الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظريات المؤامرة واكتساح الشاشة الرقمية في زمن جائحة الكورونا

فارس إيغو

2020 / 3 / 27
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


مقدمة بمثابة المدخل لتفكيك ظاهرة إنتشار خطاب المؤامرة
في زمن الأزمات يكثر اللجوء الى نظريات المؤامرة، وفي زمن اجتياح جائحة الكورونا التي بدأت في الإنتشار عالمياً، تكثر نظريات المؤامرة على شاشات الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي. البعض يتهم الصين، والآخر الولايات المتحدة الامريكية من ضمن الحرب التجارية التي فتحت صفحتها الجديدة عام 2019 بين البلدان اللذان يتزعمان العالم اقتصادياً ومالياً، في عصر عولمة الاقتصاد والتجارة العالمية والتنافس الذي إنفتح عالمياً.
وعلى مستوى أصغر، وفي الداخل الفرنسي تتكاثر نظريات المؤامرة التي تتهم الشركات الدوائية الكبرى والمخابر العالمية المشهورة بأنها السبب وراء الوباء لكي تروّج للقاح سوف يدّر عليها المليارات، ويصل الأمر بالبعض في فرنسا على وصف هذه الشركات الدوائية والمخابر الكبرى العالمية بأنها النازية الجديدة.
ويمكن أن نعتبر خطاب المؤامرة شكل من أشكال النضالية السياسية الخطير التأثير على النفوس الضعيفة وغير المتعمقة في المواضيع، هو نوع من الإختصارات ذات الأثر الكاسح عندما تصبح نظريات المؤامرة محمولة على الوسائط التكنولوجية الجديدة. إن كل الإختصارات خطيرة، وهي تشبه الشعارات في سنوات النضال اليساري في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم. إن الشعارات مهما كانت مصاغة بطريقة وأسلوب قوي لا تساوي الحجج والبراهين العقلية، وهذا الميل نحو الإختصارات في مواضيع شائكة تحتاج الى نقاشات هادئة بدأت تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي على منصات الإنترنيت، وهنا نصل الى النقطة الصفرية من المحاججة العقلية والبرهانية، أي أن الإختصارات والشعارات التي تجتاح الشعارات المرفوعة في التظاهرات الناقمة على "النسق أو النظام" والتدوينات على الإنترنيت تقضي تماماً على أي إمكانية للنقاش العمومي.
عندما يعجز الإنسان عن معرفة الحقيقة، فهو يلجأ إما للخرافات أو المؤامرات، ولا ننسى أن وراء هذه النظريات دوّل تسلط قوة إعلامها لترويج هذه النظريات التي تحميها من المساءلة والمسؤولية عن خراب البلاد ودمار العباد، فهناك من يروّج لها من الأنظمة المستبدة (الصين، روسيا على رأسها)، أو يشجع عليها بسبب التعتيم الكثيف للمعلومات فيلجأ البعض من الأذكياء والخُبثاء لإستغلال الفرصة وترويج خطاباتهم على الشاشات الرقمية، وهو ما يدور في طاحونة الاستبداد الفارمة للعقول المتعقلة ومصالحه في نشر الجهل والظلامية بين الناس.
جوهر القضية في نظريات المؤامرة هو إغواء تفسير العالم بالسبب الوحيد، هو إغواء وفي نفس الوقت تلاعب واعي بالجماهير التي لا يتاح لها الوقت والمقدرات العقلية والذكائية في سبر تعقد وتداخل العوامل والتأثيرات الدورانية فيما بينها في كل ظاهرة سواء أكانت ظاهرة طبيعية أو اجتماعية.
والتفسيرات السهلة البسيطة تغري الكثيرين المتلهفين للإختصارات السريعة في شرح جملة معقدة من القضايا المتشابكة والتي لا يتاح للعامة القدرة والصبر على الغوص فيها.
واللجوء الى نظريات المؤامرة حتى في النقاشات الفكرية يتيح للشخص تجنب التعقيد والبحث السريع عن الإثارة وقبول الجمهور.
تتيح إجابات سهلة على أسئلة ومسائل معقدة جداً.
المتهمين الأكثر تداولاً في نظريات المؤامرة:
1ـ السيستم أو النسق أو المنظومة الرأسمالية العالمية عند الماركسيين.
2ـ الأجهزة الأمنية للدول العظمى: س. إ. أ، ك. ج. ب.
3ـ اليهود والماسونية العالمية.
4ـ تحالف الأضداد لتقاسم العالم: مثلاً في حالة الحرب الباردة بين القطبين العالميين نقول بأن ذلك مؤامرة لتقاسم العالم، وأن القطبين في الظاهر في حالة حرب باردة، ولكن في الباطن وفي الكواليس هم في حالة تفاهم تام لتقاسم النفوذ في العالم الثالث.
لقد ضاعف الإنترنت من قدرة المؤامرة على التأثير في مخيالاتنا
ها هي تنبثق من جديد بفضل الإنقلابات العظيمة التي حدثت بمجيء الشبكة العنكبوتية النتية في حياتنا اليومية. إن شبكات التواصل الاجتماعية، ومجموعة أنظمتها الموضوعة لتحقيق نتيجة ما، وأجهزة السمارت فون أو التلفونات الذكية، كلها خلقت الشروط المفضية بشكل خاص الى عودة الأفكار والمنظومات السحرية والغوغائية. وكمثال على ذلك، إن تلك الفكرة التي تقول بأن ظهور مجموعة من الأحداث والتي تظهر في نفس الوقت بالصدفة ـ وهي فكرة فُسرت فيها العديد من الظواهر العلمية والاجتماعية ـ تلك الفكرة يحدث التشكيك فيها بصورة كاسحة في أوساط نظريات المؤامرة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي وقناة اليوتيوب. فبالنسبة لهؤلاء، كل ما يحدث له علاقة ما بالسر، وبأن المظاهر الخارجية هي مضللة أو إن كل ما يحدث هو موضوع فعل مُدّبّر من الذين يستفيدون أو ينتفعون منه.
وجود مؤامرة دائمة على الإسلام وأهل السنة بالخصوص
هذه أكبر كذبة اخترعها بعض رجال الدين الإسلامي، وبالخصوص الأصوليون والسلفيون منهم وجماعات الإسلام السياسي.
لقد أصبحت فكرة المؤامرة على الإسلام بين المسلمين عبارة عن: بارانويا جماعية.
ومن يقول: لا يوجد مؤامرة على الإسلام، يتهم أنه جزء من المؤامرة ذاتها.
وفي أوساط الكثير من المسلمين السنة، وبالخصوص في العالم العربي، إنتشرت منذ سنوات نظرية مؤامرة تقول بأن الصراع الظاهري بين الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الإسلامية في إيران ـ والذي بدأ منذ عام 1979 مع احتجاز الرهائن في السفارة الامريكية في طهران ـ يخفي وراؤه إتفاقاً كاملاً بين الطرفين على تدمير العالم العربي، على اعتبار هذا العالم ذو غالبية سنية، ما يعني أن تلك الفرضية المؤامراتية التي تستند في اللاوعي العميق على تحالف نصراني ـ شيعي ضد السنة تنطلق أيضاً من مسلمة طائفية تقول بالأغلبية الطائفية السنية، والتي تفترض أحقية سياسية تتجلى بالخلافة وتطبيق الشريعة عند السلفيين والإخوان المسلمين.
وسواس وكابوس المؤامرة الجاثم على عقول الكثيرين من العرب والمسلمين
يقول المفكر المغربي سعيد ناشيد في تفسيره لهذه الظاهرة المنتشرة في الكتابات والمدونات العربية:
((غير أنّنا شعوب تشعر دائما أنّها مستهدفة، وتعاني من وسواس المؤامرة. إنّها ثقافة وسيكولوجية الإنسان المهزوم حضاريا. نحن مهزومون في كل تفاصيل حياتنا، نعاني من شعور بالجرح النرجسي؛ لأننا منذ قرون طويلة ونحن نشعر بأننا خير امّة أخرجت للنّاس، وأنّنا الأفضل. وقد قامت منظومة الفقه على ترسيخ الأفضلية، أفضلية المسلم على غير المسلم والّذي هو نجس في آخر التّحليل، أفضلية الرّجل على المرأة والّتي هي نجس في كثير من أحوالها، إلخ. إنّ هذه التّصوّرات لهي مثل القنابل الموقوتة الّتي قد تنفجر في أيّ لحظة. وهذا ما يحدث، والمستغرب أنّنا نستغرب فعلا، أو نتظاهر بالاستغراب)) (سعيد ناشيد/موقع الأوان ـ حوارات/ديسمبر 2018).
الغرب لم يعد محصناً ضد اختراق نظريات المؤامرة
بينما كان الغربيون يعتقدون بأنهم أصبحوا محصنون ضد سحر وجاذبية نظريات المؤامرة البائسة، بسبب انتشار التعليم والروح العلمية الديكارتية في تناول الظاهرات، ها هي تعود لتنبعث في المجتمعات الديموقراطية الحديثة عن طريق الإنقلابات الكبرى التي أحدثها ظهور شبكة الإنترنيت.
إن النظام البيئوي المعلوماتي الذي يسبح فيه الإنسان في الغرب منذ بدايات الألفية الثالثة ضاعف بطريقة غير مسبوقة القدرة التي تتمتع بها نظريات المؤامرة في التأثير على المخيال الجمعي، مع عواقب مقلقة للغاية على القدرة في الإستمرار في العيش في الديموقراطية. لأن هذا ما هو على المحك اليوم: إذا لم يعد الغربيون فيما بينهم يتقاسمون ((عالم مشترك))، وإذا كان كل واحد منهم قابعاً في زاويته الخاصة به يقوم بفبركة أو صناعة واقعه البديل، الذي يعضد أو يعزز أكثر رؤيته للعالم، عندها فإن الحوار والنقاش العمومي في الدول الأعرق ديموقراطية في العالم سوف يتحول الى حوار بين الطرشان.
محاولة للتفسير بمثابة الخاتمة
تقول الباحثة الفرنسية أوريلي لودو: ((إن سهولة الوصول الى المعلومات وغزارتها لا تعني سهولة الفهم والقدرة على الفهم وتفسير كل المعلومات والأحداث المتداخلة، وتضيف إن التعقيدات التي طرأت في العالم مع الثورات الرقمية، جعلت الإنسان بحاجة لطاقات إضافية ـ لا يملكها الجميع ـ في إكتساب طريقة التفكير التركيبي لفك شيفرات التراكم الهائل في المعلومات التي تنهال علينا بصورة مكثفة على الشاشة الرقمية)) (مجلة إسبري الفرنسية، العدد 419، نوفمبر 2015، ص: 8 ـ 17).
وربما هنا إحدى التفسيرات الأكثر مقبولية التي تعطى لتفسير إنتشار نظريات المؤامرة. إن هذه النظريات تقدم شبكة سهلة ومُبسطة للتحليل، فالماركسي يقدم شبكته الممثلة بـ "الإمبريالية الرأسمالية" لتفسير كل حوادث وتعقيدات العالم السياسية والجيوسياسية، وبالتالي، من السهل على كل واحد ينضم الى هذه الشبكة من التحليل أن يجد "اليد الخفية" للرأسمالية العالمية ممثلة في المؤسسات المالية العالمية والشركات العابرة للقارات، وأجهزة الأمن الاخطبوطية الامريكية. أما الإسلاموي، فسيرى خلف كل ما يجري من حروب أهلية ومآسي في العالم العربي والإسلامي، ليس الاستبداد السياسي والديني كما شخصه النهضوي الإصلاحي عبد الرحمن الكواكبي منذ قرن ونيف، بل المؤامرة العالمية على الإسلام، لأن هذا الإسلام ينتشر في العالم، فلا بد من إيقاف زحفه باستعمال القوى الخفية للشر. والغربي التائه في زمن عولمة الديموقراطية وفوضى النظريات الغريبة العجيبة التي تنهال عليه من كل حدب وصوب، سوف يلجأ للبحث عن تفسيرات ما لدى أصحاب نظريات المؤامرة اللذين بدأوا يتكاثرون في الغرب ويحظون بأعلى المشاهدات على الشاشات الرقمية.
إنه عالم مجنون، لكن لا بد من العقلاء أن يُسمعوا أصواتهم في وسط هذا الضجيج المنفر للعقل والعقلانية والتفكير الاستراتيجي المركب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق