الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوفيد-19 الماقبل والمابعد

عديد نصار

2020 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


في أجواء حالة اللايقين الكاسحة التي تجتاح العالم، والتي تتراوح بين حدّي، اليأس المطلق كالذي دفع وزير مالية ألماني الى الانتحار، وبين مكابرة تصل الى حدود النكران وخداع الذات التي لا يزال يعيشها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبار رأسماليي العالم بعودة الأعمال في أقرب وقت، ما بين هذا وذاك تواصل جائحة كوفيد-19 اكتساحها المتسارع لمناطق العالم كافة لا تعيقها حدود ولا إجراءات استثنائية ولا حصانات، تحصد عشرات آلاف الأرواح دون أي تمييز بين بلد متقدم وبلد متخلف أوبين حاكم ومحكوم او متمول وفقير.
يجلس المتابع ليراقب بهدوء توسع دائرة الجائحة التي انطلقت من مدينة ووهان الصينية حاصدة آلاف البشر قبل أن تضرب في الأرض ويتسارع توسعها.
بداية أمكن تحديد بؤر وبائية: ووهان في الصين، قم في ايران، شمالي ايطاليا.. جنوبي ألمانيا، جنوبي فرنسا.. لندن.. نيويورك.. هذه البؤر التي توسعت بسرعة كبقع زيت لتكتسح الجائحة البلدان بدون اي استئذان! لا توقفها أسلحة ولا صواريخ ولا مليارات الدولارات المكدسة ولا المبادئ ولا القوانين والأعراف الدولية ولا الأديان.
فايروس كورونا المستجد، مستجد لا دراية سابقة بطبيعة تركيبته ولا بنقاط ضعفه. يحتاج العلماء أشهرا وربما سنوات في العمل المخبري والتجارب السريرية لتبيان هذه وتلك من أجل التوصل الى علاج مُجدٍ للوباء الذي تسبب به (كوفيد-19) وخصوصا الى لقاحات يمكن اعتمادها لصدِّه. علماء يعملون ليل نهار منذ انتشار الوباء دون التوصل حتى اللحظة الى ما يثلج قلب المهلوعين في جميع البلدان الذي فرض عليهم الوباء حجرا منزليا ضاغطا أفقد الغالبية الساحقة منهم مصدر رزقه فبات ينتظر المساعدات الشحيحة والتي قد لا تصل أبدا. وإن وصلت، يخشى أن تحمل معها الوباء!
في عالم اللايقين هذا، يخرج الملايين في مغامرة تدبّر عيشهم، ويواصل الملايين من الأطباء والممرضين والأطقم الطبية وعاملي المشافي والاسعافات جهودهم لاسعاف المصابين ومحاولة انقاذ العدد الأكبر منهم، بينما يعرضون أنفسهم لخطر الإصابة.
وحيث يصبح الحجر المنزلي هو الوقاية الوحيدة من الاصابة بالوباء، يصبح خروج ملايين البشر الى تحصيل لقمة عيشهم تهديدا إضافيا يمدد سيطرة الوباء من حيث المكان والزمان. فماذا عن الفقراء الذين وجدوا أنفسهم بين موتين: إما بالوباء أو بالجوع؟
في عالم اللايقين هذا يطالعنا كثيرون من محللين واستشرافيين وايديولوجيين بنظرياتهم حول مرحلة ما بعد كوفيد-19، يملون رغباتهم وأوهامهم وخرافاتهم على مستقبل غير محسوم للبشرية وللأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى أشكال السيطرة والهيمنة والحكم، وعلى البيئة ومصائر القضايا الكبرى للمجتمعات والشعوب وأكثر من ذلك. بينما الأحرى أن ننظر في مرحلة ما قبل كوفيد-19 لأنه لا يمكن فصل المابعد عن الماقبل الذي أسس له ولو ان الجائحة لم تكن في الحسبان في هذه المرحلة بالذات، و "لم تكن في الحسبان" هو ركن من أركان الماقبل التي يفترض أن يؤسس للمابعد هذا.
والنظر في طبيعة أنظمة السيطرة المحلية والإقليمية والدولية التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، وفي سلوكها العام والتفصيلي الذي يتمحور بشكل يكاد يكون محصورا حول تابيد سيطرتها، وبالتحديد تأبيد سيطرة الطبقات التي تحكم توجهاتها، وهذا يشمل جميع الدول بما فيها تلك التي شهدت انقلابات وثورات وتغيرات سياسية كبرى أو متواضعة، وكذلك البلدان المهيمِنة في النظام العالمي والمهيمَن عليها فيه.
هذه السياسات كرّست كل الإمكانيات المتاحة لتأمين تأبيد هذه السيطرة. وبالتالي فإن كل القطاعات بما فيها الانتاجية والخدمية التعليمية والصحية والعلاقات الداخلية والخارجية تبقى مكرسة لهذا الهدف، ويكون مدى تطورها وتقدمها وجاهزيتها رهنا بمتطلباته القريبة وبعيدة المدى. لذلك كان التركيز على تطوير وتجهيز القطاعات الأكثر التصاقا بتأمين هذا الهدف كأولوية أولى لدى جميع الأنظمة في العالم وهي أجهزة الأمن والاستخبارات ثم الجيوش والتشكيلات العسكرية المختلفة وصناعة الأسلحة والمعدات الحربية والذخائر. فتراجعت سائر القطاعات وعانت من عجوزات كبيرة.
كورونا المستجد عرّى هذه الأنظمة وفضح سياساتها وبرامجها ومشاريعها كافة. أقترِحُ أن ننطلق من هذه المسألة. مسألة فشل جميع الحكومات في التصدي للوباء، هذا الفشل الذي أتاح للوباء أن يتحول الى جائحة عالمية تهدد مستقبل البشرية على هذا الكوكب الذي يكاد يختنق بالتلوث بجميع أشكاله وأنواعه والمثقل بالكوارث التي هي من صنع إنسان هذا النظام العالمي القائم على تلبية جشع الواحد بالمئة من البشر الذين يسيطرون على كل شيء ويحركون كل شيء ويوجهون الانتاج والاستهلاك والتعليم والاعلام والحروب والتسويات بما يخدم مصالحهم وتأبيد سيطرتهم في تجاهل تام للنتائج والمضاعفات المترتبة على ذلك.
فشل النظام العالمي، شرقا وغربا، في مواجهة كوفيد-19 هو الماقبل الذي عليه يجب أن يؤسس للمابعد اذا كان هناك من ما بعد، وليس التمعن في أو تفسير تبادل التصريحات والاتهامات بين القوى المهيمنة عالميا التي تتبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات في محاولاتها التهرب من المسؤولية وتحويل أنظار المجتمعات عن حقيقة فشلها المرتبط أساسا بطبيعة نظام سيطرتها.
علينا أن نتذكر أنه حين وصل الوباء الى ايطاليا كان هاجس الحكومات الأوروبية الأول حماية الاقتصاد من الانهيار، لذلك لم تتخذ منذ البدء الإجراءات الكفيلة بمنع وصول الوباء اليها وانتشاره بين شعوبها من إغلاق المطارات والحدود ووقف الحركة الاقتصادية ومنع التجوال لأسبوعين مثلا، خشية تأثيرها على الانتاج والاقتصاد. الأمر نفسه شهدناه حين أخذ الوباء ينتشر في أمريكا. كان خوف القوى المسيطرة من انهيار انظمتها الاقتصادية أكبر بكثير من خوفها من انتشار الوباء.
مراكز الهيمنة الرئيسية عالميا، الأكثر قوة وغنى وتقدما علميا وتقنيا تعجز عن تأمين أدنى متطلبات الوقاية والحماية لشعوبها، وتفشل في تأمين ما لا يتطلب لا الأموال الكثيرة ولا التقنيات المعقدة التي يمكن بواسطتها حماية الناس وعلاجهم من أجهزة التنفس الصناعي الى أسرة العناية وصولا الى الكمامات...
تقول إحدى العاملات في الجهاز الطبي في ايطاليا، يتقاضى المنخرطون في الأبحاث العلمية مبلغ 1200 يورو شهريا بينما يتقاضى لاعب كرة القدم مبلغ مليون يورو.. اذهبوا الى لاعبي كرة القدم لينقذوكم!
رسم لأب وابنه حيث يقول الابن لأبيه: "يا ابي، لماذا نفذت الكمامات الواقية خلال شهرين ولم تنفذ القنابل والصواريخ علينا خلال تسع سنين؟" د. محمد إقبال
هذه العبارات تختصر بدقة ووضوح واقع مرحلة ما قبل كورونا المستجد، ومنها ينبغي لكل من يحاول استشراف المابعد أن ينطلق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا