الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارتباك الواقع في مجموعة هشاشة عقول ل نبيل عبد الحميد

محمد سمير عبد السلام

2006 / 6 / 10
الادب والفن


في نصوصه القصصية ( هشاشة عقول) – الصادرة عن هيئة قصور الثقافة ضمن الإصدارات الخاصة 2005 - يستمر الكاتب الأستاذ / نبيل عبد الحميد في قراءة الواقع وفق منطق الصورة الفنية ، فالشخصيات و الأحداث و الوقائع تولد في وسط مشبع بالوجود الواقعي ، ولكنها تنمو زمنيا في مسار النص و تداعياته التصويرية الخالصة و من ثم يرتبك مفهوم الواقع كمفهوم فلسفي يحدد هوية الإنسان في العالم ، إذ يختلط بنزعة سردية ديناميكية ترده إلى التحولات الأسطورية الكامنة في اللاوعي الجماعي أو قدرة النص القصصي على إنتاجية الصور من خلال اللعب.
إن ارتباك الواقع في نصوص نبيل عبد الحميد يعني أن الممارسات الحياتية اليومية لا يمكن ردها إلى منطق ثابت يعرف بالواقعية ، فهي مؤولات رمزية فريدة للخبرات الثقافية و النصية للسارد و القارئ معا ، ومن ثم تصير الواقعية هنا دلالة مضافة تكسب هذه الخبرات حضورا حيا يتميز بالوثائقية رغم انفلاتها الإبداعي من المنطق.
في نص (عيون حجرية) يرصد السارد لهو مجموعة من الجنود بالبشر و الحيوانات و البيوت ، فقد قرروا اصطياد أسرة طفل هاجمهم بحجر ، اللهو هنا يمتزج بالسلاح كأنه يخرج من فوهته حروب الأساطير القديمة . أما الدم المتناثر فيعكس الموت ، و لكنه يحمل صورة عين حجرية يمنحها السرد حياة مقدسة فيتحول خطاب الحكاية من المواجهة بين الجنود و الأطفال إلى منطق اللعب الذي يستبدل لهو الجنود بالهدف ، فرغم أن الهدف يتجه نحو البعثرة فإنه أيضا يتناثر في مجموعة أخرى من العلامات القادرة على إعادة تمثيل الحياة الكامنة في العين الحجرية ، فقد صار كل من القطب و الطفل و الملثم مثل أسلحة أسطورية نابعة من اللهو لأن النص بعثهم من الأشلاء وفي الوقت نفسه يعملون على تدمير اللهو الأول.
وفي نص (مسألة إنسانية) يأتي السرد من وجهة نظر البطل / الراصد للمرأة المزركشة زوجة اللواء إذ تستخدم سلطة زوجها في إذلال الطفلة المريضة / الشغالة ابنة أبي محمود البواب ، وتبدو المرأة في قوتها و عنفوانها مثل طاقة ذات وجود ظاهري مربك للوعي الراصد ، فطاقتها اللاواعية لا تعبأ بالمسألة الإنسانية و تستبدلها بالأساطير و خيالات الرهبة المصاحبة لزوجها كرمز ثقافي وواقعي في آن ، فهو يمثل الإطاحة اللامعقولة بالذات وفق تاريخ القوة و لكن تأكيد الزوجة على هذه الخيالات يربك هويتها الخاصة فالصوت النابع منها هو صوت البديل الأسطوري لزوجها .
ثم تنتقل بؤرة السرد إلى أم محمود التي تتهم زوجها بالإهمال و إجبار بناته على العمل ؛ أما الرجل فيبرر ذلك بشروعه في بناء بيت في البلد لراحتهم ، و يقف البطل حائرا أمام هذا التقاطع العبثي من وجهات النظر ، و كأن المسألة الإنسانية مؤجلة ؛ لأن الاختلاف يضعها في سياقات متضاربة لا علاقة لها بالإنسان /موضوع القصة و هو الفتاة المريضة التي توارت هويتها في دلالة الغياب رغم حضورها في الآخر.
وفي نص ( المطرقة ) يقرأ المؤلف وجود السارد من منظور فوق- واقعي فالأشياء التي تبدو عادية في الواقع تحيا فيها الأساطير و الأحلام و الصور، ووفقا ل ( جان بودريار) فإن الواقع الفائق يجسد الاهتمام بمماثلات الواقع أكثر من الواقع نفسه ( راجع/ المماثلة الاستعاضية و بنية الحلم عند بودريار / ر. ك. ويلكرسون/ ت- سامح فكري/ الفن المعاصر عدد4 / 2002 ) ؛ فقد صحا البطل و زوجته على صوت دق شديد على السقف ثم اكتشف أنه آت من شقة السيدة الثرية فوقه ، وتذكرنا هذه المرأة بالسلعوة التي تلتهم الرجال ، فهي تريد أن تضيفه إلى قائمة مئة زوج سابق لأنه يحمل أكسير رجل الحلم ، لقد تولد البطل من أحلامها فأصبح له واقع آخر فائق ، أو ذات أخرى تقاوم هويته الأولى ، و من أهم مفردات ذلك العالم الجديد هذه المرأة / السلعوة و الرجل الأسمر القوي الذي يدق طبول حرب بدائية شرسة كأنها آتية من نوازع التدمير اللاواعية طبقا للمفهوم الفرويدي .
إن البطل يساق – مثل صورته المعلقة – إلى وجوده الفائق على حائط المرأة ، ويبدو أنه يتحول بالفعل دون أن تكتمل معرفته بالسياق الجديد.

وفي نص ( هشاشة عقول ) يبني السارد عددا من التوقعات التأويلية ابتداء من العنوان ؛ فهل يمثل دال الهشاشة حكما على مسار الشخوص ؟ أم أنه وصف تكويني للعقل حينما يفلت من آليات الإدراك القديمة ؟
إن السارد يطرح هنا إشكالية امتزاج الواقع بالخبرات فوق- الواقعية ؛ فالدكتورة صاحبة العمارة تريد أن تشتري ابن عماد / البواب بمئة ألف جنيه ، لتعد مجتمعا من الصفوة ، يكون هذا الطفل لبنته ؛ إذ إنها تملك بلورة سحرية تخلص الإنسان من الأدران و الأوساخ لمدة عشر سنوات يغزو بعدها الواقع المدنس ، ثم نجد الراوي / المصاحب لعماد يذوب في البلورة /الفائقة كبديل عن الولد ، تحركه في ذلك رغبة في القوة المصاحبة لفرض فكرة النقاء على المجموع ؛ هذه القوة لها أصول في اللاوعي و التاريخ الثقافي ، ولكن الراوي وقع أسيرا أيضا لصورة عبثية في وعي الدكتورة إذ تحول مصيره فجأة وفق لقاح الصور بينهما.

و في نص ( رائحة الشواء ) يقدم السارد تناقضات عديدة في واقع الدكتورة نور و زوجها المهندس ؛ فالمرأة تبدو مثل رقم أو علامة في مشهد يهمش أنوثتها ، والولد يمارس الحب ضمن لعبة ناقصة . أما المهندس فيبدو أن كثرة أعماله تطغى على هويته ، كما يظهر كظل متكرر للرجل المهم .
إن النص يضخم من قيمة مشروع استثماري في الصحراء بين الرجلين ، ثم يضع هذا الأخير في علاقة مونتاج مع تصحر الجسد الأنثوي و هامشية المهندس ، فالمشروع مؤول للذات الغائبة و بديل لها أيضا . يضعها – في المحور المكاني – في إطار النزيف الدموي الذي رصده السارد في البداية لأحد مرضى الدكتورة.
وفي نص ( طريق الموكب ) يستخدم السارد تقنية تعدد شخوص المروي عليهم ؛ أما البطل فهو صاحب الخطاب الذي يبرز في كل مقطع أحد المروي عليهم ؛ فالأول هو الأخ المريض القابع في سيارة الإسعاف يصارع الموت ، فيحاول السارد طمأنته بعبارات تحمل دلالات الحياة و الموت معا ؛ إذ يجسد الانفصال الخطابي عنه دلالة العبث و الغياب ، بينما ينضح الحوار نفسه باحتفال شبه طقسي بالحياة ، ويلازم العبث حواريات البطل الأحادية مع الدكتور و رجل المرور و السائق و صاحب الموكب حتى يصل الانفصال إلى ذروته حينما يرتبك حديث السارد ، ويصير مملوءا بالتناقضات اللغوية الإبداعية ؛ فقد خاطب السائق قائلا :
" أنا سأتحمل المسئولية كاملة ، أدفع المخالفات ، أدفع التعويضات ، و الإكراميات و كل شيء ... فقط انطلق؛ فالرجل يموت ، إذن فأنت لا تتحرك ، هات مفاتيح العربة ، أنا أقودها بنفسي ، أهكذا توقعها من الشباك ؟ "
إن المروي عليه هنا يحرك ذات الراوي دون أن يحضر في الحوار ، حتى يصير البطل جزءا من أساطير التضحية و الاعتراف و الفداء في التراث الحضاري ، فقد اقترن الموكب بتصاعد سيمفونية الحياة بداخله ، في الوقت الذي كان دمه فيه يسيل و صوته يتقطع .
محمد سمير عبد السلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى