العالمي، ونظرا لأهمية الصين المركزية للتجارة الدولية باعتبارها دولة مصدرة وموردة على نحو متزايد، فإن الشركات في جميع أنحاء العالم تشعر بالقلق حيال هذا الوضع، وفي خضم تزايد عدد الضحايا وتوقف الإنتاج والتجارة في مناطق صينية كثيرة لا يمكن حصر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفيروس على مستوى الصين والعالم بشكل دقيق. غير أنها في الواقع تبلغ عدة مليارات يومياً، حيث تُعد الصين بطل العالم في التصدير وأن ناتجها المحلي الإجمالي يزيد عن 14 تريليون دولار سنوياً، ما يشكل 17%من الناتج العالمي.
الصين أهم شريك تجاري للدول العربية:
بالنسبة للعالم العربي يعني ذلك خسائر يومية بمئات ملايين الدولارات، لأن الصين أضحت أهم شريك تجاري لكل الدول العربية. فحجم التبادل التجاري بين الطرفين يزيد على 240 مليار دولار سنوياً خلال العامين الماضيين مقابل 190 مليار دولار عام 2011 و 40 مليار دولار عام2004 . وإن دلت هذه الأرقام على شيء فعلى نمو يحبس الأنفاس في التبادل المذكور وصلت نسبته إلى 20% خلال سنوات عدة من العقد الجاري.
المنتجات الصينية الأكثر استهلاكاً بالدول العربية:
تصدر الصين إلى الدول العربية معظم الاحتياجات من البضائع وفي مقدمتها الأدوات المنزلية والألبسة والإلكترونيات وأجهزة الهاتف والتلفاز ولعب الأطفال والأحذية والحقائب حتى الأطقمـ الخشبية الجاهزة . وتكتسح المزيد من الصادرات الصينية الأسواق العربية بشكل يتزامن مع تراجع دور قطاعات الإنتاج والحرف والصناعات التقليدية المحلية فيها قياساً لدورها قبل بضعة عقود. ومما لا شك فيه أن المنافسة الصينية المتزايدة ساهمت بشكل واضح في هذا التراجع إلى جانب عوامل أخرى أبرزها غياب المنظومة العربية ، وغياب توعية النخب الاقتصادية العربية بالأهمية الحيوية والاستراتيجية لحماية المنتج المحلي. ونمت حصة الصين في فاتورة الواردات العربية لتصبح بين 10% في دول كتونس والمغرب و 17% في السعودية والإمارات ومصر والجزائر والعراق. و 20% في الكويت، أما الصادرات العربية إلى الصين فلا تتصف بالتنوع كونها تعتمد على تصدير النفط والغاز ومنتجاتهما من دول خليجية في مقدمتها السعودية التي وصلت صادراتها النفطية إلى السوق الصينية إلى مليون برميل يومياً أو أكثر. وبدوره يصدر العراق إلى هذه السوق نحو 550 ألف برميل يومياً في الوقت الحاضر. وزاد عدد السياح الصينيين في الدول العربية على2 مليون سائح خلال العام الماضي2019.

الشركات الصينية ومشاريع البنية التحتية:
صعدت الصين كقوة اقتصادية عالمية منافسة للغرب في سوق المنتجات الجاهزة والمواد الأولية لاسيما مع طرحها مبادرة "الحزام والطريق" والبدء بتنفيذها. وهو الأمر الذي أدى إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول العربية باستثناء التي شهدت الحروب أو انهيار أنظمتها مثل ليبيا واليمن. ويتمثل حضور الشركات الصينية المتزايد بأشكال مختلفة في مشاريع البنية التحتية والصناعية من طرق ومرافئ وشبكات اتصال وطاقة وعمران المدن وغيرها. وتتم هذه المشاركة في إطار عقود حكومية وقروض واستثمارات مشتركة وأشكال تعاون أخرى تتراوح تكاليفها بين 36 إلى 60 مليار دولار. ومن المشاريع التي تنفذها شركات صينية في الوقت الحاضر مجمعات صناعية وتكنولوجية وزراعية في السعودية وسلطنة عٌمان والسودان والمغرب. وتشارك الصين في بناء العاصمة الإدارية الجديدة في مصر وضواحي سكنية كاملة في الجزائر، ومشاريع ضخمة في الكويت. ومؤخرا كثر الحديث عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 500 مليار دولار على مدى عقد من الزمن بين الحكومتين الصينية والعراقية بهدف إعادة إعمار وتحديث البنية التحتية ومشاريع صناعية وسكنية. والآن ومع الانتشار المخيف لفيروس كورونا وتبعاته السلبية على الإنتاج الصناعي الصيني والتجارة العالمية، يتساءل الكثيرون في الدول العربية عن تبعاته على الاقتصاد العربي؟
الخاسر الأكبر دول الخليج:
يقول محمد آل شيخ " أن دول الخليج على وجه الخصوص ستكون على رأس قائمة المتضررين، فالبترول الخليجي والسعودي بشكل خاص، لأن الصين كأكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بمتوسط 9.3 مليون برميل يومياً، بحسب التقرير الشهري الصادر عن منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، وتستورد من دول الخليج أكثر من 40 % ، مما يجعل انخفاض الطلب على البترول من قبل الصينيين يسهم إسهاماً جوهرياً في انخفاض سعره العالمي"، وأول التبعات السلبية ظهرت في تراجع سعر برميل النفط ليصل إلــى 30 دولار للبرميل منذ اندلاع أزمة فيروس كورونا. وهو الأمر الذي يعني تراجع مداخيل الدول العربية النفطية. وسيزيد الطين بلة تراجع الطلب على النفط من الناحية الكمية بسبب توقف الإنتاج في مناطق صينية عدة وتراجع حركة السفر والتجارة. كما أن أسواق الدول العربية ستتأثر بتراجع الإنتاج الصناعي الصيني من السلع الاستهلاكية، فمثل هذا التراجع سيقود إلى قلة المعروض من هذه السلع وارتفاع تكاليف النقل والتأمين عليها بسبب المخاوف الحقيقية والنفسية إزاء التجارة مع الصين والدول المجاورة لها مثل كوريا الجنوبية. ومن تبعات ذلك ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة وتراجع القوة الشرائية لفئات الدخل المحدود والطبقة الوسطى العربية التي اعتادت على استهلاك المنتجات الصينية الأنسب سعراً مقارنة بالمنتجات التركية و الأوروبية والأمريكية واليابانية المشابهة.
وسيكون التأثير السلبي على أشده في دول الخليج والعراق في حال استمرت أزمة كورونا. ففي هذه الدول وعلى غير دول المغرب العربي يتم الاعتماد على السوق الصينية في بيع صادرات النفط والغاز التي ستشهد أسعارها والكميات المطلوبة منها المزيد من التراجع في حال لم يتم وضع حد لا نتشار الفيروس. أما في دول المغرب العربي، فستكون التبعات السلبية أقل كونها تعتمد على الأسواق الأوروبية والأمريكية في تصريف الصادرات بنسبة تصل إلى أكثر من %60. وفي الوقت الذي لا تلعب في السوق الصينية دوراً يذكر في صادرات هذه الدول، فإن 15% من الصادرات السعودية البالغة أكثر من 294 مليار دولار ذهبت إلى الصين في عام 2018 على سبيل المثال.
الإنسان العربي: في الوقت الذي ينشغل به العالم من أجل ابتكارات التأهب للوباء في إنتاج لقاح للفيروس في المختبرات ويبدؤون التجارب، فأنه مشغول أن كان ما يحصل الآن هل هو "عقاب إلهي" أم "مؤامرة" بشأن فيروس كورونا، متسائلاً إن كان فيروس كورونا عقاباً إلهياً ضد الصين وبلاد الكفار، فلماذا وصل إلى بلاد المسلمين؟ وهل يفرق كورونا بين أتباع الديانات؟ بين مسلم، ومسيحي، ويهودي، وبوذي، ولا ديني؟ أتصور أن تفسيرات البعض للأمور وربطها بالشأن الديني فيه إساءة للدين قبل كل شيء. كما تكلم البعض عن نظريات المؤامرة القائلة بأن فيروس كورونا تسرب من أحد المختبرات، حيث كان يخضع لتطوير ليصبح سلاحاً بيولوجياً، وبعيداً عن تلك التساؤلات، فأن الإنسان العربي يمر في الوقت الراهن بظرف تاريخي صعب.... يعاني آثاره السلبية التي تدفعه لان يفكر وبصورة ملحة لإيجاد أجوبة تسعف حالة الركود الاقتصادي والجمود الفكري التي يعيشها، من خلال اعتماده شبه الكلي على منتجات الغير وطنية، وضعف في إنتاجه المحلي والذي يجعله بعيداً عن الاكتفاء الذاتي.
ترمي هذه المقالة إلى إثارة النقاش حول الحاجة إلى فتح آفاق جديدة في العالم العربي، ونحن نرحّب بالملاحظات النقدية المُتبصّرة حول ما يرد هنا من تحليلات.



باحث في الاقتصاد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024




.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام