الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُقدّمةٌ في عِلم الدين، هيجل - محمد باقر الصدر

عادل عبدالله

2020 / 4 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة في علم الدين
هيغل - محمد باقر الصدر

" لاتتخيلوا أنّ النصرَ حقٌ آلهي لكم ، وإنّما هو حقٌ طبيعي لكم بقدر ما يمكن أنْ توفروا الشروط الموضوعية لهذا النصر بحسب منطق سُنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونياً لاتشريعياً، وحيث أنّكم في غزوة أُحد لم تتوفر لديكم هذه الشروط ولهذا خسرتم المعركة " .
- محمد باقر الصدر -


عندما كتب هيغل مؤلفه الشهير "علم ظهور العقل " أوضح فيما بعد سبب اختياره مفردة " علم " عنوانا وهوية شاملة لمحتوى ومضمون كتابه العظيم . لقد أراد هيغل أنْ يقول ببساطة شديدة ، لكن بعزيمة معرفية بالغة ، إنّ الفلسفة قد غدتْ معه ، وحسب منهجه الجدلي " علما " بمعنى انها اكتسبت معه وحازت بفضل منهجه الجدلي على صفة " العلمية " بما تحتويه هذه الصفة من دقة في وصف الظواهر وصرامة في الاستنباط وصحة في التنبؤ .
ورغم ان الواقع الموضوعي ، خالف الى حد ما بعض فرضيات هيغل الاساسية ،إلاّ أنّ هذة المخالفة لايمكن انْ تحول ، او تُعد مبررا كافيا لنزع وتجريد صفة العلمية من فلسفته ، ذلك لأنّ هذه الصفة لاتعني في حقيقتها – قدر تعلق الامر بفلسفة هيغل وزمانها – سوى استنباط القوانين الكلية التي تتحكم في مسار التاريخ البشري ، من خلال قراءة شاملة لمجمل التراث المعرفي الانساني الذي سبقه ،
انها بعبارة اخرى ، استخراج الثابت ، الكلي الذي تجري المتغيرات وتحدث بسببه وبالاستناد الى نوع علاقتها معه ،او فلنقل , هو التعرف وتسمية القوانين التي تجري حركة التاريخ والمجتمعات والعالم بموجبها.
لأنّ فلسفة هيغل ظلت مخلصة محافظة حتى النهاية , لاعلى روحها المثالي ومنهجها في ادراك العالم حسب , بل وعلى ادائها الفلسفي الصارم لمحتوى ومضمون هذا العالم , كتب هيغل فيما بعد مؤلفة الآخر الشهير "محاضرات في فلسفة الدين" المؤلف الذي تولى هيغل خلاله, عرض المضمون الديني باداء فلسفي خاص, يجمع المعطى الايماني بتمظهراتة البسيطة الى الاداء الفلسفي الصارم .. ولما كانت الفلسفة لدية محافظة على روحها ومنهجها العلمي بعد ، كما اراد لها ذلك اصبح القول ممكنا , بان ما اراده هيغل في هذا المؤلف ايضا , هو عرض المضمون والواقعة الدينية بطريقة " علمية " عيانية , يقينية من خلال عرضه لعلاقة الانسان الفردي الجزئي بالمطلق الالهي الكلي , الامر الذي كان له التاثير الفلسفي البالغ على جيل الفلاسفة اللاحقين كلّهم , نخص بالذكر المباشر منهم محاولة هوسرل في كتابه " الفلسفة كعلم دقيق " حين قدم نموذجه الظاهراتي " آملا ان يؤدي الى اعادة بناء الفلسفة على الاسس اللازمة للحقيقة والمطلق .. بحيث يمكن للفلسفة ان تتوصل الى درجة اليقين" - النظرية المعاصرة لعلم الاجتماع . ص 241 . -
في محاولة اخرى تمضي بالاتجاه ذاته , اي باتجاه القراءة العلمية لبنية العالم في لحظاتها الانسانية , كما تتمثلها النصوص الدينية المقدسة – القران الكريم , على وجة التحديد ، يحاول المفكر العراقي محمد باقر الصدر في كتابة " المدرسة القرانية " وهو الكتاب المخصص لعرض هذا المنهج ، يحاول التعرف على القوانين التي تتحكم في مسيرة التاريخ البشري - كما تم للقران الكريم – عرض هذا التاريخ بصيغ ايات وسور ، يقول المفكر الصدر متسائلا :
" هل للتاريخ البشري سنن في مفهوم القران الكريم ؟ هل له قوانين تتحكم في مسيرته وفي حركته وتطوره ؟ ما هي هذه السنن التي تتحكم في التاريخ البشري ؟ كيف نما وتطور ؟ ما هي العوامل الاساسية في نظرية التاريخ ؟ وماهو دور الانسان في عملية التاريخ ؟ وما هو موقع السماء او النبوءة على الساحة البشرية ؟ هذا كله- يضيف الامام الصدر – ماسوف ندرسه تحت هذا العنوان – سنن التاريخ في القران الكريم .
حتى اذا اردنا عبارة جامعة لهذة الاسئلة كلها ، قلنا إنّ المفكر الصدر يحاول ان يجيب مستنبطا إجابته من خلال النص القراني ، عن التساؤل الذي يقول : أثمة فيما عرضه القران من تاريخ الامم والمجتمعات البشرية الماضية ، قوانين وسنن تاريخية صارمة تحكّمتْ في مصائرها وأحصت بدقة علمية كاملة اسباب نموها وتطورها وانحطاطها ؟ اوبعبارة اخرى أيمكن التعرّف بوضوح وطمانينة علمية على القوانين والسنن التاريخية التي تحكمت بولادة الامم والمجتمعات والتاريخ البشري ، وما هي اسباب نموها وزوالها ، بالاستناد الى الايات والسور القرانية التي تعد ذاتها بمنزلة القانون الذي يتحكم بصرامة في سيرورة هذة المجتمعات البشرية وزوالها ؟.
ولأنّ فرضية المفكر الصدر تجد في النص القراني مصاديقها الواقعية والتاريخية يمضي الصدر بثقة الى عرض هذة القوانين والسنن محددا ابعادها ووصفها على وفق منهج علمي حديث، يقول الصدر:
1 - " ان الحقيقة الاولى التي تميّز السنة التاريخية هي الاطراد، فالسنة التاريخية مطردة وليست علاقة عشوائية او رابطة قائمة على اساس المصادفة والافاق ، انما هي علاقة ذات طابع موظوعي لا تتخلف في الحالات الاعتيادية والتي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة ، وكأنّ التاكيد على طابع الاطراد في السنة التاريخية ، تاكيدٌ على الطابع الكلي للقانون التاريخي .. يقول القران الكريم " ولن تجد لسنة الله تبديلا " ويقول ايضا " ولا تجد لسنتنا تحويلا " .
2- ربانية السنة التاريخية ، اي انها مرتبطة بالله سبحانه وتعالى ، فهي سنة الله ، كلمات الله ، بمعنى ان كل قانون من قوانين التاريخ هو قرار رباني مطلق التنفيذ .
3 – تاكيد القران الكريم على حقيقة اختيار الانسان وارادته ، بمعنى أنْ ليس هناك تعارض بين حرية الانسان واختياره وسنن التاريخ وقوانينه ذات الطابع التاريخي , اي أنّ القران لم يطرح نفسه بديلا عن قدرة الانسان الخلاقة ، عن مواهبه وقابلياته في الكدح ، بما في ذلك ميدان المعرفة والتجربة ، انما طرح نفسه لها طاقة موجهه للانسان ، مفجرة لطاقاته ، محركة له في المسار الصحيح ،لذا فالقران كتاب هداية وعملية تغيير ، وعملية التغيير هذه فيها جانبان ،
الاول : المحتوى والمضمون ، ما تدعو اليه هذه العملية التغيرية ، جانب رباني الهي سماوي / يمثل شريعة الله سبحانه وتعالى التي نزلت على النبي "ص " وتحدّث بنفس نزولها عليه كلَّ سنن التاريخ المادية، لأن هذة الشريعة كانت اكبر من الجو الذي نزلت عليه ، ومن البيئة التي حلت فيها ومن الفرد الذي كُلّف بان يقوم باعباء تبليغها .. لكن هناك جانبا اخر لعملية التغيير التي مارسها النبي " ص " واصحابه الاطهار ، هذه العملية متجسدة في هذه الصفوة ، بوصفها عملية قد واجهت تيارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في الوان من الصراع والنزاع العقائدي والاجتماعي والسياسي والعسكري ، حينما تؤخذ هذه العملية التغييرية بوصفها تجسيدا بشريا واقعا على الساحة التاريخية مترابطا مع الجماعات والتيارات الاخرى ، حينما تؤخذ هذه العملية من هذه الزاوية تكون عملية بشرية ، ويكون هؤلاء اناسا كسائر البشر تتحكم فيهم الى درجة كبيرة ، سنن التاريخ التي تتحكم في بقية الجماعات على مرور الزمن – يضيف الصدر – مؤكدا شمول المجتمعات البشرية وخضوعها للسنن الكونية المادية حتى في محاولاتها نشر الفكر الالهي : ان القران الكريم عندما يتحدث عن عملية التغيير ، قدر تعلق الأمر بالجانب البشري منها، فإنه يتحدث عن إناس ، يتحدث عن بشر ، لايتحدث عن رسالة السماء ، بل يتحدث عنهم بوصفهم بشرآ من البشر، تتحكم فيهم القوانين التي تتحكم في الأخرين ، فحين أراد القرآن أن يتحدث عن انتصار المسلمين في غزوة إحد ، بعد أن أحرزوا ذلك الانتصار الحازم ، بعد ذلك أنكسروا وخسروا المعركة في غزوة إحد ، تحدث القرآن عن هذه الخسارة ، فماذا قال ؟ هل قال بأن رسالة السماء خسرت المعركة بعد أن كانت ربحتها ؟ لا.. لآن رسالة السماء فوق مقاييس النصر والهزيمة – بالمعنى المادي رسالة السماء لاتهزم – ولكن الذي يهزم هو الإنسان ، الإنسان حتى ولو كان هذا الإنسان مجسدآ لرسالة السماء ، لآن هذا الأنسان تتحكم فيه سنن التاريخ .. يقول القرآن معبراً عن هذه الواقعة وفلسفتها " وتلك الأيام نداولها بين الناس "
إذاً فالمسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعية للنصربحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا ، وخسروا المعركة في إحد ، حينما كانت الشروط الموضوعية في معركة إحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة ، لذا فالخلاصة والنتيجة التي يريد لنا القرآن تعلمها من خلال واقعتي بدر وأحد هي " لاتتخيلوا أن النصر حق آلهي لكم ، وأنما حق طبيعي لكم بقدر ما يمكن أن توفروا الشروط الموضوعية لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونياً لاتشريعيآ وحيث أنكم في غزوة أحد لم تتوفر لديكم هذه الشروط ولهذا خسرتم المعركة " .
أن ما أراد المفكر الصدر أن يقوله بوجه عام هنا ، أن القرآن الكريم يقول ، إنّ هذا العالم المادي الفيزيقي يجري ويتغير وتحدث وقائعه عبر نظام سببي صارم لايتخلف أبدآ ، ومعنى هذا أن الشيء أذا توفرت مجموعة أسبابه وعلله فأنه حادث لامحاله ، أما إذا لم تتوفر هذه الأسباب فإن الشيء هذا لن يحدث أبدآ ، وهذه سنة عامة تجري على الناس في صيغ فردية وجماعية دونما تمييز بينهم أبدآ ، لذا يفسر القرآن الكريم سبب هزيمة بعض الأنبياء في معاركهم مع أعدائهم ، فما لو تتوفر أسباب النصر الواقعية وشروطه فأن مثل هذا النصر لايمكن أن يتحقق أبدآ ، يقول القرآن الكريم " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين أمنوا متى نصر الله الآ أن نصر الله قريب " إن القرآن يستنكر هنا أن يكون للأنبياء أستثناء من سنة التاريخ مصرحآ بعدم أمكان دخولهم الجنة عبر طريقة غير تلك التي ختمتها سنن التاريخ على الأمم ، لذا فلا بد من أن تمسكم البأساء والضراء كما مست الأمم التي من قبلكم على سبيل أمتحان حقيقة الأيمان في نفوسهم وهذا الأمتحان هو السبيل الوحيد لتحقيق نصر الله ’’فنصر الله ليس أمرآ عفويآ ، ليس أمرآ على سبيل المصادفة ، ليس أمرآ عمياويآ ، نصر الله قريب ولكن أهتدوا الى طريقه ، الطريق لابد وأن تعرف فيه سنن التاريخ لابد وأن تعرف فيه منطق التاريخ لكي تستطيع أن تهتدي الى نصر الله ,, .
هكذا يمضي الأمام الصدر في أستخراج القوانين والأحكام والسنن التاريخية التي تتحكم في صيرورة المجتمعات والأمم ولانني لست بصدد عرض الكتاب بسبب من ترابط أفكاره وسعتها ، سأكتفي بالاشارة العاجلة الى عناوين ومداخل هذه السنن كما قدمها الأمام الصدر في كتابه " المدرسة القرآنية " .
1- سنة موت المجتمعات في آجالها المحددة بالقساس الى نوع علاقتها مع الله من جهة ومع الأنسان في صيغ حضوره الجماعي فيها من جهة آخرى .
2- سنة العلاقه القائمة بين النبوة على مر التاريخ وموقع المترفين والمسرفين المعارضين أبدآ لها .
3- سنة العلاقة بين الأشتقاق وتطبيق أحكام الله وبين وفرة الخيرات ووفرة الأنتاج والعدالة الأجتماعية .
4- سنة الثواب والعقاب الأرضي .
5- سنة وجود المثل الأعلى – المطلق المتمثل بالله تعالى والنبي الموجود في الأرض أبدآ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا