الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ننجو؟؟!!

محمد أبو قمر

2020 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كيف رأينا أخيرا أن الاجراءات العلمية وأن أبطال الرعاية الصحية قد صاروا أعلي صوتا وأن أفعالهم وقراراتهم ونصائحهم قد داست علي خرافات العجوة والحبة السوداء وصارت هي الفاعل الأكثر جدارة وبطولة وفاعلية في مواجهة الوباء ، غير أن ذلك لا يعني أن الخرافة قد استسلمت ، ولا يعني أن ثقافة عقلية علمية حداثية قد بدأت تأخذ مكانها بديلا عن الخطاب الغيبي الذي يدعي احتوائه علي حل المشاكل كافة وعلاج الجوائح كافة والإجابة علي الأسئلة البشرية كافة ، فكل ما يحدث الآن هو تراجع تكتيكي للخطاب الغيبي الخرافي ، حيث وجد سدنة هذا الخطاب أن فيروس كورونا أقوي من العجوة ، وأن العسل لا يمكنه مواجهة شراسته ، وأن هذا الفيروس المميت من الممكن أن يبتلع حبة البركة فيكبر ويتضخم وتصير الفضيحة أكبر من الاحتمال ، فكان لابد لهم من التراجع ، ثم البحث عن طرق أخري للحفاظ علي الموقف الثقافي والفكري والعقلي ميت كما هو ، مع إفساح المجال للإجراءات العلمية وإلي رجال العلم والطب لكي يزيلوا من أمامهم هذه الغمة التي زنقتهم في وضع محرج وربما يتحول هذا الوضع المخجل إلي مزنق فاضح ، وكان لابد لهم حينئذ أن يسلموا بصحة الاجراءات والقرارات التي اتخذتها السلطات التنفيذية بالتعاون مع أالأجهزة الطبية والمؤسسات المتخصصة في هذا المجال ، لكن لكي تظل أقدامهم علي الأرض ثابتة ولكي تكون أياديهم ممدودة داخل عقل ووجدان الأمة ولكي يكون صوتهم يرن كما هي العادة في أفئدة الناس راحوا يربطون بين إصابة الشخص بالفيروس وبين قدره المكتوب باعتبار ذلك من المسائل الإيمانية التي رسخ خطابهم في أذهان الناس كونها من الأشياء المساوية للإيمان بوجود الله - ولك أن تعود في ذلك المعني إلي خطبة الجمعة الفائتة لوزير الأوقاف في مسجد التلفزيون - ، ثم بدأوا يربطون بين شفاء بعض المصابين وبين العسل والحبة السوداء وترديد بعض سور القرآن القصيرة ، وذكروا التمر واللبن وبعض الأدعية التي تختص برفع البلاء ( إرجع لما قاله محمد حسان يوم 18/3)......كان ذلك فقط مجرد حشر لمفردات الخطاب الخرافي في عملية مقاومة الفيروس للحفاظ علي وجودهم حيا في ضمائر الناس أثناء عملية الانسحاب التكتيكي الذي وجدوا أنفسهم مضطرين إليه لكي يمكن لهم بعد انحسار الكارثة إثبات أن العلم لم يكن يمكنه تحقيق النجاح إلا بإرشاداتهم ونصائحهم وما في الدين من وسائل لا يمكن للعلم إنجاز أي شيء بدون اتباعها.
وأظن أن الجميع قد استمع إلي محاولة بعض أصحاب هذا الخطاب تصوير أن الحجر الصحي بصورته الحالية هو اختراع اسلامي ، وأن البشرية لم تأت بجديد ، أو ليس في إمكانها أن تأتي بشيء لم يفعله المسلمون من قبل ، وكم من داعية تحدث عن أن النقاب هو كمامة إلهية ، وأن الكمامة الحالية ما هي إلا مسخ مشوه من الكمامة المقدسة التي فرضها الله وقاية من الأمراض ومن الفتنة ، وطالب أحدهم بفرض هذا النقاب علي الرجال إسوة بالنساء إلي أن نتخلص من الوباء ، وقد سمعت داعية يقول في خطبة الجمعة الفائتة إن الاستنشاق في الوضوء كان القصد منه قتل الفيروسات .
كل هذه المحاولات هي مفردات من الخطاب الذي يجاهد لإثبات أن كل ما يفعله العلم الحديث هو أخذ ما في الاسلام ثم إدعاء أنه من المخترعات أو من المكتشفات الحديثة.
من الطبيعي أن كهنة الخطاب الغيبي الخرافي الذين يعتاشون ويربحون من ترويجه لن يرفعوا أياديهم مستسلمين ويخسرون أوضاعهم الاجتماعية ومكاسبهم المادية وشهرتهم وقداستهم والتفاف المريدين حولهم وتطلع الناس إلي وساطتهم وإلي إرشادتهم التي توصلهم إلي أعلي المراتب في الجنة ، لن يتنازلوا عن ملكيتهم لعقل وضمير الأمة أو عن سطوتهم علي مصائرها ، لقد رسخوا واقعا ثقافيا وفكريا أتاح لهم التحكم في مسيرة المجتمع المصري وتوجيهه الوجهة التي يريدون ، وأزاحوا من طريقهم كل الوسائل الثقافية والمعرفية التي كان من الممكن أن تجعل وجودهم هامشيا ، وهم ليسوا علي استعداد أبدا للعودة إلي وضع يسمح للمجتمع المصري التحرك في اتجاه مغاير لمشيئتهم ، ولن يسمحوا لفيروس حقير بأن يغير شيئا في بنية الغياب التي رسخوها طيلة سنوات النكبة الكبري ، والملاحظ أن بنية الاعلام المصري بمختلف فصائله قد تشكلت خلال هذه السنوات بطريقة منسجمة تماما مع هذا الخطاب وهي التي تعتبر سنده الأكبر في إحكام قبضته ، وفي هذه النقطة بالذات يجب الإشارة إلي أن قرار إغلاق المساجد والكنائس لم يكن أبدا قرار أي من رجال الدين في مصر ، وأن الطريقة التي تم إعلان هذا القرار بها تدل دلالة قاطعة بالنسبة لي علي الأقل علي أن نفوذ رجال الدين في مصر قد صار أضخم من اللازم ، وإذا كانت مصر تريد حقا أن تنجو فإن فيروس كورونا هو فرصتها الآن وليس وليس غدا وعليها إذن وهي تبذل جهدها العقلاني المضني للتخلص من هذا الوباء أن تفصل هذه العلاقة المشبوهة بين الاعلام وهذا الخطاب وحينئذ فقط سيكون من السهل عليها أن تتحرر من كل وباء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح