الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل الديني مرآة العقل الذكوري

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2020 / 3 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الواضح إذا أن المشكلة الرئيسية لا تكمن في شخصية الله المقدسة ولا في نظامه الديني المقدس ولا في رجال الدين المقدسين الذين يشرفون على إدارته. ذلك أنه حتى في حالة توصلنا إلى إقناع العالم بأسره بأن الله مجرد حكاية مسلية اخترعها بعض المسطولين للضحك على المواطنين والإستحواد على عقولهم وأموالهم، وحتى لو تمكنا من إغتيال الله وقتله أو إرغامه على الإستقالة أو الهروب، فإن ذلك لن يؤثر على الظروف الإجتماعية والإقتصادية التي أنتجت هذا الإله الميت أو المخلوع، بل ستعمل هذه الظروف ما دامت باقية كما هي، على خلق وإبداع صورة وصور جديدة من الألوهية والقداسة لمواصلة سياسة التخويف والإرهاب لإستعباد المواطن. فوراء الآلهة والأديان توجد الجذور السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تنتج هذه المصائب. ويمكننا القول بأن قضية إثبات وجود الله أو عدم وجوده بالأدلة العقلية هي قضية منتهية وذلك منذ كانط الذي فجر مبدئيا أية محاولة بهذا الخصوص، وأثبت بطريقة نهائية عدم مصداقية الدليل الأنطولوجي الذي كونه أنسلم ثم ديكارات من بعده. وقد تبعه هايدغر فيما بعد مؤكدا بدوره إستحالة معالجة الأمور اللاهوتية بواسطة العمليات العقلية " كيف يمكن تناول اللاهوت بوصفه علما دون أن يفقد روحه المسيحية ومن دون أن يقع مرة أخرى تحت طائلة مفهومي الذاتية والموضوعية" ويؤكد أنه من غير المشروع أن تخضع التجربة الدينية الروحية للمنهجية العلمية المهيأة أصلا لدراسة الظواهر الطبيعية والوقائع المادية. ولكن ظاهرة الإيمان هي ظاهرة حقيقية وليست خرافة كالله أو اللاهوت وما شابه من الميتافيزيقا النظرية. الإيمان ظاهرة نشاهدها في كل المجتمعات الحديثة منها والقديمة، الصناعية والمتخلفة، ونشهد كل يوم نتائجها الكارثية على المجتمعات. وربما هذا ما جعل هايدغر يعدل في رأيه بهذا الخصوص : "حيث بين في محاضرة ألقاها في فريبورغ سنة ١٩٢٧ بأن اللاهوت علم وضعي قريب من الكيمياء والبولوجيا لأنه يدرس الروح المسيحية كشيء كائن ويقوم بشرح تجربة الإيمان شرحا تصوريا، بينما الفلسفة هي العلم الذي يختص بدراسة الوجود" ( نقلا عن زهير الخويلدي - الحوار المتمدن ). وبهذا يرجع دراسة ظاهرة الإيمان إلى المجال العلمي ويخرجها من المجال الميتافيزيقي أو السحري. ولا شك أن العلم قد حرر الفلسفة من الدين وقذف بكل ما يتعلق بالإلهيات وعالم الروح إلى مجال الغيبيات والسحر واللامعقول، وهي ظواهر يمكن دراستها تاريخيا أو إجتماعيا أو نفسيا من حيث مصادرها وأسسها وكيف تطورت من عصر إلى عصر ومن مجتمع لآخر. فمثلا نستطيع أن نتسائل عن مصدر فكرة الله وتاريخ تكونها وتطورها، وهو ما قام به العشرات وربما المئات من الأكاديميين والأكاديميات منذ زمن طويل، والدراسات والمعلومات موجودة لمن يريد أن يبحث هذا الموضوع. بطبيعة الحال نحن لن ندخل هذه المتاهات في هذا المقال وإنما الذي يهمنا بطريقة مبسطة يفهمها كل من هب ودب هو إيجاد هذا النمودج الإجتماعي والسياسي والثقافي الذي ألهم وساهم في تكوين الأديان ونحت صورة الله كما هي اليوم، أي بطريقة أخرى إيجاد النمودج أو النظام الإجتماعي أو السياسي أو الإقتصادي الذي ينعكس في صورة الله كما نعرفه في الديانة القريشية المحمدية على سبيل المثال. يقول السيد كارل ماركس، في الأطروحة الرابعة عن فويرباخ : "عندما نكون قد فهمنا بأن العائلة السماوية هي إنعكاس للعائلة الأرضية، فإن هذه الأخيرة هي التي يجب القيام بنقدها نظريا وتغييرها بأسرع وقت ممكن" ( "أطروحات حول فيورباخ" (Thèses sur Feuerbach) هي أحد عشر ملاحظة فلسفية قصيرة كتبها كارل ماركس كخطوط رئيسية للفصل الأول من كتاب الأيديولوجية الألمانية في عام ١٨٤٥. لم تنشر لا الأطروحات ولا الكتاب خلال حياة ماركس، بل طبعت لأول مرة في عام ١٨٨٨ كملحق لكتيب لفريدريك إنجلز). فقدعرفت المجتمعات البشرية على اختلاف ثقافاتها وتجاربها السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وظروفها الجغرافية والبيئية، خلال العصور الماضية نمط العائلة الأبوية، حيث يحتل الأب الموقع المركزي في بناء العائلة، وبالتالي يحتكر السلطة والنفوذ والتصرف في حياة جميع الأفراد ومستقبلهم. وهذا الشكل الإجتماعي للعائلة ما يزال قائما وهو الذي نعيش في ظله حتى اليوم وإن كانت قد اعترته بعض التغيرات الشكلية، سواء في بناء أو وظيفة العائلة أو عدد أفراد هذه العائلة، سواء في الأنظمة التي تدير العلاقة بين العائلات المختلفة، بسبب عوامل عديدة منها التوسع العمراني وزيادة عدد السكان وتكوين المدن الضخمة والتي يسكنها عدة ملايين من البشر وكذلك والتطور الصناعي وهيمنة الرأسمالية الليبرالية. فتقسيم العمل وتوزيع الأدوار على أساس الجنس الذي ظهر منذ استقرار المجتمعات البشرية الأولى بعد اكتشاف النار والعجلة والزراعة وتدجين واستغلال الحيوان ما يزال قائما إلى اليوم وهو السبب المباشر في إستغلال المرأة والعنف الذي تعاني منه النساء في كل أنحاء العالم على جميع المستويات. ولا شك أن الله، اليهودي والمسيحي والقريشي يرتبط إرتباطا وثيقا بصورة "ألأب"، رب العائلة كما يسمى، والذي يحيي ويميت ويتمتع بسلطات مطلقة لا نهائية في جميع مجالات الحياة وعلى جميع أفراد العائلة من زوجة وأبناء وبنات، وقد تدوم سلطته لعدة أجيال في نفس العائلة. وهذا الرب الأرضي الذي يدير مملكته الأرضية الصغيرة، هو قلب وروح النظام الإجتماعي المسمى Le patriarcat. وهذا الرب الصغير هو الذي تعالى وترقى إلى مستوى الآلهة وأرتقى العرش السماوي وتمكن من الحصول على مزايا جديدة كإله لا شريك له في السلطة وفي إدارة العالم وإقامة المحاكم الأخلاقية وإصدار شهادات الخير والشر والحكم على المواطنين بالثواب والعقاب. هذه الفكرة الجهنمية، فكرة الله تبرر في نهاية الأمر وتعزز مزايا الرجل كذكر وكأب ورب للعائلة الأرضية وتعطيه شرعية وقدسية سماوية. وهنا تبدو لنا القضية واضحة ولا تحتاج لا للفلسفة ولا للفينومينولوجيا ولا للماركسية ولا للوجودية .. أحد مفاتيح نقد الفكر الديني، والديناميت الأشد فعالية في رأينا لتفجير القواعد والأسس التي يقوم عليها عرش الله ومملكته هو إزاحة "الأب" الأرضي وإقالته من منصبه الوراثي، ونقد الأسس التي يقوم عليها النظام العائلي، ونقد الفكر الذكوري عموما والذي يعتبر الرجال قوامون على النساء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م