الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهج طروادة عند دعاة الأسلمة في الغرب.

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دعونا نطرح السؤال التالي: هل يمكننا اعتبار الإسلام مجرّد دين؟
ينص التعريف العام الوارد في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, و المادة 9 من الميثاق الأوروبي, على أنّه " لكلِّ شخص الحقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو لوحده." انتهى الاقتباس.
هذا الحق المنصوص عليه في تلك المادة, وهذه الحرية المنصوص عليها بحد ذاتها, هي أول ما ينتصب المنهج العقائدي للدعاة المسلمين في مواجهته!
إنّ تقديم الإسلام للغرب على أنه مجرّد ديانة, إنما يعود لجوانب معينة في الإسلام لطالما ركّز عليها الخطاب الديني المعاصر للدعاة المسلمين ولاسيّما في الغرب, مما يظهر الإسلام للوهلة الأولى على أنه ليس أكثر من نمط حياة يخصّ الفرد, أو مجرّد نظرة لتفسير منشأ العالم ومصير الإنسان يتبناها بعض المؤمنين بهذا الدين, هذه الجوانب التي نتكلّم عنها هي ( المعتقد, الهويّة, ونمط العيش) , وعليه فلا عجب حين يبدو الإسلام بنظر الغربيين عموماً ولاسيّما تيارات الوسط واليسار على أنّه آيديولوجيا دينيّة, وحقّ مصان وفق شرعة حقوق الإنسان, وذلك لأنّه وبكلّ قصديّة وعن كامل سبق التخطيط يتمّ إغفال الحديث عن جانب من الإسلام عند الدعاة في الغرب لا يغفلوه عادة حين يخلوا بعضهم إلى بعض, ألا وهو أنّ الإسلام ينطوي على تأطير شامل لنظام حكم سياسي وعسكري, مما يجعل الإسلام أقرب للحزبيّة السياسيّة منه للعقيدة الدينية.
فالإسلام ينصّ على تأطير لملامح الحكم, سواء من خلال وجوب تحديد دين الحاكم واشتراط إسلامه ابتداءً حتى يعصم نفسه من ثورة المسلمين عليه, مروراً باحتكار الإسلام للسلطة التشريعية للبلاد على المستوى الداخلي والخارجي دوناً عن بقيّة مكوّنات المجتمع, وانتهاء بتأطير الإسلام للتعامل المهين العنصري الفوقي بين المواطنين من أتباعه وبين المواطنين من أتباع الديانات الأخرى, وأهمّ هذه الأطر هو عدم جواز ترؤس المسلم لغير المسلم, مهما اقتضت مصلحة الدولة والمجتمع بذلك, ولكن إن حصل ذلك تحت سلطة الأمر الواقع, فعلى المسلم أن يتماشى مع الوضع بشرط أن يعتبر ذلك حالة مؤقتة, وأن يناضل قدر استطاعته للعمل على تغييرها.
تشير الآية 59 من سورة النّساء بوضوح إلى هذا المبدأ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا .
لا يختلف مفسّرو القرآن على أن كلمة "منكم" الواردة في الآية تشير إلى الحاكم المسلم, كما تدعم هذه الآية آيات كثيرة خلاصتها أنّه لا ولاية لغير المسلم على المسلم بإجماع المفسرين والأئمة بلا استثناء, كما نجد في حديث أحمد مغالاة تزيد عن ذلك بأشواط , حيث لا يجوز استقدام خبير من المسيحيين وغيرهم وتوليته منصباً إدارياً, فما بالك بأن يكون ربّ العمل نفسه كتابيّاً بل وملحداً!
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (قلت لعمر رضى الله عنه إنّ لي كاتباً نصرانياً. قال: مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضهم) ـألا اتخذت حنيفاً؟ قال: قلت يا أمير المؤمنين: لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله. فدل هذا على أن تولية الكفار على جميع مللهم ونحلهم مراكز قيادية لا يجوز، وهو أمر محرم متفق عليه بين أئمة المسلمين.
المصدر: أحكام أهل الملل من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل, بواسطة أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون/الخلال, ص117.
إلّا أنّه وبسبب حالة الضعف والتخلف العسكري والعلمي للمسلمين في الوقت الراهن لا يملك الإسلام والمسلمين حاليّاً القدرة العسكرية السانحة للتفوق على الغرب كما حصل إبّان الغزوات العربية الإسلاميّة , وهذا تحديداً ما أدّى لتغير نهج الغزو والفتح عند المسلمين, وتحديداً تغيير نهج الخطاب عند دعاة الإسلام, فبعد قرون من التلويح بالسيف والتعبّد بآيات ضرب الأعناق, راح الدعاة اليوم يلوّحون بالسواك والسبّحة ويعيدون تفعيل آيات التسامح والمحبّة, وهم أنفسهم الذين لم يقيموا وزناً لهذه الآيات حين حاصروا واقتحموا وغزوا البلدان الآمنة, هم ذاتهم الذين عطّلوا ونسخوا أحكام هذه الآيات طمعاً ببنات كسرى والروم, هم أنفسهم الذين ما أعادوا تفعيلها إلّا لضعفهم وقلّة حيلتهم, وهم هم ذاتهم من سيعيدون تعطيلها واستبدالها بأحكام آيات السيف عند أول فرصة تسمح لهم بذلك, هذا التعطيل وهذه التقية وهذا النفاق وهذه المواربة تحت مسمى أحكام الضرورة, هي بالذات ما أودّ أن أطلق عليه "نهج طروادة عند دعاة الإسلام في الغرب"
هذا النهج يبنى على مبدأ التعتيم في نشر الإسلام خاصة في الغرب, التعتيم على التعاليم التي تصطدم بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان والدساتير الغربية, في الوقت ذاته الذي يركز الدعاة فيه على نشر الدعاية الإسلامية بجوانبها الثقافية وعلى أنّها عادات شخصية للفرد ونمط معيشي فضلاً عن كونها رؤية كونية للخلق ولمصير الإنسان بعد الموت, بهذه الطريقة يصطاد الداعية تابعاً جديداً, لينتقل به بعد ذلك خطوة أبعد في سلم الارتقاء الهمجي للدعوة نحو تعاليم أكثر حضّاً على كراهية الآخر وأكثر تعصّباً لأتباع دينه الجديد .
إلّا أن خطاب الدعاة مع الفئة الأخرى المستهدفة من الدعوة الذين هم بالأصل مسلمون يختلف بعض الشيء, فلا يحتاج الداعية معهم لإضاعة الكثير من الوقت في شرح مسائل الإسلام السمح وآيات التآخي والتسامح والمحبة, لأنهم على دراية بها, بدليل أنّهم يعيشون بجانب هؤلاء الكفار في دول الغرب ويعملون عندهم ومعهم بل ويتزوجون وينجبون منهم, بل والكثير من هؤلاء المسلمون يتمسّكون بدينهم وإيمانهم ويعتزّون بكونهم مسلمين تحديداً لأنهم أتباع دين يحضّهم على العيش بمحبّة وسلام مع الآخر "كما يظنّون هم على الأقل", لذلك يشرع الداعية الطروادي مع هؤلاء مباشرة بشرح منهج الكراهية والتكفير!
ذلك لأنّ الحديث في الدعوة ابتداءً مع الإنسان الغربي من غير المسلمين حول الإسلام، إنما يهدف لتعميق الإحساس بعظمة وروحانيّة شخص نبيّ الإسلام محمّد، و إبراز أنّ الإسلام ليس شيئاً أكثر من تعاليم تهدف لبناء شخصية الفرد روحيّاً من خلال الاقتداء بشخصية الرّسول المحبّ الرّحيم العادل, ونقصد هنا بالطبع شخصيّة النبيّ الذي هاجر للطائف في بداية الدعوة حزيناً ودعا ربّه أن يهدِ قومه ويرحمهم, وليس النبي الذي قام أبو أيوب الأنصاري يحرسه كي لا تقتله صفيّة بنت حيي بن أخطب وهو يقوم باغتصابها لأن النبي كان قد قتل زوجها وأباها وأخاها. المصدر: السيرة النبوية لأبي شهبة (2/385)
المهم, لأنه دون الإيمان المسبّق والتسليم بعظمة وقدسيّة شخص النبي ونبوّته ورسالته لا يمكن للداعية أن يقنع الإنسان الغربي المعاصر بقدسيّة الثقافة الذكوريّة في الإسلام, ولا ان يدفعه للتضحية بالنفس لتخليص العالم من الوجود الدنس للكفار على ظهر المعمورة, ولا أن يشرح له كيف أن معونات البطالة التي يأخذها المسلم من الدول الغربية يعتبرها المسلم حقّاً له في أموال الكفّار تحت مسمّى الجزية, ولا أن يقنعه بأنّ دفع الضرائب للحكومات العلمانيّة حرام شرعاً بينما تمويل طباعة الكتب الإسلامويّة المخالفة للدستور هو خير الأعمال عند الله, بل كيف سيشرح له أنّ زوجة هذا الغربي نفسه بل وأطفاله مستباحون للمسلم عند المقدرة اقتداء بهدي النبي وصحابته, أي باختصار كيف لهذا الداعية أن يجعل هذا الغربيّ يؤمن بأن القاتل النّاهب المغتصب هو أعظم إنسان مرّ بهذا العالم!!.. هذا فضلاً عن أنّ الحديث بمثل هذه الأمور في الغرب يتعارض مع الدستور ومع مبادئ حقوق الإنسان, ويعرّض الداهية -أقصد الدّاعية- للاعتقال والإبعاد.
بينما لا يجد الداعية هذا الحرج في الحديث حول ذلك مع المسلم بالولادة أو الذي قد أسلم سلفاً , ولا يجد نفسه مضطرّاً للتحفّظ في كلامه حول عظمة قتل الناس واغتصاب نسائهم قدوة بخير الأنام وحبيب ربّ المسلمين, لأنّ أهم ركن من أركان اتّباع الإسلام هو تقديم التشريع الإلهي على كافّة القوانين الوضعية.
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ, وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا . سورة الأحزاب آية 36
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ. المائدة آية 44
من خلال هذه الآيات البيّنات يتضح أنّ الله وحده هو الذي يملك سلطة التشريع, وهذا برأيهم ما يجب أن يقرّ به كل مسلم دون استثناء, على الرّغم من أنّ المرء قد يسمع تفاسير كثيرة لتلك الآيات, إلّا أنّ جميع تلك التفاسير تطرح أسئلة من قبيل: على من تقع مسؤولية تطبيق التشريع الإسلامي في الدولة والمجتمع؟ ما هي السياسة الأمثل للوصول لدولة الإسلام التي يتم تطبيق شرع الإسلام بها؟ وليس السؤال المطروح بأيّ حال هو: هل يصحّ أن يحكم العالم بقوانين وضعيّة أم لا بدّ من الحكم بقوانين الشرع الإسلامي؟
من هنا نجد خطّين واضحين في الإسلام السياسي, الأول يؤمن بالتحول البطيء النّاعم للمجتمع نحو الأسلمة, أو على الأقل نحو تقبّل المجتمع للإسلام كجزء من المنظومة الحاكمة. (وهذا ما أطلق عليه هنا حصان طروادة الدعوي) والثاني هو النهج المباشر الذي يؤمن بالعنف ابتداءً كنهج وحيد لأسلمة المجتمع وفرض الشريعة, كما في حالة داعش والقاعدة.
بالنسبة للطرواديين فإنّ موقع الديمقراطية بشكلها العالمي الحالي ضمن المنظومة الإسلاميّة إنّما هو نظام حكم مرفوض قطعاً, لأنه يمكن ان يأتِ بالكفار من غير المسلمين إلى سدّة الحكم ويمكّنهم من التسيّد على المسلمين من الرّعيّة وتطبيق احكام مخالفة لشرع الله في الدولة والمجتمع, ولكن على الرّغم من ذلك تراهم -أي الإسلامويّون- يسارعون للترشّح والانتخاب, وذلك كي يستعرضوا أمام العالم أنّ الإسلام بجوهره لا يقف بوجه المعاصرة والديمقراطيّة, بينما في الحقيقة جلّ هدفهم هو الوصول للسيطرة المطلقة على الحكم و من بعدها إقصاء الجميع خارج الدائرة لأنّ الحكم لله وحده ولا يجوز للمسلم تمكين الكافر من السلطة.
وفي الحقيقة حين ينظر المرء لمفهوم الديمقراطيّة عند هذا التيّار وفي أدبياته, فإنه لا يجدها أكثر من مجلس تشاوري بين ممثلين عن مختلف الفهوم والتفسيرات للنص التشريعي الوارد في الإسلام, وهي ليست على أيّة حال مجلس للنقاش في قضايا تتعلّق بالحرية والمساواة في المجتمع بين القائمين على السلطة من الإسلامويين وبين مختلف الأحزاب الممثلة لبقية أطياف الشعب, وفي كل الأحوال فهم أنفسهم-الطرواديين- لا يطلقون عليها لفظ ديمقراطية, بل حسب اللفظ القرآني فهي شورى, والفرق بين الشورى في الإسلام والديمقراطيّة في تعريفات السياسة المعاصرة كالفرق بين المركبة الفضائيّة والشيشة, فالديمقراطيّة بشكلها المعاصر مخالفة لصريح القرآن في أكثر من موضع وليس آخر تلك المواضع هي الآيات الواردة آنفاً في هذا المقال.
انظر لهؤلاء الإسلامويّون كيف يزعقون فرحاً حين يتم انتخاب امرأة محجّبة في أحد برلمانات الغرب, فبدلاً من اعتبار ذلك انتصاراً للديمقراطيّة وتمكيناً لجميع مكونات الشعب في هذا البلد من المشاركة في الحكم, بل وتمكيناً للمرأة بعد طول ظلم في التاريخ, تراهم يعتبرونها شوكة في عيون الغرب الكافر وانتصاراً للإسلام وخطوة على طريق عودة الفتوحات الإسلاميّة لبلاد الكفّار.
وفي الختام دعونا نطرح سؤالنا على المختبئين في جوف حصان طروادة الإسلاموي هؤلاء: هل غاية الدّعوة للإسلام في الغرب هي (فقط) الأخذ بيد الإنسان الفرد لتعريفه بعظمة الخالق ومحبّته لجميع خلقه على السواء؟ أم الغاية هي السعي لترجيح كفّة المسلمين في هذا البلد وغيره لتكون لهم الغلبة العددية في النهاية, ويتمّ للمسلمين إقامة شرع الله بدلاً من الشرائع الوضعية في تلك البلدان؟
.
هامش: لفظة طروادة الواردة في النص تشير لقصة حصان طروادة التي تروي الأسطورة أن حصار الإغريق لطروادة دام عشرة سنوات, فابتدع الإغريق حيلة جديدة، حصانا خشبيا ضخما وأجوفاً, بناه إبيوس وملئ بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس, أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبئ وراء تيندوس، وقد قبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام, وعندما خرج الإغريق من الحصان داخل المدينة، كان السكان في حالة سكر, ففتح المحاربون الإغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، فقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الف تحية
أودين الآب ( 2020 / 3 / 31 - 16:02 )
سلمت يداك كلام في قلب الحقيقة

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد