الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العشق في الحجر الصحي !!

فيصل الدابي

2020 / 4 / 9
كتابات ساخرة


العشق في الحجر الصحي!!
كان فهيم يتوهم أنه إسم على مسمى وأنه الفاهم الفهامة لأي شئ لكنه اقتنع الآن أنه لم يعد يفهم أي شيء خصوصاً في هذا الزمن الكوروني العجيب، كان فهيم يعتقد أنه يعرف كل أنواع الحمي، لكن درجة حرارة حمى كورونا التي أصابته بصورة مفاجئة والتي اندلعت ألسنة لهيبها تحت جلده أثبتت له أن سخونة الحمى الكورونية لا مثيل لها على الإطلاق، شعر فهيم بالدم يفور في عروقه وشرايينه، أرخى فهيم سمعه فكاد يسمع حبات العرق وهي تغلي في مسامات جلده، أحس بصداع رباعي الدفع أخذ يطعن خلايا دماغه بعنف ويقرع عظام جمجمته بإصرار جنوني، انطلق من اعماق حلقه سعال موجع شديد الجفاف إلى درجة أن فهيم قد شعر أن روحه قد بدأت تخرج بالتجزئة أو بالقطاعي مع كل كحة مؤلمة، ثم تُوجت الأعراض الكورونية المؤلمة للغاية بصعوبة في التنفس، ذلك الأكسجين الذي كان فهيم يتنفسه مجاناً وبغير حساب في صحوه ومنامه طوال عمره، انعدم الآن بشكل مفاجئ وأصبح أندر من لبن الطير، تحولت رئتا فهيم إلى شحاذتين تستجديان نفحة أكسجين واحدة لكن بلا جدوى، أحس فهيم باختناق شديد، وكان آخر ما رأه هو مشهد بعض جيرانه وأقاربه وهم يحاولون إسعافه بشتى الوسائل والطرق وأخيراً ترنح فهيم وسقط على الأرض وغاب عن الوعي بعد أن انطفأت كل أنوار عقله دفعةً واحدةً بشكل مفاجئ ومن ثم عم الصمت المطبق والظلام الدامس!
بعد مضي فترة مجهولة، أخذ فهيم يسترد وعيه شيئاً فشيئاً، شعر بوجوده على سرير أبيض في مركز الحجر الصحي العام وعلى وجهه جهاز تنفس اصطناعي، نظر فهيم حوله بعينيه المجهدتين وفوجئ بأن جميع اقاربه وجيرانه الذين حاولوا اسعافه قبل سقوطه وغيابه عن الوعي مستلقون على أسرة بيضاء وهم مكممين بأجهزة التنفس الصناعي، شعر فهيم بندم ساحق وتأنيب ضمير ماحق لأنه تسبب في نقل العدوى الكورونية لهؤلاء المخالطين الأبرياء الذين دفعوا ثمناً باهظاً بسبب شهامتهم التي دفعتهم لمحاولة انقاذه، لكن فجأةً تلاشى ذلك الشعور التقريعي بسرعة البرق ففي تلك اللحظة بالذات، شاهد فهيم حسناء باهرة الجمال وهي تقف برشاقة متناهية بالقرب من أحد الأبواب، حدق فهيم بعين واحدة ثم بعينيه الاثنتين في تلك الحسناء التي لا ترتدي أي كمامة ثم رفع رأسه من الوسادة، نظرت اليه الحسناء بعينيها الساحرتين من على البعد، أشارت له بيديها الرشيقتين من على البعد، فطار صواب فهيم من على القرب وتشتت في كل الأنحاء! شعر فهيم بالامتنان لفيروس كورونا الذي منحه فرصة العمر ومكنه من مشاهدة أجمل الجميلات ووجد عذراً مقبولاً لتلك الأم الهندية التي سمت تؤامها كورونا وكوفيد بعد أن انجبتهما داخل سيارة تاكسي في أصعب الظروف الكورونية رغم أنه لم يسبق لأي أم في العالم أن سمت بنتها كوليرا أو سمت ابنها طاعون! كاد فهيم يصيح حتى انت يا كورونا لا تخلو من جماليات فقد تذكر وصف كورونا من قبل أحد الأطباء الذي قال إن كورونا هو في الحقيقة كوكتيل فيروسات فقد سرق من فيروس الانفلونزا خاصية سرعة الانتشار وسرق من فيروس سارس خاصية ضرب الجهاز التنفسي! غمغم فهيم وتساءل في سره بابتهاج خفي مشوب ببعض الحذر: يا الهي على أي أساس تجاوبت معي تلك الحسناء الفاتنة؟! هل أنا وجيه لكنني لا أشعر بوجاهتي؟! هل أنا جذاب لكنني لا اشعر بجاذبيتي؟! ثم من هي تلك الحسناء الغامضة على أي حال؟! ما هو أصلها وفصلها؟! وما هي مصلحتها في التواصل مع مريض كوروني مجهول الهوية بالنسبة لها؟! هل أنا في حلم أم في علم؟! هل هذه معجزة حقيقية أم مجرد هلوسة بصرية؟! هل هي ممرضة أم مريضة بالكورونا؟! ضحك فهيم في سره لأول مرة منذ اصابته بالكورونا عندما رد على نفسه بشقاوة طفولية وهمهم قائلاً: على أي حال لن اتركها أبداً حتى لو ثبت أنها مصابة بالكورونا فلا بد من الارتباط بها في كل الأحوال فمن المؤكد أن فيروسها سيكون أجمل فيروس كورونا في العالم وسأرحب بالتقاط عدوى كورونية اضافية منها وأضمها للعدوى التي اصبت بها سلفاً لأصبح بذلك راعي الكورونتين!
بحلق فهيم في تلك الحسناء عدة مرات ثم تساءل بدهشة مركبة كيف انتصب كل ذلك الجمال غير المكمم وسط هذا البحر من الفيروسات الكورونية المنتشرة؟! هل يملك هذا الجمال الخارق حصانة سحرية مطلقة ضد كورونا أم ماذا؟! نهض فهيم من السرير الأبيض كالمارد عندما أرسلت الحسناء الفاتنة ابتسامة لؤلؤية في اتجاهه، بادلها فهيم بابتسامة عريضة بعد أن أيقن أن عدوى ابتسامتها أسرع من عدوى فيروس كورونا نفسه، تدفقت نحو فهيم عافية مفاجئة من جميع الجهات، اجتاحته صحة مباغتة من كافة الأنحاء بعد أن أصبحت كل الطرق تقود إلى الحب الشديد المفاجئ، ازاح فهيم قناع الأكسجين من وجهه بسرعة بإصبع واحد فقط لا غير ثم تحرك بكامل قواه الجسدية والعقلية نحو أجمل هدف في الدنيا وهو الارتباط الدائم بتلك الحسناء الفاتنة بأي طريقة وفي أسرع فرصة ممكنة، استوقفه الطاقم الطبي بالقوة ادخلوا عوداً طويلاً رفيعاً حارقاً في قاع انفه للكشف عن كورونته لكنهم اصطدموا بأكبر مفاجأة في تاريخهم الطبي فقد هربت جميع فيروسات كورونا من جسم فهيم بسرعة البرق دون أي سبب طبي مفهوم وتركت خلفها سؤالاً طبياً حائراً لا اجابة له وهو كيف تنجح المضادات الحيوية في شفاء بعض مصابي كورونا الذي لا دواء له حتى الآن وتفشل في علاج مصابين كورونيين آخرين؟!!
أخيراً، هل نلصق النهاية الرومانسية التقليدية بقصة فهيم ونختمها بالقول إن السيد فهيم قد تجاذب احلى حديث عاطفي مع حسنائه الجميلة بعد تمكنه من هزيمة كورونا بطريقة غير مفهومة وخروجه معها من مركز الحجر الصحي ثم عقد عليها عند أقرب ماذون من مركز الحجر الصحي وعاش في تبات ونبات وخلف صبيان وبنات! كلا لا أعتقد ذلك، فالنهايات المفتوحة هي الأنسب في هذه الظروف الكورونية المتقلبة، لكن على أي حال لا بد من كشف غموض تلك الحسناء الفاتنة التي قلبت المرض وحولته الى عافية واجبرت كورونا العنيد على الهروب السريع من جسم فهيم الى جهة مجهولة، حسناً، آنساتي، سيداتي سادتي تلك الحسناء الفاتنة هي الحياة، نعم، إنها الحياة تلك الكلمة المختومة بتاء التأنيث والتي تقف على النقيض من الموت المذكر، إنها الحياة تلك الهبة الالهية الرائعة التي تعتبر أجمل حق من حقوق الانسان بغض النظر عن جنسه ولونه وعقيدته والتي تمنحه حق التنفس وحق الحركة وتهبه حرية الاختيار وحرية الحب وتهديه بصمة شخصية فريدة لا يملكها أي شخص آخر في الدنيا، إنها الحياة المستحوذة على أجمل النعم وألطف الهبات والتي يستطيع كل من يعشقها ويتشبث بها أن يصنع جميع المعجزات ويقهر كافة المخاوف دون أي سلاح سوى إرادة الحياة!
أخيراً، بعد انقشاع ظلام الغمة الكورونية وسطوع شمس الصحة والعافية وتخلص فهيم من أجمل الهلاوس البصرية وبعد أن تمكن من استعادة ذاكرته بالكامل من براثن الوحش الكوروني، عقد فهيم مؤتمر قمة مع نفسه، تذكر فهيم أنه زوج اثنتين وأنه لم يسمع نصيحة صديقه اللدود كوجاك الذي قال له ذات يوم إن زوجة واحدة أكثر من كثيرة أما الزواج من إثنتين في هذا الزمان الصعب فهو دعوة مفتوحة للدخول في حرب أهلية لانهائية! راح فهيم يسخر من نفسه بترديد تلك الأبيات الشعرية الطريفة التي قالها ذلك الاعرابي الذي تورط في الزواج من امراتين والتي مفادها أن شدة جهله قادته للزواج من اثنتين متوهماً أنه سوف يصبح أسعد خروف بين أجمل نعجتين لكنه شرب أكبر مقلبين في التاريخ البشري عندما اكتشف أنه اصبح نعجة تتناوشه أخبث ذئبتين وانه كلما ارضى واحدة تسخط الأخرى ولا سبيل أمامه للنجاة من إحدى السخطتين، فذاق أمر الأمرين وأصيب بأكبر جنونين ثم اختتم فهيم قصته الكورونية بدعائه الشخصي الجديد الذي نجره بعد خروجه مباشرةً من مركز الحجر الصحي والذي يفضله على كل الأدعية التقليدية القديمة وهمهم قائلاً: اللهم نجنا جميعاً من شر الكورنيات ومن شر ضر الزوجات إنك سميع مجيب الدعوات، آمين يا رب العالمين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا