الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو صياغة قومية مصرية

محمد نبيل صابر

2020 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


فى ظل انتشار وباء عالمى هو فيروس "كوفيد-19" وتجاوز عدد المصابين المليون والاقتراب من 80 الف وفاة ، وفى ظل استشرافات مستقبل "عالم ما بعد كورونا" سواء على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى بل والبيئى ، وخاصة عقب تعطل العمل فى مختلف المرافق حول العالم وظهور الحاجة الى تدخلات حكومية مركزية قوية ، سواء للحد من حركة الناس لتقليل عدد الاصابات او فرض اجراءات استثنائية او توجيه الانتاج الصناعى لتوفير المستلزمات الطبية وايقاف حركات الاستيراد والتصدير فيما اعتبره الكثير ضربة للسياسات النيوليبرالية واتجاهات ما بعد العولمة . الا ان اهم أثر عنى الكل بدراسته وهو تصاعد المد القومى، وخاصة بعد فشل الاتحاد الاوروبى فى تقديم المساعدة الى الدول الاكثر تضررا "ايطاليا واسبانيا وهولندا والسويد" ، مما تسبب فى كارثة صحية وتصدر تلك الدول مؤشرات عدد الاصابات والوفيات .
يحدثنا علماء الاجتماع ان استجابة البشر للكوارث والاوبئة تنقسم بشكل اساسى الى مستويين : المستوى الاول وهو يمثل غالبية الاستجابات عبر التاريخ : هو البحث عن وعى جمعى ومعانى تستدعى التضامن والتلاحم عبر نمو الروح القومية وبث الانتماء الى معنى سامى له أصل تاريخى واحياء مفاهيم "الأمة" والتراث الشعبى بل يصل الأمر كما تذكر هالة الحفناوى فى مقال " سيكولوجيا الاوبئة ": "أشارت تقارير إعلامية صينية إلى أن 80% من مرضى كورونا في الصين تلقوا علاجًا تقليديًّا، وقد أكد ذلك نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني "شو نانبينغ"، بقوله إن 85% من مرضى كورونا تلقوا مزيجًا من العلاج الدوائي والتقليدي. وبغض النظر عن فاعلية العلاج التقليدي من عدمه على مواجهة الوباء، إلا أنه يؤثر على حالة الفرد، وقد يعطيه بعض التوازن الداخلي المرتبط باعتقاده في فاعلية الوصفة الشعبية."...
وعلى جانب آخر، ظهرت ممارسات أخرى مرتبطة بالمعتقدات الشعبية، مثل شرب "بول البقر" في الهند باعتبارها وصفة شعبية ترتبط بمعتقدات دينية، وقد استضافت جماعة هندوسية حفلًا لشرب بول الأبقار السبت في العاصمة الهندية نيودلهي، لاعتقادها أنه يقي من فيروس كورونا المستجد، لأن كثيرين من الهندوس يعتبرون الأبقار مقدسة، ويؤمن بعضهم بأن لبولها خصائص علاجية، بغض النظر عن صحة هذه المعتقدات." وذلك حيث "حيث "مثّل التراث الشعبي أو الفولكلور، بصفة عامة، مخزونًا ثقافيًّا تُسجل به خبرات الأجيال السالفة في صورة معتقدات ووصفات وحكم وأمثال وروايات وغيرها."
اما المستوى الثانى : فهو القلق الفردى والتشكيك فى الافراد حولنا ممن قد يكونوا سبب للعدوى او فى المستقبل وضبابية الاحتمالات وخاصة مع الآثار الاقتصادية المصاحبة لانتشار تلك الاوبئة
وفى مصر ، ومع اداء جيد جدا من الحكومة المصرية وخاصة على مستوى الاستعدادات والتجهيزات واعادة المصريين العالقين فى الخارج وعدم اهمال اكتساب مساحات على الساحة الخارجية عبر ارسال مساعدات طبية برفقة وزيرة الصحة الى الصين وايطاليا ، حتى مع وجود بعض الانتقادات مع تأخر بعض الاجراءات وغيرها، وهو أمر طبيعى فى ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة داخل البلاد . الا ان دراسة كيفية استغلال وصياغة مد قومى مصرى يكتسب اهمية للبناء على مكتسبات المرحلة الحالية وذلك لتقليل ومواجهة تحديات ما بعد الكورونا على المستوى الاقتصادى خاصة والاجتماعى بعدها.
ومما لا شك فيه انه تم العمل خلال سنوات طويلة على اكساب معنى " القومية المصرية" سمعة سيئة وخاصة فى فترة أطلاق يد التنظيمات المتأسلمة وخاصة الجناح السلفى منها فى عهد مبارك ، تمثلت تلك السمعة السيئة فى ربط القومية المصرية بالفرعونية بالشرك بالله والكفر وبفرعون الحاكم الكافر المذكور فى قصة سيدنا موسى. كل ذلك تم مده لهز فكرة الانتماء الوطنى واستبدال ثوابت "الوطنية والفداء " الى معنى "الاسلام العالمى والاستشهاد" . وان كل قتال او انتماء الى راية غير الاسلام هو قبض ريح وليس استشهاد وعصبية فارغة مكروهة.
اما التيارات اليسارية فقد اعتبرت القومية المصرية نقيضا لفكرة التآخى العالمى او نسخة محلية من الفاشية او حتى تضاد مع فكرة "القومية العربية" . كل هذا الهجوم تسبب فى تراجع الكثيرين عن محاولة صياغة القومية المصرية فى ايدلوجية واضحة المعالم او محاولة وضع اسس لها نابعة لها من مكتسبات المراحل المختلفة سواء فى مراحل نمو الشعور القومى فى 1919 او عبر تحديات الستينات المختلفة والتفاف الشعب حول قضايا التحرر والمساواة ومواجهة الاستعمار او حتى من التضامن الشعبى فى اوائل فترة حكم مبارك ضد موجة الارهاب المسلح.
وفى رأيى المتواضع ان فشل النظام الحالى الرئيسى المتمثل فى افتقاده الى نخبة مبتكرة او مفكرين من العيار الثقيل ممن كان بإمكانهم استغلال الشعور الوطنى الجارف وانهار الجماهير التى انطلقت فى يونيو ويوليو 2013 ضد حكم جماعة الاخوان المسلمين وإسقاط هذا الحكم . وصياغة نظرية قومية واعية لا تربط الوطن بالقوات المسلحة كما يصر اعلامنا الحالى ، بل يربط هذا الشعور الجارف بجذوره الرابضة فى الوعى الجمعى المصرى منذ تأسيس اول دولة قومية فى التاريخ على يد نارمر مينا .
لم يكن اننتفاضة ذلك الشعب ضد حكم الاخوان وضد المتأسلمين عموما كرها فى الاسلام بحد ذاته بالطبع ، وانما دفاعا عن تلك الدولة التى شعر المصريون منذ يونيو 2012- يونيو 2013 انها أصبحت تدار كأنها ولاية فى دولة مقرها الرئيسى يتراوح بين الدوحة وأنقرة ، وهو ما اعتبرته الجماهير أهانة لا يمكن غفرانها ولجأت الى البديل الذى اعتبرته الحصن القوى القادر على مواجهة شراسة الاسلاميين فى ظل غياب بديل منظم حقيقى.
هذا الفشل فى صياغة نظرية سياسية جديدة تربط الشعب بأيدلوجية بديلة ، المصاحب بأضطراب فى رسم سياسات محددة وضغوطات اقتصادية وأفتقاد صوت اعلامى قادر على توصيل الافكار الرئيسية لتلك السياسات للجماهير العريضة والاعتماد على نخب تجاوزها الزمن ، تسبب فى خسارة جزء من الارض المكتسبة مع مرور الوقت .
أن الحاجة الى تلك الصياغة فى مصر فى ظل التحديات الداخلية والخارجية والناشئة بشكل أساسى من أيدلوجية تحمل اوجه الاهمال بل وتحرض على احتقار الدولة القومية والانتماء الى ساحة عالمية ، بل وكما يعتبر احد كتابها عبر مواقع شبكات الجزيرة ورصد والحرية والعدالة أن الدولة القومية وقناة السويس كانت مؤامرات استعمارية هدفت ضمن ما هدفت بجانب خدمة الاهداف الاستعمارية الى ضرب الاسلام عبر تقويض السلطنة العثمانية . كما يصاحب تلك التهديدات نعرة قومية اثيوبية يستغلها نظام أبى احمد فى حشد الشعب الاثيوبى بل والشعوب الافريقية ضد الحقوق الشرعية لمصر دولة المصب فى نهر النيل ، وبالتالى يصبح هناك حاجة ملحة الى صياغة تلك النظرية لحشد الجهود المختلفة فى معارك تخوضها مصر عبر جبهات متعددة.
والأمر لا يتعلق فقط بتجميع قوى الجماهير فى الاوقات الصعبة، بل ان تصبح تلك الايدلوجية والصياغة هى سياسة مستمرة لا تعنى الغرق فى ماضى الحضارة الفرعونية او الانتساب فقط الى تلك المرحلة من التاريخ المصرى العريق ، بل تعنى ربط الشعب بتلك الارض واحياء فكرة "المجال الحيوى " لتعود مصر لاعبا اساسيا فى المجالات العربية والافريقية والاسلامية والمتوسطية.

الآن منح القدر نظام الرئيس السيسى فرصة جديدة لصياغة تلك السياسة مع نجاحات مقنعة لقطاع عريض من الشعب فى مواجهة أزمة كورونا ، وتحركات حكومية واعية "فى اغلبها" ومد قومى يجتاح أغلب دول العالم .. فهل نستغل الفرصة؟... هل نجد آذانا واعية؟.. هل نكمل فى التفكير خارج الصندوق؟... هذا صوتنا ولعلهم يسمعون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي