الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زهرة تقاوم الجن .

ابراهيم زهوري

2020 / 4 / 2
الادب والفن


أذكر أثناء طفولتنا بمخيم اللاجئين الفلسطينيين في حلب حيث يتموضع بالقرب من قرية النيرب حيث السهول والبساتين والمروج الخضراء والحيوانات الريفية الأليفة نقضي نهارنا بطولة بلا ضفاف حفاة هكذا مثل أول وصولنا إلى هذا العالم و كان ذلك ليس بدافع الفقر أغلب الأحيان بل كان نمط حياة طفولية لأكثرنا نحن أطفال الجيل الذي ولد في منتصف الستينيات من القرن الماضي حيث بدأ الفلسطيني في المنفى بإشعال شعلة الكفاح المسلح وإيقاظ الحلم مرة أخرى حيث كنا ننطلق بعفوية المتلهف للهواء والشمس والصراخ والسرعة الجنونية كانت توقيتاً مناسباً لفخرنا المزهو في شموخ عنيد ، تواجهنا الريح خصماً ودودا ً أثناء الركض والقفز ونسلم لها قمصاننا مثل رايات خفاقة ، كنا في قمة رشاقتنا و أفضل من المعتاد في صحتنا البدنية النشيطة دوما للحركة واحتفال الإنفعال .. نتحاشى إنتعال البوط البلاستيكي الذي شاع صيته وأنتجته حينها المعامل الصغيرة على شكل بوط كرة القدم كملاذ معقول لتلاميذ مدارس الأونوروا حينها ... وكانت حوافرنا إن صحت التسمية شديدة المرونة ووقع أقدامنا يتمكن من إحتضان ماتحتها بثبات وانسيابية كبيرين وكأنهما في عناق أبدي حتى تبدو أن الجاذبية الأرضية كنسغ النباتات أو مسار دماء في شرايين أوردتنا الكونية وتغذينا وتمتص منا ما تريد في خفاء وطيد ، وكأننا نردد دون معرفة علمية بالعبارة التالية نحن من التراب وإليه نعود ، يمكن لهذه العادة أن يكون لها جذور ممتدة أو دلالات إنثروبولجية مختلفة لكنها للأسف بدأت بالتلاشي كما لو أن الحياة خجلت منا ومن برائتنا المهزومة ، وبدأنا بإنتعال أحذيتنا إنصياعا ًوخضوعاً لتعنيف الكبار لنا لحرصهم الشديد على سلامة أقدامنا من كل أنواع الجروح ونتائجها الكارثية ومكرهين أيضا بعدما غزت الأرض البكر ونظافتها كل أنواع مخلفات مهملات الحضارة المدينية التي بدأت تظهر رويداً رويداً مع الدخان الكثيف لجبل المزبلة على أطراف حارتنا ... وبعد حين إختنق الهواء وبهتت الشمس و إختفت صورة البساتين وملحقاتها الفردوسية وحضرت حارات الإسمنت والجدران وضجر الغبار والزجاج المهشم والقيظ وأنا ودعت دونما رجعة ضفاف الساقية وحشرات كلب الماء وقضبان المعدن اللين لآخر فخاخ الصيد ورميت كيس الورق الداكن دونما لهفة تذكر أو إكثراث لآخر فراشة حقل طاردتها أو جناح سنونوة مكسور يتناوله النمل نهما ً على حجر السلسلة .



كانت أمي تضع بعض أوراقها في مرطبان الزيتون فتعطيه نكهة مميزة وتزين المذاق بطعم أعشاب الأرض .. كان النحل لا يحلو له الغزو جماعات وفرادى إلا نحوها ويستوطن عندها أغلب الوقت ظهيرة كل صيف رغم كل ما يحيطها من أنواع كثيرة من الورود المتفتحة التي تمنح تلك الساعة رائحة عطرة فواحة تتأرجح مع هبات نسائم تحنو على الظل الذي أحنو إليه متوعدا ً جلوسي الهادئ متأملا ً أطياف الذين يأتون ويرحلون في غياهب الذاكرة ، أعجبت كثيرا ً بتويجات الزهرة ينز منها يوميا ً قطرات ما يشبه العسل وكأنها في بكاء دائم ، أمي رحمها الله كانت يديها خضراء كما يقولون مواظبة على تفقدها كل صباح وتعشيبها مرارا من النباتات الطفيلية والأوراق الصفراء المتيبسة المهملة هي و نبتة ( المردؤوش ) أيضا ً ، هكذا تلفظ باللهجة الصفدية الممتدة أمتارا ً خلف نافذة الغرفة ذات السقف الإسمنتي حيث أبادر دوما لقصقصة باقة من أوراقها المخملية الخضراء تلبية لطلب بعض الجيران حينما يكونوا في أمس الحاجة لإضافة عشبة برية طبيعية عند تحضير الكبة النيئة ، هناك في حاكورة بيتنا في المخيم مهجع ٥٢ ، نسيت ماذا أجابت عندما سألتها عن أسم النبتة ،
بعد عصف الدماغ والرجوع في الذاكرة تبين لي أن أمي أسمتها ... الرَّدِةْ أو الردادة ... بما إنو إحدى وظائفها الصحية المتعددة أنها ترد الجن على أعقابهم وتحمي البيت وسكانه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق


.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع




.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر