الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ظل أزمة كورونا ، وحظر التجول... دعونا نصحح أفكار المجتمع (ج2)

وعد عباس
كاتب وباحث

(Waad Abbas)

2020 / 3 / 30
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


انطلاقاً من الأمور التي يراها المجتمع السبب الرئيسي في ظهور جائحة كورونا المتمثلة بارتكاب المعاصي وكثرة الذنوب وعدم الإنابة والتوبة ، حَدَّدَ المجتمع الحكمة من انتشار الوباء فقال : أن الله تعالى أراد أن يعيدنا إليه ، بل يذهبُ عددٌ كبيرٌ من الأفراد إلى التنبؤ بأخلاقيات المجتمع بُعيدَ نهاية الأزمة ، وهذا ما أريد تناوله في هذا المقال :
من خلال متابعتي المستمرة لمنصات التواصل الاجتماعي التي تعتبر الوسيلة الأهم لفهم تصورات الأفراد لمختلف الظواهر الطبيعية والبشرية ، وجدتُ أنهم يتوقعون بأنَّ أخلاقَ المجتمع ستتغير نحو الأفضل ، إذ سيتناقص عدد الربويين ومستغلي الناس ، ونسبة الزناة وشاربي الخمر ، وتُجَّارُ البغاء ، ونسبة الكذب والدجل والنفاق ، وفي المقابل تزداد نِسَبُ التراحم والتكاتف والحب ، فضلا عن اعتقادهم بأنَّ هذه الأزمة كشفت معدن كل إنسان كان متخفياً خلف قناع جميل أيام الرخاء .
هذه التصورات التي يضعها المجتمع لمستقبل أخلاقه ليست سوى أوهام ٍ نفسية ، يتحقق من خلالها خفض حالات الخوف والقلق والتوتر ، فهو قد أقنع نفسه بأن الذنوب هي السبب وراء الوباء ، ثم عالجها بأن أخلصَ في صلاته واستغفاره وعلاقته مع ربه ومع الآخرين على أنه سوف يستمر بها ، وهذا يشعره بشيء كبير من الارتياح النفسي ، كونه يشعر بأنَّ الله سيرضى عنه ، وهذا أمر سيحدُّ بالتأكيد من انتشار الفيروس ... وهو أمر لا بأس به ما دام يُخَفِّضُ من حالة الهلع التي لها آثار خطيرة ربما تتعدى في خطورتها الفيروس نفسه ، على ألَّأ تجعله يغفل الأسباب الواقعية والإجراءات الوقائية .
لكنَّ التفكير العلمي القائم على أسس علمي النفس والاجتماع يخبراننا بعكس ذلك تماماً ، فالمجتمع لن تتغير أخلاقه إلى الأفضل بشكل مطلق ، بل ربما إلى الأسوأ ، وذلك يرجعُ إلى أسباب عديدة ، أهمها أن المنافق وغيره لا يشعر أنه مذنبٌ في أفعاله كي يتوب ويتركها ، بل يرى نفسه في المسار الصحيح ، ويرى غيره في المسار الخاطئ ، ولذلك تراه ينشر في حسابه الشخصي نصائح وآيات قرآنية متقمصاً دور "الداعية" إلى التوبة ، وهذا هو فعل اثنين من "الدفاعات النفسية اللا شعورية " وهما :: التبرير إذ يقنع الفرد نفسه بجلب أسباب منطقية لأعماله غير المنطقية محاولة منه لتحقيق الاستقرار النفسي . والإسقاط الذي يستعمله الفرد لا شعوريا فيرحِّلُ أخطاءه ومكبوتاته إلى الآخرين ، فالمنافق يُكثِر من اتهام الآخرين بالنفاق ، والكذَّاب يكثر من اتهام الآخرين بالكذب ... وهكذا .
وإن افترضنا جدلاً بأنه سيعود إلى نفسه فيحاسبها ويكتشف أخطاءها ، فإنه لن يكون إلا شبيهاً بذلك الرجل الذي دخل مقبرة النجف ، ففزع لما رآه من أجساد تحت التراب ، وتيقنَّ بأنه سيلحقهم عاجلاً أو آجلاً ، فقرر أن يتوب إلى ربه فيكفُّ عن إيذاء الناس بسرقاته ، فلما خرج من المقبرة تناقص التأثير ونسيَ والمشهد وعادَ إلى سيرته الأولى . الذي أريد قوله إن علاج الشخصية لا يتم بالأزمات ولا النصائح ، بل بخطة علاجية يحتاج تطبيقها إلى الإرادة والصبر .
فضلاً عن أنَّ الأزمات بشكل عام تؤثر سلباً على الجهاز النفسي للإنسان ، ومن ثم على أخلاقه وسلوكياته ، فلا تنتهي أي أزمة إلا بعد أن تترك آثاراً سلبية لا تحصى ، ولي أن أذكركم بما تركته أزمتا القاعدة وداعش ، وغيرهما من الأزمات التي تسبب بها فيروس من الإنس أو من الفيروسات نفسها .
لكنَّ تصور المجتمع بخصوص أن الأزمة تكشف المعدن الحقيقي لكل إنسان هو تصور صحيح تماماً ، ويكفي أن نؤكده بعودة المعدن الأصيل للشعب العراقي المتمثل بالتكاتف بين أفراده ، وظهور حملات مساعدة الفقراء حتى في القرى الصغيرة ، والتي أخذت سابقا شكلَ الدعم اللوجستي للقوات الأمنية ، ومساعدة عوائل الشهداء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة