الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي يهدف لخلق مجتمع المنافقين

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مهما تباينت آراء منظري الإسلام السياسي على اختلاف مشاربهم إلّا أنهم لا يختلفون حول أمر واحد, ألا وهو وجوب تطبيق الحاكم لأحكام الشريعة الإسلاميّة في الدولة والمجتمع, ومع أنّهم يختلفون في آليات العمل للوصول لهذا المجتمع والشروط العملانيّة التي تبيح وتتيح تطبيق هذه الأحكام, إلّا أنّ شرط إقامة الحدود الشرعية على مواطني الدولة كغاية أسمى لإقامة دولة الإسلام أمر غير قابل للنقاش او المواربة, بل إن كل من ينكر شرط إقامة الحدود ووجوب تطبيقها في الدولة والمجتمع فهو بنظر هؤلاء منكر لما علم من الدين بالضرورة وبالتالي فهو كافر خارج عن الملّة.
ومع أنّ هؤلاء الإسلامويون لا يضعون قواعد محددة لاختيار الخليفة ولا لتنصيبه, إلّا أنهم يبدؤون مباشرة في شرح مسؤوليات الحاكم وعلى رأسها العمل على تطبيق حدود الله كمصدر أوحد للقانون الجنائي.
من أبرز هذه الحدود هو حدّ الردّة , وينص على وجوب استتابة المرتدّ عن الإسلام وإلّا يقتل شرعاً بقطع رقبته , و الإستتابة هي باختصار: التهديد بالقتل إن لم يعد المرء عن معتقده المخالف لعقيدة الإسلام , وأن يصرّح المرتد بقبول العودة والخضوع للعقيدة الإسلاميّة كما يراها الحاكم المسلم وشيوخ بلاطه.
ومع أننا قد نجد في القرآن آيات كثيرة تشير إلى أنّ الإنسان حرّ بعقيدته في الكفر والإيمان أو اعتناق أي دين آخر ثم مردّ الجميع يوم القيامة لله فينبئهم ويجازيهم, إلّا أنّ هذه الآيات لا تناسب الإسلامويين, بل ويضربون بها عرض الحائط "ينسخون أحكامها" مقابل كلام منسوب لنبيّهم محمد تحت مسمى "الحديث" بل وجعل هذا الحديث وغيره فوق القرآن وناسخاً لآياته . "من بدّل دينه فاقتلوه!!!" المهم لأن غاية هؤلاء ليس صون "الدين" بل صون صلاحيات الحاكم المسلم هو وجماعته.
يتعامل هؤلاء مع عقيدة المرء وقناعاته على أنه فعل إرادي, بمعنى آخر أنّ المرء يختار قناعاته بنفسه عن سبق تخطيط وإرادة من بين العديد من الخيارات المطروحة للأخذ والترك , تماماً كما ينتقي لنفسه قميصاً من جملة المعروض في المتجر, بل وأنّ قناعات المرء ومعتقده هي بيد المرء يديرها كيفما شاء, وهذا كلام باطل جملة و تفصيلاً. والصحيح أنّ الأفكار ليست كالأفعال فهي لا تخضع لإرادة المرء ولا لتخطيطه, بل تتعلّق بقوّة البرهان والحجّة , فالعقل يقتنع بقوّة المنطق لا بإرادة المرء, والحجة هي من يفرض المعتقد وليس الذائقة والمزاج. فلا يمكن القول أن فلاناً قد اعتنق اتجاهاّ فكرياً عن سبق إصرار وتعمّد, بل عن سبق نظر واطّلاع.
وهؤلاء المرتزقة الإسلامويون يعلمون ذلك يقيناً لأنّه لا يخفى على عاقل, ولكنّهم لا مشكلة عندهم باستتابة من يصرّح بآرائه ومعتقده, ولا أن يطلبوا منه جهاراً وعلانيّة أن يتراجع عن أقواله ويقول ما يرضيهم ويرضي حاكمهم ومصالحهم, فالمشكلة عندهم في التصريح بمعتقدك لا الإيمان به!!!! ولو حتى أن المرء تاب وأعلن الولاء نفاقاً وخوفاً من قطع الرأس لا فرق عندهم, المهم أن يعتبر المجتمع بهذا الزنديق ولا يجرؤ أحد على "التصريح" بما يعتقد من نفسه حقاً في الإسلام وعقائده وفي المسلمين ودولتهم وحاكمهم وأعوانه. المهم أن يبقي ذلك في قلبه ولا يجهر به, لأنّ الجهر بالإلحاد والردّة لا يشكّل خطراً على الإسلام ولا على رب المسلمين !! بل يشكّل بالتأكيد خطراً حقيقياً على مرتزقة الدين من الحاكم وأعوانه والمطبّلين له من رجال دين وسلطة.وهكذا باختصار يخلق الإسلامويون مجتمعاً منافقاً قائماً على إبطان الكفر والتفكير والقناعات وإظهار الولاء والطاعة للخليفة وأعوانه باعتبارهم ظلّ الله في الأرض, ويعتبرون أن هذه المطالبة بالنّفاق تحت مسمّى الإستتابة وإقامة حدود الله هي بالفعل ما يريد الله لخلقه في الحياة!
الخلاصة: لو أنّ الرعيّة في مجتمع الخلافة من أكبرهم لأصغرهم كفروا بقلبهم وألحدوا ولكن لم يجرؤ أحد منهم على البوح لآخر بما يبطن, بل ولا حتى أن يتغيب أحدهم عن صلاة الجماعة في المسجد خوفاً من حدّ سيف الحاكم, لما ثقل ذلك عند الخليفة ومرتزقته جناح بعوضة, فالمهم عندهم أن تحذر مما تقول لا أن تحذر مما تعتقد. فإن لم يكن مسمّى ذلك هو "الدعوة لإقامة مجتمع المنافقين" فبالله عليكم أيّ مسمّى يمكن أن يكون أجدر بهذا المجتمع وأولى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر