الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سنشهد بسبب كورونا قطيعة أبستمولوجيّة عند أهل الخطاب؟

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 3 / 26
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


يرى ابن رشد أن الناس هم على ثلاثة أصناف:
“ صنف ليس هو من أهل التأويل وهم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب , وصنف هو من أهل التأويل الجدلى وهم الجدليون بالطبع أو بالطبع والعادة . وصنف هو من أهل التأويل اليقينى وهؤلاء هم البرهانيون بالطبع والصناعة , أعنى : صناعة الحكمة”
والذي حدث بسبب الثورة التقنية هو اطّلاع الصنف الأول -وهم عامّة النّاس- على مواضيع المعرفة العلمية, وذلك للأسف عن طريق رجال الدين وهم الصنف الثاني, بينما كانت هذه المعرفة على الدوام حكراً على الصنف الثالث -وهم العلماء والحكماء- ضمن حيز ضيق لا يرى منه الصنفان الأولان سوى النتائج العملية والتطبيقية لمنهج أهل البرهان, كالتطبيقات الكيميائية والطبّية للنظريات العلميّة, أو فنّ العمارة المرتكز على الرياضيات ومبادئ المنطق , بينما لم يكُ يحق لكليهما- أهل الخطاب وأهل الجدل- أن يطّلع على المنهج والمرتكزات التي ينتهجها أهل العلم والحكمة للوصول لهذه التطبيقات وهذه النتائج ولا الإدلاء برأي حولها.
لأنه وكما نرى فالصنف الأول وهم العوام حتى لو توفّروا على طريق الوصول لحقيقة المعرفة كما أتاحت لهم الثورة الرقمية في هذا العصر, إلّا أنه يعلفون هذه المعرفة ببضع عبارات تترجم موقعهم من سلّم الفهم وهم يحسبون أنهم سينالون جزاءً حسناً عند الله على جهلهم, و في الحقيقة كلّ ما يقومون به هو التشويش على المعرفة والدين معاً بقوّة الغوغاء وصراخ أهل الخطاب الذي يستفيد منه أهل الجدل –رجال الدّين- الذين هم بالأصل من جلبوا هؤلاء الغوغاء لساحة العلم والحكمة وذلك من أجل الاسترزاق والاحتيال من وراء مكتسبات أهل البرهان " العلماء" .
حين نفهم هذه التراتبية المعرفية بين هذه الأصناف الثلاثة نفهم لماذا المؤمن البسيط يردد عبارات لا تنتمي لا لدين ولا لعلم , مثل أن نظرية التطور هي عبارة واحدة على أن الإنسان مجرّد قرد!!!! أو أن نظرية الانفجار العظيم هي مجرّد "عقيدة" للملحدين الذين يؤمنون بأن الكون موجود بالمصادفة!!! وذلك نكاية منهم – أي من العلماء- بالخالق وأديانه وأنبياءه فقط لا غير, أو حسب التعبير القرآني مجرّد حسداً من عند أنفسهم وجحوداً للحق الذي يعرفونه ويكتمونه.
بل يذهبون أبعد من ذلك حين يستقون عن شيوخهم عبارة " التطوّر مجرّد نظريّة بينما الخلق هو الحقّ المنزل الذي لا ريب فيه" وبذلك يضعون الدوغمائيّة مقياساً لدقّة الحقيقة العلميّة وليس النظر والقياس.
لأنّ الدوغمائية - بناء المعرفة عن طريق الثقة بقائلها - هي السبيل الأوحد الذي يبني عليه الخطابيون معتقداتهم , ولا علم لهؤلاء مطلقاً بالآلية التي يبني عليها الناس من الصنف الثالث معارفهم (كالبحث والتجريب والقياس والاستدلال) , بل لا علم لهم مطلقاً بوجوب وجود آلية ومنهج للوصول للمعرفة, وعليه فهم يحسبون كل صاحب معرفة ما هو إلّا مجرد صاحب رأي ومعتقد قد أتى به عن طريق عبارتين اقتبسهما عن شيوخ العلم كما يستقي عوام المؤمنين معتقداتهم نقلاً عن شيوخ الدين .
على الرغم من أنّه وفي بداية انتشار وباء كورونا في مدينة ووهان الصينية انبرى رجال الدين ومن ورائهم قطيع غوغائهم كالعادة يستجلبون منهجهم الخرافي في تفسير الظاهرة البيولوجية على أنها عقاب من الله للصينيين وانتصاراً لمسلمي الإيغور المضطهدين من قبل الحكومة الصينية الكافرة, وأنّ الفايروس هو من جنود ربّك لنصرة أتباع محمّد, أو أن المرض هو نتيجة أكل اللحوم التي حرّم الله, متناسين أن النسخة السابقة من كورونا عام 2014 ظهرت في السعودية بسبب اتخاذ الفايروس لحيوان الجمل وسيطاً بين القوارض والإنسان, المهم وبعد أسابيع معدودة من مهرجان الجهل هذا, وبسبب أن الفايروس لم يستطع التمييز بين المسلم والكافر -كما كان يتوقّع علماء الدين- فأصاب الجميع بذات الأعراض, رأينا المسلمين يرضخون لتوجيهات علماء البيولوجيا الكفرة ومنهجهم العلمي لدرجة أنهم راحوا يعقّمون الكعبة وضريح النبي ومزارات الأئمّة بالمبيدات بدلاً من الاجتماع عندهم والدعاء على الصينيين وكل العالم بأن يصيبهم ربّ المسلمين بالمزيد من الأوبئة والفايروسات!
ستبقى الأسئلة التي سننتظر إجاباتها في قادم الأيام بعد انحسار الوباء: هل سنشهد قطيعة أبستمولوجية في المنهج الديني لتفسير الطبيعة وظواهرها جراء هذا الحدث التاريخي؟ هل سيتنازل رجال الدين لرجال العلم عن احتكار فهم وتفسير كلمة الله للإنسان, ويعترفون بأن لغة أهل الجنة هي المنطق والرياضيات لا العربية والقرآن؟ إلى أي مدى سيفقد المؤمنون ثقتهم بتفسير شيوخهم لظواهر الطبيعة ويعترفون لأنفسهم بأنّ الدين هو درب الخلاص بعد الموت بينما علوم الطبيعة والمنطق هي درب الخلاص في عوالم ما قبله؟
هل سيحجّ الناس للجامعات والمكتبات؟ هل سيتعبّدون بقراءة ابن رشد وديكارت؟ هل سيصومون عن شتيمة دارون ولامارك؟ هل سيتوبون عن الدوغماتيك ويعودون إلى الديالكتيك؟
أم أنّه لن يصلح الكورونا ما أفسدَ الميتافيزيك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة