الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطور التقني وتداعياته البيئية في ظل غياب الشرط الأخلاقي: فيروس كورونا أنموذجا

احمد زكرد

2020 / 3 / 19
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


اليوم تطرح العلاقة بين الأخلاق و البيولوجيا أكثر من أي وقت آخر، حيث تمكن الإنسان بفعل التطور البيوتكنولوجي من التدخل المخبري في جسم الكائن الحي؛ لإحداث متغيرات انطولوجية على الوجود الطبيعي ، هذا الأمر أثار مجموعة من التساؤلات ذات طابع أخلاقي وسياسي ، تحضر فيها الفلسفة بقوة وتجلى ذلك عبر استفهامات ايطيقية تؤطر الدلالة الأخلاقية للسيطرة على التراث البيولوجي للكائن الحي ، كما كان الشأن لغزو الفضاء في القرن الماضي الذي أطرته حربا باردة بين القطبين الروسي و الأمريكي وذلك من أجل السيطرة على العالم الخارجي .
اليوم ربما قد تكون حرب من نوع آخر حرب بيولوجية غايتها السيطرة عالم العالم الداخلي بنكهته الاقتصادية ، و هذا الطرح يحضر اليوم في الفضاء العمومي العالمي ، كسؤال عادل و مشروع .
لكن السؤال الفلسفي الذي انبثق عفويا داخل التطور التقني و العلمي -سواء ا كان ما نعيشه حرب بيولوجية أم طفرة طبيعية – هو سؤال ما فتئ يطرح في الفلسفة انه سؤال الاخلاق لكن هنا سؤال الاخلاق في تنظيمه لعلاقتنا بالطبيعة الذي ينتصر للإنسان وشرطه الإنساني مع مراعاة الموجودات الأخرى باعتبارها تتقاسم معنا هذا الوجود . رغم أن هذا السؤال الأخلاقي الراهن الذي طرح فلسفيا بصيغة انطولوجية و اكسيولوجية اصطدم بالعقل الديني الذي يأخذ بتلابيب وجوده ، حيث نجده مكررا للأسئلة الكلاسيكية للذات القديمة و ينقل المعارف نقل الدارس المقلد دون الفاعل والناقد ، و هذه القضايا أثارت داخل المجتمع العربي خصوصا مطاحنة فكرية أشخص من خلالها خيبة أمل فلسفية ، تطرح سؤال أهي نهاية العقل أم لحظة فراغ ابستمولوجي ؟ سيما ونحن في مطلع العقد الثالث من القرن الواحد و العشرون .
نعود إلى الموضوع و هو علاقة البيئة بالأخلاق أو ما تسمى البيواتيقا ، لقد مثل السؤال الأخلاقي و منذ اليونان مقاربة عقلية حول طبيعة القاعدة الأخلاقية ، إنه السؤال الذي يقيم ضوابط للفعل البشري و فق قواعد قيمية ، أما اليوم وبفعل التحولات الخطيرة التي أحدثها الإنسان بتدخله في الطبيعة أصبح من الضروري الحديث عن الاخلاق في العلم و التقنية، أو قد نسميه لقاء أخلاقي بين العلم و الفلسفة وليس فقط لقاء معرفي ( ما يعرف بالأبستمولوجيا ).
مع داروين باعتباره لحظة مفصلية في التاريخ البيولوجي ، الذي قدم مجموعة من القوانين تفسر أليات التطور و التغير في سلم تطور الكائنات الحية؛ إذ لخص هذه القوانين في قانون الانتقاء و الانتخاب الطبيعي؛ ما يعني ان الطبيعة تنتقي الكائن الأقوى و الأصلح ليستمر في الحياة ...
علاوة على هذا المنطق الدارويني الذي يصلح على الكائن الحي، يجب بالضرورة أن يطبق على الجانب الأخلاقي، وهذا ما أشار إليه سبينسر الذي يعتبر الأخلاق رحلة تكيف للكائن مع البيئة الاجتماعية و كذا الطبيعية ، بهذا المعنى فالقيم الأخلاقية هي التي تؤدي إلى إطالة الحياة؛ أي ضمان استمرار في الوجود وذلك لن يتأتى إلا انطلاقا من العلاقة "البيوإطيقية" ؛ التي نتعامل من خلالها مع البيئة معاملة أخلاقية بغية المحافظة على القوانين المتحكمة فيها، لأن واقع الحال مما نشهده من تطور صناعي و تقني و تدخل في القوانين بيئية أدى الى جروح بعيدة الغور في النظام البيئي ، من انقراض أنواع و ظهور أنواع أخرى مستجدة ... (مثلا كورونا) وهذا اصبح يشكل خطر على الوضع البشري و يهدد شروط وجوده. وأشار لهذا "هانز يوناس" عندما انتبه إلى الخطر المحدق بالإنسانية جراء الضرر الذي لحقنا نتاج التدخل التقني في المسار الحيوي للطبيعة عموما و منه للطبيعة الإنسانية ، لذا أقر على ضرورة مراقبتها مراقبة أخلاقية نستحضر من خلالها سلطة العقل الأخلاقي على الطبيعة من أجل ضبط قدرة الانسان اتجاه الوجود بصفة عامة والوجود الإنساني خاصتا. و هذا ما يقصد به مبدا المسؤولية ؛ الذي يعني تحمل المسؤولية اتجاه مستقبل البشرية ؛ بمعنى الانتقال من العقل الأداتي إلى العقل التواصلي كما أشار لذلك هابرماس ، لان العقل الأداتي ينطلق من قراءة الطبيعة بمنطق براغماتي مصلحي ، في حين العقل التواصلي يخلق بعدا أخلاقيا بين الانسان و الطبيعة من أجل الانسجام معها . وبه يدعو ( هابرماس) الى ضرورة تحمل الذات لواجباتها الأخلاقية اتجاه الطبيعة و واتجاه الأجيال القادمة أيضا . لذا نحن في حاجة إلى تخليق علاقتنا بالبيئة ؛ وذلك وفق الاستمتاع بها و المحافظة عليها في نفس الوقت.
هكذا فنحن أمام هذا الوضع الذي تعشه الإنسانية من تغيرات بيئية و طفرات بيولوجية ... أثار حقلا خصبا من النقاش حول إعادة النظر في الوضع البشري وعلاقته بالبيئة ، ثم إعادة النظر في شروط هذا الوجود و علاقتنا بالميتافيزيقا ، لان الوضع الراهن يستدعي تفكيرا أخلاقيا مغايرا يتجاوز التصور الأخلاقي و الديني الكلاسيكي . من ثم يتمكن بتكميم التجاوزات التي قام بها الانسان ضد الطبيعة وفي نفس الوقت خلق تصورات عقلانية حول الوجود من اجل استباق و تنبؤ بالكوارث وذلك لاتخاذ الإجراءات الكفيلة لتجنبها ، وذلك لن يحدث الا عندما يقتنع رجال السياسة و الرجال الدين بضرورة الوعي بالخطر المحدق بحضارة عصر التقنية ، لذلك فالمهمة الأولى للفلسفة هي الكشف عن المخاطر التي يتضمنها التطور التقني ، فالواقع الإنساني لا ينهض الا بالقانون الأخلاقي و هو في البدء قانون الصدق و مصارحة الذات و العيش من اجل الاخر ، والانتقال من مرحلة الجشع الاقتصادي الى مرحلة الإنسانية ، و هذا المنطق يغيب عند تجار المآسي الذين لا يهمهم من يدير دواليبها سوى الربح المادي و اشباع الرغبات التي لا تنتهي و لو على حساب حياة الانسان.
أمام هذا الضياع الأخلاقي و التمزق القيمي ، و الانتكاسة الإنسانية ، نحن في حاجة الى عقد بيئي وأخلاقي مع ذواتنا و مع الطبيعة حتى نتمكن من الخروج من هذا النزيف الوجودي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم