الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لصوص الفكر ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2020 / 3 / 31
الادب والفن


لا يكذبُ المرءُ إِلا من مهانتِه, أو عادةِ السوءِ أو من قلةِ الأدبِ
بشار بن برد

يُحكى أنه بعد أختراع المُسدّس أو البندقية، شاعَ بين الناس مثلٌ ظريف يقول :
الأن و بفضل هذا السلاح ، تساوى الإنسان الشجاع مع الإنسان الجبان ،
اليوم ومع هذا الإنفجار المعلوماتي والتشظي المعرفي الذي نشهد ،
و تعارف الناس - في مناحيه القاصية - من خلف الشاشات الذكية ومفاتيح الكتابة. وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بميزاتها التكنولوجية الهائلة، وأخصّها ميزة سهولة النقل في القص واللصق أو الترجمة و النسخ ..
يبدو أن ذاك المثل الظريف قد صار يصح قوله كالآتي:
الان - وفي خضم سطوة هذه الوسائل على البحث والمعرفة - ضاعت المعالم المشرقة ، والحدود المفرقة، بين المُستخدم الجاهل و المُستخدم العالم ،
بل رُبّما بات من الصعب جداً ، في بحر هذا العالم الافتراضي المتلاطم في مصادره ، تمييز المحاوريين الاغبياء عن المبدعين الأذكياء ..
بعيداً عن مسألة الألقاب العلمية العالية التي ينسبها البعض لنفسه زوراً ، ويكتسبها البعض الأخر بهتاناً ، وبغض النظر عن الشهادات الكرتونية المُبجّلة التي يمكن " للفوتوشوب" أن يزينها بأجمل العبارات والأختام .
فقد تساءلت بيني وبين نفسي ، ما الذي يدعو المرء لأن يكذب ويُدّجل ويَسرق بأريحية جهدَ غيره من الأفكار والعبارات والإبداعات ، ثم ينسبها زوراً إلى نفسه، دون تردد وحسبان أو أيّ تأنيبٍ من ضمير أو وازعٍ من وجدان..؟
تُرى ما الذي يدفع هذا الكائن العاقل، لأن يكذب هكذا بكل صفاقة ، ويقص ويلصق أو ينسخ منشوراً لغيره ، أو عبارة من صفحة ما ، ليضعها على صفحته ويذيلها بإسمه بكل زهو وإفتخار..؟
ما هي الأسباب والدوافع وراء هذا الكذب والخداع للذات والآخرين.؟
وما الذي يدفع هذا الإنسان إلى أن يكذب على نفسه وعلى الآخرين.؟
بالطبع هناك إجابات كثيرة وأسباب أكثر ، لا يمكن لعاقليتي البسيطة أن تحيط بها ، لكن بكل تأكيد وأمل عارم ، أنتظر الإلمام ببعضها من السادة القُراء والمشاركين الكرام في هذا النقاش .
أما بالنسبة إلى ما يطرأ إلى ذهني الآن ، فأغلب الظن أن السبب الأساس ليس الجهل وحسب ، بل هو اضطراب نفسي وذهني ناجم عن تضخم حالة الأنا النرجسية لدى الفرد ،
وهي حالة تمثل – كما هو معلوم - احدى أركان الثالوث الفرويدي في تحليله لتركيبة النفس الإنسانية ، بالإضافة الى حالتي السادية ( الرغبة في إيلام الغير أو الموضوع ) والمازوشية ( الرغبة في استجلاب الألم للذات )...
والنرجسية – كما أفهم - تشكلُ جانباً أساسياً أو ركناً هاماً في بنية شخصية أي إنسان ، و هي جوهر الأنا النفسي في الانسان، تعني حب الذات والرغبة في عشقها،
أو لنقل حب المرء لنفسه وإعجابه لها ، والرغبة في تقديرها ، و الإلحاح الداخلي على إظهار أناه ، وتأكيد وجودها بين المجموع . بأية وسيلة ممكنة وبأية طريقة متاحة .. ولهذا تبقى في تقديري هي المفعال الأهم في سلوك السارق أو المنتحل أو اللص الفكري كما يطيب للبعض أنْ يُسميه .
استناداً إلى أن الانسان بعامة ، يسعى دوما إلى تأكيد ذاته، ويجهد بدأب شديد إلى نيل التقدير لها من قبل المجتمع ، وبخاصة بين الأفراد الذين يشعر أنهم يتفوقون عليه في مقدرات أو صفات ما ، تجلب لهم حظوة أو شُهرة أو اهتماماً ومكانة بين الآخرين .
وإذا ما فشل هذا المرء في تأكيد أناه، أو حصل انحسار في تقدير ذاته، وتأكيدها على هذا النحو أو ذاك، يُصاب بالقلق والضيق والإحباط ، و تظهر عليه علائم الإضطراب الذهني والسلوكي . وقد يصل به الأمر إذا ما اكتشف أمره ليس دائماً إلى النكران والكذب والتبجح أو"عمل البلوك" بل الى الإكتئاب والاعتلال الشخصي أو العدوانية المُفرطة .
بالطبع لن أستغرق كثيرا في التحليل النفسي لهذه الظاهرة لأن الحديث فيه على أهميته الشديدة معقد ومطول و ذو شجون .
لكن بحسب فهمي الخاص - فإن حالة النرجسية إذا ما تضخمت كثيراً في ذات الفرد ، أو أسرفت في التحكم في باقي جوانب شخصيتة الأخرى ، فإنها تُعطل في اسرافها هذا، ملكة الحكم المنطقي عنده، وتمنع عن فهمه أسباب التقدم وتشوه لديه الإدراك و الوعي .
ولذا تصبح وسيلته الأنجع - حسب ظنه - لكي يظهر، أو يكون له موطأ قدم في هذا العالم ، هي تعاظم ميول الكذب وتعلم أفانين المراوغة والإدعاء بما ليس فيه .
بالمناسبة ، وبحسب المعلم الأول " أرسطو " فإن الكذاب ليس من يملك القدرة على الكذب بل هو من يميل الى الكذب .
و قد أورد رائد التفكيكية جاك دريدا في كتابه " تاريخ الكذب " قولاً لافتاً وعميقاً لـلمفكر الفرنسي مشيل دي مونتان يقول فيه :
" لو كان للكذب - كما هو شأن الحقيقة - وجه واحد، لكانت العلاقات بيننا أحسن ممّا عليه، فيكفي أن نحمل على محمل صدق نقيض ما ينطق به الكاذب منّا.
إلا أنّ نقيض الحقيقة – للأسف - له مئة ألف وجه ولا يمكن الإلمام كلياً بالحقل الذي يشغله."
وباستخدام دريدا المنهج التاملي الكانطي المعروف في ذاك الكتاب ، استطاع ان يضع لنا تعريفا للكذب يقول فيه : " أن الكذب هو فعل مقصود يقوم على مخاطبة الاخرين لاسماعهم اقوالا ، يعرف الكاذب وفق وعيه الكائن، انها اقوالا خاطئة لكنه مع ذلك يَدّعي - بكل ثقة - انها صحيحة".
وهنا أقول بمعنى آخر ، أن الكذب هو نية مسبقة لخداع الاخرين، وهو إخلال بالوعد الضمني بقول الحقيقة ، يسعى الكاذب من خلاله الى توجيه سلوك الاخرين على نحو يهواه ويراه صائباً.
قصارى القول فيما جاء على لسان صاحب كتاب " الاعترافات " الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو :
انْ تكذبَ لمصلحة نفسك فهذا مُستحيل، وأنْ تكذب لمصلحة الغير فهذا تدليس ، أما ان تكذب من أجل الاضرار والحاق الاذى بالاخرين فهذا افتراء، وهذا اسوأ اصناف الكذب ، وامّا انْ تكذبَ من دون انْ تقصد مصلحة ، أو الحاق الاذى بنفسك أو بالغير ، فأنت لاتعتبر كاذباً بل أخرقاً ، وما تقوله ليس كذباً بل مُجرّد تخيّل ..
للحديث بقية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و