الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر عن المثلية

خالد صبيح

2020 / 4 / 2
حقوق مثليي الجنس


حين عرض المخرج الكبير صلاح ابو سيف في السبعينات على الفنان يوسف شعبان دور رجل مثلي في فيلم (حمام الملاطيلي) سأله شعبان مازحا:

ـ هو انت سمعت عني كلام بطال ولّا حاجة.

(للطرفة، لي زميل عمل قرأ عنوان الفيلم حين شاهد يافطته على باب السينما (حمام الملا طلي).

بعد سنوات طويلة سيعاني الفنان المبدع خالد الصاوي من ردود فعل الناس الاستفزازية على دور الصحفي المثلي، الذي أداه بإتقانٍ عالٍ كعادته في تأدية أدواره، في فيلم عمارة يعقوبيان، والتي حولته، بحسب تصريحات له، الى شخص عدواني مستعد لرد المستفزين بالعنف.

يُذكر أن فنانين مصريين آخرين رفضوا هذا الدور لخوفهم من ردود فعل المجتمع منهم.

بالتأكيد لو طلب من فنان اوربي أن يؤدي دور شخص مثلي سوف لن يفكر بالأثر الاجتماعي الذي يمكن أن ينتج عن قبوله اداء هكذا دور، وذلك لسببين: أولهما أن المجتمع هناك لايعاقب المثليين لأن حرية الانسان في أن يكون ما يريد (مع بعض الضوابط طبعا) محترمة عندهم، وثانيا أن الجمهور هناك يفهم لعبة الفن ولن يماهي بين مايدورعلى الشاشة ويسحبه على الواقع الشخصي للفنان.

وهنا أتساءل: هل يمكن أن تؤثر مثلية مفكرين ونقاد وروائيين بارزين، مثل فوكو ورولان بارت وبول بولز، على مكانتهم الفكرية والنقدية والإبداعية، وعلى تقبل القراء لهم؟

بالتأكيد لا، والدليل انتشارهم وتاثيرهم الفكري على الخريطة الثقافية في العالم.

ولأني أريد التكلم عن المثلية، أراني مضطرا لأن أستبق التأويلات وأقول أني شخصيا أنفر نفسيا ومزاجيا منها، خاصة عند الرجال، بل وأتقزز من مشاهدها حينما تعرض بالأفلام الاوربية (تبادل الرجال للقبل)، لكن نفوري نفسيا من الحالة لا يبيح لي الحكم العقلي عليها، فطالما أني اؤمن بعقلانية ترى أن من حق الإنسان أن يكون مثلما يريد أن يكون، وإن من حقه ممارسة حريته على جسده طالما أنه بهذا لا يعتدي على حرية وأمن وسلامة الآخرين، وهي حدود الحرية الشخصية المتعارف عليها، فإن مثليته هي حق له، أوافقه عليها عقليا وإن كنت أنفر منها نفسيا.

لكن مجتمعاتنا تتوجس وتنفر من المثلية لأنها ربطتها بمفهوم الرجولة والشرف، بل انها اختزلتها بهما. وقد وظف الأسلاميون هذا الخوف والنفور النفسي والأخلاقي من المثلية، كما في كل شيء آخر، لتمرير وتكريس هيمنتهم، ولمواجهة خصومهم، ولذا هم صوروا العلمانيين، في العراق مثلا، وكأنهم ليسوا سوى مدافعين عن المثلية، بعد اختزال متعمد لحصر مفهوم المدنية بحقوق المثليين، وذلك من اجل لصق صورة مشوهة بالعلمانيين، الى جانب تهمة الإلحاد العتيدة، تتغلغل بسهولة في أذهان الناس المتوجسين منهما. والأدهى أن الاسلاميين يتعمدون المماهاة بين الديمقراطية، بما تعنيه من حريات وحقوق للمجتمع في ادارة نفسه بنفسه، وبين ما يسمونه بـ (الانحلال الأخلاقي) في الغرب، وعلى رأسه المثلية طبعا، لتشويه الجوهر الذي تقوم عليه مبادئ الديمقراطية وما تعنيه الدولة المدنية، وقد سمعناهم مرارا يرددون: ( يريد المدنيون أن نوافقهم على الاباحية وزواج المثليين).

ومحاولة اختزال الغرب بهذه الحالة المحدودة في مجتمعه وتاريخه هي، بتقديري، من أجل نقض وتشويه صورته ولمنع التأثر في جوهر قضايا التقدم العلمي والفكري والاجتماعي التي يمثلها، وذلك لدرء ما سيعنيه تأثر المجتمع بها بالنسبة للإسلام السياسي.

هناك بطبيعة الحال فروقات في النظر الى هذه المسألة بحسب الخلفية الثقافية والحضارية للمجتمعات التي تتعامل معها. والملفت أن معظم الاعتراضات التي تدين المثلية وتؤثمها ذات طابع ديني. فكل الأديان تحّرمها وتجّرمها. وبما أنها مسألة اجتماعية وإنسانية صرفة، فان مناقشتها من على أرضية المقدس الديني سينقلها الى غير موضعها الصحيح، لأن الأديان تستند في قناعاتها وممارساتها الى السماء وتعاليمها وبهذا هي لاتستجيب، بل ولاتعترف، بما تفرضه او تفترضه تغيرات الحياة على الأرض. لذا فان نقاش مسألة اجتماعية ثقافية متحركة على خلفية نظرة الدين لها سيكون غير مثمر. وربما يكفي النقاش في هذا المنحى بالقول إن من يؤمن بالله فان الله هو من خلق المثلي (وسجل اعتراضك، إن شئت، على الخالق لا على مخلوقه)، واستطرادا يمكن القول لمعترضين آخرين: من يؤمن بالطبيعة مصدرا للخلق، فالطبيعة هي التي اوجدت المثلي فاغضب على الطبيعة لا على موجوداتها.

غير هذا فإن مسألة المثلية لم تأخذ في الغرب، الذي نظم وضبط أوضاعها وعلاقاتها، شكلها الذي هي عليه الآن من تشريعات وقبول اجتماعي دفعة واحدة، فقد مرت، مثلها مثل غيرها من ظواهر ثقافية واجتماعية فيه، بتحولات عديدة، وواجهت، وما تزال، باعتبارها جزءا من الحريات العامة، اعتراضات وردود مؤذية كثيرة. ومن بين أبرز المعترضين عليها هناك الكنيسة وكذلك قوى اليمين القومي والنازيين. الأولى باسم تعاليم السماء والأخلاق المسيحية، لأنها من (خطايا الشهوة)، والاخيرون باسم كرامة الأمة. ( القوميون والفاشيون ذكوريون مبتذلون بطبيعتهم، لهذا هم ضد المثلية لأنهم يضاهون ويقرنون كرامة الأمة بالفعل الجنسي. فعندهم، مثلا، أن ممارسة امرأة بيضاء للجنس مع رجل ملون (أو الغريب عموما) هو إهانة للأمة).

لقد عوملت المثلية كخطيئة مرة (َلاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ " سفر اللاويين") وكجريمة في أخرى (خدش الحياء العام) وكمرض في ثالثة (اضطراب نفسي).

غير أن المثلية هي شيء آخر غير المرض والخطيئة والجريمة، وهي، بسبب جذرها البيولوجي (الهرموني) واستتباعاته النفسية والثقافية، ليست حالة اجتماعية وفردية صرفة لتعامل بهذه الكيفية، وإذا تعذر فهمها وتفسيرها عمليا، فان وجودها عبر كل مراحل التاريخ وفي كل المجتمعات والثقافات، وإصرار اتباعها على حقهم في ممارستها وشرعنتها يبرر حقها بالوجود. فالقاعدة في تطور المجتمعات أن الحياة تطرح الأسئلة والمشاكل وعلى المجتمع، الحكومات والنخب، أن تضعها على طاولة البحث والنقاش العام والجدي، وأن تجد لها الحلول والمعالجات، وهذا ما تحقق للمثلية حول العالم، فلو تتبعنا تاريخها سنجد أن تحقيقها لشرعية قانونية لوجودها قد مر بمراحل وتأرجحات عديدة، لكنها كانت بعمومها تسير بخط تصاعدي متصل. وهكذا اضطرت البلدان التي تتبنى الحداثة وحرية المواطن وحقوقه الأساسية (حتى في البلدان التي افتقدت للحريات السياسية) أن تعترف بهذا الحق أو على الأقل تلغي تجريمه وتمنع التصرف الارتجالي معه.

وينبغي التذكير هنا أنه كلما علت قيمة الفرد في منظومة سياسية واجتماعية كلما ازدادت حظوظ المثليين بالتعبير عن أنفسهم، وكلما اشتدت هيمنة الجماعة كلما تراجعت هذه الحظوظ. (منع ستالين المثلية وجرمها بعدما سمحت ثورة اكتوبر، من منطلق المساواة، بمعاملة المثلية، قانونيا، مثلما تعامل الغيرية. وكذلك فعل النازييون الألمان حينما منعوا التعديل على القوانين التي الغت تجريم المثلية، وساقوا فيما بعد المثليين الى معسكرات الاعتقال حينما استولوا على السلطة في المانيا).

ولم توافق الحكومات على قنونة العلاقات المثلية إلا بعد أن أصبحت واقعا مفروضا لا يمكن السكوت عنه وتجاوزه، لهذا شرّعت له القوانين الحافظة للحقوق المدنية لممارسيه من حق بالخدمات الاجتماعية والضرائب والميراث والزواج والتبني. وما السكوت عن حالة تفرض نفسها بقوة الواقع، ناهيك عن قمعها وتجريمها، سوى ( اخفاء للاوساخ تحت السجادة) وسيفضي حتما الى توترات وصعوبات اجتماعية.

إذن فتشريع قوانين المثلية الجنسية ليس ترفا ولا انحلالا خلقيا كما يصوره ويتصوره كثيرون، وإنما هو استجابة من حكومات لواقع ولاحتياجات اجتماعية وثقافية حقيقية، ولايمكن لهذه الحكومات، بطبيعة الحال، أن تتراجع عنه بسبب تغريدة كتبها شخص فصامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا


.. العربية توثق إجبار النازحين في بيت حانون على النزوح مجددا بع




.. إيطاليا.. مشاريع لمساعدة المهاجرين القاصرين لإيجاد عمل وبناء


.. مصادر فلسطينية: عمليات اعتقال إسرائيلية جديدة شملت قلقيلية و




.. الجيش الإسرائيلي يحذر النازحين من العودة إلى شمال غزة