الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة من كتّاب الدرجة العاشرة

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 4 / 9
كتابات ساخرة


(يا خفيفاً خفّت به الحركات) تعلمناها في أولى ثانوي لنتذكر ضابط إيقاع البحر "الخفيف" في الشّعر العربي وذلك في مادة "علم العروض" وأعتذر بالمناسبة عن كلمة "علم" ولكن ليس ذنبي أن كل علوم العرب هي من هذا الدبير, والدبير يا سيّدي هو بخلاف القبيل.
المهم ارتأى أحد زملاء المدرسة مرّة أنّ هذه العبارة تنفع كتلطيشة, والتلطيشة أيام الزمن الجميل يا حضرات لا تمتّ للتحرش الذي يمارسه أولاد الشوارع هذه الأيام, الفارق هو أنّ التلطيش أشبه بنفش ذكر الطاووس لريش ذيله أمام الإناث للإغراء, أمّا التحرش فهو أشبه بدخول الخنزير للحظيرة.
التلطيش كان عبارة عن مباراة كلاميّة يلقيها الشبّان على مسامع الفتيات يتحدد من خلالها من هو المحترف صاحب اللسان الأعذب والكلام الأرق والأهضم في الشلّة, والذي سيجعل أجمل فتاة في المكان تبتسم وترمقه بنظرة إعجاب. وللوقوف عند حدود الفارق بين التلطيش والتحرّش يكفي أن تعرف بأنّ عقوبة الشاب الذي قام ذات مرّة بالتلطيش مستخدماً ضابط البحر الـ"الطويل" كانت الطرد من الشلّة وقطع البث وفرطعة القعدة.
هذه العلاقة بيني وبين العروض تجسّد علاقتي بمادة اللغة العربية بمجملها منذ نعومة أفكاري وحتى لحظة كتابة هذه الترّهات, وعلى الرّغم من أنّ إجاباتي عن سؤال الإعراب في امتحانات اللغة كانت مجرّد تمييز بين من قام بالفعل ومن وقع عليه الفعل لا أكثر, إلّا أنّه كان دائماً عندي حيلة للكتابة بالفصحى مع التّشكيل المناسب, أكتب من خلالها قصائد ونصوص نثر لزملائي في الصف كي يرسلوها لبنت الجيران في مغلّف أحمر عليه صورة قلب يخترقه سهم. هذه النصوص كانت من الفصاحة بحيث لو عرضتها على سيبويه بذاته لما اختلف معك في كلمة منها حول الإعراب والنّحو والصرف , أما البلاغة فأمر آخر. الحيلة كانت في أن اقتبس تصريف المفردات خلف بعضها مع التشكيل المناسب كلها من القرآن الذي كنت أحفظه عن ظهر قلب منذ نعومة أجدادي, فمثلاً إذا أردت كتابة " لا تنسي أن كذا كذا " فلم أكُ أدري يا بعد بدري إن كان يجب أن أحذف حرف العلّة من آخره أم أكتبه, فببساطة كنت أركّب العبارة على نحو ما أتت به الآية (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) , على مبدأ أنّ الكلام على ذمّة الراوي. وفي حال كان هذا الزميل الولهان الذي طلب مني كتابة رسالة لجارته ليلى هو أشطر منّي في اللغة العربية مثلاً وطعن في فصاحتي لأنني أثبتت حرف العلة في نهاية المضارع المجزوم فكنت أفقأ عينه بذكر الآية ثم نذهب كلانا أو كلينا -لا فرق- إلى مدرّس اللغة العربية لنسأله ونحن على استعداد لسماع خطبة طويلة في قواعد الإعراب خلاصتها أنّ القرآن معجز بفصاحته وأنّ المضارع المجزوم نحذف حرف العلّة من آخره, ثم ينتهي اللقاء ونحن على قناعة بأنّ زميلنا -قيس بن المشوشح- يجب أن "يبخبخ" الرّسالة ببضع قطرات من العطر قبل أن يضعها في المظروف الأحمر, وذلك لتشتيت انتباه العقل الأنثوي في حال كانت ليلاه تلك ضليعة في اللغة أكثر مني ومنه ومن أستاذ اللغة العربية بل وحتى من نسّاخ المصاحف بالرّسم العثماني.
بائع القصائد هذا تطوّرت معه الأحوال وصار يحسب نفسه مثقّفاً, لاسيّما وأن كنية "رفاعية" التي امتطيها لم تكن غريبة عن السّاحة الثقافيّة فقد عطّرها الأستاذ "ياسين رفاعيّة" من قبلي, والذي لا أعلم صلة قرابتي به ولكنّي كنت أعتزّ بها لاسيّما حين تسألني إحدى الجميلات التي تدخّن السيجارة وتشرب البيرة في مقهى الأدباء عن تلك القرابة, فأسارع على الفور بالقول أنه "عمّي اللزم" أي على أساس أنّو نحنا عيلة مثقّفين وأدباء بالوراثة. هذا وقد خطر في بالي مرّة أن أسأل الوالد عن صلة القرابة تلك, ولا أعلم إن كان الخلاف بينهما -بين والدي وعائلة ياسين- عائليّاً أم آيديولوجيّاً, ولكن أذكر حينها أنّه -الوالد- عبّ كأس العرق دفعة واحدة ثم ازدرد خلفه حبتا -أو حبتي- فستق ونظر ناحيتي قائلاً (قوم من وجهي .. يلا من هون )
هكذا انتهى بي المطاف بعد رحلة طويلة بين الفلسفة والعلم والدين لأكون من كتّاب الدرجة العاشرة في موقع الحوار المتمدن الذي تظهر كتاباتي فيه بجانب عروض الحج غوغل للتعارف بثلاثينية سعودية مطلقة مرّتين, والتي يموّل من خلالها الموقع مساحته التي يحجزها على مخدمات الانترنت ..وهيك...
لذلك صديقي الكاتب المرموق من ذوي أقلام الدرجة الأولى, يا ذا البا-ه-ع الطويل في الكتابة أرجوك ترحمنا من عروض كمال الأقلام الذي تحاول من خلاله تهذيب أقلامنا وتشذيبها, لأنّك لو بعثت في البريد الخاص تصويباتك الضرورية في اللغة لاعتبرناها -نحن كتّاب الدرجة العاشرة- تصويبات ثمينة وشكرناك, لكن أن تتمقطع بطريقة كتابة الهمزاتعلانية فهذا لا يجوز شرعاً (معلش احنا زي ولادك, أنت ترضى حد يتمقطع بهمزة ابنك قدّام الناس؟).
ثم شوف كيف الدنيا متكورنة والعالم كلو رح يموت اذا ما بالفايروس فبالجلطة أو بكثرة الكحول والتدخين من ورا القعدة بالبيت, أما نحنا -كتاب الدرجة العاشرة- قررنا نقعد نكتب ونعبّر عن اللي براسنا وقلبنا من هالعالم المجنون اللي لقينا حالنا فيه. فمعلش حتى لو نسينا ننصب على شي فعل لأنو ما انتبهنا للـ"أن" المضمرة بعد لام التعليل ما تواخذنا, لأنه بعيد عنك انشالله ما بتشوف شر كانت هالـ"أن" مضمرة زيادة ما كتير انتبهنالها. أي ولأنو ما مرتاحة الجيبة على كم دولار اعطيهن لمدقق لغوي قبل ما انشر المقال كما يفعل كتاب الدرجة السادسة.
لذلك حبايبنا أنتو:
كلنا يعلم ان اللغة وعاء الفكر, ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الوعاء دائماً كريستال لازورد مرصّع, فقد يكون الوعاء ذهباً والطبيخ سام, وقد نجد الدواء في قوارير متواضعة, المهم أن يكون الوعاء محكم الإغلاق قدر الإمكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية استاذي
أودين الآب ( 2020 / 4 / 9 - 14:54 )
اللغة مجرد وسيلة كي يوصل الإنسان أفكاره. و انت مفكر كبير افتخر بفكرك و كلامك الرائع و انا من المتابعين لمقالاتك. إن الإنسان الذي يتجاهل الفكر في الكتابة ليركز على الصحة اللغوية في هو إنسان مريض . انا مع ان نكتب كما نتكلم بلغاتنا المحكية. لأن عمر الإنسان لا يسع كل شيء و لأن التخصص في اللغة العربية الفصحى يكاد يكون معدوم الفائدة . انا مع تعلم العلوم المفيدة مثل الكيمياء و الطب و الهندسة اما اللغة العربية التي افتخر بها إلا أن زمانها انتهى و لم تعد تفيد بشيء

اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج