الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من التراب وإليه نعود

ابراهيم زهوري

2020 / 4 / 5
الادب والفن


أذكر أثناء طفولتنا بمخيم اللاجئين الفلسطينيين في حلب حيث يتموضع بالقرب من قرية النيرب حيث السهول والبساتين والمروج الخضراء والحيوانات الريفية الأليفة نقضي نهارنا بطولة بلا ضفاف حفاة ، هكذا مثل أول وصولنا إلى هذا العالم و كان ذلك ليس بدافع الفقر أغلب الأحيان بل كان نمط حياة الطفولة لأكثرنا نحن أبناء الجيل الذي ولد في منتصف الستينيات من القرن الماضي حيث بدأ الفلسطيني في المنفى بإشعال شعلة الكفاح المسلح وإيقاظ الحلم مرة أخرى حيث كنا ننطلق بعفوية المتلهف للهواء والشمس والصراخ والسرعة الجنونية كانت توقيتاً مناسباً لفخرنا المزهو في شموخ عنيد في حقول الآخرين ، تواجهنا الريح خصماً ودودا ً أثناء الركض والقفز ونسلم لها طواعية قمصاننا مثل رايات خفاقة ، كنا في قمة رشاقتنا و أفضل من المعتاد في صحتنا البدنية النشيطة دوما للحركة وإحتفال الإنفعال .. نتحاشى إنتعال البوط البلاستيكي الذي شاع صيته وأنتجته حينها المعامل الصغيرة على شكل بوط كرة القدم كملاذ معقول لتلاميذ مدارس الأونوروا ... وكانت أقدامنا مثل حوافر الحيوانات إن صح التشبيه هنا شديدة المرونة ووقعها على سطح الأرض يتمكن من إحتضان ما تحتها بثبات وإنسياب كبيرين وكأنهما في عناق أبدي حتى تبدو أن الجاذبية الأرضية كنسغ النباتات أو مسار دماء في شرايين أوردتنا الكونية .. تغذينا وتمتص منا ما تريد في خفاء وطيد ، وكأننا نردد دون معرفة علمية بالعبارة التالية نحن من التراب وإليه نعود ، يمكن لهذه العادة أن يكون لها جذور ممتدة أو دلالات إنثروبولجية مختلفة لكنها للأسف بدأت بالتلاشي كما لو أن الحياة خجلت منا ومن برائتنا المهزومة ، وبدأنا بإنتعال أحذيتنا إنصياعا ًوخضوعاً لتعنيف الكبار لنا لحرصهم الشديد على سلامة أقدامنا من كل أنواع الجروح ونتائجها الكارثية المؤذية و مكرهين أيضا بعدما غزت الأرض البكر ونظافتها كل أنواع مخلفات مهملات الحضارة المدينية التي بدأت تظهر رويداً رويداً مع الدخان الكثيف لجبل المزبلة على أطراف حارتنا من ناحية الشرق ... وبعد حين إختنق الهواء وبهتت الشمس و إختفت صورة البساتين وملحقاتها الفردوسية وحضرت حارات الإسمنت والجدران وضجر الغبار والزجاج المهشم والقيظ وأنا ودعت دونما رجعة ضفاف الساقية والحشرات الملونة والطُعم كلب الماء وقضبان المعدن اللين لآخر فخاخ الصيد ورميت كيس الورق الداكن دونما لهفة تذكر أو إكثراث لآخر فراشة حقل طاردتها أو جناح سنونوة مكسور يتناوله النمل نهما ً على حجر السلسلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب


.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل




.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال