الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماشطة

خالد خالص

2020 / 4 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تحدثنا بتفصيل، في حديث من الأحاديث السابقة، عن "الحجام" الذي كان متخصصا في حلاقة شعر الرجال، بالإضافة إلى تخصصه في الحجامة والختان وقلع الاضراس وغيرها.

وسنتحدث اليوم عن "الماشطة"، التي هي المرأة المكلفة بتمشيط العروس وتزيينها وتلبيسها. ويقال نصت الماشطة العروس وزعنفتها، أي سرحت لها ناصيتها، أو صففت لها شعرها، وزينتها بالحلي والحلل.... ويقال لها أيضا "الزيانة" وفي بعض الدول "الكواية" أو "قصاصة الشعر". إلا أنه في المغرب كان من العيب لدى الكثير من الأسر، قص شعر الفتاة العذراء، حيث كانت الماشطة تقتصر على تصفيف شعرها، وربما "تضفيره" عند الطلب. وكلمة الماشطة مشتقة من المشط، وهو الأداة التي تستخدم في ترتيب الشعر وتصفيفه.

و"الماشطة" مهنة، كانت تمارسها بعض النساء قديما في الأعراس، وفق عادات وطقوس معينة. وأمام ضعف مواد التجميل، فإن الماشطة كانت تستعمل بعض المواد التقليدية التي كانت تباع عند العطار، كالكحول ( بالسكون على الكاف الثانية ) بالنسبة للعيون و«البياض السليماني» بما فيها من اكسيد الزئبق الذي تضعه على الوجه و"العكار الفاسي" لتحمير الوجنتين والشفتين عند العروس.

ويمكن القول بأن جميع المجتمات عرفت "الماشطة"، إن بمناسبة الأعراس و غيرها، أو كماشطة رسمية عند كبار القوم، كماشطة بنت فرعون الذي حكى عنها سيدنا جبريل عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حينما سأله عن سر رائحة المسك الفائحة ليخبره جبريل بأن مصدرها هو قبر ماشطة بنت فرعون الذي أحرقها فرعون هي وأولادها الخمسة بعدما علم بانها تعبد الله.

وكانت الماشطة في المجتمع المغربي قديما، تتكفل ليس فقط بتصفيف شعر العروس ومعالجة بشرتها وتزيينها بل كانت هي المسؤولة على مرافقتها خلال الترتيبات التي تسبق العرس حيث كانت لكل مدينة أعرافها وتقاليدها بل كانت هذه الأعراف والتقاليد تختلف من عائلة لاخرى حتى في المدينة الواحدة.

وبالرجوع الى المعجم العربي الامازيغي لمحمد شفيق نجد في مادة المشط ( الصفجة 118-119 الجزء الثالث ) لفظة تنرسمانت جمع تنرسمين من فعل يرسم وتعني الماشطة المحترفة التي تصفف للعروس شعرها. ويقال ترسم تاسلت وهي شكل من تصديرة العروس. ومن المرادفات لكلمة المشط : تسري/ تسرف/ تكرض/ تسدريرا. أما مرادفات الماشطة فهي : تمسرايت/ تمكراط/ تنرسامت الخ.

ولابد من التأكيد على أن الكثير من الدول لا زالت تستعمل كلمة الماشطة كالجزائر على سبيل المثال لا الحصر كما أن الماشطة اسم عائلي لدى بعض المجتمعات نسبة الى حرفة المشط.

ولا يجب الخلط، بين مهنة "الماشطة" و"العراضة" و"النكافة"، الذين يقمن بأدوار مختلفة بمناسبة الاعراس، حيث كان دور العراضة يقتصر على الطواف على بيوت النساء المكلفة بدعوتهم، بطقوس خاصة ك "قالتليك للا فلانة عنداك نهار الخميس ما تجي مع الظهور لعرس بنتها للا فلانة".

ولم تكن العراضة تتكلف بدعوة الرجال، الذي كان يتحمل مسؤوليتها ذكر يدعو الرجال الذين كلف هو بدعوتهم الى "التقصيص" زيسميه البعض "التقصيرة"، الذي هو حفل يقام بالليل، ولا تحضره النساء مطلقا، حيث يكون الحفل طربي بالآلة الاندلسية دون غيرها وبكؤوس الشاي التي يقدمها "الحجامة" مرتدين وزرهم البيضاء الناصعة، مع بعض الحلويات التقليدية، التي هيأتها النساء مجتمعة قبل الفرح باسبوع وزيادة وخصوصا ما يعرف ب"الكحك" و"الكعاب" في جو من المرح والغناء بينهن حيث كانت تسمى هذه الترتيبات عند اهل الرباط ب" قش الصينية".

أما النگّافا" فهي زافة العروس أو مغنيتها وهي كلمة أصلها أمازيغي من tamengaft بنفس المعنى التي كان دورها في الأصل هو التبراح عند دخول العروسة وخروجها ب "الصلاة والسلام على رسول الله - إيلا جاه الا جا سيدنا محمد .." وغيرها مما كانت تقوله لاعطاء المناسبة قليلا من التعظيم.

ومن تقاليد أهل الرباط أيضا، أن يبعث العريس اسبوعا قبل العرس بما يعرف ب بفلوس الحمام" مع الماشطة أو مع النكافة أو مع "الخادم" حيث كانت العبودية قائمة في المغرب وكان الاب الميسور يهدي لابنته إحدى الخدم التي يقتنيها من "البركة" ( بركة الخدم كالتي كانت بمدينة سلا ). وكانت أم العروس تتكرم على من أتت لها بفلوس الحمام ببعض القروش.

وكانت هنالك محطة أخرى قبل الحمام هي ما يعرف ب "بدو الحمام" أو بداية الحمام وهو يوم مخصص للحناء أو "النبيتة" لتوديع عالم العزوبية حيث كانت أم العروس تهيء طبقا من الحناء وكانت العروس تحني في طقوس ممزوجة بأجواء من فرح. وكانت صديقات العروس وأخواتها يرافقنها للحمام التقليدي الذي كان يتم كراؤه للعروس وصديقاتها الغير المتزوجات بعدما تكون الام قد هيأت صطلا من الغاسول يوزع على كل من يرافق العروس للحمام. وكانت صديقات العروس تقضي معها الليل بكامله في لعب ومرح لدعمها معنويا خصوصا وأنهن لم يكن يعرفن شيأ عن الزوج قبل ليلة الدخلة.

وكانت الماشطة تبقى بجانب العروس وترافقها أينما حلت وارتحلت، تصفف لها شعرها وتبيض لها وجهها وتقوم يتحمير وجنتيها وشفتيها، وتغير لها ملابسها الى أن تسلمها للعريس، في باب غرفة النوم مشجعة مزغرِدة. وكانت بعض الماشطات يتجاوزن ذلك بكثير حيث كن يتكلفن بخلع ثياب العروس (...). وللإشارة فإن العروس كانت تغمض عينها لمدة ثمانية أيام، حيث لم تكن لتتعرف على وجه زوجها الا بعد هذه المدة وتظل معها الماشطة في بعض الأسر، طيلة الاسبوع لمساعدتها في تصفيف شعرها وفي تزيين وجهها وفي أمور أخرى.

وكانت أشهر ماشطة في مدينة الرباط في اربعينيات القرن الماضي، هي السيدة خدوج بنصالحة ، تؤمنها النساء على بناتها وتؤمنها على الحلي والمجوهرات والالبسة. إلا أن مهنة المشاطة اختفت إلا استثناء في بعض الدول، حيث حل محلها في المدن المغربية، صالونات عصرية للحلاقة والتجميل كما أخذت النكافة دور الماشطة في لبس العروس ومرافقتها والتهليل لها عند دخولها وخروجها.

ذ.خالد خالص

ملحوظة : لابد من تقديم التحية والتقدير والشكر الجزيل للسيدة مجيدة بنعمرو التي وافتني بالعديد من المعلومات التي كانت غائبة عني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد