الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتجار بالبشر بين الواقع والقانون

امغار محمد
محام باحت في العلوم السياسية

(Amrhar Mohamed)

2020 / 3 / 20
دراسات وابحاث قانونية


الاتجار بالبشر
بين الواقع والقانون
بقلم د محمد امغار
محام بهيئة الدارالبيضاء
دكتور في العلوم السياسية


يشكل الاتجار بالبشر نشاطا اقتصاديا ضخما غير مشروع عابرا للحدود ويشمل الرجال والنساء والاطفال على السواء و الذين يقعون ضحية الخطف اوالقسر او الاستدراج لممارسة اشكال مهينة من الاعمال لمصلحة المتاجرين بهم. وتخفى معظم العمليات المرتبطة بالاتجار بالأشخاص او البشر تحت ستار أنشطة مشروعة يصعب استقصاؤها او تتبع تحركاتها او ضبط المتعاملين فيها كوكالات الأسفار او التشغيل او مراكز التجميل او ممارسة الرياضة وغيرها من الخدمات . وقد عرف البروتوكول الخاص بمنع و قمع ومعاقبة الاتجار بالاشخاص وخاصة النساء والاطفال لسنة 2000 المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 1951 الاتجار بالأشخاص بكونه تجنيد الأشخاص او نقلهم او تنقلهم او إيوائهم او استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او باستعمالها او غير ذلك من أشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او استغلال السلطة او استغلال حالة استضعاف او باعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص أخر لغرض الاستغلال، ويشمل الاستغلال كحد أدنى، استغلال دعارة الغيراو سائر أشكال الاستغلال الجنسي او السخرة او الخدمة قسرا، او الاسترزاق او الممارسات الشبيهة بالرق او الاستعباد او نزع الاعضاء.

وقد اعتمدت اغلب التشريعات هذا التعريف لتحديد جرائم الاتجار بالبشر بحيث جاء في الفصل الثاني من القانون الاساسي التونسي عدد 61 لسنة 2016 الصادر في 3 غشت2016. انه يعد الاتجار بالأشخاص استقطاب آو تجنيد أشخاص أو نقلهم او تنقيلهم او تحويل وجهتهم آو ترحيلهم او إيواءهم او استقبالهم باستعمال القوة او السلاح او التهديد بهما او غير ذلك من أشكال الإكراه او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او استغلال حالة استضعاف او استغلال نفوذ او تسليم او قبول مبالغ مالية او مزايا او عطايا او وعود بعطايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال آيا كانت صوره سواء من طرف مرتكب تلك الأفعال آو بوضعه على ذمة الغير لاستغلاله ويشمل الاستغلال استغلال بغاء الغير او دعارته او غيرها من أشكال الاستغلال الجنسي او السخرة او الخدمة قسرا او الاسترقاق او الممارسات الشبيهة بالرق او الاستعباد او التسول او نزع الأعضاء او الأنسجة او الخلايا او الأمشاج او الأجنة او جزء منها او غيرها من أشكال الاستغلال الأخرى.
والمقصود بحالة الاستضعاف وفق نفس القانون أي وضع يعتقد فيه الشخص انه مضطر للخضوع للاستغلال الناجم خاصة من كونه طفلا او عن وضعيته غير القانونية او حالة الحمل لدى المرأة او حالة الإدمان او حالة قصور ذهني او بدني يعوق الشخص المعني عن التصدي للجاني.
كما عرفت المادة 303مكرر 4 من القانون الجزائري الاتجار بالأشخاص بأنه تجنيد او نقل او تنقيل او ايواء او استقبال شخص او اكثر بواسطة التهديد بالقوة او باستعمالها او غير ذلك من اشكال الاكراه او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او اساءة استعمال السلطة او استغلال حالة استضعاف او باعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة على شخص اخر بقصد الاستغلال استغلال دعارة الغير او سائر اشكال الاستغلال الجنسي او استغلال الغير في التسول او السخرة او الخدمة كرها او الاسترزاق او الممارسات الشبيهة بالرق او الاستعباد او نزع الاعضاء
ومن خلال هذه التعاريف تتجلى مظاهر الاتجار بالبشر في :
- الاتجار بالأطفال من خلال البيع اوالعمل في المواد الإباحية والسياحة الجنسية ،
- الاستغلال الوظيفي من خلال العمل القسري او السخرة .
- الرقيق الابيض الذي يمارس عليه الاستغلال الجنسي او الاستعباد .
ويمكن تصنيف ضحايا الاتجار في البشر حسب الفئات التالية:
- الضحايا من الاطفال
- الضحايا من النساء
- الضحايا من فئة خدم المنازل والعمل القسري.
- ضحايا نزع الأعضاء.


وبدا الحديث عن الاتجار بالبشر في المغرب منذ سنوات طويلة لاسيما نهاية التسعينات من القرن الماضي والتي عرفت تنامي الهجرة السرية الى اوربا وما ارتبط بها من استغلال ظروف المهاجرين والتي شكل فيها المغرب بلد العبور .لكن الاهتمام الرسمي والقانوني بالموضوع تعود بوادره الى سنوات خالت ويتجلى ذلك من الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب والتي لها علاقة بالموضوع .
وفي هذا الإطار عمل المغرب على الانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر حيث قام بالمصادقة على الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التالية:
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 والتي صادق عليها المغرب في 13 سبتمبر2002.
- البروتوكول الإجباري للاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل بشان إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة لسنة 2000 والتي صادق عليها المغرب في 22 ماي 2002.
- اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لسنة 1943 والتي صادق عليها المغرب في 17 غشت 1973
- الاتفاقية الخاصة بالرق لسنة 1926 والتي انضم اليها المغرب ووضع صكوك قبولها في 11 مايو1959
- اتفاقية حماية جميع العمال المهاجرين وإفراد أسرهم لسنة1991 والتي صادق عليها المغرب في 21 يونيو1993
- الاتفاقية المتعلقة بوضعية اللاجئين لسنة 1951 والتي صادق عليها المغرب في 7 نونبر1956.
- اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 والتي صادق عليها المغرب في 21 يونيو1993.
- اتفاقية منع كل أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979 والتي صادق عليها المغرب في 21 يونيو 1993
- اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 29 حول العمل القسري لسنة 1930 والتي صادق عليها المغرب في ماي 1957
- اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 105 حول إلغاء العمل القسري لسنة 1957 والتي صادق عليها المغرب في فاتح دجنبر 1966.
- اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 حول أسوأ أشكال عمل الاطفال لسنة 1999 والتي صادق عليها المغرب في 26 يناير2001.
- وتهدف هذه الاوفاق الى الحد من ظاهرة الاتجار بالبشر المؤدي الى الاستغلال البشري الذي يترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا او اجر عن ذلك.
يتخذ الاتجار بالبشر في المغرب ثلاثة أشكال وفق التقارير الدولية التي رصد ت الظاهرة:
الشكل الأول يستهدف الاتجار بالمهاجرين غير النظاميين اذ تعتمد شبكات تهريب البشر إلى أوربا المغرب كمنطقة عبور ويطال التهريب اشد الفئات هشاشة ،
الشكل الثاني يتعلق بشبكات الاتجار بالبشر مختصة في تهريب المغاربة الى الخارج و الاتجار بهم ، وتعد مغربيات الخليج، ابرز مظهر لهذا الشكل .
أما الشكل الثالث فهو داخلي ويتمثل في الشبكات التي تتاجر بالأطفال والنساء وتتوسط في استغلالهم في عدد من الأعمال منها الخدمة بالمنازل والتسول والجنس.
وقد اعتمدنا في تحديد الأشكال الثلاث على دراسة أشرفت عليها وزارة العدل والحريات وأنجزتها منظمة الأمم المتحدة لتمكين النساء وبرنامج التعاون السويسري وتم التقديم لها بتاريخ 5 ماي 2015 بالرباط,
وتضمنت الدراسة وجود حالات مغربيات تهجرن الى دول الخليج، موضحة ان تشديد اجراءات العبور دفعت الشبكات المتحكمة في هذه التجارة الى اختيار بلدان عبور مثل تونس وتركيا وتوصلت الدراسة الى توفر هذه الشبكات على صور الفتيات اللواتي يسعون للإيقاع بهن.
وذهبت الدراسة الى ان بعض المناطق في المغرب تعرف ظاهرة استعمال نساء وقاصرين أجانب في شبكات الدعارة هذا في الوقت نفسه الذي يجبر الأفراد على التسول من اجل دفع مقابل لمهربي البشر نحو اوربا
وتسود الظاهرة حسب الدراسة في المدن الكبرى ومدن الشرق والشمال كوجدة والناظور وطنجة والرباط.
وتشير الدراسة الى ان المدن السياحية مثل مراكش واكادير تعرف شكلا أخر من الاتجار في البشر، ويتجلى في تسخير النساء والأطفال في شبكات الدعارة والاستغلال الجنسي.
كما أكدت الدراسة ظهور شبكات منظمة للاتجار في البشر تأتي بضحاياها من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وتستعملهم في الدعارة والتسول وتعتمد هذه الشبكات من اجل إخضاع ضحاياها على الترغيب والترهيب حيث تعمد الى إيهام المهاجرين بتامين وصولهم إلى اوربا مقابل استغلالهم في أعمال غير مشروعة من اجل تامين المال الذي يمكنهم من الهجرة الى الفردوس المنشود .
كما اشارت الدراسة الى بداية شيوع ظاهرة الإتيان بخادمات البيوت من جنوب شرق اسيا، وحسب المعطيات التي وفرتها القنصلية الفلبينية بالمغرب لفريق البحث، فان من بين 5000 فلبيني يقيم بالمغرب نجد 60% منهم خادمات منازل تواجهن الاستغلال والعنف وحجز جوازات السفر وأشارت الدراسة الى ان الشرطة المغربية انتقلت الى البيوت حيث تقيم 7 ضحايا بعد توصلها بشكايات في الموضوع.
وفي إطار تنزيل القوانين المحاربة للظاهرة بالمغرب دخل في 19شتنبر2016 حيز التنفيذ قانون 14-27متعلق بمكافحة الاتجار بالبشر ، بناءا على انضمام المملكة سنة 2009 الى البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية المتعلق بالاتجار بالبشر خاصة النساء والاطفال،هذا في الوقت الذي كانت هذه الجريمة قد استأثرت بالاهتمام الاممي.
وقد تم بواسطة هذا القانون تتميم أحكام الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي. و عرف الفصل 498-1من ذات القانون الاتجار بالبشر بأنه تجنيد شخص او استدراجه او نقله او تنقله او ايواؤه او استقباله، او الوساطة في ذلك بواسطة التهديد بالقوة او باستعمالها او باستعمال مختلف أشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة او النفوذ او استغلال حالة الضعف او الحاجة او الهشاشة او بإعطاء او بتلقي مبالغ مالية او منافع او مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص أخر لغرض الاستغلال.
ولا يشترط القانون استعمال أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه لقيام جريمة الاتجار بالبشر تجاه الأطفال الذين تقل سنهم عن 18 سنة بمجرد تحقق قصد الاستغلال ويشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي لاسيما استغلال دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري او السخرة او التسول او الاسترقاق او الممارسات الشبيهة بالرق او نزع الأعضاء او نزع الأنسجة البشرية او بيعها، والاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، او استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية او في النزاعات المسلحة.
ولا يتحقق هذا الاستغلال الا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا او اجر عن ذلك.
ويتضح من التعريف المنصوص عليه في المادة 498-1 والمستمد من القانون الدولي وعلى وجه التحديد بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المتمم لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية ان الاتجار بالبشر جريمة تنطوي على استغلال شخص ما لإغراض العمل القسري او لممارسة الجنس التجاري باستخدام القوة أو الاحتيال او الإكراه .
وقد تم بعد دخول القانون المشار اليه حيز التنفيذ استصدار منشور لوزير العدل موجه الى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية بتاريخ 6فبراير 2017 بخصوص هذا القانون اشار الى انه يتوجب اتخاذ اليقظة من اجل ضمان تطبيق مقتضيات القانون الجديد بشان الوقائع التي تستلزم ذلك لاسيما تلك التي تشكل في ظاهرها جنحا، كالتسول او الاستغلال في البغاء وهي تستبطن في الواقع أفعالا ذات ارتباط بالاتجار بالبشر.
و في الأخير و لتوضيح اكتر مصطلح الاتجار بالبشر وعلاقته بالاستغلال الجنسي نشير إلى مثال أشرت إليه سفارة الولايات المتحدة في لبنان وجاء فيه مايلي :
غرر احد موظفي التوظيف بماري وأقنعها بالالتحاق بعمل في مطعم بالخارج ووعدها براتب مغر لم تستطع رفضه وساعدها على الحصول على تأشيرة العمل في بلد المقصد ،ولدى وصولها , اخبرها رئيسها الجديد بأنه لاتوجد أية وظيفة في احد المطاعم وانه سيتعين عليها ان تسدد تكاليف العثور على الوظيفة ،وتتحمل تكاليف نقلها الى البلد . واجبرها على ممارسة البغاء وهدد ماري أيضا بأنه سيبلغ أسرتها عما تقوم به إذا لم تواصل تنفيذ ما يطلبه منها حتى تكون قد سددت الديون المزعومة عليها ، ماري هنا ضحية من ضحايا الاتجار بالبشر تم استخدام الاحتيال والإكراه والقوة لإخضاعها للاتجار بالجنس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تتقدم في الوساطة وقطر تتراجع.. وبن غفير يقترح إعدام ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - اليونيسف: أكثر من 13 ألف طفل فلسطي




.. إيتمار بن غفير: عقوبة الإعدام هي الحل الصحيح لمشكلة اكتظاظ ا


.. مندوب السعودية بالأمم المتحدة: من حق الشعب الفلسطيني تقرير م




.. مخطط لمحاولة اغتيال زيلينسكي.. اعتقال بولندي تواصل مع موسكو