الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محافظة اللاذقية تغيرات سكانية ومجالية خلال الزمة

منذر خدام

2020 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تغيرات سكانية ومجالية خلال الزمة
مقدمة:
تقع محافظة اللاذقية، المعروفة اليوم، في الجهة الشمالية الغربية من سورية، بين خطي العرض 35.31 و35.56، يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب محافظة طرطوس، ومن الشرق محافظة حماه وادلب، ومن الشمال لواء الإسكندريون(تركيا). تشغل المحافظة مساحة تقدر بنحو 2297كم2، يقطنها نحو 1229 ألف نسمة بحسب سجلات الأحوال المدنية في 1/1/2011 موزعون على نحو 453 قرية إضافة إلى عدد من المدن الرئيسة أهمها مدينة اللاذقية، ومدينة جبلة، ومدينة القرداحة، ومدينة الحفة.

مصور(1)
ملاحظة: الخريطة تشمل لواء إسكندريون في الشمال الغربي من الخريطة تليه إلى الجنوب محافظة اللاذقية.
لقد تغيرت جغرافية محافظة اللاذقية التي نعرفها اليوم، فهي حتى عام 1953 كانت تشمل إضافة إلى محافظة طرطوس، بعض المناطق التابعة اليوم لمحافظة حمص ولمحافظة حماه. فبموجب المرسوم التشريعي المؤرخ في 4آب لعام 1953 تم فصل كل من قضائي مصياف وتلكلخ عن المحافظة، ألحق الأول بمحافظة حماه، في حين الحق الثاني بمحافظة حمص. طرأ تغيير جديد على جغرافية المحافظة في عام 1966، إذ بموجب المرسوم التشريعي المؤرخ في 22 آب لعام 1966 تم استحداث محافظة طرطوس التي ضمت في حينه مناطق طرطوس وبانياس وصافيتا. (المصدر: مضر كنعان، متحف اللاذقية الفوتوغرافي) انظر ايضا http://www.syrianmodernhistory.com)) تاريخ الدخول 12/6/2018).
يشكل سكان اللاذقية تركيبة من انتماءات اقوامية وطائفية ومذهبية متنوعة لكنها متعايشة، شكلت الزراعة والاقتصاد البحري أساس حياتها الاقتصادية. لم تشهد المحافظة أية صراعات طائفية او اقوامية ذات مغذى عبر تاريخها الحديث، رغم محاولات فرنسا المتكررة لاستغلال التنوع الطائفي والعرقي لخلق شروخ تبني عليها سياساتها للبقاء في البلد إلى ابعد مدى ممكن. وحتى خلال الأزمة الراهنة لم يحصل صراع طائفي رغم بعض المحاولات من بعض أطراف النظام والمعارضة، بل على العكس برهن سكان محافظة اللاذقية خلالها على وطنية عالية متجاوزة لجميع الحساسيات الطائفية او الاقوامية باحتضانهم لبعضهم البعض، ولكثير من السوريين الذي دفعتهم ظروف الحرب للجوء إلى المحافظة. (سوف نفصل القول بجميع هذه القضايا في سياق هذه الدراسة).
1-الخصائص الطبيعية لمحافظة اللاذقية
يبلغ طول الشريط الساحلي السوري نحو 180 كم من جبل الأقرع شمالا إلى الحدود اللبنانية جنوبا، تشغل منه محافظة اللاذقية نصفة تقريبا. تبلغ مساحة محافظة اللاذقية نحو 2297 كم2 تتميز بتنوع كبير في شكلها الطبوغرافي. تشغل الجبال القسم الأكبر من مساحة المحافظة وهي تشكل سلسلة جبلية تمتد من الشمال، حيث جبل الأقرع المنتصب بارتفاع يبلغ نحو 1800م عن سطح البحر، إلى الجنوب بمحاذاة الشريط الساحلي حيث ارتفاع اغلب قمم الجبال فيها يراوح بين 500 و1200 م عن سطح البحر. تشكل هذه السلسلة الجبلية حاجزا طبيعيا يفصل المحافظة عن الداخل السوري.
يمتد بمحاذاة السلسلة الجبلية الساحلية وإلى الغرب على امتداد شاطئ البحر الأبيض المتوسط شريط ضيق متقطع من السهول الزراعية الخصبة. تغطي الغابات الطبيعية نحو 37 % من مساحة المحافظة وهي تنتشر بصورة خاصة في مناطق شمال المحافظة، يتشارك معها تنوع مهم من الحيوانات البرية والطيور.
يسود في المحافظة ما يسمى بمناخ البحر الأبيض المتوسط الذي يتميز بالاعتدال عموما، لا تزيد فيه الفروقات الحرارية عن نحو 15 درجة في جميع أيام السنة وفصولها. ففي فصل الصيف مثلا تراوح درجات الحرارة بصورة عامة بين 20 درجة و30 درجة، قد ترفع غلى 35 درجة لفترات قصيرة وبصورة استثنائية. أما في فصل الشتاء فتراوح درجات الحرارة بين نحو 10 درجة و20 جرجة مئوية بصورة عامة، قد تنخفض إلى نحو 5 درجة مئوية لفترات قصيرة وبصورة استثنائية أيضا.
تتميز المحافظ بموسم مطري يمتد من شهر تشرين الأول وحتى شهر ايار، تتلقى خلاله المحافظة نحو 3 مليار م3 من الأمطار بالمتوسط سنويا، كانت تذهب في السابق إلى البحر هدرا، لكن اليوم صار يخزن منها في السدود المقامة نحو 340 مليون م3. من أهم السدود المشيدة في المحافظة سد تشرين على نهر الكبير الشمالي يخزن نحو 220 مليون م3، ومن أهم الينابيع فيها نبع السن الذي يتدفق بغزارة سنوية تقدر بنحو 320 مليون م3.تتميز المحافظة بفترة سطوع شمسي طويلة نسبيا تصل إلى أكثر من 200 يوم في السنة، وبرياح غربية جنوبية في أغلب أيام السنة.
2-الموارد الاقتصادية في محافظة اللاذقية حتى بداية عام 2011
يقوم اقتصاد محافظة اللاذقية بصورة رئيسة على الزراعة والنشاط البحري وما يرتبط بهما من صناعات وحرف ونقل. يعمل في الزراعة نحو 9.1% من السكان، في حين يعمل في الصيد البحري 0.4% فقط، أما الباقون فيعملون بالتجارة والصناعة والمهن الحرفية المختلفة.
تشكل الأراضي الصالحة للزراعة في محافظة اللاذقية 45.79% من مساحة المحافظة، وهي تمثل نحو 105 ألف هكتار يزرع منها نحو 35 % ريا، و65% بعلاً. تساهم الزراعة في محافظة اللاذقية بإنتاج نحو 81% من إنتاج القطر من الحمضيات، ونحو 20% من انتاج القطر من الزيتون، ونحو 15% من انتاج التفاح، و19 % من انتاج التبغ، و11% من الانتاج المحمي من الخضار المختلفة، إضافة إلى إنتاج فائض كبير من ثمار الفواكه المختلفة.
يوجد في المحافظة ثروة حيوانية مهمه، تنتج نحو 3600 طن من اللحوم الحمراء و3500 طن من اللحوم البيضاء، ونحو 3200طن من لحوم السمك، ونحو 61 ألف طن من الحليب الطازج، و57 مليون بيضة. (المجموعة الاحصائية لعام 2011، جدول(114) وجدول 117).
في المجال الصناعي تنتشر في المحافظة الصناعات التحويلية على اختلافها، خصوصا صناعة الزيوت والكنسروة، والتبغ، والصناعة النسيجية، إضافة إلى بعض الصناعات الكهربائية والتعدينية ومقالع مواد البناء (حصى، رمل، جس، رخام). جدول(2)

جدول(1) تركيب الأراضي في محافظة اللاذقية
البيــان المســاحة(هكتار) من مساحة المحافظة %
أراضي قابلة للزراعة 105183 45.79
 مستثمرة 98617 42.93
 غير مستثمر ( سبات – راحة – دورة زراعية) 6566 2.86
أبنية ومرافق عامة: 23325 10.16
أنهار وبحيرات: 4500 1.96
أراضي صخرية ورملية: 9778 4.26
مروج ومراعي: 1646 0.72
أراضي حراجية: 85257 37.12
المصدر: المجموعة الاحصائية السنوية لعام 2007
تعد محافظة اللاذقية منطقة تجارية وسياحية هامة، تنفتح على البحر من خلال شاطئها الجميل، ومرفأها الوحيد، الذي كان حتى بداية تفجر الأزمة السورية اهم ميناء في سورية، تقصده السفن المحملة بالبضائع من مختلف أنحاء العالم كما تغادره السفن المحملة بالصادرات السورية. يتواجد في المحافظة
جدول(2) أهم الصناعات في محافظة اللاذقية
نوع الصناعة عدد المنشآت الطاقة الإنتاجية
- عصرا لزيتون وتعبئة وفلترة زيت الزيتون 108 12795
- خزن وتبريد وتوضيب الفواكه والخضراوات 57 174029
- زيوت نباتية 1 36000
- مكثفات طبيعية ومشروبات روحية 5 37836
- صناعة السمسم 17 2715
- أسمدة 2 120
- صناعات الحليب ومشتقاته 7 12079
- صناعات تعتمد على القمح والحبوب 17 29796
- صناعات كونسروة مختلفة 1 3500
- صناعات أعلاف مختلفة 8 62100
المصدر: مديرية صناعة اللاذقية
/3/ أسواق هال مركزية الأول في اللاذقية بمساحة /10/ هكتار يبعد عن المدينة /5/ كم، والثاني في الحفة بمساحة /2/ دونم، والثالث في رأس العين جبلة بمساحة /10/ دونم يعمل هذا السوق /9/ أشهر بالسنة، كما يوجد سوق للمواشي في مدينة اللاذقية بمساحة /7/ دونم، ويوجد سوق مركزي للأسماك في اللاذقية مساحته /7/ دونم.
نظرا لاعتدال مناخ المحافظة، وجمال جبالها التي تغطيها الغابات، وشواطئها البحرية، وكثرة المناطق الأثرية وتنوعها الحضاري، وانتشار المطاعم والفنادق السياحية من مختلف الدرجات جعل المحافظة محط انظار السوريين من مختلف المحافظات، وكذلك كثير من الأجانب، للاستجمام أو للسياحة الثقافية. لقد بلغ اجمالي الليالي الفندقية في عام 2010 في مختلف الفنادق في المحافظة نحو 1127741 ليلة فندقية.
تغطي المنطقة الساحلية شبكة واسعة من خطوط المواصلات الدولية والمحلية التي تربط أجزاء المنطقة ببعضها البعض، بالإضافة إلى ربطها مع بقية المحافظات والدول المجاورة (لبنان تركيا). كما أن هناك خطاً حديدياً على طول الشريط الساحلي بين اللاذقية وطرطوس، يربط هذه المنطقة مع محافظتي حلب وحمص، كما يؤمن هذا الخط الربط الدولي الخارجي مع أوربا. يوجد في المنطقة ميناء جوي وحيد في بلدة حميميم إلى الشرق من مدينة جبلة، يساهم في النقل المدني والتجاري الداخلي والخارجي، صار جزء منه خلال الأزمة مطارا عسكريا يخضع للسيطرة الروسية.
تعد المحافظة من أولى محافظات سورية من ناحية مستوى التعليم، ففي كل قرية تقريبا توجد مدرسة للتعليم الأساسي، وفي كل مجموعة قرى توجد مدرسة للتعليم الثانوي، عداك عن المدارس المختلفة المنتشرة في أحياء المدن. يوجد في المحافظة أيضا العديد من المعاهد المتخصصة إضافة إلى جامعة تشرين. في عام 2011 بلغ عدد طلاب المرحلة الأساسية بمرحلتيها الأولى والثانية نحو 176748 طالب، مثل الذكور منهم نحو 50.9%. يوجد في المحافظة نحو 146 مدرسة ثانوية منها 124 مدرسة مختلطة، يدرس فيها نحو 10 آلاف تلميذ. اما في جامعة تشرين فقد بلغ عدد الطلاب فيها نحو61 ألف طالب يدرسون في مختلف الكليات الجامعية، مثلت الطالبات منهم نحو 54%. (المجموعة الاحصائية السنوية لعام 2011، باب التربية والتعليم، جدول 1/11 وجدول 16/11 وغيرها، مقابلة شخصية مع مسؤولي التعليم الأساسي والثانوي في مديرية التربية في اللاذقية، معطياتهم مختلفة بعض الشيء).
3-الجغرافيا السكانية في محافظة اللاذقية قبل عام 2011.
تتوزع مساحة محافظة اللاذقية المقدرة بنحو 2297كم2 على أربع مناطق إدارية، ونحو 22 ناحية. مصور(2)

مصور (2)
بحسب آخر احصاء في سورية أجري في عام 2004 بلغ عدد سكان المحافظة المقيمين فيها نحو 991 ألف شخص (4.9% من عدد سكان القطر)، بينما بحسب سجلات النفوس فقد بلغ عدد سكان المحافظة نحو 1230 ألف نسمة.
يقطن نحو 51 % منهم في المدن، خصوصا في مدينة اللاذقية (377ألف مقيمين بحسب الاحصاء، و495ألف نسمة بحسب سجلات النفوس). يتوزع سكان المحافظة المقيمين بنسبة 50.54 % ذكور و49.46% إناث، تمثل قوة العمل نحو 40% من عددهم. بلغت الكثافة السكانية في المحافظة بحسب احصاء 2004 نحو 393 شخص في كم2، وهي اعلى كثافة في سورية باستثناء محافظة دمشق. خلال الفترة 2000 و2010 قدر معدل النمو بنحو17.5 بالألف وهو من أدنى معدلات النمو السكاني في سورية. (المجموعة الاحصائية السنوية لعام 2011، الجداول: 1/2 و2/2 و6/2 و7/2 و 12/2ب). من الناحية الدينية يتركز وجود السنة في مدينة اللاذقية وجبلة والحفة، وكانوا يشكلون الأغلبية، في هذه المدن، وكذلك في نواحي ربيعة وكنسبا وقسطل المعاف، واجزاء من نواحي الحفة وصلنفة وكسب. في مدينة اللاذقية على سبيل المثال كان السنة يمثلون نحو 85% من عدد سكان المدينة حتى اواخر الستينات في حين لم يكن يمثل العلويون أكثر من 5%. لكن مع تزايد الهجرة من الريف إلى المدينة وتوسع المدينة ذاتها لتشمل القرى الواقعة في طوق البلد مثل دمسرخو وبسنادا وثقوبين والبصة وما بينهما من أحياء جديدة تراجعت نسبة السكان السنة في المدينة بحيث لم يعد يشكلون أغلبية. بحسب بعض التقديرات يمثل السنة اليوم تحو40% والعلويون والمرشديون يمثلون أيضا نحو 40% في حين يمثل المسيحيون نحو20%. لتكوين صورة عن تزايد سكان اللاذقية خلال فترة طويلة من الزمن انظر معطيات الجدول(3).
جدول(3) تزايد عدد سكان مدينة اللاذقية خلال الفترة من عام 1866 إلى عام 2005
عدد السكان احصاءات سنة: الجهة التي أجرت الاحصاء
11200 1866 العثمانيون
22000 1893 العثمانيون
26000 1926 فرنسا
38000 1953 سورية
47000 1956 سورية
125000 1977 سورية
165000 1981 سورية
248000 1995 سورية
455000 2005 سورية
المصدر: وزارة المعارف السورية، كتاب جغرافية البلاد العربية وكتاب جغرافية سورية ولبنان،1953. انظر ايضا وزارة التربية السورية، كتاب جغرافية سورية،1977. وموسوعة اللاروس الفرنسية 1898-1989، والمجموعة الاحصائية السنوية لعام 2005.
وتفيد معطيات الجدول(4) في تكوين صورة عن عدد سكان أهم المدن في محافظة اللاذقية بحدودها الإدارية في عام 1948.
جدول(4) عدد سكان أهم المدن في محافظة اللاذقية في عامي 1947 و1948
اسم المدينة عدد السكان في عام 1947 عدد السكان في عام 1948
اللاذقية 41017 41985
كسب 3542 3569
الحفة 2536 2557
جبلة 9111 9414
بانياس 4049 4180
طرطوس 9366 9723
جزيرة ارواد 5280 5378
برج صافيتا 5818 5926
مصياف 4482 4612
تلكلخ 3377 3449
المصدر: التاريخ السوري المعاصر http://www.syrianmodernhistiry.com( تاريخ الدخول 19/6/2018)
4-التغيرات السكانية والمجالية في محافظة اللاذقية بعد عام 2011.
من المعلوم أن الحراك الشعبي المطالب بالتغيير قد بدأ في محافظة اللاذقية بتاريخ 25 أذار 2011، وهو كان متوقعا لكثيرين ممن لاحظوا جيدا اهتمام سكان المحافظة ومتابعتهم للحراك الشعبي في تونس ومصر على وجه الخصوص. من وحي تلك الاهتمامات الشعبية بما يجري في مصر، ومن خلال فهمها للواقع الموضوعي في سورية، اصدرت مجموعة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام (للحقيقة والتاريخ كانوا نحو 20 شخصية ينتمون جميعا بحكم المولد إلى الطائفة العلوية كنت واحدا منهم) بيانا بتاريخ 22/3/2011
تطالب فيه النظام بالدعوة إلى مؤتمر وطني لإنجاز التغيير والتحول نحو الديمقراطية. وكنت شخصيا قبل ذلك قد كتبت مقالا مطولا بعنوان " أفاق الزمن القادم" بتاريخ 6/3/2011 أبين فيه حتمية الحراك الشعبي في سورية. في الريف او في المدينة لا فرق كنت تلاحظ انشداد الناس إلى شاشات التلفزة تراقب بحماس لافت التظاهرات المليونية في مصر على وجه الخصوص، ولم يخفي كثيرون رغبتهم في حصول ثورة مشابهة في سورية، غير ان الخوف من بطش النظام، واستنفار اجهزته الأمنية ومخبريه جعل الناس تتردد في النزول إلى الشارع، الذي بات ميدانا لبضع مئات من المتظاهرين، في غالبيتهم العظمى قد جاؤوا من الأحياء الهامشية في مدينة اللاذقية، ومن الفئات الاجتماعية المهمشة، وبصورة خاصة من العاطلين عن العمل الذين كانوا يتجمعون بصورة خاصة في ساحة اليمن(دوار القطار) في انتظار رب عمل قد يأتي وقد لا يأتي لإنجاز أعمال مؤقتة. خلال نحو شهرين من بدء التجمعات الاحتجاجية لم تخرج سوى مرتين عن ساحة العلبي في وسط حي الصليبة، ولم يكن الأمن يتدخل في البداية بصورة مباشرة، لكن عندما بدأ بضع مئات من المتظاهرين السير نحو ساحة الشيخ ضاهر وسط المدينة، واكبهم بضع عشرات من رجال الشرطة، وفجأة عند الوصول إلى الساحة بدأ المتظاهرون بالاعتداء على الشرطة بالعصي والحجارة، مما تسبب بجروح واصابات عديدة، إضافة إلى تدمير بعض المحلات التجارية الخاصة، وخاصة حرق مقر سيرياتل، مما يوحي بفعل مدبر. اللافت أن أجهزة الأمن على إثر الحادثة لم تتدخل على العكس من عادتها لاعتقال بعض المتظاهرين، مما شجع أخرين خصوصا من الفئات الوسطى للنزول إلى الشارع في تظاهرة هي الأكبر التي حصلت في اللاذقية شارك فيها بحسب أغلب التقديرات نحو 3000 متظاهر جابوا شارع القوتلي من حي الصليبة إلى ساحة الشيخ ضاهر وهو الشارع الرئيس في المدينة. لقد شارك في المظاهرة المعلم والطبيب والمحامي والتاجر وغيرهم من مختلف الطوائف والمذاهب، وإن كان النسبة العظمى منهم كانوا من سكان اللاذقية(السنة)، في حين كان قليل منهم قد اتى من الريف(علويون). ومع أن المظاهرة كانت سلمية لكن تخللتها بعض الشعارات الطائفية، التي تبين لاحقا انها كانت مدبرة، خصوصا من قبل أجهزة النظام التي اندس بعض عناصرها وسط الجمهور، وبعض الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تبين لاحقا ايضا ان لها بعض الحضور في الأحياء الهامشية مثل حي القنينص، وحي الفلسطينين وجواره من احياء يقطنها شريقيون(وافدون من المحافظات الشرقية). لقد كانت تلك المظاهرة الوحيدة السلمية، وللأسف الأخيرة، التي يمكن عدها مظاهرة جماهيرية بحق لأنها ضمت في صفوفها اناس من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية وخصوصا من الفئات الوسطى، ومثلت في دلالتها عمق التمرد المجتمعي على النظام السوري الاستبدادي الأمني وشموليته. بعد ذلك بدأ الاحتجاج يأخذ طابعا مسلحا، كانت بدايته في الاعتداء على قافلة عسكرية على جسر بانياس تسبب بسقوط العديد من الضحايا، وتكرر في الهجوم على مقر سكنة الخدمات العسكرية بالقرب من حي القلعة وسط المدينة، وكذلك الهجوم الكبير على ساحة اليمن، مما جعل النظام يكشر عن انيابه ويستنفر كل قواه الأمنية لإنهاء التمرد في اللاذقية بأسرع وقت. وبالفعل فقد قام بحصار الأحياء التي يحسب أن المسلحين قد جاؤوا منها مثل حي الفلسطينيين والأحياء المجاورة له، وكذلك حي القنينص، وبدأ حملة اعتقالات واسعة في بقية الأحياء. كان النظام يدرك خطورة ان تخرج اللاذقية عن السيطرة، لما في ذلك من احتمال تحول الصراع إلى صراع طائفي، تصعب السيطرة عليه، وهذا، بحسب بعض المصادر، ما عملت عليه بعض حواشي النظام وشبيحته إضافة إلى بعض المتطرفين الاسلاميين، لذلك بدأ العمل على أكثر من جبهة، مستخدما تكتيكات مختلفة. في البداية اعتمد تكتيك إخافة العلويين والمسحين من المشاركة في التمرد، من خلال الشعارات التي كانت ترفع في المظاهرات (العلويون ع التابوت، والمسيحيون ع بيروت) وهي شعارات لم تكن بعيدة عن أجهزته، وكذلك من خلال ارسال عناصر منه إلى الأحياء لإخافتها بعضها من البعض الأخر. حاول أيضا ربط حركات التمرد بمخطط سعودي يديره بندر بن سلطان، وتشارك فيه اسرائيل، مستغلا بيان مجموعة العشرين، وربط بدء الاحتجاجات به، وأخذ يروج إلى ان عناصر من حزب العمل الشيوعي (غالبية اعضائه في المحافظة من الريف) هي التي تقود التمرد. اشتغل أيضا على جبهة الريف من خلال الاستفادة من خدمات رجال الدين العلويين لإخافة الناس من مؤامرة دولية على سورية ونهجها الوطني المقاوم، ولتعميم فكرة ان النظام هو نظامهم. اشتغل النظام أيضا على جبهة السنة مستفيدا من خدمات العديد من رجال الأعمال البارزين الذين هم من حيث الأساس من بطانته (من عائلة فوز وجود خصوصا)، وكذلك الاستفادة من خدمات الكثيرين من رجال الدين السني لمنع تمرد الجمهور السني على النظام خصوصا في الأحياء الراقية. على هذه الجبهة اتبع تكتيكين مختلفين، من جهة استخدم اسلوب الجزرة في اغواء وجذب النخب والزعمات السنية ورجال الدين الذين هم أصلا مستفيدون منه، للسيطرة على الجمهور السني، واستخدم رجال الدين لإخافته من احتمال نشوب صراع طائفي قد يكون مدمرا له خصوصا وان العلويين والمسيحيين يشكلون نحو 60% من سكان اللاذقية، هذا عداك عن الريف الذي يشكل العلويون غالبية سكانه، ونشر دعايات تفيد بان الريف سوف يقطع المياه وامدادات الغذاء عن المدينة. بهذا الشكل استطاع النظام خلال مدة لا تزيد عن الأربعة أشهر أن يسيطر على الأوضاع في اللاذقية، مع الاستمرار بحصار الأحياء الشعبية دون دخولها لأنه كان يعلم بوجود السلاح، وكذلك وجود المتفجرات، التي كانوا يجيدون صناعتها محليا خصوصا في حي الفلسطينين وحي الشريقيين، فهم في غالبيتهم يمتهنون صيد البحر. لكن بعد المجازر التي ارتكبها النظام في بانياس وريفها القريب، قرر انهاء تمرد حي الفلسطينين فحشد لذلك قوة كبيرة من الدبابات والجنود. وخشية من حصول كارثة بشرية وعمرانية فقد تدخل العديد من وجهاء المدينة من السنة، كما تدخلت حركة معا التي كنت من المشاركين بتأسيسها في ذلك الوقت في العمل على انهاء التمرد، مقابل تحقيق مطلب رئيس للمتمردين وهو السماح لهم بالخروج من المدينة إلى مناطق سيطرة المسلحين في شمال منطقة اللاذقية، وقد استجاب النظام لهذا المطلب شريطة ان يغادروا بدون سلاحهم، وبذلك تكون قد حصلت اول هجرة سكانية في تاريخ الأزمة السورية. بحسب بعض التقديرات المبالغ فيها بلغ عدد الذين تركوا أحياء الفلسطينين وكرم الزيتون وحي الشريقية إضافة إلى حي قنينص نحو 15 ألف، (الرقم الأقرب إلى الصواب7آلاف) في غالبيتهم العظمى لم يكونوا من حملة السلاح، وإنما غادرو وهم يضمرون نية حمله مع المسلحين الذين باتو يسيطرون على المناطق الشمالية من منطقة اللاذقية.
وبالفعل بات النظام يسيطر على مدينة اللاذقية سيطرة كاملة مع نهاية عام 2011، وفي الوقت ذاته بات يفقد السيطرة أكثر فأكثر على كثير من مناطق ريف اللاذقية الشمالي، وخصوصا مناطق تواجد التركمان السوريين. لم تحصل حركات تمرد كبيرة في مدينة جبلة، او في مدينة الحفة، وركنت سريعا إلى الهدوء مع تزايد النشاط الأمني للنظام، وخصوصا نشاط ما بات يعرف بالشبيحة.
في عام 2012 كان المسلحون التركمان على وجه الخصوص قد نجحو في السيطرة على جميع النواحي التي يقطنوها، وبصورة خاصة نواحي ربيعة وكنسبا وصولا إلى مشارف الحفة، كما نجحو بالتعاون مع بعض المجموعات الجهادية بالدخول إلى مدينة الحفة لبضعة أيام، وكذلك بالسيطرة على مدينة كسب لبضعة أشهر.مصور(3)
لم تخرج سيطرة المسلحين عن حدود المناطق ذات الغالبية السنية، في نواحي ربيعة والقسطل وكنسبا وبعض مناطق صلنفة والحفة وكسب. ففي الجنوب الغربي مثلت قرية غمام الواقعة إلى الشرق من بحيرة سد تشرين، وبلدة سلمى إلى الشمال من مدينة صلنفة حدود سيطرة المسلحين في الجنوب، في حين شكلت القرى العلوية من البهلولية إلى مشقيتا ووادي قنديل وطريق كسب

مصور(3)
القسطل حدود سيطرتهم في الغرب. لم يحصل تجاوز لهذه المناطق إلا مرتين، في المرة الأولى عندما نجح المسلحون بالسيطرة لبضعة أيام على مدينة الحفة الواقعة ضمن جيب من القرى العلوية، وفي المرة الثانية عندما شن المسلحون انطلاقا من مدينة سلمى (مصيف مهم في ريف اللاذقية الشرقي جميع سكانه من السنة، ومن مناطق مختلفة من سورية)، هجوما على بعض القرى الواقعة إلى الجنوب الغربي من مصيف سلمى، وهي قرى يسكنها مرشديون في الغالب الأعم، وأخذهم عند خروجهم منها لعشرات من الرهائن، من النساء والأطفال. قيل في حينه أن النظام تعمد التواطؤ مع المسلحين من خلال سحبه لقواته من المنطقة، بهدف دفع المرشديين للخروج عن حيادهم في الصراع الدائر بينه وبين المسلحين. الصحيح بأنه نصب بانسحابه كمينا للمسلحين وقعوا فيه نتج عنه قتل العشرات منهم.
منذ تلك الواقعة بدأ المرشديون الذين يتميزون بروح تضامنية عالية، ينخرطون في القتال إلى جانب النظام. لقد استقر المشهد في محافظة اللاذقية حتى عام 2016، المسلحون يسيطرون على المناطق الشمالية الشرقية من منطقة اللاذقية، في حين يسيطر النظام على بقية اجزاء المحافظة بما في ذلك مراكز المدن الرئيسة. لكن النظام منذ اواخر عام 2016 وعلى امتداد عام 2017 نجح في طرد المسلحين من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، وبات النظام يسيطر على كامل جغرافية المحافظة حتى حدود ادلب الإدارية. لقد ادى الصراع المسلح في سورية بين قوات النظام والمجموعات المسلحة، وكذلك الصراع بينهم في محافظة اللاذقية إلى حصول التغيرات السكانية والمجالية الاتية:
1-بداية على مستوى الصراع المسلح في محافظة اللاذقية فقد تسبب الصراع بنزوح الاف من السكان من مناطق سكنهم في اللاذقية او في الحفة وفي غيرها من المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى مناطق سيطرة المسلحين، كما نزح في المقابل آلاف أخرى من مناطق سيطرة المسلحين إلى مناطق سيطرة النظام خصوصا إلى اللاذقية. تشير بعض التقديرات ان عدد الذين نزحوا إلى مناطق سيطرة المجموعات المسلحة يراوح بين 15 و25 ألف بما في ذلك المقاتلين واسرهم، في حين لجأ إلى مناطق سيطرة النظام أكثر من 30 ألف من السكان خصوصا من التركمان.
التغيرات السكانية الكبيرة في المحافظة حصلت بعد أن نجح النظام في اعادة السيطرة على مناطق سيطرة المسلحين، إذ تسبب ذلك بنزوح شامل للسكان إلى تركيا، خصوصا من التركمان. تقدر بعد المصادر عدد الذين نزحوا عن المنطقة ولجأوا إلى تركيا بين 100 و150 ألفا، في غالبيتهم العظمى من التركمان. من غير المفهوم لماذا لم يسمح النظام بعودة سكان تلك المناطق الذين لجأوا إلى مناطق سيطرته، علما ان الدمار الذي طال العمران في قرى وبلدان المنطقة محدود نسبيا باستثناء مدينة سلمى وربيعة، لأن الصراع المسلح كان يجري عموما خارجها. ثمة رأي يقول السبب في ذلك يتعلق بكون المنطقة لا تزال منطقة عسكرية باتجاه جسر الشغور والمناطق الغربية من محافظة ادلب. قد يكون في ذلك بعض الصحة. لكن ثمة رأي آخر يقول إن جميع قرى وبلدات تلك المنطقة قد تم نهبها، وهي بالتالي تفتقر إلى مقومات الحياة الطبيعية، وفي ذلك بعض الصواب أيضاً. وفي جواب عن سؤال يتعلق بإمكانية اجراء تغييرات ديمغرافية في المنطقة، خصوصا لجهة نقل وتوطين سكان اخرين في المنطقة من العلوين تحديدا، فكان الجواب بالنفي في الغالب الأعم. لكن ثمة رأي لافت يقول بأن اعادة التوطين ربما تتم بعد التسوية السياسية، من خلال التفاهم مع تركيا لتوطين التركمان لديها مقابل دفع قسم من العلوين لديها للنزوح إلى سورية كنوع من تبادل السكان؟! لا أميل إلى تصديق ذلك.
2-لقد تسبب الصراع المسلح في المناطق الأخرى بسورية بتغيرات سكانية ومجالية في المحافظة في اتجاهين:
أ-في الاتجاه الأول بدأ العلويون من مناطق الصراع المسلح بالنزوح إلى المحافظة، إلى بلداتهم الأصلية وقراهم مما تسبب برفع الكثافة السكانية إلى أكثر من 600 شخص في الكيلو م2. تقدر بعض المصادر عدد السكان من الطائفة العلوية الذين عادوا إلى المحافظة بين150 و200ألف شخص. لقد ادى هذا النزوح إلى تنشيط حركة عمرانية لافتة، بحيث تحولت قرى الريف السوري إلى بلدات اشبه بالمدن، تنتشر فيها الأبنية الطابقية التي تصل في كثير من الحالات إلى خمسة طوابق، عداك عن تنشيط الحياة الاقتصادية رغم محدودية الموارد المتاحة. من جهة اخرى تسب الصراع المسلح بتغيرات سكانية داخلية، نتيجة استدعاء كثير من شباب الريف في المحافظة إلى الخدمة العسكرية، او الى التعاقد مع الشركات الأمنية التي سمح النظام بتأسيسها، وقتل كثيرون منهم. تقدر بعض المصادر عدد الذين قتلوا في مختلف جبهات القتال من العلويين بين70 و100 ألف كلهم من جيل الشباب، إضافة إلى مئات ألوف أخرى من الجرحى والمشوهين. لقد ترتب على نزوح العلوين إلى قراهم وبلداتهم من مناطق تواجدهم السابق إلى تزايد الضغط على الخدمات العامة خصوصا الصحية والتعليمية هذا من جهة، ومن جهة أخرى تسبب وفاة عدد كبير من الشباب بتزايد معدل العنوسة لدى الفتيات. جيل كامل من الشباب قضى عليه الصراع المسلح، وجيل كامل من الفتيات فقد فرصة الزواج، عداك عن ظهور مشكلات لا تحصى تتعلق بحقوق الملكية والارث الناجمة عن عودتهم، وبمشوهي الحرب. وإذا كان النظام قد نجح في بداية الصراع في عام 2011 بجذب ولاء العلويين للنظام، فهو اليوم يعاني من انفكاكهم عنه، نتيجة العدد الهائل من قتلاهم، وما تسبب نزوح العلوين من المحافظات الأخرى إلى الساحل من مشكلات اجتماعية كثيرة، يضاف إليها غلاء المعيشة. لقد صار التهرب من الخدمة العسكرية ظاهرة، وصار نقد النظام علنيا وواسع الانتشار، واللافت ان النظام لا يتدخل لقمع هذه المظاهر، بل ولا يبحث عن المتهربين من الخدمة العسكرية، إلا ما يصدفه على الحواجز فيسوقه إلى الجيش.
ب-الاتجاه الثاني للتغيرات السكانية والمجالية تسبب بها نزوح مئات الألاف من السوريين من مناطق الصراع المسلح في سورية إلى محافظة اللاذقية، خصوصا من المحافظات الشرقية ومن محافظة حلب وحماه على وجه الخصوص، في حين منع النازحون من ادلب من القدوم إلى المحافظة لأسباب غير مفهومة، مع ان اوساط النظام تقول ان الأسباب أمنية؟! تقدر بعض المصادر عدد السوريين الذين قدموا إلى محافظة اللاذقية من مناطق الصراع في المحافظات السورية الأخرى ما بين 700 ألف ومليون شخص، استوطن جلهم في مدن وبلدات الشريط الساحلي، وخصوصا في المدينة الرياضية، لكن سكن كثيرون منهم أيضا في قرى الريف، وكانوا محط احترام.
لقد تسبب نزوح كثير من السوريين إلى محافظة اللاذقية بمشكلات اقتصادية واجتماعية لا تحصى. ففي مجال السكن تسبب النزوح بارتفاع جنوني لأجار العقارات السكنية، لكن من جهة أخرى شجع كثيرا على الاستثمار في مجال العقارات، وكان لرؤوس الأموال الحلبية دور بارز في ذلك. نقل الحلبيون على وجه الخصوص معهم خبراتهم التجارية والصناعية، كما نقلوا كثيرا من منشآتهم الصناعية والتجارية إلى الساحل السوري، لقد تسبب كل ذلك بمنافسة شديدة لسكان اللاذقية الأصليين، خصوصا وان الحلبية نجحوا بدماستهم وجودة منتجاتهم بالسيطرة على السوق. اللافت ان سكان اللاذقية الذين احتضنوا مواطنيهم من حلب والرقة وحماه وغيرها خلال سنوات الازمة حتى عام 2016 بدأوا يتذمرون منهم. لقد حصلت عدة مظاهرات في الاحياء الهامشية أيضا وهي التي تمردت على النظام مبكرا، خصوصا بجوار حي الفلسطينين في جنوب اللاذقية تطالب برحيلهم، وهم يهتفون " ما عد بدنا حرية، بس يرحل عنا الحلبية"!!!. وهذا ما فعله النظام بعد اعادة سيطرته على حلب، إذ أصدر تعليمات بعدم تجديد رخص الآجار، وإلزام الطلاب بالعودة إلى جامعة حلب. مع ذلك لا يزال بحسب بعض التقديرات يوجد ما بين نحو خمسين ألف ومئة ألف حلبي في محافظة اللاذقية، خصوصا من الذين دمرت مساكنهم في حلب وفقدوا مصادر رزقهم. بعضهم على ما يبدو لن يغادر المحافظة فقد رتب للإقامة الدائمة فيها، فصار لديه مساكن ومصالح يديروها، وبعضهم صار لديه علاقات قرابة مع سكان المحافظة من خلال روابط الزواج التي انتشرت خصوصا في الريف.
لقد تسبب نزوح كثير من السوريين إلى محافظة اللاذقية سواء من كانوا من سكانها أو من غيرهم بمشكلات اجتماعية كثيرة، فمن جهة ازداد الضغط على الخدمات التعليمية والصحية بحيث تجاوز ذلك قدرات المحافظة. فعلى سبيل المثال تضاعف تقريبا عدد طلا ب جامعة تشرين واكتظت الصفوف الدراسية في مراحل التعليم الأساسي والثانوي بالتلاميذ مما تسبب كل ذلك بتراجع كبير في جودة التعليم ومخرجاته. فعلى سبيل المثال قبل الأزمة كانت كلية الزراعة التي أعمل بها تقبل سنويا بحدود 300طالب مستجد، ارتفع الرقم إلى نحو 2000 طالب مستجد غالبيتهم من المحافظات الشرقية ومن حلب وادلب وحماه وغيرها من مناطق الصراع الساخن. ونتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة ومحدودية الموارد وفرص العمل انتشرت الدعارة على نطاق لم تشهده المحافظة من قبل. لقد تسبب الصراع المسلح في سورية بتراجع التجارة الخارجية بنحو92%، وتسبب ذلك بتوقف عمل ميناء اللاذقية وما يرتبط به من نشاطات اقتصادية مختلفة. لقد دفع الواقع المعاشي الصعب كثير من العائلات السورية في المحافظة إلى الهجرة الطوعية إلى الخارج، وقد ساهم في ذلك تكاثر نشاطات الشبيحة واللصوص وفقدان الأمن. لقد كان اغلب المهاجرين من الطبقات الوسطى ومن الأغنياء من التجار على وجه الخصوص. تقدر بعض المصادر عدد الذين هاجروا طوعا إلى خارج البلاد من سكان المحافظة بما لا يقل عن خمسين ألف مواطن سوري.
لقد حصلت تغيرات مهمة على صعيد مزاج الناس بعد التغيرات الميدانية الحاسمة لصالح النظام، وخصوصا بعد فشل المعارضة في تقديم نموذج يتفوق على النظام سياسيا وأخلاقيا، وبعد انكشاف حجم التدخلات الخارجية في سورية، فصار جل تركيزهم على القضايا المطلبية الحياتية. هذا لا يعني على مستوى النخب السياسية والاجتماعية التخلي عن المطالب بالتغيير نحو دولة القانون والحرية والانفتاح، ويروج كثيرون منهم إلى ان هذه مطالب جدية لدى الروس، بل ويشرفون على تنفيذها. في هذا السياق جرى حل بعض المجموعات المسلحة التي انشأها بعض حيتان النظام مثل أيمن جابر ومخلوف وغيرهم. ويروج النظام لإشاعات تتعلق بالانفتاح والمصالحة واحترام القانون ومحاربة الفساد، وإطلاق سارح الموقوفين، وغيرها، ويحاول دعم هذه الاشاعات ببعض السلوكيات والمواقف، وكان آخرها تقديمه لقائمة مرشحيه للجنة مراجعة الدستور، في حين المعارضة لا تزال تختلف فيما بينها حول قائمة مرشحيها.
(ملاحظة: جميع المعلومات والمعطيات الواردة في البند الرابع هي نتيجة تقديرات شخصية، حصلت عليها سواء نتيجة المعاينة المباشرة، وخصوصا نتيجة العديد من المقابلات الشخصية التي اجريتها مع بعض المعنيين في المؤسسات الحكومية القائمة، او مع أشخاص على علاقة مباشرة بالتغيرات السكانية والمجالية التي حصلت. من الصعوبة بمكان الحصول على أرقام دقيقة نظرا لعدم وجود احصاءات تتعلق بذلك، لذلك حاولت تفضيل وضع الأرقام ضمن بعد مجالي، مستندا إلى نتائج المسح الميداني والمقابلات الشخصية.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا