الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كواليس لقاء صلاح البيطار مع حافظ الأسد!

قصي غريب

2020 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بعد عدة أشهر من اندلاع الثورة السورية في اذار 2011 التقينا في عاصمة عربية مع شخصية وطنية سورية تقيم في المنفى بعد ان غادرت بغداد بعد الاحتلال، وطلبنا منه باعتباره صاحب تجربة عسكرية وسياسية ولاسيما أنه كان من الضباط الذين شاركوا بانقلاب 8 آذار 1963 أن يعطينا قراءة حول مستقبل النظام السياسي في سورية.
قال: أنتم تعرفون أنني أعيش في المنفى بعد أقسمت بالله العظيم أن لن أعود إلى سورية طالما بقي هذا النظام الطائفي جاثما على صدور الشعب السوري، لأنني اشتركت من دون قصد في ظل تأثير إيماني بالعروبة وبشعارات البعث وخاصة الوحدة العربية والاشتراكية التي ما أزل أؤمن بها ووفياً لها؛ في جريمة تسليم السلطة على طبق من ذهب إلى الطائفيين من أعضاء ما سمي باللجنة العسكرية، الذين وظفوا حزب البعث وشعاراته ببراعة فائقة جسراً للتغطية على مشروعهم الطائفي.
إن هذا النظام هو وكيل معتمد من قبل الغرب والشرق، ولذلك لن تسمح الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوربي وروسيا بإسقاطه، لأنه لديهم قناعة راسخة أن ضمان مصالحهم الاستراتيجية في المحافظة على التجزئة لمنع الوحدة العربية وحماية وجود اسرائيل والمحافظة على أمنها واستقرارها مرتبط باستمرار وجود نظام سياسي في سورية تقوده أقلية أو تحالف أقليات، لأنه بحسب اعتقادهم أن وجود الأكثرية في السلطة يشكل خطراً على مصالحهم وعلى اسرائيل ولذلك سيمارسون التحايل وسيقفون ضد اسقاطه، وسيعملون على دعمه بطرق مباشرة وغير مباشرة، وسيتغاضون عن جرائمه كما تغاضوا في السابق عن جريمة مجزرة حماة 1982، وباختصار إن موقف الغرب والشرق من الثورة السورية قد اختزله وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بداية اندلاعها عندما حذر من مخاطر قيام نظام سني في سورية.
قلنا له: ولكن تصريحات الادارة الأميركية صاحبة القرار والفعل في الساحة الدولية وحكومات أصحاب القرار في دول الاتحاد الأوربي والحكومة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية وكذلك المسؤولون في قطر والسعودية جميعهم يؤكدون على ضرورة اسقاط النظام، فضلاً عن ذلك أن النظام من حيث الواقع العسكري قاب قوسين أو أدنى من السقوط.
قال وهو يكتم غضبه: إنهم يكذبون ولن يساهموا في اسقاط نظامهم الربيب، وإنهم يتحايلون ويضحكون علينا ويلعبون بنا كما فعلوا ذلك في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي مع الأستاذ صلاح البيطار!
قلنا له: كيف ضحكوا علينا ولعبوا بنا؟
قال : تذكرون بعد منتصف السبعينيات تدخل حافظ الأسد في لبنان بموافقة أميركية اسرائيلية بذريعة وقف الحرب في لبنان، ولكن كانت مهمته الحقيقية والمكلف بها إضعاف الحركة الوطنية اللبنانية وتحجيم المقاومة الفلسطينية، وعلى أثرها تصاعد في سورية نشاط المعارضة البعثية والاخوانية ضده، ومن خوف الحكام العرب من سقوطه وتداعياته عليهم وبما أنهم أنظمة خدمة تابعة متكاتفة ومتساندة ولتدارك الحالة وبمبادرة خليجية كما أظن فقد تم الاتصال بالأستاذ صلاح البيطار باعتباره شخصية وطنية سورية وسطية تحظى باحترام وتأييد الكثير من السوريين بما فيهم شخصيات من الطائفة العلوية من أجل وضع حل سياسي مشترك ينقذ سورية من خلال اللقاء مع حافظ الأسد للخروج من الأزمة، ولهذا الغرض فقد زار السعودية والكويت ومصر وليبيا واليمن، وقد التقى بعض المسؤولين فيها فتم اعطاه معسول الكلام من الدعم والمساندة لمهمته ومن السعي لترتيب اللقاء مع حافظ الأسد وعلى أثر ذلك زار العراق والتقى مع الرئيس أحمد حسن البكر الذي كان خارج اللعبة لاطلاعه على زياراته، وقد تمنى له التوفيق لأنه كان يريد التخلص من طائفية النظام في سورية لإدراكه خطورة الطائفية على سورية والعراق والعالم العربي، وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي دفعته فيما بعد لعقد الميثاق القومي مع النظام في سورية كما أسر ذلك للرئيس أمين الحافظ.
وفي مقر إقامة الأستاذ صلاح البيطار في بغداد زاره العديد من الشخصيات السورية التي تقيم فيها، وكان أهمهم الأستاذ ميشيل عفلق، والأستاذ أكرم الحوراني، والرئيس أمين الحافظ، وقد كنت برفقته حينئذ فشرح لهم وجهة نظره ومهمته الانقاذية، وإن الدول العربية التي زارها قد أبدا فيها المسؤولون استعدادهم دعمه في حال الذهاب الى سورية والتباحث مع حافظ الاسد.
وقال لنا: إنه قد التقى الأستاذ ميشيل عفلق، والأستاذ أكرم الحوراني، وأنهما قد وافقا على خطوته، مع أن تخميني المشترك مع الرئيس أمين الحافظ أن الأستاذ ميشيل عفلق قد وافق على خطوته وباركها، ولكن الأستاذ أكرم الحوراني صاحب الخبرة والدراية والحنكة السياسية، والذي يعرف كيف يدار النظام الدولي ومكانة النظام الطائفي فيه لن يوافقه ويشجعه على خطوته وسينصحه بعدم الذهاب للقاء حافظ الاسد لأنه يعرف أنها لعبة رخيصة.
وفي اليوم الثاني زرت الأستاذ أكرم الحوراني برفقة الرئيس أمين الحافظ لمعرفة رأيه حول ما يقوم به الأستاذ صلاح البيطار، وقد سألته: هل أنت حقاً شجعته وكنت موافقاً على خطوته كما قال لنا؟ فرد بغضب وانزعاج: ليس صحيحاً أني شجعته ووافقته على خطوته، ولا يمكن أن أفعل هذا، لقد قلت له: إنهم يضحكون عليك ونصحته بعدم الذهاب!
وبالفعل أصاب الأستاذ أكرم الحوراني حيث تبين أن الأنظمة العربية كذبت على الأستاذ صلاح البيطار، فقد كانوا يمارسون لعبة الالهاء لكسب الوقت ليعيد حافظ الاسد ترتيب أوضاعه لأنه رغم تأكيد المسؤولين العرب للأستاذ صلاح البيطار بأنه قد تم الاتصال بحافظ الأسد لاستقباله وبحث خطة الانقاذ معه ولكن عندما وصل إلى دمشق رفض حافظ الأسد مقابلته ما دفع الأستاذ منصور سلطان الأطرش إلى التدخل والتوسط من أجل عقد اللقاء الذي كان جافاً وكانت فيها ردود الأسد على البيطار مستبدة واستعلائية وعنجهية تمثل بوضوح عقلية وسلوك الحاكم المستبد.
وعن هذا اللقاء كتب الأستاذ صلاح البيطار في مجلته الاحياء العربي مقالة بعنوان: سورية مريضة مريضة وتعيش محنة ومأساة".
وقد ورد فيها: " أنه في يوم 25 أيار عام 1978 جرى لقاء بينه وبين حافظ الأسد وقد كان همه أن يبين له خطأ السياسة التي يتبعها في سورية ولبنان ومع القضية الفلسطينية والتغييرات التي لابد منها في بنية النظام لمواجهة المعطيات الجديدة التي أدخلتها زيارة أنور السادات للقدس وأن جبهة الصمود والتصدي لا تقدم الجواب على ما قام به أنور السادات، فقد بقيت متفرجة عند احتلال إسرائيل لجنوب لبنان في آذار عام 1978.
وكانت اجابة حافظ الأسد عليه بسرد ما جرى من نقاش في مؤتمر ليبيا وامتناع العراق من أن يشارك فيهما.
ثم تناول البيطار انفراد مصر بمعالجة القضية الفلسطينية وعملية فك الارتباط واتفاقية سيناء وسأل حافظ الأسد لماذا لم تضع سورية شرطاً للمصالحة التي جرت في الرياض.
وقد أجابه حافظ الأسد أنه لا يمكن إقامة سلام من دون سورية وهذا يعرفه الجميع وخاصة الولايات المتحدة.
ثم انتقل إلى الحديث عن لبنان وإن اللبنانيين أصبحوا ينظرون إلى الجيش السوري على انه جيش احتلال، في حين أن مهمته مواجه العدو ولذلك من المؤسف أن تراق قطرة دم من الجنود السوريين ومن اللبنانيين، ولاسيما ما حصل في أحداث الفياضية وعين الرمانة التي ذهب ضحيتها ما يقارب 200 جندي سوري.
فأجابه حافظ الأسد: إن اللبنانيين لا يريدون خروج الجيش السوري لأنهم يخشون أن يعود الاقتتال بينهم، وحادثة الفياضية لن تتكرر بعد أن ضرب الفاعلون
ثم تناول البيطار الموضوع الأساس المتعلق في الوضع السوري، وسأل حافظ الأسد عن المظاهر المسلحة المنشرة في مدينة دمشق، فأجابه حافظ الأسد: إنه لا يوجد شيء من هذا، وربما من رأيت كانوا شرطة مرور!
ثم تكلم عن أعباء سورية القومية وأن هذه الأعباء لا تستطيع تحملها إلا بخلق مناخ ديمقراطي وانفتاح سياسي على الشعب.
فأجابه حافظ الأسد: لسنا كإنكلترا ولا كالكونغو والديمقراطية تحتاج إلى مستوى ثقافي معين.
فرد عليه البيطار: هذا صحيح ولكن كيف نبلغ هذا المستوى الثقافي إذا لم تكن هناك حرية فكر وإبداء راي وحرية صحافة، ومعارضة ديمقراطية.
فرد الأسد على البيطار: هل تقرأ الصحف هنا، إنها تنتقد وتكتب بحرية لا تتمتع بها الصحف اللبنانية، صحيح هناك بعض القصور ولكن يمكن تفاديه.
فرد البيطار: بأن الموضوع الذي يطرحه يتعلق بمبادئ وباتجاه، من منطلق أن جانبا واحدا لا يملك الحقيقة حتى يفرضها على الجميع، وهناك حقيقة في سورية وهي أن فيها تيارات فكرية وسياسية واجتماعية لا يجوز إغفالها، فالرأي الواحد والحزب الواحد والحكم الفرد لا تمثل الواقع في شيء بل هناك تيارات في هذا الواقع تريد أن تبرز لحيز الوجود عبر تنظيمات سياسية مستقلة وصحافة حرة ومعارضة ديمقراطية لها شرعيتها، وخاصة كان لسورية دور قومي كبير في الخمسينيات بين عامي 1954 ، 1958 وتجربة فذة، كان هناك أحزاب ومجلس نيابي وصحافة حرة وهذا الإشعاع انطفأ اليوم.
أجابه حافظ الأسد: ان سورية، بالعكس، كانت منقسمة وبحالة صراع مع الدول العربية والأجنبية واليوم لأول مرة قضي على هذه الصراعات وحقق الوحدة الوطنية.
فرد عليه البيطار هذا صحيح ولكنها وحدة الأكثرية الصامتة في حين إن الوحدة الوطنية الحية الخلاقة هي التي تقوم على تعدد الاتجاهات السياسية.
أجابه حافظ الأسد: إنك بعيد عن معرفة ما أنجزناه، فالديمقراطية قائمة في سورية، فهناك الحزب الذي يعد 550 ألف عضو... وهناك إلى جانب الحزب المنظمات الشعبية والجبهة الوطنية ومجالس المحافظات.
اعترضه البيطار: حزب في سورية يعد 550 ألف عضو هذه نقطة ضعف لا نقطة قوة فالحزب الشيوعي الفرنسي يعد 700 ألف عضو ولكن كل عضو يعد بألف.
ثم يختتم البيطار أنه أحس بعقم الاسترسال في طرح النقطة الأساسية التي أراد أن تكون محور البحث في هذا اللقاء، أي محاولة النظام إجراء انفتاح شعبي صادر عن قناعة تامة بخطورة الظروف، وضرورة خلق مناخ ديمقراطي كمرحلة انتقالية يجري خلالها التحول بصورة سلمية من الحكم البوليسي العسكري إلى حكم شعبي ديمقراطي، ومنذ ذلك الوقت قدر أن سورية سائرة على أزمة نظام لن تحل إلا بالعنف ما دام النظام لم يرد حل الخلاف بينه وبين الشعب بصورة سلمية".
ومن الجدير بالذكر هنا بعد انتهاء اللقاء رفض النظام دفع ايجار إقامة الأستاذ صلاح البيطار في الفندق كضيف عليهم فدفعها عنه الأستاذ منصور سلطان الأطرش.
ويبدو نتيجة هذا اللقاء قد شعر حافظ الأسد أن وجود صلاح البيطار الشخصية المعروفة على المستوى العربي والاقليمي والدولي على قيد الحياة يهدد وجوده ويهدم أسس بنيان مشروعه الطائفي، باعتباره ربما يكون البديل المقبول عنه وعن نظامه من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وفي أقل الاحتمالات يكون البديل عنه مع بقاء السيطرة الطائفية على مؤسسات النظام، ولاسيما كانت أمامه حالة الرئيس الصوري نور الدين الاتاسي والحاكم الفعلي صلاح جديد، ولذلك سارع باغتياله في 21 تموز 1980 في باريس على باب صحيفته الإحياء العربي التي بدأت تنتقد نظام حافظ الأسد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في