الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خدعة الوحدانيّة لله عند دعاة الإسلام؟

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 3 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لو أنّ أحداً من المفكرين العلمانيين أو الباحثين المصلحين تجرّأ وقال أنّ في كتب البخاري ومسلم وغيرها من "الصحاح" بعض الأحاديث الضعيفة والمكذوبة لقامت عليه قيامة المسلمين ولم تقعد, والسبب أنّ نغمة تقديس البخاري ومسلم تصملخ آذان المسلمين على المنابر وفي المدارس وعلى شاشات الجهل الفضائية من أول يوم يحضر فيه أطفال المسلمين دروس الدين, ويعلموهم أن لا يناقشوا ولا يشككوا فيما أخبر البخاري ومسلم بصحّته, منطلقين من مسلّمة أنّ كتاب البخاري هو أصحّ الكتب بعد كتاب الله "أي القرآن" وهم كاذبون في هذا الادّعاء لأنّهم هم أنفسهم -أقصد شيوخ التجهيل- لطالما رفعوا أحكاماً من الأحاديث الصحيحة فوق أحكام آيات القرآن, كآية الرجم مثلاً التي يدّعون أن حكم العمل بها يجب أن يظل قائماً مع أنهم وباعترافهم قد أكلت الماعز الصحيفة التي كان مكتوباً فيها تلك الآية!!
رواه الإمام ابن ماجه 1/625 والدارقطني: 4/179 وأبو يعلى في مسنده 8/64 والطبراني في معجمه الأوسط 8/12 وابن قتيبة
ولكن إن جاء هذا التكذيب والتضعيف لأحاديث البخاري من ضمن المنظومة المافيوية الدّعوية للشيوخ فلا حرج ولا ينتقص ذلك لا من قدر الداعية ولا من قدر البخاري, فالشيخ الألباني الذي ولد عام 1914 في ألبانيا والذي يعتبر ثاني مصدر للفكر الوهابي ومنظّر الإسلام السياسي بعد ابن تيمية, قام بتضعيف أحاديث من البخاري ومسلم بينما رفع أحاديث من الضعاف والمكذوب لمصاف الصحيح, وقد جمع له هذه التناقضات المفكّر الأردني حسن بن علي السقّاف في كتاب "تناقضات الألباني الواضحات فيما وقع له في تصحيح الأحاديث وتضعيفها من أخطاء وغلطات" كما قال فيه المفكّر المغاربي أبو الفضل عبد الله الغماري :
.."..... ومنهم محمد ناصر الدين الألباني يعرف الحديث معرفة جيدة إلا أنه يعتمد على المناوي وعلي القاري وغيرهما ممن ليسوا من أهل الحديث ولا غوص له في علم الرجال ويصحح ويضعف حسب الهوى والمزاج ................... ولما رأيت فعله هذا سقط من عيني يضاف إلى ذلك زيادة على بذاءة لسانه أنه يصحح الحديث الذي يوافقه ولا يدرك ما فيه من الشذوذ الذي يجعله من قبيل الضعيف ويدعي النسخ في أحاديث محكمة"

فلا عجب حين نرى هذا الألباني يصحح الأحاديث -يرفعها لمصاف الأحاديث الصحاح- التي تشير إلى مسائل الخلافة وإسلاميّة الدولة وعصمة الصحابة وغيرها, مثل حديث "خلافة على منهاج النبوّة" والذي في سنده داود بن إبراهيم الواسطي الذي يروي عن حبيب بن سالم حديث الخلافة على منهاج النبوة , داوود هذا هو نفسه داود بن إبراهيم قاضي قزوين، الذي قال عنه الرازي متروك، كان يكذب، وهو نفسه داود بن إبراهيم العقيلي الواسطي الذي قال عنه الأزدي: كذاب.

هذا الألباني هو الذي جاءت من عنده فتاوى عصمة الصحابة وكأنّها ركن من أركان الإسلام, مع أنّ الصحابة هم بشر مسلمون مثلهم مثل باقي المسلمين, فيهم التقيّ وفيهم من ارتدّ عن الإسلام بعد وفاة النبي , وكثير منهم أهرقوا دماء بعضهم البعض, ومنهم من عاد إلى الإسلام ومنهم من مات على كفره, ولكن منذ نشأة الوهابية ونفض الغبار عن كتب ابن تيمية ورفع الألباني لمصاف المشرّعين ترانا تعلمنا أن نترضى عن الصحابة حتى الذين قتلوا واقتتلوا وأدخلوا الإسلام في نفق مظلم ندفع فاتورته إلى اليوم.

ثم يأتي المسلمون ويعيبون على النصرانيّة أنّها جعلت واسطة بين الإنسان وربّه, وبأنّ النصارى يجعلون الإيمان بقدسيّة وعصمة شخص المسيح عيسى شرطاً لصحّة الإيمان بالله, وهذا بنظر المسلمين شرك بالله, حيث أنّ المسلمين الذين يدّعون الوحدانيّة المطلقة لله ويدعون الناس للإيمان بالاتصال المباشر بين الله والإنسان, هم في ذات الوقت يجعلون الإيمان بالأشخاص شرطاً لا لبس فيه لصحّة إيمان المرء وخلاصه, بدءاً من الإيمان بعصمة النبي وجعل الإيمان به شرطاً لصحّة العقيدة لا جدال في ذلك, لأنّ الإيمان بشهادة أن لا إله إلا الله لا تكفي لجعل الفرد مؤمناً خالصاً بل لا بد من الاعتراف بأن محمّداً رسول الله ومن ورائه الاعتراف بعصمة صحابته ومروياتهم عنه وهلمّ جرّاً, وفي المحصلة نجد أن النصرانية تؤمن بمسيح واحد قد صُلِبَ فداء لأتباعه, بينما المسلمون عليهم أن يؤمنوا بألف مسيح ومسيح وأن يصلبوا أنفسهم وعقولهم فداءً لكل مسيح من هؤلاء... ثم يقولون دين التوحيد!!!
ولو أحصينا عدد الأنبياء و الملائكة والصحابة والتابعين وتابعيهم وكل من هبّ ودبّ مما لا مناص للمسلم من الإيمان والتصديق به كشرط لصحّة عقيدته, لفاق هؤلاء بعددهم بضاعة متاجر قريش للاصنام, ولتقديس المسلمين لكل هؤلاء الأشخاص والأقانيم حجّة كالحجة التي يرويها القرآن عن كفار قريش بأنّهم ما يعبدون هؤلاء الأصنام إلّا ليقرّبوهم إلى الله زلفى *سورة الزمر, آية3. أي أنّ الإيمان المباشر بالله وحده سواء عند المشركين أو المسلمين الموحّدين يبقى إيماناً منقوصاً.
وحين ينبري الدعاة المسلمون ولا سيّما في الغرب لدعوة الناس للإسلام فهم يقدّمونه على أنّه دين التوحيد وإخلاص الإيمان لله وحده, وأنّه يكفي للمرء أن يؤمن بالله وحده ولا يشرك به شيئاً حتى يحوز النعيم والخلاص في الدنيا والآخرة, ولكن ما إن يدخل المرء في دينهم حتى يهددوه بالقتل بتهمة الكفر إن هو انتقص من قدر أشخاص كعمر بن الخطاب أو خالد بن الوليد, أو إن هو انكر وجوب إقامة دولة الخلافة وتطبيق حدود الشريعة فيها .
هذا فضلاً عن مطالبته بالتسليم بالتراتبية القيمية للبشر عند الله حتى بين المسلمين أنفسهم, لدرجة انّه لا يصحّ إيمان منكر الشفاعة, والشفاعة يا صاحبي إن كنت لا تدري فهي التسليم أنّ أحداً من المسلمين لن يدخل الجنّة إلا بشفاعة الحبيب المصطفى له عند الله!!! أي كما نقول في الدارجة : إله العدل والحق يعمل بنظام المحسوبيّات أيضاً, شأنه شأن موظّف بلدية في دولة عربية. وهذا أيضاً فضلاً عن مطالبة المؤمن بالاعتقاد بدرجات ومراتب المسلمين في الجنة كلّ حسب عداوته لغير المسلمين في الحياة الدنيا, فكلّما زاد غلوّك وعداؤك وأذيتك اللفظيّة والجسديّة لأتباع الديانات الأخرى في الحياة الدنيا, كلّما زادك الفندق الذي ستنزل به في الجنّة نجمة! ولا ننسى أنّ درجات النعيم في الجنّة هي زيادة في عدد النساء اللواتي سينكحهنّ المؤمن وخلافه من المتع الحسيّة التي تجعل غاية الإيمان عند المسلم أبعد ما تكون عن حبّ الله والإيمان بحكمته وجلاله, بل وأقرب ما تكون لطاعة زعيم مافيا والتودد له طلباً لحصّة معتبرة من الغنائم دوناً عن بقية أفراد العصابة!

وفي الجهة المقابلة يقوم دعاة دين التوحيد بتلقيننا الخوف في دور الجهل من أن لحوم العلماء مسمومة -يقصدون الشيوخ وليس علماء الطبيعة- مع أنه ليس بحديث ولا آية, أي وكأن نقاد الشريعة هم أكلة لحوم البشر وليسوا مفكّرين يعملون عقولهم وأقلامهم فيما يسمعون من الشيوخ, وكذلك حديث " من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب " وغيرها من المقولات التي تهدف أوّلاً وآخراً لإخراج شخصية المسلم المسارع للتبجيل والتقديس للأشخاص دون اعتبار لمنطقية الأفكار ولا لصلوحها, التقديس لكل من لبس عمامة أو أرخى لحية, المسلم الخائف من أن ينتقد أو يتساءل حول أي أمر من أمور الدين أو المنطق أو التاريخ, المسلم الخائف حتى من أن يسمع في الدّين رأياً غير الذي أراد له الشيوخ أن يسمعه ويردده, المسلم الخائف من أن يجهر بمساندته لحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين, المسلم الذي يخشى التبرؤ من جرائم حرب قام بها محسوبون على الإسلام , المسلم الذي يقع على عاتقه تبرير جرائم وحروب وغزوات هو كمسلم وكإنسان لا يرتضيها ولكنه يجد نفسه مضطراً لتبريرها لأن الشيوخ علموه أن السلف حتماً "صالح" وهو صالح فقط لأنه "سلف" أما أنت أيها المسلم العامّي فمجرّد حشرة لا تساوي ذرة غبار على نعال هؤلاء فمن أين لك أن تتطاول على هؤلاء العظماء, بل يجب أن تنحصر مهمتك في البحث عن شيخ يلقنك فنون البذاءة وصمّ الآذان عن أي محاولة تجديد أو تنوير في الدين والمجتمع... هم يريدونك كذلك تهرع من فورك لمواقع شيوخ جهلهم فتنسخ وتلصق وتبزق وترفس ثم تمضي مسارعاً للهروب من خوفك من نار جهنّم التي وعدوك بها إن أنت انتقصت من قدر أناس في التاريخ هم لم يقولوا عن بعضهم حتى أنهم معصومون , بل لم يقف تشنيع بعضهم بالبعض عند حدود النقد والحوار كما هو الحال مع منهج النقّاد والمفكّرين عند تناول شخصيات هؤلاء, بل أهرقوا الدماء, دلالة على معرفتهم بنوايا وإيمان بعضهم البعض, ثم يأتي هؤلاء الشيوخ والمحدثين ليطالبونا بالتصديق والترضي والإيمان بعصمة جميع الصحابة, القاتل والمقتول منهم! يريدون مسلماً بعيون الرّضا التي هي عن كل عيب كليلة, المسلم الذي يرتضي أن يتكلّم رجال الدّين بالنيابة عنه, المسلم الذي يسلّم بأنّ شرعية الحاكم تأتي من رضى الشيوخ عنه لا من رضى الرّعية.
وفي الختام سنطرح سؤالاً واضحاً بإشارة استفهام في آخره, يتحدد من خلاله قيمة الوحدانية في مجمل البناء العقائدي للإسلام:
هل يكفي الإيمان بوجود الله وحده دون قيد أو شرط كتذكرة عبور للإنسان من ميدان الكفر لميدان الإيمان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انتقاد البخاري وصحيح مسلم
احمد علي الجندي ( 2022 / 2 / 5 - 13:43 )
الانتقادات التاريخية لصحيح البخاري ومسلم كثيرة جدا ولا يمكن احصاءها
وادعاء اجماع الامة الاسلامية على تلقي كل ما في البخاري وصحيح مسلم هو ادعاء كاذب من اختراع المحدث المصري احمد شاكر بداية القرن العشرين وتابع اعمى البصر ولكنه ايضا اعمى البصيرة
مو تفكر
ابو تحريم قيادة المرأة للسيارة
وابو حرمة استعانة مصر بالاتحاد السوفيتي في الحرب المصرية الاسرائيلية
وطبعا نفس الرجل
أباح استعانة ال سعود بالامريكان ضد صدام حسين
ما غيره ابن باز

المهم
من المضحك المبكي ان البخاري ضعف حديثين في صحيح مسلم !
واتحدى احد ان ينفي ذلك
فاذا كانت الامة الاسلامية قد أجمعت على ان كل ما في الصحيحين اي صحيح البخاري ومسلم صحيحات
اذن كيف نجمع ذلك بأن البخاري ضعف حديثين في صحيح مسلم ؟
!
ولا البخاري مو من الامة الاسلامية
!
الدارقطاني لديه كتاب يضعف فيه 200 حديث في صحيح البخاري
حتى ابن تيمية وابن القيم ضعفوا احاديث في صحيح البخاري ومسلم
حتى شيوخ السلفية الوهابية اليوم ضعفوا حديث اكثر اهل النار هم النساء ( لم يضعفوا الحديث نفسه او بكل طرقه وانما ضعفوا طريق في صحيح مسلم ذكر فيه ان المرأة ذات وجه مضيء )

اخر الافلام

.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل


.. بحجة الأعياد اليهودية.. الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي لمدة




.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر


.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري




.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد