الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا وأسئلة الوجود والعدم غياب دارالعبادة وحضورالله

إبراهيم اليوسف

2020 / 4 / 2
الادب والفن



ما إن ارتفع مؤشرالخط البياني لاستفحال مرض كورونا-كيوفد19، على مستوى عالمي، خارج مهاده الأول:أووهان، وبات الفيروس/ الجائحة، يتسلل في الجسد الأوربي، والأجساد القاراتية: محطة محطة، نتيجة انتشاره، عبر أدواته التي يتمُّ الإعلان عنها، وباتت مفردة "كورونا" الأكثر ذكراً و وروداً في المعجم اليومي، حتى في مرتبة ما قبل: الهواء والرغيف والماء، حتى تحول هذا الوباء إلى شبح عالمي يخيم في كل مكان، لاينجو من هاجس الخوف منه، لا المصاب به، ولا السليم، على حد سواء، إذ إن كل سليم مشروع ضحية له. كل امرىء مشروع التقاط الفيروس، بل إن الموت الكوروني بات مفزعاً، فمن قائل: إنهم يحرقون أجساد الضحايا، إلى قائل بأنهم لايسلمون رفاته إلى ذويه، ليغدو أي ضحية: حيَّاً كان أو ميتاً مجرَّد متَّهم، بل ليغدو التقاط الفيروس من قبل أحدهم اتهاماً، ومصدر ريبة، ونفور، واشمئزاز، بل إن مجرد: العطاس. مجرد السعال أصبحا من دواعي الاتهام.

ثمة فيديو وصلني، قبل أيام، إذ إن شاباً في الرابعة والعشرين من عمره يسقط على قارعة الطريق، أمام أعين المارة، وتهرع عدسات الموبايلات لتوثق الحدث، من دون أن يتجرأ أحد من الدنو من الرجل، أو العمل على إسعافه، قبل أن تصل سيارة الإسعاف، ويقول الطبيب: إنه تعرض لجلطة قلبية، وكان من الممكن إسعاف هذا الشاب، وهو في ربيع عمره، لو تطوع أحد المارة من حوله وأجرى له الإسعافات الأولية، إلا أن رهبة"كورونا" منعت الناس، من القيام، بواجبهم، الأخلاقي، حتى الفطري، كما أرى!
ثمة الكثيرالذي يمكن تناوله في مرحلة- الكورنة- ومن وجهات نظر مختلفة: اقتصادية- سياسية- سيكولوجية- سوسيولوجية، بل"وقائية"/ صحية، إلا أني أحاول- هنا- أن أركز على مسألة صدى وباء كورونا، على صعيد الموقف الروحي، لاسيما إن هناك من رأى في هذه الجائحة موقفاً قدرياً من العالم، بل ثمَّة من راح يعمم فيديوات فيها الردة إلى هذا الدين، أو ذاك، بعد أن وهن إيمان الناس، وأن هناك من الناس من هم في منجى من هذا الوباء الفتاك، وهناك من هم مستهدفون، تحديداً، من دون أن يقدموا ما يلزم من أسانيد، وكان الأكثر مجازفة، في الأمر، من نظرإلى الجائحة من منظور التشفي، والثأرية، في الوقت الذي هونفسه ليس خارج دائرة خطورتها، أنى توافرت الأسباب!
وحقيقة، فإننا وجدنا آراء وازنة، إنسانية، من لدن بعض رجال الدين، الذين نظروا بموضوعية إلى هذا الخطر المحدق بالمركبة البشرية، بحيث أن لا أحد خارج التهديد، بحياته، وراح يتعاطف مع سواه، من رؤى إنسانية، سمحاء، فلا يفصل في دعواته، وابتهالاته بين: أحد وأحد، بل ثمة" واو" عاطفة بين الأقربين والأبعدين، بكل الموازين، من دون أن يجير، أو يحور- فيروس التحوير- لأجل عقيدة، أو مذهب. مثل هذا الحديث يروج، في الوقت الذي يتم فيه غلق أبواب العبادة، بل إنه ومنذ أربعة عشرقرناً، وإلى الآن، لم يتم إلغاء إحدى فرائض الإسلام- مثلاً- وهي الحج، إلا في هذه المرة، بعد أفتى بذلك كبارمفتي الإسلام، إذ إن المسلمين- كما سواهم- أدركوا أن لاأحد في منجى عن هذا الوباء الكوني!
وإذا كان هذا واقع حال المشهد العام، على نطاق قارات العالم، لاسيما في مايخص هاتيك الدول التي تسللت إليها الجائحة، فإن ما يشبه- عودة إلى الله- باتت تلاحظ، من قبل أوساط واسعة. ضمن الدين الواحد، أو ضمن سلسلة الأديان، ولعلَّ مانسب إلى رئيس الحكومة الإيطالي" جوسيبي كونتي" من تصريح- روج له كثيراً ولا أدري مدى صحته- حول انتهاء حلول الأرض، في مواجهة: كورونا، وأن الأمرمتروك للسماء، ليدل على مدى سيطرة التفكيربحلول السماء، على أذهان ومخيلات أوساط واسعة. كل حسب معتقداته، وقناعاته، ولعل مثل هذا التفكير ليس غريباً، إذ إن الاستنجاد بالخالق، حتى من قبل المشككين- كثيراً، مايظهر، أمام مداهمة الأخطار الشخصية، وهوما يمكن تلمسه لدى كثيرين، وإن كان هذا لايعمم!
مافاقم حالة اليأس، والقنوط، في تصوري هو استسلام الدول العظمى أمام خطرالجائحة، إلى الدرجة التي نجد فيها دولة كأمريكا، يتواصل رئيسها دونالد ترامب، وطاقمه الحكومي، والصحي، على نحو يومي مع الناس، يتدارسون سبل مواجهة هذا الخطرالآدمي، ويتم الحديث عن كل شيء: الوقاية- العلاج- الواقع- المستقبل، وهوما يتم بثُّه عبروسائل الإعلام الأمريكي، والعالمي، بما يؤكد أن الأمر ليس عبارة عن تمثيلية، متفق عليها، وإن كانت قراءة وتشريح الأسباب، وعلى نحومفصل، شأن الخبراء، والعلماء، وهوما يمكن أن يظهرإلى العلن، أو حتى يعدُّ سراً، لاتتم مقاربته على المدى القريب، أو حتى البعيد!
وإذا كنت أنطلق-هنا- من حالة توصيفية، اعتماداً على قراءات، واستنتاجات، واتصالات، في مايتعلق بحالة الردة الداخلية لدى أوساط واسعة- وقد لايكون الأمرمعمماً- وفق بيئات ما، فإن هذا القنوط- الآدمي- الشعبي- ليس إلا صدى لقنوط من نوع آخر. قنوط صادم. قنوط رسمي.، هو قنوط الرؤوس العليا، في ماأصطلح على تسميته ب" الدول الكبرى" أو " الدول العظمى" المتحكمة بمصائر البشر، وذلك بعد عودتها إلى أنواع علاجية بدائية، وإطلاق تصريحات من قبيل:" سيتم اللقاح متوافراً بعد سنة أخرى"، إذ إن في مثل هذه التصريحات إغلاق بوابة الأمل، والثقة بالعلم، والتطور البشري، وصدمته بتحد" كويئن"" والتسمية هنا كبيرة على مجرد فيروس، هلامي، لامرئي، لما يزل الخبراء العالميون مختلفين في الحديث عن طريقة وسبل انتشاره، بسرعة الهواء. الضوء. البرق، إلى حد خرافي، بات يدعو إلى الأسئلة والشكوك، بالرغم من القناعة الكاملة لدى جميعنا، بوجود مثل هذا الخطر، على ضوء مانقرؤه من أرقام، في جداول وبيانات أعداد ضحايا الفيروس، مابين: مصاب، ومفارق الحياة، على نحو دولي.
مايهمني، في هذه الوقفة هوالدرس الآدمي/ الكوني، من رسالة كورونا- أياً كان مصدرها، في تجسير أحدنا تجاه الآخر، ورفع ما بيننا من جدران، وسدود، ضمن الشقة الواحدة، أو ضمن العمارة الكونية، وان ينعكس ذلك على موقف إنساني من الدمار، والقتل، وإقرار الحقوق المغتصبة للشعوب والأمم، وإسقاط آلة الاستبداد، بأشكالها، ضمن أسرة دولية، تعيد إصدارلائحتها، بصدد كل ذلك، لاستدراك الثغرات التي نشأت، في إطارهيمنة المصالح، ومحو الأقوياء للضعفاء.
أجل، لايمكن أن نكون أمام تحولات حقيقية في حيواتنا، مالم يتم استثمارهذا التهديد العام الذي راح بعضهم يرى بأنه كفيل بإنهاء الوجود الإنساني، على سطح المعمورة، على أن ينعكس ذلك في سلوكين: عام وخاص، وعلى نحومتكامل. العام منه مايتعلق بالدولة/ الدول، والنظام العالمي المابعد جديد" المنتظر". نظام كل البشر، والخاص، هو طهارة الآدمي ذاته، من داخله، حتى يكون في مستوى إنهاء حالة الاستوحاش التي طالما عانينا منها، وكان من نتائجها تدمير حتى الطبيعة، التي يتم الحديث عن ثأريتها منا، وقد بدت الآن أكثرهدوءاً، بعد هبوط حركة" المطارات" والطائرات، وحتى المركبات، والمصانع، بل ووضع حد لبؤر الضوضاء، إذ باتت سماء بعض مدننا التي كانت تخيم عليها سحب الدخان في هالة، أوحلة جديدة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و