الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمرأة الباص

محمد مزيد

2020 / 4 / 10
الادب والفن


كان علي الذهاب الى أنقرة بقصد تجديد شهادة الحياة في السفارة العراقية . غالبا ما أسافر ليلا ، حتى أصبح فجراً في العاصمة . لم أنم قيلولتي هذا اليوم ، بالرغم من أن سفري ليلا . أستعداداتي للسفر هذه المرة ليست مضبوطة بسبب أنشغالات جانبية حصلت مع شريكة حياتي وغضبي عليها ، مع تفاصيل أخرى لم تخطر على بالي ، أنتهت هذه الانشغالات بعدم لحوقي بسيارة السيرفس التي تقلني من منطقة سكناي الى الاوتوكار ( الكراج الرئيسي ) وكان يجب علي أن أستقل سيارة تاكسي حتى ألحق بموعد أنطلاق باصات شركة سها في الساعة الثانية عشرة ليلا . وصلت سيارة التاكسي قبل الموعد بنصف ساعة ، جلستُ بالإنتظار في كافتيريا تطل على ساحة الكراج يسمح التدخين بها . كان جلوسي أمام سيدة جميلة جدا ، فاتنة ، بيضاء ، شعرها حنى ، على خدها شامة ، تدخن سيجارتها حزينة ، جعلت أبليسي يشتعل ألف مرة . لاحظتُ عينيها تترقرق بالدموع . بحثت عن ورقة كلنكس لتمسح قطرات نزلت على خدها البلوري فلم تجده ، بادرت ، وأعطيتها علبة كاملة ، شكرتني بالتركي ، قلت لها بالعربي عفوا . ألتفت فرحة وقالت بعربية ركيكة : أذن أنت عربي . نعم أنا عراقي . ساد صمت بيننا ، ثم بادرتُها بالسؤال : لماذا كنت تبكين ؟ أطلقت تنهيدة قوية : أنا مسافرة للتخلص من عبء ثقيل حصل في بيتي .توقفت ، أكملت : زوجي من أهالي هذه المحافظة وأنا من محافظة أسكي شهير . أشتغلت لدي الهسهسه ، فكرتُ : لابد أن زوجها سبب بكاءها . لمحّت لها بذلك فأشارت أن نعم . ماذا فعل كي يجعل ملكة الجمال تبكي . أشاع الاطراء في نفسها الراحة ، قالت : أنتم الرجال لاتشبعون من النساء . أجبت : وجهة نظر ليست دائما صحيحة . قالت إنها معلمة لغة عربية ، وزوجها يشرب الخمرة كثيرا ، وصلت معه الى مفترق طرق . بقيتُ أصغي لها حتى عرفت تفاصيل قصتها . قلت لها : أسمعي سيدتي ، يمكنك مواجهة زوجك بالصبر والحكمة وليس بالهروب من الواقع . قطع كلامي أعلان مذيع الكراج عن وقت أنطلاق الباص . فقالت هذه باصنا يدعوننا للصعود . صعدنا الحافلة ، ومن المفارقات إننا جلسنا في مقعدين معا ، أخذت هي جهة النافذة . ثم أصبحت أكثر مرحا وخفة وتخلت عن الوقار والبكاء ، قالت : أن فكرة مواجهته بالحكمة وعدم الهروب من الواقع راقت لي . ماذا ستفعلين ، هل ستعودين إليه ؟ كلا لن أعود . في تلك الإثناء سارت الباص ببطء لعبور تجمع الكراج قبل أن تستلم الطريق السريع . قالت : سأفعل مثلما يفعل ، سأرقص وأغني وأمارس الجنس مع كل شخص يروق لي ، سأدمره من خلال جسدي الذي لم يحترمه . لا أعرف ماذا أقول لها ، أرتبكت ، صعدت الدماء الى راسي ، خفق قلبي بشدة ، وصارت الهسهسة في روحي مثل موسيقى ابليس ، خفت الا أكون أنا هدفها ، وبنفس الوقت تمنيت ذلك . في تلك اللحظات تنازعني شعوران ، أحدهما شيطاني والآخر رحماني ، فاذا سرت مع الشيطان ستكون خسارتي فادحة ، بقيت أفكر في التماهي معها ، ونصحها كي لاتخسر نفسها. حسمت أمري وقلت لها : هذا خطأ ، ما تفكرين به زنى ستحاسبين عليه يوم القيامة ، أرجوك لاتخسري نفسك بسهولة . بكت المرأة بحرقة ، سمع الركاب صوت بكائها ، طلبت مني أن أسمح لها بالنهوض وفسح المجال . وفعلا ذهبت مسرعة الى سائق الباص ، تحدثت معه بعصبية ، لا أعرف ماذا قالت له ، ثم توقفت السيارة ، فتح لها الباب بعصبية أيضا وترجلت السيدة الوقورة بعد أن شملها الرحمن برعايته . وقفت على جانب الطريق تودعني وترمي لي قبلة عبر يدها الجميلة . ثم تحركت الباص الى أنقرة ، وانا مازلت أراقب المرأة الجالسة إمامي في الكافتيريا بعد غفوة قصيرة ، لقد فاتني الباص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه