الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دلالات الزومبي في المنتوج السينمائي والترفيهي لعصر ما بعد الحداثة

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 3 / 27
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


لو طرح المرء سؤالاً على الشعوب المختلفة حول تصوّراتهم عن الأطراف التي ستتناطح في الحرب العالمية الثالثة, لأتت الإجابات متوافقة مع المنظور الجمعي للأمم, والذي يحدد بدرجة كبيرة رؤيتهم لصراع أمّتهم مع العالم, فالمسلم سيقول أن الحرب القادمة هي حرباً دينية بين المسلمين واليهود أما العربي القومي فسيرى أنّها ستكون حرب الغرب ضد المشرق العربي, بينما الغربي سيراها حرب الشعوب الهمجيّة ضد كيانه التقدّمي ومكتسباته الديمقراطية, حتّى الهندوسي سيراها حرباً على أبقاره المقدسة من قبل تنظيمات المرتديلا الماسونية , وهلمّ جرّاً... .
والحقيقة أنّ هذه الرؤية لا تمتّ للواقع التاريخي بصلة, فلا الأديان ولا الحضارات ولا الأعراق تحترب من تلقاء ذواتها, بل لطالما كانت الحرب ولا تزال و ستظل مجرّد قرار السّادة أصحاب المال والسّلطة بزجّ مجتمعهم في مغامرة خلف الحدود أو داخلها لنهب شعوب أخرى, حيث يدفع ثمن تلك المغامرة الحمقاء الشعب المغبون, وإذا ما تسنّ النّصر فالملك يقتل الملك ويستولي على ملكه ويبقى الشعب "الغالب والمغلوب" إلا من شاء الملك في فقره وعوزه كما كان , بينما إذا خسرت المغامرة فالشعب سيكتوي بنار الذل ربما مئات الأعوام, أي في جميع الأحوال فالشعوب لا ناقة لها في الحرب ولا جمل فهي خاسرة في جميع الأحوال, بينما الدين والعرق والقومية فهي الأدوات التي يوهم الحاكم شعبه بها أنّ حربه مقدّسة, وأنّ الشعب كلّه مهدد يجب عليه حمل السلاح, يؤازر الحاكم في ذلك رجال الدين المزيفون والمتثقفون من كلاب الحاشية البعيدة, المعتاشون على فتات موائد الملوك.
في الحقيقة لن تكون هناك حرباً عالمية ثالثة, وذلك لعدّة أسباب: فالآيديولوجيا (التفكير العقائدي) لم تعد سيّدة الموقف في خطابات السّادة, كما نشهد تراجعاً أيضاً لخطابات الشحن والتجييش الأممي والديني والعرقي في بقاع كثيرة من العالم, بل أصبح الخطاب السائد يتجه نحو العولمة وحقوق الإنسان, في الوقت الذي نشهد فيه ويا للمفارقة تعريفات عرقيّة وفوقيّة لكلمة إنسان!
المهم وذلك بسبب أنّ الملوك والحكّام لم يعودوا سادة مجتمعاتهم المطلقين كما في الماضي, بل يشاركهم وأحياناً يفوقهم سادة المال من أصحاب الشركات العابرة, في الوقت الذي فقد رجال الدين الكثير من تأثيرهم على غرائز الجماهير الوحشية ولاسيّما في الغرب, وأيضاً فمعظم المعسكرات المتحالفة في العالم تمتلك السلاح النووي الذي يمتد تأثيره المدمّر ليشمل العالم بأسره بما فيه مستخدموه وليس العدوّ فقط, بالإضافة للطامّة الكبرى وهي التأثير الواسع للتفاهة الإعلامية وعصابات المخدرات والدعارة القسرية والسلاح الخفيف على الساحة الشعبية, وكل ذلك يقودنا إلى النتيجة الحتميّة.
لن تكون هناك حروباً عالميّة أخرى!...., بل مجرد انقسام طبقي حادّ واضح المعالم, المعدمون من جهة, الّذين لا يملكون ولن يمتلكوا شيئاً ولن يمتلكوا ما يمكن أن يشتروا به العون لاسترداد حقوقهم, بل سيعيشون كما سيراهم السّادة, مجرّد زومبي أرقام حشرات تافهين جهلة قذرين يتكاثرون كما الأرانب, وجلّ همهم هو تحصيل لقمة عيش يسرقونها من أفواه بعضهم البعض, أو امرأة يصطادونها كما الضباع في عتمة زقاق تترامى على جانبيه جثث ضحايا المخدرات.
وفي الجهة المقابلة يتحصّن السادة الأنيقون في ملاذاتهم الآمنة خلف أسوار وقلاع وجزر يحرسها عمالقة مدججون بأنواع السلاح والمعارف العسكرية والدنيوية ممن باعوا شرفهم وضمائرهم باسم الذكاء ونزعة البقاء مقابل أن لا يروا أنفسهم في صفوف الزومبي, حتى وإن كان السيّد ينظر لهم ككلاب حراسة, فالكلب أعلى مكاناً من الزومبي في مثل هكذا حال!
الجدير بالختام أنّك ستجد في كلا الجانبين وحتّى بين من يحرسهم أناساً من مختلف الأعراق والأجناس والأديان والألوان والقوميّات والبلدان والحضارات, وكلّهم ينتمي بكل كيانه وولائه إلى الجهة التي ينتمي لها, لأنّ السمة المميزة لعصر ما بعد التفاهة هو انقسام البشر بين جنس الزومبي الرّعاع الفقراء الواقفين على أهبة الاستعداد لبيع خدماتهم التي لم يعد أحد يحتاجها, وحتى إن احتاجها أحد فلن يمكنه إغناء مقدّمها ولا حتى استرضاؤه, وبين جنس السادة المحصّنون من كل شرّ وهمّ وغمّ ومضايقة بل وحتى من رؤية وجوه الزومبي القذرة الكئيبة البائسة, يحرس هؤلاء كلاب بشريّة جاهزون لدعس وفعس ومعس من تسوّل له نفسه من الرّعاع أن يتطاول على واحد من أولاد السّادة بصرخة جوع أو بحرف مساءلة حول العدالة الإجتماعيّة. هذا الانقسام أشار له الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق في رواية يوتوبيا الصادرة عام 2008.
وفي حاضر أيامنا هذه لك أن تمعن النظر في ألعاب الفيديو الحديثة وفي الأفلام والإعلانات التجارية , ستجدها تهيّأ الفرد لهذا الإنقسام, بين طبقة السادة المحصنين الذين لا شغل لهم ولا هم ولاغم, وبين الرّعاع مدمني المخدرات العاطلين الزومبي اليائسين البائسين الغيورين من السادة, والمفعوسين تحت أقدام البطل المقدام حامي حمى الحصن الحصين للسّادة الأثرياء من رجال السلطة أو الدين أو المال أو حتّى من مشاهير الموضة والشفاه والصدور وفلقات القفا المكتنزة بالسيليكون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص