الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أونو مسار التنمية فى اليابان غير صالح للدول النامية

جيهان خليفة
كاتبة صحفية

(Gehan Khalifa)

2020 / 4 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


كيف تحولت اليابان من دولة زراعية متخلفة ، منعزلة عن العالم بل ومسحوقة بقنبلة نووية إلى دولة متقدمة من الطراز الأول دولة ذات رؤية إقتصادية وتجربة تحظى بتقدير وإعجاب الجميع لاشك أن اليابان نموذج فريد للتنمية ..ولكن هل لنا كشعوب نامية أن نستفيد من التجربة اليابانية هذا ما يحاول أنو فى كتابة (( التنمية الإقتصادية فى اليابان )) ترجمة الدكتور خليل درويش ، الإجابة عليه ويعتبر أنو من الخبراء القلائل فى مجال نقل خبرات التجربة اليابانية إلى القراءغير اليابانيين ، عمل كخبير ممارس لدى بعض الدول النامية كفيتنام وكمستشار للحكومة اليابانية فى ملف تقديم المعونات للدول النامية .
هذا الكتاب يحكى تاريخ التنمية الإقتصادية فى اليابان فى ضوء الخبرات المعاصرة للدول النامية التى مازالت تكافح من أجل النهوض بمجتمعاتها ، ويوضح كيف إستطاعت اليابان من خلال تطوير مؤسساتها الداخلية أن تستجيب للضغوط الخارجية وذلك إعتبارا من الظروف التى مهدت للتصنيع العسكرى فى عهد ميجى ومرورا بخبرات اليابان خلال الحرب العالمية الأولى وأزمة الشووا المالية وإقتصاديات الحرب العالمية الثانية حتى بلوغ مرحلة النضج الإقتصادى والإزدهار فى فترة مابعد الحرب العالمية الثانية والإنتعاش المفاجىءللإقتصاد اليابانى فى الستينيات ودورات الكساد التى تنتاب الإقتصاد اليابانى فى مرحلة ما بعد الإزدهار .
يرى أونو: أن التاريخ ينشأ فى أى بلد كنتيجة لتفاعل القوى الداخلية والخارجية مشيرا أن تحديث اليابان بدأ عندما واجهت الغرب القوى فى القرن التاسع عشر فطريق التصنيع الذى سلكته اليابان يمكن فهمه فى هذا الإطار على إعتبارأنه إستجابة من جانب العديد من الفاعلين داخل المجتمع اليابانى سواء الحكومة ،رجال الأعمال ، المجموعات والأفراد ، للصدمات والتأثيرات الوافدة من الخارج ويوضح أن هذه الطريقة مازالت صالحة حتى الآن فالدول النامية مطالبة بأن تتقدم تحت تأثير عوامل قوية كنتيجة لضغوط العولمة فعملية التطور داخل هذه الدول يمكن أن تفهمها كحالة للتفاعل الديناميكى بين نظم داخلية ونظم خارجية مؤكدا أن المجتمع المحلى بمثابة الأساس الذى يتم تقديم النظم الخارجية له ،وعلى الرغم من تبنى أونو لفكرة الإندماج مع المجتمع الخارجى إلا أنه يرى أن كل مجتمع له خصائصة المميزة التى تعكس بيئتة وتاريخة والمؤسسات القائمة فى مجتمع من المجتمعات هى نتاج الإعتماد المتبادل والتلاحم مع الظواهر الكلية وهذا ما يسمى (التكامل المؤسسى ) موضحا أن المجتمعات المحلية تمتلك المنطق والميكانزم الخاص بتطورها الداخلى وإن كان هذا التطور غالبا ما يكون بطيئا ، ولكن عندما تتعرض الدولة لتأثيرات أجنبية فإن التوازن الإجتماعى يهتز فجأه وتبتعد الدولة عن مسارها السابق فإذا كانت إستجابة الدولة للعوامل الأجنبية مرنة ومناسبة فأن المجتمع سوف يبدأ مرحلة دينامية جديدة للتطور أما إذا كانت ضعيفة وغير متماسكة يتعرض المجتمع إلى حالة من عدم الإستقرار أو ربما يتحطم تحت السيطرة الإجنبية .
يشير أونو:إلى وجود العديد من المثالب على سياسات منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى إلا أن الدول الوافدة ليس أمامها خيار سوى الإلتحاق بهذه المنظمات الدولية والسؤال المطروح الآن ليس فيما إذا كان من الممكن التكامل مع هذه النظم ولكن كيف يمكن أن تتكامل تلك النظم لقد أصبح الإندماج الدولى شرطا ضروريا وإن كان غير كاف للتنمية (منظمة الأنكتاد) .
يرى أنو : أن مصطلح التنمية لا يفترض بالضرورة وجود تأثيرات خارجية فمن الناحية النظرية فالتنمية يمكن أن تكون نتاج للدوافع الداخلية أو إستجابة للمحفز الخارجى موضحا أن فى عصرنا الحالى أصبح من المستحيل تقريبا تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة دون التعايش والتكامل مع النظام العالمى بل وتحمل التنمية فى عصرنا الحالى أحد المعانى المناظرة للحاق بالدول الصناعية أو التحديث من خلال التجارة والإستثمار الأجنبى المباشر والتصنيع لذلك أصبح من الصعب أن نفكر فى أى طريقة أخرى سواء كان هذا جيد أم لا فهذه الحقيقة .
ويقول أنو : أن من بين إستراتيجيات التنمية ما ينادى به أنصار النموالداخلى الذاتى ويقوم على تقييد الإندماج الخارجى والإعتماد على النظم الداخلية فى كل مجتمع كآلية يعتمد عليها فى تحقيق النمو يتضمن ذلك توجية الإنتاج الزراعى للإستهلاك المحلى أكثر من توجيهة للتسويق التجارى ، هذا التطور يعتمد على العقيدة ،القيم،العادات التقليدية ، هذا المنهج من الممكن أن ينشط المجتمعات ويقدم آليات لمشاركة المخاطر فى مرحلة معينة للنمو ولكن مصداقيتة غيرمؤكدة عندما نتحدث عن إستراتيجيات عالمية طويلة المدى للتنمية .
على إمتداد تاريخ اليابان عاشت فترات سكون للتطور الداخلى كما تعرضت لفترات من التغير الديناميكى تحت تـأثيرات خارجية قوية تحولت هذه التطورات بحيث جعلت المجتمع اليابانى من طراز متعدد الهويات فهناك تأثيرات خارجية منها زراعة الأرز الذى تم إستجلابه من القارة اليوروآسيوية فى حوالى القرن الثالث قبل الميلاد والبوذية من الصين عبر كوريا فى القرن السادس ، الثقافة الصينية والنظام السياسى تم إستيرادهما من القرن السابع إلى بدايات القرن العاشر الميلادى ، والإتصال المباشر الأول مع الإروبيين فكان فى القرن السادس عشر الميلادى ،أما التحديث فقد بدأمع الإتصال الثانى بالغرب فى القرن التاسع عشر .
ويشير أونو : أنه بالمقارنة مع تاريخ دول أخرى غير غربية يتضح لنا أن اليابان قد إمتصت بنجاح الصدمات الخارجية المتتالية كما إستخدمتها بشكل إيجابى للتغيير وللنمو المستحدث مع إحتفاظها بشخصيتها القومية .
أوضح أونو : أن فكرة التحول إقترحها كيجى مائيجاوا – الباحث فى الإنثروبولوجيا الإقتصادية بجامعة تسوكوبا ، حيث يرى أنه عندما تلتحق دولة من خارج محيط التفاعلات مع النظام العالمى تبدو للوهلة الأولى وقد تم إمتصاصها فى النظام الدولى السائد وتظهر الدولة فى تلك الحالة أنها مضطرة لأن تتخلى عن ثقافتها التقليدية ونظمها والبناء الإجتماعى لها وغير ذلك من نظم متخلفة للحاق بممارسات دولية أفضل ،وعليها أن تتأكد من أنها قادرة على إستعادة ملكيتها (الإستقلال الوطنى )والإستمرارية الإجتماعية والإحتفاظ بالشخصية القومية مشيرا الى أن الدولة قد تتغير ولكن إرادة هذا التغير من إختصاص حكوماتها وشعبها وليس بواسطة شركات ومنظمات أجنبية فالأفكار والنظم الأجنبية لا تؤخذ كمسلمات ولكن من خلال إعتبارات المواءمة إذا ما تم تحقيق ذلك فالدولة موضع التحول لا تكون ضعيفة أو سلبية من الناحية الواقعية بل بالعكس تستفيد من مزايا المحفز الخارجى حتى يمكن لها أن تتغير وتنمو وهذا ما يعرف ( التكيف بغرض التحول )وهذا ما فعلته اليابان منذ عهد ميجى
ويقول : عندما يواجه مجتمع غير غربى نموذجا قويا للحضارة الغربية فإنه يصبح من الصعوبة بمكان أن يهرب من تأثيراتة وفى نفس الوقت فإن العديد من الشعوب قد تبنت رغم إرادتها أوحتى بإرادتها البنى المؤسسة والأهداف الغربية بغرض الإستمرار والتعايش ،وبالرغم من ذلك فإن هذه المجتمعات لم تتقبل الغزو الغربى بمعناه التقليدى فأى عنصر من عناصر الثقافة سوف يتغير معناه عندما يتم إستزراعة فى ثقافة أخرى هذا يمكن ملاحظته مع تطور الأجناس البشرية ، والظواهر الكونية والمذاهب الدينية والتعاليم بل أيضا نظام الأسرة ومؤسسات التبادل الإقتصادى والإجتماعى مثلها فى ذلك مثل المشروعات التى ترغب فى الحفاظ على هويتها من خلال المواءمة بين النظام الثقافى الخاص بها والمؤسسات والمبادىء الخارجية وأوضح : أن أهمية التحديث هو التقبل بهدف التكيف لقيم الحضارة الغربية مع إستمرارية الشكل السائد من الثقافة المتواجدة المحلية وهذا مايسمى التكيف التحويلى ،وبالرغم من ذلك فالإندماج الدولى عملية تتضمن مخاطرعديدة وليست كل الدول قادرة على أن تقوم بعملية التكيف بغرض التحول والدول النامية تتعرض لضغوط خارجية قوية تمثل تحديا عظيم ولحظة حرجة من تاريخها لأن قدراتها المحلية تكون لا تزال ضعيفة والمطلوب منها القفزبشكل فجائى وبخطوات هائلة تفوق إمكانيتها ،يؤكد أن الإستجابة للعولمة يجب أن تأتى من الحكومات المركزية فإذا فقدت الحكومة السيطرة على عمليات الإندماج أدى ذلك لعواقب شديدة منها عدم الإستقرار الإقتصادى ،التفسخ الإجتماعى ،الأزمات السياسة ، الصراع العرقى ، السيطرة الأجنبية ،لذلك فالتكيف التحويلى يتطلب التفكير بشكل أعمق من صانعى القرار .
السؤال الذى يطرح نفسه الآن لماذا إستطاعت اليابان أن تنجح ؟
تقليديا يمكن أن نعتبر اليابان فى القرن التاسع عشر دولة زراعية متخلفة لكنها تعرضت وبشكل فجائى على تأثيرات خارجية شديدة لإجبارها على الخروج من عزلتها الدولية ،ولكن لماذا هذا النجاح المبكر لليابان فقط دون الدول غير الغربية ؟ هذا هو السؤال لكل من يدرس التاريخ الحديث لليابان يرى تساداؤأميساؤ-الباحث فى الحضارات المقارنة- أن اليابان برزت كدولة صناعية غير غربية بشكل طبيعى للغاية فهى وغرب أوروبا نموذجان فريدان فى العالم كلاهما متواجد على الحدود الخارجية للقارة اليوروآسيوية ويتمتع الجانبان بمناخ معتدل كما أنهما معزولان نسبيا عن الغزوات العنيفة من جانب الشعوب الرعوية البدوية ،أوميساؤ من أنصار المزايا الجغرافية والمناخية كعوامل حاسمة فى التطور التلقائى والمستمر للمجتمع مشيرا أن اليابان والمملكة المتحدة تتشابهان بشكل خاص فى كونهما شعوب الجزر التى تقع على حافة القارة وإمتصتا الإنجازات الثقافية الوافدة من الحضارات العظمى مثل الصين ،الهند،الشرق الأوسط ، سمح ذلك لهما بالتطور عضويا بشكل متراكم مع مزج الثقافة الداخلية مع التأثيرات الخارجية بشكل دقيق مع الإحتفاظ بشخصيتهما ،يرى أونو أن وجهة نظر أوميساؤ مثيرة للإنتباه لأنها تناسب الماضى القريب ولا تتفق مع عصرنا هذا حيث يرى أونوأن التصنيع أكثر ديناميكية فهناك أكثر من مسار لعملية التنمية طبقا للظروف الأولية والتغير فى الظروف التاريخية ، كما أن وجهة نظر أوميسيا لا تناقش دور التكنولوجيا ورأس المال والإستثمارات وأكد أونو أن عملية التصنيع حاسمة فى تحديد مسار النجاح أو الفشل فى عملية التنمية .
السؤال هنا هل اليابان نموذج لكل البلدان النامية ؟
هنا يجيب توميناجا ،أن عملية التحديث لأى بلد غير غربى لا يجب أن تأخذ نفس المسار فلكى تنجح عملية التحديث فى مجتمع غير غربى لابد أن تكون خلاقة تتضمن المقارنة بين الثقافات المحلية والأجنبية والإستفادة من العناصر الراقية داخل الأخيرة مشيرا أن عملية التحديث فى اليابان كانت تعبر بدقة عن هذه العملية وما يحدث الآن فى الدول الصناعية الجديدة فى آسيا يؤكد ذلك .
يشير أونو : أن وجهة نظر توميناجا تتلخص فى أن التحديث فى أوروبا بدأ بالتطور الداخلى للنظم الفرعية السياسة والإجتماعية ثم أعقب ذلك الثورة الصناعية أما بالنسبة للدول حديثة العهد بالتنمية فلا تستطيع أن تتبع نفس المسار فالتحديث الإقتصادى أكثر سهولة من التحديث السياسى أما التحديث الإجتماعى والثقافى ربما يكون أكثر صعوبة لأن هذه البنى تغلغت حتى وصلت إلى تفاصيل الحياه اليومية للناس لذلك الأمر يتطلب وقتا وجهدا وهذا ما يقود الى الفجوة بين النمو الإقتصادى السريع والتقدم البطىء فى كل النواحى الأخرى هذه الفجوه تولد إضطرابات وصراعات .
ويشير أونو : أن ديناميات المجتمع اليابانى هى نتاج تراكم بين النظم الداخلية والخارجية والتى يتكرر فيها نمط تطور المؤسسات الداخلية وأسلوب الإستجابة للعناصر الخارجية عبر التاريخ مشيراأن هذا النمط من أنماط التطور حالة خاصة باليابان ودول غرب أوروبا التى تدعم قدرات المشروعات الخاصة والموظفين الحكوميين فى إحداث التحول فى البناءالإجتماعى بشكل تدريجى لكن فى إتجاه ثابت ومحدود الأمرالذى مهد الظروف للتصنيع العسكرى فى فتره ميجى هذا النمط غير متوافر حاليا فى ظروف الدول النامية لذلك من الصعب على هذه الدول أن تحاكى مسار التنمية فى اليابان لكى تنمو أو تتحول إلى دول صناعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا