الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهاية الوشيكة للعالم على أيدي الليبراليين الجدد..ونداء من بعيد.!

محمد عبد الشفيع عيسى

2020 / 3 / 26
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


شهد الفكر الاقتصادي الدولي، و العربي، تحولا معتبرا خلال أربعين سنة أو يزيد، ولكن في اتجاهات متباينة، و لعلها متنافرة. من جهة أولى، اغتنت "نظرية التنمية" اغتناءً جمّا في مطلع السبعينات من رافديْن: أولهما يتمثل في "الاتجاه الهيكلي" الموجه نحو إعطاء الأولوية في السياسات الاقتصادية الهادفة إلى إحداث تحول جذري في هيكل الأنشطة المولدة للناتج المحلّي الإجمالي، وخاصة بالتركيز على "التصنيع" المعمّق تكنولوجيّا على المستوى الوطني المستقل نسبيا ضمْن الإطار التكاملي للاعتماد على الذات قوميا وإقليميا. يرتبط بذلك، توجيه الناتج لتلبية احتياجات السوق المحلية المتنوعة،، بما في ذلك العمل على إحلال المنتجات المحلية محل الواردات، دون افتئات على الفئات الاجتماعية ذات النصيب الأقل من الدخل. ثم هناك الرافد الثاني، المتمثل في الاتجاه المستوعب للفكر الاشتراكي، و في فرع مميّز من مدرسة "مواجهة التبعية".
من جهة ثانية، تم التلاقح بين الاتجاه السابق، برافديْه المذكوريْن، وبين اتجاه قائم على النزعات الإنمائية ة المتضمنة في الدعوة إلى إقامة "نظام اقتصادي عالمي جديد" خلال عقد السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن المنصرم، في إطار ما كان يسمّى "تنمية أخرى". وتفرع هذا الاتجاه إلى نزعات متنوعة داعية إلى توجيه التنمية إلى "إشباع الاحتياجات الأساسية للناس" و قدر من "الاعتماد على الذات"، و نحو ذلك.
أما من الجهة الثالثة، فقد ترعرع اتجاه طاغٍ متولد من السعي إلى تجدد الفكر الاقتصادي الرأسمالي خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، من رافديْن أيضا: رافدٌ داعٍ إلى تبنّي نسخة محدّثة من "الكينزية" أو "الكينزية الجديدة"، عبر مفهوم "دولة الرفاهة" سواء في غرب وشمال أوربا او في الولايات المتحدة الأمريكية، مع لون من التعاطف مع ضرب من ضروب ما يمكن ان يُدعى " الليبرالية الطيبة-أو السمحة" وخاصة بمزج سياسات النمو مع سياسات إعادة التوزيع. و رافد آخر، يسعى في اندثار الكينزية و "مابعد الكينزية" ليقيم مقامها "ليبرالية جديدة" أخذت مسوحا كثيرة منذ مطلع الثمانينات لتتربع على عرش الفكر والسياسة الاقتصادية في الغرب كله تقريبا، تحت لواءات: الخصخصة، تخفيض الإنفاق الاجتماعي، أولوية استهداف التضخم وتقليص عجز الموازنات الحكومية ، فيما يسمّى اتجاه "النقديين الجدد": (ميلتون فريدمان و تلامذته). و نذكر كذلك "الريجانية" (نسبة لرونالد ريجان-الرئيس الأمريكي الأسبق) الداعية إلى أولوية "اقتصاديات العرض" التي تؤول إلى تشجيع عنصر الملكية الخاصة (الكبيرة) ، كبديل لاقتصاديات الطلب ذات التوجه المجتمعي بطابعه الكينزي.
وقد انداح تيار الليبرالية الجديدة و "النقدية-الجديدة" و الريجانية إلى المستوى الدولي لمعالجة أزمة التمويل من أجل سدّ عجز الموازين المالية لدى لفيف واسع من البلدان النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث أوْكلت إلى "صندوق النقد الدولي"مهمة الإشراف على استعادة التوازنات الإسمية للبلدان المذكورة ذات العبء المرتفع من الاستدانة الخارجية، عبر قيادة الجهد الدولي الرامي إلى إقراضها فتدخل في "فخ الاستدانة" (كالمستجير من الرمضاء بالنارِ). و قد صُمّمت من أجل ذلك برامج كثيرة في بلدان نامية عديدة، يشرف عليها "صندوق النقد الدولي" من أجل"التثبيت" أو "التكييف الهيكلي"وما يسمّي بالإصلاحات الاقتصادية، قائمة على طابع تقشفي أساسي لحكومات " الحدّ الأدنى من الوظائف الاجتماعية". و ارتبطت بذلك دعوة حثيثة، من مكامن فكرية عدة، إلى خفض حدة الفقر، ببرامج موجهة مباشرة لهذا الغرض، بالتركيز على بعض الفئات الأشد فقرا، ضمن دائرة الغرض الأوسع المسمّى بالحماية الاجتماعية. و كان يقاس مدى التقدم في تنفيذ ما يسمّى على هذا النحو ببرامج (الإصلاح الاقتصادي) بمعياريْن: أولهما استعادة التوازن المالي وخاصة توازن الميزانية العامة، بخفض الإنفاق الحكومي، لا سيما ذلك الذاهب إلى ما يسمّى "الدعم"، مع السماح-رغم ذلك- بتوجيه نصيب مرتفع نسبيا من اعتمادات الموازنة العامة إلى خدمة الديون، المحلية والأجنبية (الفوائد والأقساط). و ثانيهما تحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي الكلي، ممثلا في زيادة معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي عادة، وذلك دون كبير اهتمام بالمصادر التي يتولد منها نمو الناتج: وهل هو من الأنشطة الإنتاجية ، وخاصة "الصناعات التحويلية"، أم من الأنشطة سريعة العائد المالي كخدمات التجارة والعقارات وبيع وشراء أجهزة ومعدات الترفيه والاتصال الاجتماعي مثلا؟.
بناء على ما سبق، أعطيت أهمية كبرى لارتفاع معدلات النمو في حد ذاتها، دون نظر لآثاره الانتشارية على المحيط الاجتماعي، أي دونما اهتمام قوي بالأبعاد التوزيعية للدخول والثروات، كما أعطيت أهمية كبرى أيضا لمعدل انخفاض العجز في الموازنات والعامة، دونما اهتمام موازٍ بأولوية الإنفاق الاجتماعي، الموجه توزيعيا وتنمويا على الوجه الصحيح.
ومن باب الإنصاف الواجب أن نذكر، أنه خلال العقديْن الأخيرين بالذات، و من بين الاتجاهات السابقة، كانت الغلبة آخر الأمر للاتجاه "الليبرالي الجديد"، تقشفيّ الطابع، الموصى به من الدوائر المتنفذة في النظام الاقتصادي الدولي ومنظماته العتيدة وفي مقدمتها "مؤسسات بريتون وودز" المنشأة بالاتفاقات المعقودة في تلك المدينة الأمريكية الصغيرة عام 1944( البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).
انطلاقا من ذلك، تمحورت السياسات الاقتصادية الكلية في دول العالم، و خاصة البلدان النامية المدينة، حول تقشفية النفقات العامة، وتحقيق معدلات نموّ بالمعيار الإسميّ ، بينمت تركت البنى الاقتصادية الحقيقية، والإنتاجية والتصنيعية، دون تطوير محق، كما تُركت الطبقات الاجتماعية العاملة والمتوسطة تئنّ من تحت أزيز تدفقات الأموال السائلة الدوّارة، هائمة على وجهها، داخليا وخارجيا. وتزداد معاناة هذه الطبقات من جرّاء ما هو أكثر، من نواتج الفساد و "انعدام الشفافية والمحاسبة والمساءلة". والأمر في الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. فهو يعود إلى الطبيعة البنيوية للنظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، في البلدان النامية عموما، بما فيها البلدان العربية ، والتي تم بناؤها على مهل خلال عشرات السنين و أكثر. وقد تُرِكت الطبقات والشرائح الثرية والأعلى ثراء، والدول الكبرى الثرية والأكثر ثراء، لتسرح و تمرح، وتفعل ما يشاء لها الهوى والمصلحة أن تفعل، دون أدنى اكتراث بالمجتمعات الغفيرة، وبالبيئة الكونية المهددة بالدمار الممنهج.
لذلك كله، وجدنا انتفاضات جماعية تثور في كل بقعة من الأرض تقريبا، وخاصة الأرض العربية التي شهدت واحدة من أعلى معدلات إحداث الظلم والتبعية والدمار البيئي واستنفاد الموارد المحول ريعها لقلة في الداخل، ولدول بعينها في الخارج.
وفي الختام، يكفي أن نقول إن "الليبرالية الجديدة"- و تلك النسخة الرديئة منها بالذات، السائدة في الآونة الراهنة- قد وصلت إلى منتهى أمرها عالميا وعربيا، مما قد ينذر بنهايات (كارثية)، ليس للنظام الدولي و للنظم الإقليمية فحسب، ولكن للبنى العميقة للأوطان، وللوطن البشري الأقدم: الكوكب الأرضي بالذات. فهل تنهض النخبات المتنوّرة من سبات، وتهبّ للدفاع، ومن قبله هجومٌ على مكامن صنع دوائر الضياع الكوكبي من تدمير للموارد، و تصحر للمناطق الغابيّة والخضراء، و تلويث للمحيط الحيوي واليابسة و لعالم البحار والمحيطات..؟
وهل يمكن أن تمتد اليقظة العالمية المستنيرة لإيقاف مسلسل"حروب بلا نهاية" تقودها دول بذاتها محتكرة للشطر الأعظم من الثروة العالمية ( و معها كيانات عنصرية ذات نفوذ إقليمي يتعاظم في غفلة من الزمن، كما في منطقتنا الآن) ، و هي تنشر، من ثم، العنف والممارسات العنفية على اختلاف وتنوع تلويناتها الدينية والإثنية وغيرها، بأعلام منافية لحق الشعوب في التنمية و لحقها في تقرير المصير القومي..؟
وعلى الضد من كل ذلك، يبزغ نجم من بعيد ، يشعّ بضوئه الساطع حاملا نداء " السلام القائم على العدل"، فهل من مجيب..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان