الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الهؤلاء- رواية تعرية الطغاة

أمل سالم

2020 / 4 / 6
الادب والفن


يجدر القول إلى أن الكثير من الدول التي تحررت من الاستعمار "الكولونياليّة" في منتصف القرن العشرين وقعت في قبضة استعمار آخر، وهو استعمار الأجهزة التنفيذية/الأمنية التابعة للديكتاتوريات، فهي شكل من أشكال الحكم المطلق، حيث يكون الحكم محصورًا في شخص واحد هو الديكتاتور، أو مجموعة كحزب سياسي، حيث تتحكم في الشعب بشتى الوسائل للحفاظ على مكاسبها المتمثلة في الوصول للحكم.
وبدعوى الحفاظ على البلاد المتحررة من مؤامرات الدول الاستعمارية التي أُخرجت جاءت الديكتاتوريات على وقع هتاف الجماهير المغيبة، وقد تبع ظهور الديكتاتور تكوين الدولة البوليسية.
ورواية "الهؤلاء" للروائي المصري: مجيد طوبيا، الصادرة عن دار غريب عام 1976 هي من بواكير الرواية المصرية التي حاولت فضح الممارسات الإكراهية التي تتبعها السلطة القمعية ممثلة في أجهزة الأمن. ويمكن اعتبارها "من رواية ما بعد الكولونياليّة"، حيث تتناول آثار الاستعمار على الثقافات والمجتمعات.
ملخص الرواية:
يروي البطل أنه يعيش في بلدة "أيبوط"، وفيها يخشى الأدباء الخروج من بيوتهم بساعة اليد أو الأقلام، فالجميع يظن بوضع أجهزة التنصت فيها. أما "الهؤلاء" فهو المسمى المطلق على رجال المباحث والعسس والمتعاونين معهما، حيث تصل نسبة المثقفين المتعاملين معهما إلى خمسين في المائة. و"الديجم" هو رئيس ديار "أيبوط"، ويلاحظ الراوي أن الأرض تدور ضد عقارب الساعة، وفي محاولته لتصحيح ذلك يذهب لمقابلة رئيس الإذاعة والتليفزيون لحث الناس على محاولة إيجاد حلٍ لهذه المشكلة، بحيث يتوافق دوران الساعة ودوران الأرض في ديار "أيبوط"، وهناك يقابل "الهؤلاء" كحرس جحظ العيون، حيث يشكون فيه؛ مما يجبره على الفرار منهم. ويتبعه أحدهم ويسلمه إلى الآخر في المتابعة. ويلاحظ الراوي أن بعض "الهؤلاء" لديهم مقدرة التجسس على أفكاره. ويتردد الراوي على موضع آلة الزمن الموسيقية المعطوبة بعد كل مغامرة مع أحدهم. وفي النهاية يتم القبض عليه ويتولى التحقيق معه رجل مضغوط يرسله في صحبة أحد "الهؤلاء" لزيارة أربعين مخفرًا لإثبات براءته، وفي الطريق يقابل آخرين مثله بصحبة أحد "الهؤلاء"، حتي حبيبته قابلها بصحبة سيدة من "الهؤلاء"، وفي النهاية يصل به الحال إلى آخر البلاد حيث المخفر الأخير وبه شواهد قبور من سبقوه في هذه الرحلة المميتة.
-السلطة القمعية وعداء المثقف:
يعمل الكاتب على تشكيل وعي المتلقي لتقبل فكرة عداء السلطة للمثقف، وفهمها، ومحاولة استيعاب أسبابها، فنجد أن الراوي منذ البداية يظهر ثقافته، وبدلًا من أن يفخر بها وبتميزه فإنه يعوّل مأساته على قدرته على القراءة والملاحظة والتفكير، فيقول في صفحة 7:
"بدأ كل ذلك عندما كنت أقرأ كتابًا بلغة ديار "أيبوط" المجيدة، التي كان نصيب أن أكون أحد رعاياها...، ولو لم أكن أقرأ لما حدث شيء على الإطلاق".
في إشارة إلى أنه في الدول التي تحكمها ديكتاتوريات فإن ثقافة الإنسان قد تكون وبالًا عليه، فقد يتهم المثقف
بتهم متعددة إلا أن تهمته الحقيقية هي القدرة على التفكير واستشراف المستقبل. ويذكرنا ذلك بقول الشاعر في مسرحية "ليلى والمجنون" لصلاح عبد الصبور:
إذ أني الآن نزيل السجن
متهمًا بالنظر إلى المسـتقبل
إن فكرة دوران الأرض التي اعتمد الكاتب عليها أحدثت مشكلة تاريخية/ثقافية حين تسببت في محاكمة الفيزيائي "جاليليو" من قبل الكنيسة في القرن السابع عشر، واتهامه بالهرطقة لتعارضها مع مفاهيم دينية آنذاك، فنجد أن الراوي اختص ديار "أيبوط" بالدوران المخالف لعقارب الساعة، ويحمّل الراوي دوران الساعة المعاكس لدوران الأرض سببية الأضرار التي حدثت له، فيقول في صفحة 7:
"ولو فعل ذلك لما حدث لي كل ما حدث من إهانات واتهامات ومن ابتعاد عن حبيبتي واسعة العينين ذات الهمسة الآسرة".
وتعمل السلطة في الرواية على إهدار الزمن وجعله وقتًا ضائعًا، فالراوي عندما فر من أحد "الهؤلاء" واختبأ في بناية إسمنتية عملاقة شبه دائرية، وجد أنها ملعبًا لكرة القدم، وعندما أشار إلى رأسه وساعته منبهًا الجمهور إلى أهمية التفكير والوقت هاجمه الجمهور الذي ظن أنه يهدر وقت اللعبة ففر من البناية، حينئذ قابله أحد جحاظ العيون الذين يتابعونه في الفصل الأول حتى القبض عليه، ودار بينهما الحديث التالي في صفحة 32:
-لقد أثرت فتنة بين جمهور الكرة وحاولت دفعهم إلى التفكير!!...
هذا اتهامي لك: لقد أحدثت وقيعة بين الكرويين وهم كائنات مسالمة لا تبغي غير التسلية التي لا تجهد الذهن.
كم من الإرباكات والعداء التاريخي بين المثقف والسياسي، وعلاقات مربكة مليئة بالشك والتخوين. وتتناول الرواية ظاهرة التدجين التي تمارسها أجهزة السلطة على المثقف لتحويله إلى كلب من كلاب الحراسة طبقًا لتعبير الفيلسوف والكاتب الفرنسي بول نيزان، فيعد الكلب كوسيلة للقمع -وكمصير للمثقف التابع- حاضراً في صحبة المؤلف المختص بتأليف كتب العلم الأيبوطي، والذي سيهجم على الراوي بتحريض من المؤلف، وفي حضور أحد "الهؤلاء" الذي بدلًا من إنقاذه يظهر التفشي والسعادة في إشارة إلى سادية رجال النظم القمعية، فيقول في صفحة 32:
"ثم حرض كلبه ضدي فوقفت مزمعًا الفرار... بينما المؤلف يتوعدني مقسمًا برئيسنا "الديجم" راعي العلم بأنه في المرة التالية سيرفع كمامة الكلب".
والكلب أيضًا حاضر في المخفر الأربعين، وهو مختلف عن كل المخافر، حيث يستخدم للتعرف على البريء وليس المجرم، وهو المدان الذي يستحق العقوبة.
السلطة ورهاب الزمن(Chronophobia) :
إن فكرة الخوف من مضي الزمن أو قدوم المستقبل التي تصيب بعض الأشخاص هي نفسها التي تصيب السلطة في الأنظمة القمعية، حيث تفترض أن تقدم الزمن يعني تقدم الشعوب، والتي سترفض الأنظمة الديكتاتورية/القمعية وتقوّضها، فتحافظ تلك الأنظمة على دوران معاكس لعقارب الساعة. وأشار الكاتب إلى ذلك أكثر من مرة في رمزية فائقة، كما أن هذه الأنظمة القمعية لا تعترف بأخطائها، ولا تحمل نفسها تبعية التخلف الذي تحدثه للجماهير بتزييف الواقع، بل نجدها تحاول تبرير مواقفها على الدوام، ونجد أن أحد "الهؤلاء" يحاول أن يعطي تبريرًا لتخلف ديار "أيبوط" في صفحة18 فيقول:
-أنا لا أجرك إلى كلام في السياسة، صدقني، لكنك تعرف أن لبعض الناس آراء حمقاء: إذ يزعمون بأن هذه الديار قد تخلفت عن حضارات هذا القرن بعشرات السنوات!! وهذه سخافة، فالذي حدث أن هذا القرن هو الذي سبق هذه الديار بعشرات السنوات.
والملاحظة التي يمكن إدراكها في ذلك أن الأنظمة الديكتاتورية تحاول التمسك بالماضي وتتغني به، حيث قام أحد "الهؤلاء" بدعوة البطل لزيارة متحف آثار مصر القديمة للبحث عن حل لمشكلة الزمن التي تؤرق البطل، وبالتحديد في غرفة المومياوات، حيث حاول إقناعه بأن الزمن لم يؤثر على الملك الشاب توت عنخ أمون متجاهلًا أنه مات!
-السلطة القمعية وتطويع البيرقراطية:








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى


.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب




.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً