الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائحة كوفيد 19: الكارثة الوشيكة وكيف نحاربها

التيار الماركسي الأممي

2020 / 3 / 27
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات



يشرح هذا البيان، الذي أصدره التيار الماركسي الأممي حول جائحة كورونا، كيف فشلت الرأسمالية بشكل مطلق في التعامل مع الأزمة، وكيف تتسبب في تعريض حياة ملايين الناس للخطر. كما يطرح برنامجا للإجراءات الكفيلة بتقديم حل جذري لهذه الأزمة، برنامج يقوم على مصادرة أملاك الرأسماليين الذين يدفعون بالبشرية كلها نحو الهاوية، وأخذ الطبقة العاملة في العالم لزمام الأمور.

وطبعا ليس هذا البرنامج موجها إلى هؤلاء الرأسماليين ولا إلى خدمهم الإصلاحيين، بل إلى الطبقة العاملة الأممية والشباب الثوري الذين يرون بأم أعينهم أن الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية. ووحده الصراع الطبقي الثوري، الذي تخوضه الطبقة العاملة وحلفاؤها، ضد هؤلاء الرأسماليين ما سيمكن من فرض تطبيق إجراءاته.


إن العالم يواجه كارثة. حياة مئات الآلاف، وربما الملايين، في خطر. وحتى في البلدان الأكثر ثراء، حيث توجد أنظمة رعاية صحية متقدمة، وصل الوضع بالفعل إلى نقطة الانهيار. لكن البلدان الفقيرة تواجه مصيرا مرعبا لا يمكن تخيله.

يعيش الناس في نيجيريا أو الهند -ناهيك عن البلدان التي مزقتها الحروب كسوريا أو اليمن أو الصومال- في أحياء فقيرة مزدحمة، بدون مياه نظيفة ولا رعاية طبية. وهنا يبدو الحديث عن تدابير مثل “التباعد الاجتماعي” أو “العزل الذاتي” مجرد مزحة سمجة.

في ظل هذه الأوضاع تكون أنصاف التدابير والترقيعات ممارسات عقيمة. وحدها التدابير الصارمة هي التي ستمكن من تفادي الكارثة الوشيكة. الواقع هو أن النظام الرأسمالي قد خذل البشرية، وسوف تنفضح طبيعته الحقيقية باعتباره نظاما فاسدا. لقد حان الوقت لكي يأخذ العمال مصيرهم بأيديهم.

تسلط جائحة كوفيد 19 الضوء على الأزمة الاقتصادية العميقة التي كانت تختمر منذ بعض الوقت. والآن تم تسريع هذه السيرورة إلى الدرجة القصوى. لقد انهارت أسواق الأسهم في كل مكان.

الشركات تفلس، وبدأ ملايين العمال يفقدون وظائفهم بالفعل. يتوقع البعض أن الولايات المتحدة لوحدها ستشهد وصول البطالة إلى 20٪. والجدير بالذكر أن ما نتحدث عنه هنا ليس مجرد أزمة اقتصادية دورية، بل كساد عميق على غرار ذلك الذي شهده العالم في ثلاثينيات القرن العشرين.

دعونا لا ننسى أن كساد الثلاثينيات كان قد أنتج الثورات والثورات المضادة والحرب. صحيح أننا اليوم لسنا في حالة حرب بالمعنى العسكري، لكن جميع القادة السياسيين يشبهون ما يحدث بحالة حرب. وبالتالي فإذا كانت الحالة مشابهة لحالة الحرب، فإنه يجب على الطبقة العاملة أن تتصرف وفقا لذلك.

في البداية استهانت الحكومات بخطورة الوباء. لم يكن الشاغل الأساسي للطبقة السائدة هو الحفاظ على صحة الناس، بل كانت مهتمة فقط بضمان استمرار الإنتاج بأي ثمن. لم يكن هدفهم إنقاذ الأرواح، بل إنقاذ أرباح البنوك والاحتكارات الكبرى.

هذا، وهذا وحده، يفضح إهمالهم الإجرامي وفشلهم في اتخاذ إجراءات فورية لحماية حياة البشر. لقد كشف ذلك الهوة الموجودة بين الأغنياء والفقراء، بين المستغِلين والمستغَلين. والآن يسارعون لتعويض الوقت الضائع، لكن ما نشهده هو إجراءات قليلة جدا ومتأخرة جدا. لقد سمح للفيروس بالانتشار مثل حرائق الغابات وصار له تأثير كارثي على حياة الناس والاقتصاد العالمي.


يواجه العمال معضلة رهيبة وهي كيف يمكنهم النجاة من هذه الأزمة، سواء جسديا أو اقتصاديا. مئات الآلاف يفقدون وظائفهم. وقريبا سنبدأ في الحديث عن الملايين. وهؤلاء العمال الذين حرموا من مصدر عيشهم ما زالوا مطالبين بتوفير الطعام والكساء لأسرهم، ودفع الإيجار أو الرهن العقاري، بينما يكافحون من أجل ألا يصابوا بالمرض.

في جميع البلدان، ملايين الأشخاص الذين كانوا عادة لا يهتمون بالسياسة، بدأوا يتابعون الأخبار بقلق، ويفحصون بدقة كل إجراء تقترحه حكوماتهم وما يفعله أرباب عملهم، وما تدعو إليه مختلف الأحزاب اليسارية منها واليمينية. وبسرعة كبيرة بدأ يتضح تماما أنه لا أحد يقوم بما هو ضروري فعلا. في ظل هذه الظروف يمكن للوعي أن يتغير بسرعة البرق.

تدخل بلدان العالم تباعا في حالة إغلاق، إلى هذه الدرجة أو تلك. يُطلب من الناس تجنب التحركات غير الضرورية، وتجنب المناطق المزدحمة، وتطبيق العزل الذاتي إذا كانوا معرضين للخطر. لكن وفي الوقت نفسه يُطلب من ملايين العمال الذهاب إلى العمل، ويجبرون على استخدام وسائل النقل العام المزدحمة، والعمل جنبا إلى جنب، مما يزيد من خطر إصابتهم بالعدوى. إن هذا يعرض حياة العمال للخطر، لكنهم معرضون أيضا لخطر نقل العدوى إلى منازلهم وإصابة أسرهم، وكل ذلك من أجل أرباح الرأسماليين.

إن هذا يغير بشكل جذري وعي الجماهير. العمال يريدون إجابات وهم يريدونها الآن. والسؤال المطروح بشكل صريح هو: ما العمل؟

الرأسمالية تعرض صحتك للخطر


كشفت هذه الأزمة عدم توافق مصلحة النظام الرأسمالي مع مصلحة صحة ملايير البشر. لقد تسببت عقود من التقشف في تدمير نظام الرعاية الصحية في كل مكان. حتى تلك البلدان التي يوجد فيها نظام رعاية صحية عمومي ممول من الدولة، شهدت بدورها تقليص التمويل عاما بعد عام. تم حرمان قطاع الصحة العمومي من الأموال، في حين تمت خصخصة العديد من الخدمات.

كل هذا لأجل خفض ما يعتبره الرأسماليون إنفاقا “غير ضروري”. تم تخفيض عدد أسرة المستشفيات، وكذلك وحدات العناية المركزة. كما يعاني النظام الصحي من نقص في العمالة، والعاملون فيه يشتغلون فوق طاقتهم. وقد تم القيام بذلك من أجل إجبار الناس على البحث عن بدائل في القطاع الخاص، وفتح مجال مربح للغاية لصالح الشركات المستثمرة في قطاع الرعاية الصحية الخاصة.

وفي الوقت نفسه تم السماح للاحتكارات الصيدلانية الخاصة الكبرى بنهب صناديق الخدمات الصحية، وتحقيق أرباح هائلة من بؤس المرضى والمسنين والفئات الأكثر هشاشة. يجب أن ينتهي كل هذا فورا! لا يمكن ترك صحة البشر رهينة لمصلحة الربح. يجب إبعاد دافع الربح بشكل كامل عن قطاع الصحة. إننا نطالب بإلغاء الطب الخاص وتعويضه بخدمة صحية عمومية بشكل كامل!

يجب تأميم جميع مرافق الرعاية الصحية الخاصة دون تعويض، ويجب دمج هذه المرافق في أنظمة الرعاية الصحية العمومية. هذا هو الشرط المسبق لتحقيق زيادة كبيرة في الإنفاق على الخدمات الصحية من أجل تلبية الاحتياجات العاجلة التي تفرضها الأزمة وتوفير خدمة صحية عامة حديثة وفعالة، حيث يتم توفير أحدث العلاجات والأدوية مجانا للجميع.

ومن أجل حل مشكل النقص الحالي في أسرة المستشفيات، يجب على الفور مصادرة الفنادق والفيلات والشقق الفاخرة الفارغة وقصور الأغنياء وتحويلها مؤقتا إلى مساكن لإيواء المرضى (وهو إجراء تم تطبيقه في بريطانيا في زمن الحرب). وفي نفس الوقت يجب تنفيذ خطة طويلة المدى لبناء مستشفيات جديدة وزيادة القدرة الاستيعابية بشكل كبير. ويمكن تمويل هذا عن طريق خفض الميزانية المتضخمة التي تبذر على مصاريف التسلح.

يجب على الفور إطلاق خطة طوارئ لتشغيل وتكوين الممرضين والأطباء وسائقي سيارات الإسعاف والمسعفين وجميع الموظفين اللازمين لتسيير غرف العمليات الجراحية والعيادات والمستشفيات. يجب أن يحصلوا على أجر لائق وساعات عمل ملائمة، بدلا من الظروف الفضائحية الحالية حيث تضطر الطواقم الطبية إلى العمل حتى الموت من أجل تعويض النقص الناجم عن سنوات من الإهمال الإجرامي في ظل نظام التقشف.

سيقولون لنا إنه لا يوجد مال. لكن التاريخ يخبرنا أن هناك دائـمـا الكثير من الأموال عندما يتعلق الأمر بملء جيوب الأغنياء. وهكذا فإنه خلال العقد الماضي كان هناك تقشف قاس بالنسبة للعمال، مقابل مِنحٍ ضخمة من المال العام لصالح أصحاب الأبناك، أي نفس هؤلاء الذين دمروا الاقتصاد العالمي عام 2008. التاريخ يعيد نفسه الآن، حيث يتم ضخ مبالغ ضخمة من المال العام في خزائن الشركات الخاصة الكبرى، بينما يعيش ملايين العمال في الرعب والفقر.

يجب مصادرة شركات الصناعات الدوائية، التي تحقق مستويات فاحشة من الربح، ودمجها في القطاع العام. يجب أن تتغير أولويات أبحاثها من السعي لتحقيق الأرباح، التي استمرت تلك الشركات تراكمها طيلة عقود، لتصير الأولوية هي خدمة احتياجات المجتمع، وليس مصلحة حفنة من الطفيليات الثرية.

يجب الإفراج على الفور عن جميع براءات الاختراع، ويجب نشر جميع الأبحاث ومشاركتها عبر الحدود. من شأن ذلك أن يسرع بشكل كبير من تطوير عقاقير جديدة، والتي بمجرد صنعها يجب توفيرها لجميع المستشفيات العمومية بسعر التكلفة، وليس بالأسعار الباهظة المفروضة حاليا على الأدوية الضرورية لإنقاذ الحياة.

إذا اعتمدنا كل هذه الإجراءات الآن، سيمكن تجنب آثار الأزمة الحالية وسيمكن تجنب حدوث مثل هذه الأزمات في المستقبل.

من أجل الرقابة العمالية!


إذا كانت تدابير التباعد الاجتماعي إحدى أدوات مكافحة انتشار هذا الفيروس، فيجب أن تطبق بشكل صارم على جميع مجالات الحياة، ولا سيما في أماكن العمل. وإذا كان هذا حقا سيناريو طوارئ وحالة حرب، كما تقول لنا الحكومات، فإنه يجب تطبيق تدابير الطوارئ.

لقد أظهر الرأسماليون أنهم غير قادرين نهائيا عن لعب أي دور تقدمي. إنهم وبدعم من الدولة والسياسيين البرجوازيين، يدفعون العمال لمواصلة العمل دون هوادة، حتى في الصناعات غير الضرورية. لكن هذا يقوض جميع الجهود المبذولة لمكافحة الفيروس. وبالتالي صرنا نشهد موجة إضرابات في مختلف أنحاء العالم، يقوم بها العمال القلقون من ظروف العمل التي تهدد حياتهم وحياة أحبائهم. وفي أكثر من بلد (إيطاليا وإسبانيا، وكذلك أمريكا الشمالية) تمكن العمال من فرض إغلاق بعض المصانع، ولو لفترة من الزمن.

تسلط هذه الأحداث الضوء على قوة الطبقة العاملة عندما تكون منظمة وواعية بقوتها. وفي مواجهة سلوك الرأسماليين الإجرامي، نرفع نحن الماركسيون مطلب الرقابة العمالية. يجب أن تتحول جميع لجان الإضراب إلى لجان مصانع دائمة لممارسة الرقابة العمالية والتدخل، إذا لزم الأمر، لمنع إجراءات أرباب العمل والإدارة.

يجب على الفور إيقاف كل قطاعات الإنتاج غير الضرورية. يجب إعادة العمال إلى منازلهم مع الحفاظ على أجورهم كاملة، والتي يجب أن يدفعها أرباب العمل. إذا زعم أرباب العمل إنهم لا يستطيعون تحمل ذلك، فيجب أن يفتحوا دفاتر الحسابات لفحصها من طرف النقابات وممثلي العمال المنتخبين. تجلس الشركات الكبرى، في الواقع، على جبال من الأموال التي يجب الآن استخدامها لرعاية أولئك الذين خلقوا تلك الأرباح بقوة عملهم.

وفي القطاعات التي يُعتبر استمرار الإنتاج فيها ضروريا يجب إعادة هيكلة أماكن العمل وإعادة تنظيمها بطريقة تسمح بالتباعد الاجتماعي، فضلا عن ضرورة تزويد العمال بمعدات الحماية اللازمة، مثل أقنعة الوجه والقفازات والوزرات، والتطهير المنتظم لجميع الأسطح ومناطق العمل وإجراء الاختبار المنتظم للعمال. ويجب السماح لجميع العمال الذين يعتبرون غير ضروريين بالبقاء في منازلهم.

كما يجب على اللجان أن تتأكد من عدم فصل أي عامل تحت مبرر الأزمة. وعندما تقوم المصانع بتسريح العمال أو يهدد أرباب العمل بإغلاقها، ندعو نحن إلى مصادرتها ووضعها تحت رقابة العمال وإدارتهم.

إن العمال الذين فقدوا وظائفهم بالفعل أو يعملون في أعمال مؤقتة سوف يتضررون بشدة من هذه الأزمة. نحن ندعو إلى أن تدفع الدولة لهم ما يعادل الأجر الكامل. إلا أننا نعارض تمويل هذا عن طريق الرفع من العجز العمومي، الذي ستدفع الطبقة العاملة فاتورته لاحقا في شكل تقشف وزيادة في الضرائب، وبدلا من ذلك ندعو إلى مصادرة البنوك ومؤسسات المضاربة.

وفي الوقت نفسه فإنه، في فترة تباطؤ الإنتاج الحتمي هذه، يجب أيضا إدخال مفهوم التناوب في أيام العمل، وتقصير أسبوع العمل، مما يسمح للعمال بالبقاء في المنزل لفترة أطول وتقليل الوقت الذي يقضونه في التنقل. يجب توسيع ذلك تدريجيا ليشمل جميع العاطلين عن العمل اليوم من أجل القضاء على البطالة، وكذلك تخفيض ساعات العمل إلى الحد الأدنى.

لا لتسريح العمال، نعم للحصول على تخفيض ساعات العمل دون تخفيض الأجر! افتحوا دفاتر الحسابات!

يجب أن تتولى الطبقة العاملة المسؤولية


دعونا نكون واضحين بشأن ما يجري هنا. إن النظام الرأسمالي يواجه أزمة وجودية. لقد صار عاجزا عن ضمان سلامة العمال، وضمان مناصب الشغل والحق في السكن، ومنح العمال أجرا كافيا لإطعام أسرهم… ولهذا الوضع آثار ثورية، والطبقة السائدة تعي ذلك جيدا.

يخشى الرأسماليون اندلاع حركة مستقلة للطبقة العاملة أكثر مما يخشون من الفيروس. إنهم قلقون من أن يبدأ الشعب في أخذ الأمور بيده. ففي ووهان، التي انطلق منها الفيروس لأول مرة، كان الناس في الأحياء قد بدأوا يقيمون المتاريس بشكل عفوي، ويتخذون مبادرات مستقلة أخرى، الشيء الذي أجبر الدولة على التدخل خوفا من فقدان سيطرتها على الموقف.

في إيطاليا بدأ العمال، من خلال إضراباتهم، بالتدخل مباشرة في كيفية إدارة الإنتاج. أما في بريطانيا، فقد أدى التقاعس الإجرامي للحكومة بالمواطنين إلى إنشاء مجموعات الأحياء لأجل التعامل مع مختلف جوانب الأزمة مثل توزيع الغذاء وضمان السلامة العامة. وفي إيران، بدأ الناس، في مرحلة معينة، يفرضون الحجر الصحي على بلدات بأكملها في ضوء تقاعس النظام عن القيام بذلك.

إن الأمثلة المذكورة أعلاه هي المراحل الجنينية لسلطة العمال، والتي تتطور تلقائيا من أزمة الرأسمالية. من الواضح أن الطبقة السائدة غير قادرة على التعامل مع الأزمة بشكل مناسب. وفي مواجهة تقاعس الطبقة الحاكمة، كما هو الحال في بريطانيا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية، ندعو إلى تشكيل لجان الأحياء وأماكن العمل من أجل التعامل مع مختلف جوانب الأزمة.

في إيطاليا وفرنسا تعمل الدولة على تصعيد إجراءات الطوارئ. يتقبل الناس في البداية هذه التدابير، التي تقول لهم السلطات إنها ضرورية لمكافحة خطر فيروس جديد قاتل ومعد. لكن العمال يدركون جيدا أن هؤلاء الذين يفرضون تلك الإجراءات الأكثر فأكثر صرامة هم نفس الأشخاص الذين أضاعوا الكثير من الوقت في المرحلة الأولية للجائحة. ليست لديهم أي ثقة في أن الحكومة ستدافع عن مصالحهم، وهم محقون تماما.

يدرك هؤلاء الموجودين في القمة أنهم بحاجة إلى تطبيق تدابير طارئة من أجل ضمان استقرار الوضع، وإلا سيخاطرون بإثارة غضب الجماهير. لكن من الممكن أن يتم استخدام تدابير الطوارئ هذه كوسيلة للسيطرة على الطبقة العاملة. إنها تحتوي على عناصر قوية مناهضة للديمقراطية، تهدف إلى تعزيز قوة الدولة وسلطاتها القمعية.

نحن نتفهم الأسباب التي تجعل الناس يدعمون تواجد قوات الأمن في الشوارع بأعداد كبيرة، لكنه يجب علينا أيضا أن نسعى جاهدين لفضح الوهم القائل بأنهم موجودون لحماية الشعب، ونشرح أن مهمتهم بالفعل هي الدفاع عن الرأسمال، ومحاولة تحقيق استقرار الوضع، مع ضمان عدم فقدان السيطرة على الموقف.

في إيطاليا كانت هناك حالات لهجوم الشرطة على متاريس الاعتصام وقيامها باعتقال العمال الذين كانوا مضربين من أجل المزيد من تدابير السلامة. يسلط هذا الضوء على خطر الأوهام في قوات الدولة. ننبه العمال إلى أنه لا يمكنهم أن يثقوا إلا في قواتهم الخاصة، لا ثقة لا في الجيش ولا في الحكومة البرجوازية، الذين أظهروا مرارا وتكرارا أن همهم الأساس هو الحفاظ على نظام الربح، ولو على حساب تفاقم خطورة الوضع الحالي.

يجب أن يتم تنظيم جهود الطوارئ من قبل لجان الأحياء ولجان أماكن العمل، والتي يجب أن تعمل على التنسيق بينها على المستويين المحلي والوطني لتنظيم إغلاق فعال شامل باعتباره أسرع وسيلة لمواجهة الفيروس.

يشعر قطاع واسع من الشعب في إيطاليا بالقلق من أن تستغل العناصر الإجرامية هذه الأزمة. في مثل هذه الحالة لا يمكن لقوات الأمن ضمان سلامة الجميع. لهذا يجب علينا أن نقترح فكرة إقامة هياكل، مثل اللجان المحلية المنتخبة في كل حي للإشراف على عملية الطوارئ بأكملها. سيكون للجان الأحياء المنتخبة من قبل السكان أنفسهم قدرة أكبر على تقرير ما يجب القيام به والتأكد من أن الجميع يلتزم بالقرارات المتخذة ديمقراطيا.

يمكن لتلك اللجان إنشاء نقاط تفتيش والقيام بدوريات في الشوارع أثناء فترة الإغلاق، والإشراف على توزيع المواد الغذائية على جميع الأسر لتقليل التحركات غير الضرورية – خاصة بالنسبة للمسنين والفئات الهشة الأخرى. يمكنها أن تواجه بنشاط العناصر الإجرامية وتكافح المضاربة والزيادات غير المبررة في أسعار المواد الغذائية والأدوية، التي يرتكبها تجار عديمو الضمير.

كما رأينا في مثال تشيلي حيث أعلنت النقابات أنه إذا لم تعلن الحكومة الحجر الصحي على الصعيد الوطني، فإن النقابات ستنفذه بنفسها، في شكل “إضراب إنساني” باستثناء القطاعات الضرورية. وقد لاحظ ذلك منظرو الرأسمالية، الذين أصبحوا أكثر وعيا بإمكانية حدوث ثورة اجتماعية في ظل الظروف الحالية، ولذا سيعملون كل ما في وسعهم لوأد هذه السيرورة.

ضمان إيصال الطعام

عندما تفاجأ ملايين الناس بأن الوباء يخلق حالة طارئة، رأينا مشاهد التهافت على الشراء والاكتناز. ماذا يعكس ذلك؟ إنه يكشف أن الناس مذعورون من الوضع الذي دخلنا إليه، لكنه يظهر أيضا أنهم لا يثقون في السلطات ولا في قدرة “السوق” على مساعدتهم.

لكن ذلك أدى إلى هذا الوضع المؤسف من النقص الكبير في متاجر المواد الغذائية، مما أدى بدوره إلى محاولات الاغتناء، حيث رفعت بعض المتاجر أسعار السلع الأساسية. وهذا سيؤدي إلى المزيد من تفاقم الوضع الصعب أصلا. وبالتالي يجب أن تتمتع لجان الأحياء المنتخبة ديمقراطيا بسلطات التحقق من الأسعار، وفرض قيود على الأسعار إذا لزم الأمر. فإذا لم يتم ذلك فإنه بالإضافة إلى النقص في المواد الأساسية، سنشهد عجز الشرائح الأشد فقرا في المجتمع عن شراء ما تحتاجه.

سيجد المسنون والفئات الأكثر هشاشة صعوبة في التأقلم في مثل هذه الحالة. يقال لهم إنه عليهم أن يعزلوا أنفسهم لكنهم لا يستطيعون الحصول على المواد الاستهلاكية الأساسية. الشيء الذي يعرض للخطر الكثيرين ممن يتعين عليهم الخروج لشراء ما يحتاجون إليه.

يجب أن نطالب بتنظيم خدمة توصيل الطعام إلى جميع المنازل لتقليل الحاجة إلى التنقل إلى المتاجر. إن التنظيم العفوي لمجموعات الأحياء التي تخرج بحثا عن المحتاجين وتقديم المساعدة لهم، دليل على أن الأغلبية الساحقة من الناس ليسوا فردانيين جشعين، بل إنهم مستعدون في أوقات الحاجة للتحرك بشكل جماعي لمساعدة المحتاجين.

إلا أنه لكي تكون مجموعات الأحياء تلك فعالة بشكل كامل، فإنها تحتاج إلى المساعدة. إنها بحاجة إلى وسائل النقل ومعدات السلامة والتدريب على كيفية التعامل مع الفئات الهشة الذين يعزلون أنفسهم.

لا بد من إنشاء مطابخ جماعية من أجل توفير وجبات جاهزة، خاصة لكبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة. وفي الوقت الذي يتم فيه إغلاق سلاسل المطاعم والحانات وتسريح العمال بشكل جماعي، نحن ندعو إلى مصادرتها من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية للمجتمع. وهذا من شأنه أن يضمن وظائف أولئك العاملين في سلاسل المطاعم تلك، وفي نفس الوقت توفير الموارد الضرورية بشكل عاجل. يجب أن يكون هذا بتنسيق مع مجموعات الأحياء.

من أجل نظام نقل مؤمم ومندمج

من بين الأماكن التي يكون فيها خطر العدوى في أعلى مستوياته هو وسائل النقل المزدحمة كالحافلات والقطارات ومترو الأنفاق. خلال المراحل الأولى لتفشي الوباء، كان الملايين من العمال يسافرون مكدسين معا، مما زاد بشكل كبير من معدل انتشار الفيروس.

وبمجرد أن أصبح من الواضح أن مثل هذه الظروف خطيرة، توقف الكثير من الناس عن التحرك دون داعٍ. وأولئك الذين يمكنهم العمل من المنزل بدأوا يقومون بذلك بالفعل. لقد قلل ذلك من الازدحام لكنه لم يقض عليه بشكل كامل.

كان رد شركات النقل هو التقليل من انتظام الرحلات، وتعليق بعض الوجهات، الخ. وذلك بالتحديد في الوقت الذي نحتاج فيه إلى وسائل نقل يمكن فيها الحفاظ على التباعد الاجتماعي، لكن هذا صار غير ممكن بسبب تقليص الخدمات المتاحة. والنتيجة هي وسائل نقل أقل لكن أكثر اكتظاظا.

ومرة أخرى يبقى المعيار الوحيد هنا هو الربح. هذا غير مقبول. يجب تأميم جميع شركات النقل بدون تعويض ودمجها في خدمة نقل وطنية واحدة. كانت العديد من تلك الشركات مملوكة سابقا للدولة والمجالس المحلية. يجب استعادتها جميعا واستخدامها لخدمة حاجة المجتمع وليس الربح. يحتاج الركاب في هذه الظروف إلى مساحة أكبر للسفر بأمان.

يحتاج عمال النقل بدورهم إلى الحماية، ويعتبر عدم الاضطرار إلى العمل في ظروف الازدحام أحد الإجراءات التي يمكنها أن تحميهم من العدوى. كما يحتاجون إلى جميع معدات السلامة من أقنعة واقية وقفازات وما إلى ذلك، ويجب كذلك توسيع خدمة التنظيف بشكل كبير، لتوفير التنظيف العميق المنتظم الضروري من أجل المساعدة على وقف انتشار الفيروس. كما يجب إعطاء عمال النظافة أجرا لائقا وحقوق نقابية كاملة.

أزمة الإسكان

يفقد العديد من العمال وظائفهم، وخاصة الشباب منهم، إلا أنهم مطالبون بقروض عقارية كبيرة أو عليهم دفع بدلات إيجار باهظة للغاية. وإذا تركت الأمور كما هي عليه الآن، سيواجه الكثير منهم نزع الملكية والإخلاء. لقد أصدرت حكومات العديد من البلدان تعليمات للبنوك بمنح “عطلة للرهن العقاري”، أي تأجيل أداء الأقساط مؤقتا. لكن هذا للأسف لا ينطبق على بدل الإيجار، والذي يجب تجميده بدوره طوال فترة الأزمة.

يجب أن نضيف أيضا أن تطبيق “عطلة الرهن العقاري” جاء لحماية البنوك، لأنه إذا حدثت موجة كبيرة من عدم دفع أقساط الرهن العقاري الشهرية، فقد يؤدي ذلك من الناحية التقنية إلى إفلاس البنوك. وهنا، كما هو الحال دائما في ظل الرأسمالية، تكون لجميع التدابير، التي يبدو ظاهريا أنها اتخذت لمراعاة مصالح العمال، دوافع مختلفة تماما.

ومع ذلك فإن تعليق مدفوعات الرهن العقاري يوفر فرصة مؤقتة لاسترجاع الأنفاس. لكنه، على المدى الطويل، لا يلغي المدفوعات بشكل كامل. وعاجلا أم آجلا سيتوجب سداد الدفعات. وهؤلاء العمال الذين سيحصلون على منصب شغل بعد انتهاء الأزمة، سيجدون أنفسهم مطالبين بدفع مبالغ أكبر. إلا أن هذه الأزمة سيكون لها آثار اقتصادية طويلة المدى، وسيكون التقشف وانخفاض مستويات المعيشة والبطالة الجماعية والفقر هو كل ما سيقدمه النظام الرأسمالي حتى بعد انتهاء الجائحة.

ولكي نتجنب فقدان أعداد هائلة من أسر الطبقة العاملة لمنازلها، نطالب بأن تلغي البنوك جزءا من ديون الرهن العقاري. إنها الطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة بشكل ملموس. لقد تم إنقاذ البنوك بفضل الأموال العامة منذ أكثر من عشر سنوات وحققت أرباحا ضخمة في الفترة الأخيرة. وبالتالي إذا كان صحيحا أننا جميعا في نفس القارب، فإنه يجب أن تؤدي البنوك جزءا من الفاتورة.

أما العمال الآخرون فإنهم يسكنون منازل مستأجرة ومهددون بالطرد إذا لم يواصلوا دفع أقساطهم. في بعض البلدان تم فرض حظر مؤقت على عمليات الإخلاء. إننا نرحب بهذا الإجراء، إلا أننا في نفس الوقت نعتبر أنه غير كاف لحماية أبناء الشعب. يمتلك الملاكون العقاريون الكثير من الطرق للضغط على المستأجرين، ومن بينها رفع بدلات الإيجار إلى مستويات لا يمكن تحملها، وبالتالي إجبار الناس على المغادرة. ولذلك يجب أن يتم فرض تجميد فوري لأسعار الإيجار وعطلة إيجار حتى نهاية الأزمة. يجب أن تقوم لجان الأحياء بدورها هنا أيضا وتراقب الوضع وتتدخل لوقف أي رفع في بدلات الإيجار أو عمليات الإخلاء.

يسلط هذا الوضع أيضا الضوء على مشكلة أخرى طويلة الأمد. إن السبب وراء تصرف أصحاب العقارات الخاصة بالطريقة التي يتصرفون بها هو النقص المزمن في السكن الاجتماعي. في الماضي كانت نسبة المساكن البلدية المملوكة للقطاع العام مقارنة بالسكن الخاص أعلى بكثير مما هي عليه الآن. كان من الممكن إيواء عائلات الطبقة العاملة في منازل أرخص نسبيا. إلا أنه طيلة عقود من الزمان صارت السياسة المعتمدة في معظم البلدان هي الخصخصة وبيع مخزون الإسكان العام ودفع الناس ليشتروا المنازل.

إن المطلوب الآن هو تطبيق برنامج عاجل لبناء مساكن اجتماعية لتلبية الطلب، وتوفير منازل إيجار بأسعار معقولة. وفي الوقت نفسه هناك العديد من المنازل والشقق التي يتم إبقاؤها فارغة من أجل المضاربة. في مثل هذه الحالات يجب مصادرة تلك الممتلكات وإضافتها إلى مخزون الإسكان العام. إن هذا البرنامج بمجرد وضعه سيقدم خدمة عظمى للتخفيف من وضع النقص المزمن الحالي في المنازل والارتفاع الهائل لبدلات الإيجار.

الحقوق الديمقراطية

تطبق الحكومات في كل مكان تشريعات الطوارئ للتعامل مع الأزمة. نحن بالطبع نؤيد تدابير الطوارئ للاستيلاء على الأصول الخاصة ومصادرة المستشفيات الخاصة والمصانع التي تنتج معدات الحماية الشخصية.

لكن المشكلة هي أن الحكومات الرأسمالية تستغل الأزمة الصحية لكي تقيد الحقوق الديمقراطية، فتحظر الإضرابات على سبيل المثال، أو تقيد الحريات السياسية أو تقيد حرية التعبير، وتدفع بالجيش إلى الشوارع.

لا تؤدي هذه التدابير أي دور على الإطلاق في مواجهة الجائحة ويجب الوقوف ضدها. نحتاج، نحن العمال، إلى الحق في الإضراب من أجل حماية أنفسنا من أرباب العمل الذين يعرضون حياتنا وسلامتنا للخطر. كما نحتاج إلى حرية التعبير لكي نستنكر التجاهل الإجرامي للحكومات الرأسمالية تجاه حياة البشر.

ولذلك ففي حين يجب بذل كل الجهود للتأكد من اتخاذ التدابير الأكثر فعالية لمكافحة انتشار الفيروس، يجب ألا نسمح للطبقة الرأسمالية باستغلال حالة الطوارئ الحالية للحد من الحقوق الديموقراطية التي ناضلت من أجلها أجيال من العمال.

التأميم

كانت الخصخصة هي شعار البرجوازية المقدس طيلة سنوات عديدة. فتم تقسيم الشركات الكبيرة، التي بنتها الدولة، وبيعت للأغنياء بثمن بخس. وتعرض مفهوم التأميم نفسه للسخرية باعتباره شيئا ينتمي إلى ماض بعيد. لكن الآن فجأة تغير لحنهم.

بعض الحكومات، وفي اعتراف واضح من جانبها بأن الرأسمالية لا يمكنها التعامل مع الأزمة الحالية، بدأت تستولي على المستشفيات الخاصة لاستخدامها من قبل الدولة في تدابير الطوارئ لمكافحة انتشار الفيروس. في حين صرحت العديد من الحكومات أنها قد تسير في اتجاه تأميم أي شركة كبرى تتعرض للإفلاس خلال الفترة المقبلة.

وكمثال على ذلك نجد ما قاله وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، عندما صرح: «لن أتردد في استخدام جميع الوسائل المتاحة لحماية الشركات الفرنسية الكبرى. يمكن القيام بذلك عن طريق إعادة الرسملة، ويمكن القيام بذلك عن طريق امتلاك حصة فيها، بل يمكنني حتى استخدام مصطلح التأميم إذا لزم الأمر».

وقد اضطر الإصلاحيون اليمينيون، الذين كانوا حتى وقت قريب يشنون الحرب ضد التأميم، إلى تغيير لحنهم إلى حد ما.

فلنكن واضحين: إن ما يسمونه “التأميم” هو في الواقع عملية إنقاذ. عملية يتم تنفيذها عن طريق تعويض المالكين الرأسماليين، وبالتالي فهو ببساطة وسيلة أخرى لتحويل الأموال العمومية إلى جيوب الرأسماليين. لكن بمجرد ما سيمكن استخدام المال العام من إيقاف تلك الشركات على أقدامها مجددا، سيتم بيعها مرة أخرى للرأسماليين بأسعار بخسة. هذه طريقة أخرى لجعل الطبقة العاملة تدفع ثمن أزمة الرأسماليين.

لا يمكن للعمال قبول هذا النوع من التأميم. يجب ألا يتم تحميل الطبقة العاملة ثمن الفوضى التي تسبب فيها الرأسماليون لأنفسهم. إن المطلوب هو نزع ملكية الرأسماليين دون أي تعويض. كما ندعو، في الوقت نفسه، إلى إقالة مدراء تلك الشركات الطفيليين واستبدالهم بالرقابة والإدارة الديمقراطية من جانب لعمال.

دور الحركة العمالية

لقد أثبت قادة الحركة العمالية أنهم عاجزون عن مواجهة هذا الوضع بجدية. ففي إيطاليا، على سبيل المثال، تعاون القادة النقابيون بشكل كامل مع أرباب العمل والحكومة في الضغط من أجل ألا يتوقف الإنتاج. لم يكن معيارهم الرئيس هو سلامة العمال، بل فقط الحفاظ على الإنتاج خوفا من الانهيار الاقتصادي.

لكن العمال الإيطاليين كان لهم تصور آخر. فبالنسبة لهم يأتي إنقاذ الأرواح في المرتبة الأولى. فبدأوا في تنظيم الإضرابات بعد فشلهم في إقناع أرباب العمل بإغلاق المصانع من أجل إعادة تنظيم العمل بطريقة تجعله أكثر أمانا. ولم يغير القادة النقابيون موقفهم إلا عندما بدأ العمال في أماكن العمل في اتخاذ تلك الإجراءات الحاسمة. وبدلا من أن يكونوا في موقع القيادة، كانوا متخلفين عما يتطلبه الوضع.

في بريطانيا جمّد حزب العمال جميع أنشطته، على الرغم من وجود التكنولوجيا التي تمكنه من الاستمرار في العمل أثناء الجائحة. وفي كل مكان، ساير قادة الحركة العمالية، بشكل ضمني أو نشيط، المخططات المعيبة للطبقة السائدة. إن ما يجب عليهم القيام به هو إعداد خطة عمل للطبقة العاملة. يمكن لهؤلاء القادة، من خلال تعبئة العمال في الأحياء والمصانع، أن يغيروا مسار الأحداث بسرعة كبيرة. ورفضهم القيام بذلك مؤشر على استسلامهم للطبقة الرأسمالية في نفس الوقت بالضبط الذي تدخل فيه هذه الأخيرة أعمق أزمتها على الإطلاق.

يتطلب هذا الوضع إجراء هزة جذرية لمنظمات الطبقة العاملة القائمة. وهذا يعني أنه يجب وضع النقابات تحت الرقابة المباشرة لأعضائها. ويعني أنه يجب ألا يتقاضى القادة العماليون أجورا أعلى من العمال الذين يفترض أنهم يمثلونهم. يعني أنه يجب أن يتقاضى القادة العماليون متوسط ​​أجرة العمال وأن يكونا معرضين للعزل إذا لم يلتزموا بالقرارات التي يتخذها أعضاؤهم بشكل ديمقراطي.

ينطبق هذا أيضا على تلك الأحزاب التي أسستها الطبقة العاملة منذ زمن بعيد كوسيلة للتعبير عن مصالحها. يجب تغييرها بشكل جذري، بدءا بعملية انتخاب ديمقراطي كامل للقادة. أما في البلدان التي لا توجد فيها أحزاب عمالية، كما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن واجب تأسيسها يقع على كاهل الحركة العمالية المنظمة.

كيف ندفع ثمن كل هذا؟

سيوافق الكثير من الناس على أن المطالب المذكورة أعلاه تبدو معقولة، لكنهم سيطرحون السؤال الأهم وهو: من سيدفع ثمن كل هذا؟ يقال لنا إنه لا يوجد ما يكفي من المال لدفع ثمن كل هذه الإجراءات. لكن من الواضح أن هذا خطأ.

أولا، لقد أعلن كل من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي أنهما سيضخان مليارات الدولارات واليوروهات في شرايين الاقتصاد. وفي بريطانيا أعلنت الحكومة عن حزمة بقيمة 350 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي. كما تعلن كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، وجميع البلدان الأخرى، عن حزم من حجم مماثل.

دائما عندما يواجهون الكارثة الاقتصادية يجدون الموارد فجأة. لكن لسوء الحظ ستذهب معظم تلك الأموال إلى جيوب الرأسماليين، وليس إلى الخدمات الصحية أو العمال. وعلاوة على ذلك فإنها ستعمل فقط على تضخيم مستويات الدين العام المرتفعة أصلا. وفي مرحلة لاحقة سوف يُطلب من العمال أن يقدموا التضحيات لأداء هذا الدين.

إلا أن هناك مصدر آخر لثروات هائلة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، امتلكت 1٪ من أغنى الأسر الأمريكية -أي حوالي 1,2 مليون أسرة- ثروة بقيمة 35 تريليون دولار، عام 2019. كما كشفت دراسة أجراها معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز (ICAEW) عام 2017 أنه: «في الوقت الذي يمكن أن تكون فيه أفكار أغلبية السكان مركزة على شد الأحزمة، كان لثلثي شركات المملكة المتحدة فائض في النقد.

وليس هذا فقط، بل ومنذ ذلك الحين عرف مستوى الودائع والاحتياطيات النقدية التي تحتفظ بها الشركات البريطانية ارتفاعا كبيرا! نمت الودائع النقدية بنسبة 8٪ في عام 2018، وزادت بنسبة هائلة بلغت 51٪ خلال السنوات الخمس الماضية». ووفقا لـ Credit Suisse: يمتلك 1٪ من أغنى سكان العالم ما يقارب 50٪ من الثروة العالمية، في حين لا يمتلك 50٪ من البالغين الأكثر فقرا سوى أقل من 1٪ من إجمالي الثروة العالمية.

من المؤكد أنه من الممكن خلال أوقات الأزمات استعمال هذه الثروة الهائلة التي خلقها عمل ملايين العمال، لتمويل جميع التدابير اللازمة لمكافحة انتشار كوفيد 19 ووضع البنيات والموارد الضرورية لإعداد المجتمع لمواجهة أي تهديد مستقبلي للأمراض القاتلة.

إنه من المعقول جدا فرض ضريبة طوارئ بنسبة 10٪ أو 20٪ على هذه الثروات. ويجب مصادرة أي شركة أو رأسمالي فردي يرفضون التعاون، ومصادرة أصولهم ووضع مواردهم تحت تصرف الدولة. وعلاوة على ذلك يجب تأميم البنوك التي استفادت بشكل كبير من عمليات الإنقاذ الحكومية، دون أي تعويض، ودمجها في بنك وطني عمومي. والأمر نفسه ينطبق على شركات التأمين.

إذا اتخذت الحكومات حول العالم مثل هذه التدابير، لن تكون هناك حاجة لزيادة الدين العام، مع كل التقشف الذي سيتبعه لاحقا. لن يكون هناك نقص في الموارد لبناء المستشفيات والاستثمار في البحوث الصيدلانية وبناء المنازل وتوفير الدخل لجميع العمال العاطلين عن العمل، الخ.

من أجل حكومة عمالية!

في بريطانيا من الواضح تماما أن حكومة المحافظين على استعداد لرؤية مئات الآلاف يموتون، بدلا من اتخاذ الإجراءات اللازمة واستثمار الموارد المطلوبة. وقد تصرف ترامب في الولايات المتحدة، بطريقة مماثلة. بل حتى في إيطاليا، التي كانت أول بلد في أوربا ينتشر فيه الفيروس على نطاق واسع، كان المعيار الأساس الذي حدد عمل الحكومة هو الربح.

لا يمكننا أن نستأمن هؤلاء الناس على حياة ملايين العمال. يقال لنا إن هذا ليس هو الوقت المناسب لإثارة الخلافات السياسية، وإنه علينا جميعا أن نتعاون. يتم تعزيز المشاعر الوطنية والقومية في كل مكان. ويقال لنا إننا جميعا في نفس القارب. لكن هذا غير صحيح. إن الذين يُطلب منهم دفع فاتورة هذه الأزمة هم أولئك الذين لا يستطيعون تحمل نفقاتها، أي العمال والشباب والمسنين.

نحتاج في جميع البلدان إلى حكومات تمثل مصالح الطبقة العاملة. لا يمكن تطبيق البرنامج الذي أوجزناه أعلاه إلا من طرف الأحزاب والقادة الذين يمثلون الطبقة العاملة ومصالحها. ومن خلال تنصيب حكومات عمالية في السلطة بجميع البلدان، سنتمكن أخيرا من استخدام الموارد الهائلة المتاحة على نطاق عالمي وتقديم إجابة عالمية حقيقية للأزمة الحالية.

الأممية والتعاون العمالي

في القرن الحادي والعشرين، هناك عائقان أساسيان أمام مواصلة تطوير القوى المنتجة، وهما: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية. وقد تأكد ذلك بشكل كامل خلال الأزمة الحالية.

لقد فشل اقتصاد السوق بشكل مطلق. إن دافع الربح يهدد حياة ملايين الناس. لقد حان الوقت لوضع حد له. وعوضا عنه نسعى إلى إنشاء اقتصاد مخطط عمومي. يجب تطبيق الرقابة والإدارة الديمقراطية للعمال للإشراف على عملية الإنتاج.

سيصير من الممكن في ظل ذلك الاقتصاد تحويل الموارد بسرعة لتلبية احتياجات اللحظة. سيصير من الممكن إيقاف الإنتاج دون إعطاء أي أهمية لربح المالكين الخاصين. سيكون في مقدور العمال الذين يبقون في المنزل أن يحصلوا على دخل منتظم. لن يكون أحد مهددا بالإخلاء على يد أصحاب العقارات الخاصة. وباختصار، سيعني ذلك تطبيق الاشتراكية على نطاق عالمي. لقد نضجت جميع الظروف لكي يصبح هذا حقيقة.

لقد شبه بوريس جونسون، وغيره من السياسيين البرجوازيين، الأزمة الحالية بسيناريو الحرب. لكن كيف تصرفت الحكومة في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية؟ هل قالت: دعوا السوق يقرر! هل قالت: على الدولة ألا تتدخل! كلا لم تقل ذلك، بل استخدمت سلطة الدولة لمركزة عملية الإنتاج وأممت الصناعات الحربية وطبقت تدابير التخطيط الممركز.

كل ذلك لم يكن بالطبع يعني أن بريطانيا صارت بلدا اشتراكيا. فقد بقيت السلطة راسخة في أيدي أصحاب البنوك والرأسماليين. لكنهم اضطروا إلى إدخال بعد تدابير التخطيط الممركز، بل وحتى التأميم، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الأساليب تعطي نتائج أفضل. وهكذا تم الاعتراف عمليا بتفوق التخطيط الاشتراكي على فوضى السوق حتى من قبل أولئك الذين كانوا ألد أعداء الاشتراكية.

إن الصين اليوم بلا شك دولة رأسمالية. لكنها شكل غريب من الرأسمالية، حيث ما تزال تحتفظ ببعض عناصر التخطيط المركزي والصناعات التي تسيطر عليها الدولة والتي ورثتها من الماضي. كانت هذه العناصر بالضبط هي التي أعطت للصين ميزة هائلة في مكافحة الجائحة الحالية، مع نتائج جيدة للغاية. وقد تم الاعتراف بهذه الحقيقة من قبل أشخاص لا يتعاطفون عادة مع الاشتراكية.

كانت المزايا التي تتمتع بها الصين في مواجهة تفشي ووهان هي أنه كان بمقدورها أن تغلق مساحة ضخمة تضم حوالي 50 مليون شخص، مع استخدام موارد بقية البلاد لمساعدة من هم تحت الحجر الصحي. كان في مقدورها إرسال الممرضين والأطباء من أجزاء أخرى من البلاد وإرسال الموارد من جميع أنحاء البلاد.

لكن إيطاليا واجهت حالة مختلفة للغاية. لم تتلق أي مساعدة من بقية أوروبا، بل إن العديد من البلدان، مثل ألمانيا على سبيل المثال، قامت، في الواقع، بحظر تصدير الأقنعة الطبية، والتفكير بمنظور قومي ضيق جدا. لو كانت هناك عملية منسقة على الصعيد العالمي لكانت الأمور مختلفة للغاية.

وهنا تجدر الإشارة إلى ما يقوله الأطباء الصينيون المتواجدون حاليا في إيطاليا حول ما يجب القيام به. لقد لاحظوا الوضع في البلاد ومن خلال تجربتهم حول كيفية مكافحة الفيروس في ووهان، فهم يعتقدون أنه ما يزال هناك الكثير من حركة الناس في الشوارع. الشيء الذي يؤكد ما كنا نقوله منذ اندلاع هذا الفيروس الجديد: يجب وقف كل قطاعات الإنتاج غير الضرورية.

كان من الممكن أن يتم إغلاق إيطاليا تماما، مع قيام بقية أوروبا بإرسال المواد والموارد البشرية لمكافحة الانتشار الأولي للفيروس. لو تم القيام بذلك لكان في الإمكان أن تكون فترة الإغلاق أقصر وأكثر فعالية. لكن بدلا من ذلك شهدنا سعي كل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى العمل بطرق مختلفة وبسرعات مختلفة.

وكانت نتيجة كل ذلك هي أن الفيروس انتشر بسرعة أكبر في إيطاليا وكان عاملا مساهما رئيسا في الانتشار في جميع أنحاء أوروبا. والآن تواجه كل أوروبا الوضع الذي تعيشه إيطاليا، وصارت حالة الطوارئ أسوء بكثير مما كان ضروريا.

يفضح هذا الوضع الطبيعة الحقيقية للاتحاد الأوروبي، باعتباره هيئة تدافع فقط عن مصالح الشركات الرأسمالية الكبرى. فعندما يتعلق الأمر بفرض تدابير التقشف على بلدان مثل اليونان أو إيطاليا، يجدون الإرادة والوسائل للقيام بذلك، لكن عندما يتعلق الأمر بإنقاذ حياة الملايين من الناس، فإنه لا يظهر عجزه فحسب، بل يصير في الواقع عاملا في تفاقم الوضع. إنه يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الرأسمالية قد فشلت.

بدأ بعض المحللين البرجوازيين الجادين في إدراك أن نظامهم محكوم عليه بالفشل. وأحد الأمثلة على ذلك هو ما نشرته صحيفة The Australian magazine مؤخرا، حيث كتبت: «لقد حذرت شركة Macquarie Wealth Management، التي تعتبر الذراع المالي لمجموعة Macquarie، القلب النابض للرأسمالية الأسترالية، من أن “الرأسمالية التقليدية تحتضر” وأن العالم يتجه نحو “شيء سيكون أقرب إلى نسخة من نسخ الشيوعية”.»

كم هي صحيحة هذه الكلمات! إن المطلوب هو بذل جهد عالمي لمكافحة الخطر الذي تواجهه البشرية اليوم. لكن لا يمكن تحقيق ذلك طالما استمر الشيء الذي يحدد كل الأشياء الأخرى هو السعي لتحقيق الربح من قبل حفنة من الرأسماليين الذين يمتلكون وسائل الإنتاج. إن المطلوب هو الإنتاج لخدمة الحاجة وليس الربح.

لقد بدأ الكثير من الناس يدركون الآن أن ما يسمى باقتصاد السوق غير مناسب نهائيا لتلبية احتياجات الأزمة الحالية. كما أنهم يدركون أن إيجاد خطة إنتاج أممية مسألة غير ممكنة في ظل النظام الحالي. إن الاشتراكية قضية لم يعد من الممكن إنكارها. وبالطبع فإننا عندما نقول: الاشتراكية، لا نكون بصدد الحديث عن ذلك الكاريكاتير الشمولي والبيروقراطي الذي كان في الاتحاد السوفياتي أو في الصين الماوية. إن الاشتراكية الحقيقية لا بد أن تكون ديمقراطية وإلا فلن يكون لها وجود. لا يمكن تحقيق الاشتراكية الحقيقية إلا في ظل نظام الديمقراطية العمالية، مع اقتصاد مؤمم ومخطط تحت الرقابة والإدارة المباشرة للعمال.

هذا هو المشروع الذي يناضل من أجله التيار الماركسي الأممي في جميع البلدان التي له وجود فيها. نحن ندعوكم جميعا للانضمام إلينا في هذا المسعى لتزويد الطبقة العاملة والشباب في العالم بأسره بالسياسات الضرورية والبرنامج المطلوب لإخراج البشرية من المستنقع الذي جرتنا إليه الرأسمالية، وإلا فإن البديل هو أن يغرق المجتمع في أعماق البربرية على نطاق أكبر بكثير مما رأيناه خلال الثلاثينيات. انضموا إلينا في هذا النضال!

التيار الماركسي الأممي
20 مارس 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار