الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعاة أم قوّادون

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقوم الدعاة المسلمون بتصدير نظرية في الأخلاق يقدّمونها على أنّها أعظم وأرقى نظريّة عرفتها فلسفة الأخلاق عبر العصور, هذه النظرية تقوم على عاملين أساسين لا غير هما الخوف من النار والرغبة بنكاح النساء, ومن غير هذين العاملين لم يعد بمقدور المسلم ان يتصوّر أي نوع من البناء الأخلاقي, لا الحق ولا الواجب ولا القانون ولا أي منظومة تسمو فوق أخلاق الدّواب تلك التي تتمثل بالنار التي يجب أن يخاف المسلم منها, والنساء اللواتي يطمع بإمتاع قضيبه بهنّ.
هذه الطريقة بالتربية والتهذيب يستعملها الإنسان عادة في تقويم سلوك البهائم, وتسمّى في علم النّفس "الاستجابة الشرطيّة" (راجع نظريّة بافلوف) وخلاصة تلك النظرية هي أن الكائن الحي يستجيب للمؤثرات الخارجيّة سلباً أو إيجاباً على شكل ظواهر في السلوك تفرضها عليه -أي على الكائن- الحوافز الإيجابية للقيام بالفعل أو الموانع السلبية التي تفرض عليه الإحجام عن إتيانه. مثال: العصا التي تحرّك الحمار للمضي قدماً للأمام وتسمّى دافع الخوف, أو الجزرة التي أمام عينيه والتي ترغّبه في المضي قدماً وتسمّى الحافز الإيجابي أو "التحفيز" .
والسؤال هنا: لماذا يصرّ الدعاة المسلمون على تصدير هذا الفهم الحرفي المتحجّر لمفهوم الجنّة والنار "الثواب والعقاب" ضمن نفس الفهم الذي خاطب به القرآن أولئك الأقوام البدو في الصحراء قبل ما يزيد عن 14 قرناً من الزمان؟ لماذا؟
لماذا أخرج المفسّرون ألفاظاً قرآنيّة عن مدلولاتها اللغويّة والاصطلاحيّة جملة وتفصيلاً حتى تتناسب مع غايات معينة في سيرورة الدعوة لدين الإسلام, بينما لم يحرّف واحد من المفسّرين ساكناً من آيات وصف الجحيم او النعيم في الآخرة عن دلالاته الظاهريّة وحرفيّة النص الذي ورد به في القرآن؟
على سبيل المثال: الآية من سورة الفاتحة "غير المغضوب عليهم ولا الضّالين" بأي حقّ وتحت أيّ ذريعة في اللغة سمح لنفسه ابن كثير وغيره أن يقول بأنّ مراد الله من المغضوب عليهم والضالين إنما هم "اليهود والنصارى" ؟!! في الوقت الذي لم يسطع واحداً من المفسّرين الأجلّاء عبر العصور أن يقول بأنّ متعة المؤمن جنسيّاً في الآخرة إنما هو لفظ مجاز لا يقصد به التمتّع الشهواني الفيزيولوجي بالنساء ذوات الأعضاء التناسليّة, إنما هو دلالة على مفهوم "رعشة القرب من الله "!!!
لماذا؟.. دعني أقل لك ..
لأنّ وصف الحور العين في الجنّة واللواتي سيتمتّع المؤمن بهنّ "قضيبيّاً , إنّما هي نظرة تطابق نظرة الإسلام الدونيّة للأنثى بشكل عام, وتتناسب مع تاريخ نشأة الإسلام كمافيا ذكوريّة أكثر من كونه -أي الإسلام- ديناً ومساحة روحيّة للإنسان يرتقي من خلالها فوق دنس الجسد.
علاوة على انّ التمسّك باللفظ الحرفيّ لوصف علاقة الذكر المؤمن بالمرأة في الجنّة إنما يهدف لترسيخ صورة المرأة "الأنثى" كدمية جنسيّة في ذهنيّة الذكر المسلم وذلك في الدنيا قبل الآخرة, ويهيئ شخصيّته -أي شخصيّة الذكر المسلم- لتقبّل صورة معيّنة من التعامل مع الأنثى قد لا نجد تقبّلاً لها عند الأتباع الذكور لأي فلسفة عقائديّة أخرى عدا الإسلام, على الأقل ليس بالصورة الإلهيّة المقدّسة التي نجدها عند أتباع هذا الدين. وهذه الصورة تمثّل على الأقل أربع جوانب:
1- استساغة اغتصاب الذكر المسلم للمرأة التي تنتمي لمجموعة الجاحدين بربّه وذلك كحقّ إلهي وهديّة ربّانيّة لهذا المسلم الذكر.
2- فرض الله على الأنثى المسلمة تقبّل خيانة زوجها لها على مرأى ومسمع منها مع نساء أخريات تحت مسمّى إباحة تعدد الزوجات والتمتّع بــ "ملك اليمين" .
3- فرض الإسلام على المرأة سواء زوجة أم سبيّة أم أمة (عبدة) فريضة تلبية احتياجات الذكر المسلم الجنسيّة وقتما شاء وكيفما شاء, بغض النظر عن ظروفها النّفسيّة والجسديّة في تلك اللحظة.
4- غياب ضرورة الأخذ برأي الأنثى حول قبول أو رفض الإتيان بالفعل الجنسي مع هذا الذكر أو غيره.
إنّ صورة الحور العين في الجنة تزرع في وعي الذكر المسلم أنموذجاً مشوّهاً لفهم التركيبة النفسيّة للأنثى, هذه النظرة المشوّهة ترتكز على النقاط الأربع سالفة الذكر.
فالأنثى (الحوريّة) التي سينكحها المسلم الذكر في الجنّة هي كائن مسلوب القرار معدوم الإرادة, لا حاجة للمسلم الذكر أن يسأل نفسه قبل أن يغرز قضيبه بين فخذيها عن اسمها وتاريخها ومولدها ونشأتها وقصّة حياتها وكيف انتهى بها المطاف لتكون "عاهرة مقدّسة" في -كرخانة- أقصد جنّة الله , ولا يسأل المسلم الذكر نفسه حول أسلوب الفعل الجنسي التي تستسيغه تلك الفتاة وتحبّذه, وغيرها من الأمور التي لا بد من مراعاتها قبل الشروع في الفعل الجنسي, بل وقبل كل ذلك لا يكلّف نفسه أن يسأل نفسه إن كانت تستسيغه هو بشخصه جنسيّاً أم تهمّها نفسها بالتقيؤ في وجهه.
تلك الأنثى المسكينة التي سيقدّمها خالقها كدميّة جنسيّة لعبده المسلم الذكر في الجنّة لن تقف مهانتها عند ذلك الحد, بل إن ربّ العزّة هذا سيجلب لهذا الرّجل العديد بل العشرات من مثيلاتها اللواتي سينكحهنّ هذا الكازانوفا امام بعضهنّ البعض دون أن يرفّ له جفن خاطر في أن يسائل نفسه حول مشاعر الغيرة الطبيعيّة عند هذه الأنثى أو الأخريات من حوله!! ثم يأت المسلم طيّب القلب بعد ذلك ليعيب على المواقع الإباحيّة تصاوير الجنس الجماعي في أفلامها, والتي أكاد أجزم أن المخرج قد استعان بأوصاف الجنّة في القرآن حين كتب سكريبت البورنو فيلم هذا!
ثالثة الأثافي عزيزي الداعية حين ترغمني بحدّ السيف "انا كذكر" على الإيمان بدينك وتعاليمه مقابل هذه الهديّة الثمينة والتي هي العشرات من الحسناوات في الآخرة فأنا أثمّن عن طيب خاطر عرضك السخيّ على الرّغم من أنني سأنظر لك على انّك مجرّد "قوّاد" لا "داعية" , إلّا أن المعضلة تكمن في أنّ العقد بيننا لا بدّ أن يكون شريعة المتعاقدين, وبالتالي فإنه يستوجب موافقة كلا الطرفين بكامل الإرادة الحرّة حتى يصبح نافذاً, وعليه حين تضع السيف في رقبتي للموافقة على عرضك هذا والإيمان بدينك مقابل تلكنّ الحسناوات فهذا يخرج اتفاقنا من حيّز "عقد المبادلة" إلى حيّز "السلب بالإكراه" لأن القرآن يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [الصف]..
وعليه فهي تجارة محضة لغة واصطلاحاً بإقرار القرآن نفسه, والتجارة كما يعلم الجميع هي عقود بيع تستوجب رضا الطرفين بالكامل, فكيف تأتي حضرتك لترغمني على التوقيع على عقد البيع ذلك بحدّ سيفك؟ .. .. المهم ... دعك من ذلك ....
لأوضح لك شيخنا الفاضل مقصدي بمثال, هب أن كيم كارداشيان ألا وهي حسناء بشهادة الكثيرين ومنهم من على استعداد لدفع آلاف الدولارات لقاء ليلة حمراء بجوارها, هب أنّ هذه الكاردشيان قد وضعت سيفاً في رقبتي كي أضاجعها مقابل عشر دولارات فقط لا غير, إلا أنني لا أودّ دفع تلك العشر دولارات ولا أريد أن أضاجعها, ولكنها هددتني بالقتل إن لم أفعل وأدفع!!
والسؤال: هل يشفع لها سخاء العرض وحسن قوامها ورخص الأجر أن يجعل قاضي المحكمة يغضّ الطرف عن تهديدها لي ولحياتي بالسلاح بحجّة أنه كان يتوجّب عليّ قبول العرض لأنّه عرض سخيّ؟؟؟؟ هل يجعلها ذلك العرض سخيّة فاضلة ويجعلني مهدور الدم بتهمة الحماقة لرفضي ذلك العرض؟؟؟
هذا هو بالضبط ما تقترفونه أيها الدعاة حين تفرضون على الكافر الملحد أو الوثني واحداً من بين خيارين, إمّا أن يؤمن ويجاهد وبالتالي ينكح الحسناوات في الجنة, أو أن يموت على أيديكم ويذهب لجهنم أبد الآبدين.. هذا لم يعد جنّة المؤمن يا فضيلة الشيخ, هذا لم يعد دعوة الضال لطريق الحق والهداية, بل أصبحت دعوتكم هذه مجرّد بلطجة ودعارة قسريّة بل وسلب بالإكراه, لأنك تطلب منه -أي من الكافر- حياته وكل ما يملك مقابل الحسناوات اللواتي ستمنحهنّ له في الجنّة, أو لربما في الحياة الدنيا أيضاً (الغنائم) إن أمكنك الغزو و السبي كما فعل أجدادك.
مسك الختام صديقي الدّاعية الفاضل : حين تقدّم لي إسلامك على انّه "دين" وذلك مقابل الفلسفات الماديّة التي أغرقت الأسواق الغربية بمنتوجات الرأسماليّة وسلّعت الإنسان وشيّأته لاسيما المرأة, فأنا اجد من خلالك ومن خلال دعوتك ودينك بريق أمل نحو لمسة روحانيّة تنقذنا من دنس الماديّة الرأسماليّة تلك, ولكن للأسف حين اقترب من عمق فلسفتك كي اتسوّل من خلالها جرعة روحانيّة, لا أجد عندك سوى وعوداً بالجنّة التي هي" أكل وخمر وجنس "... وليكن بمعلومك داعيتنا الفاضل.. هذه الأمور الثلاثة تحديداً هي التي اختزل بها دعاة الحداثة والرأسمالية غاية العيش, وهي ذاتها التي دفعتني لاستجداء دينك وفلسفتك أرنو بها الخلاص الروحي كإنسان ينشد السموّ فوق الجسد ولو بقليل.
وماذا وجدت عندك؟
وجوب التضحية بالنفس من أجل الحصول على الطعام والخمر والنساء, الدفع في الدنيا والقبض في الآخرة! ......
لا يا سيدي الكريم على الأقل الرأسمالية الماديّة الغربيّة تدفع مباشرة بعد توقيع العقد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد