الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-توازنات البنية في نص بناء على طلب متفاعلن / قصيدة الشاعر زياد السعودي-

منار القيسي

2020 / 4 / 10
الادب والفن


إن التحولات الفكرية والثقافية التي شهدها المجتمع العربي، انعكست بشكلٍ مباشر على الشعر الحديث؛ فظهرت اتجاهات تأثرت بتجارب خارجية وداخلية عمدت إلى كسر القوالب الجاهزة في القصيدة التقليدية شكلا ومضمونا.
ولا شك أن تجربة الشاعر زياد السعودي انطلقت من هذا المفهوم لتؤشر لنا وعن طريق أحد نصوصه الشعرية والموسوم " بناءً على طلب متفاعلن"هذا الفهم .
الصور الشعرية في النص بدأت مستحدثة وترادفت مع الموروثة , اذ كان الانزياح والرمز (مع انعدام الأسطورة) السمة البارزة في النص ,ولا يجب ان نتغافل الاستعارة باشكالها المتعددة( المطلقة والمجردة والتشبيه) مما أعطت المجاز اللغوي دفق فني ومعنى عقلي عاطفي مُتَخيّل للعلاقة بين الانسان والطبيعة وبمختلف الأساليب (المشابهة اوعن طريق التجسيد والتشخيص او حتى اظهار حالة التجريد) فبدتْ الصور الشعرية حسية وفي ذات الوقت حملت السمة التجريدية الذهنية.
الصور المؤتلفة بمجموعها أعطت طاقةً شاعريةً خلاقةً، وهذه الصور المركبة منحتنا صورة كلية اجتمع فيها القلق والانفعالات والتوتر واظهرتْ حالة الشاعر النفسية , ونجحت مكونات الصورة بحسن اختيار الالفاظ التي عبّرتْ عن الوجدانية كـ(اللغة) .
الشيء الذي اكسب الاستعارة ابعاد ايحائية وتخيلية جديدة هو التحويل الدلالي من جماد إلى حياة .
(فالمماثلة بين أمرين أو أكثر عن طريق إيجاد علاقة الوشائجية والتشبيه حقا لأمرٍ شاق جدا ,وهكذا عمل ليس بالأمر الهيَّن)، وكما سنرى في الحقول الدلالية و التي عن طريقها تم فك شفرة النص..
إن الصور الشعرية للنص كان لها معنى عقلي عاطفي متخيّل لعلاقة بين الذات الشاعرة والطبيعة ولقد تم تصويرهما باساليب عدة , اما عن طريق المشابهة أو التجسيد أو التشخيص ,التجريد في احيان اخرى,وبذلك كانت الصور حسية اكثر مما ان تكون تجريدية ذهنية..
اضافة الى انها تراوحت بين خطين متوازيين، الخط الاول(الموروثة) والخط الثاني ( المستحدثة) ، وبذلك كانت القصيدة تنضوي تحت مظلة تجربة (تكسـير البنية وتجديـد الرؤيا)، وإن جنحت بعض المقاطع الشعرية إلى تجربة ( سؤال الذات) ,فادت وظيفة جمالية ايحائية وبنفس المستوى تعبيرية.. ولايفوتني ان اذكر ان اللغة الشعرية تتجاوز الاسلوب المباشر والعادي وفيها شيء من الايحاء,
إما البنية الإيقاعية للقصيدة فتراوح أمرها بين إيقاع خارجي وآخر داخلي، مما أعطى النص موسيقى عالية الوتيرة استساغتها الذائقة بكل ارتياح، إذ أن الإيقاع الخارجي يمثل شكل القصيدة ونظامها، إذ كان ( تفعيلي/ بحر كامل) لم يعتمد القافية الموحدة ولا حرف روي موحد، وخرجت متفاعلن عن شكلها الأصلي إلى بديلتها ( مت فاعلن)، واستخدم الشاعر أسلوب التدوير إضافة إلى التسبيغ والتذييل في بعض التفعيلات.
إما بالنسبة للإيقاع الداخلي، لقد اعتمد شاعرنا إضافة إلى مفهوم التوازي التركيبي في المقاطع الشعرية وفي مواضع عدة من النص، اعتمد حالة التكرار سواء التكرار الصوتي أو اللفظي أو تكرار الجمل.
إذ يمكننا القول أنه قد رافق التوازي التركيبي توازٍ آخر على المستوى الصوتي والإيقاعي، وشمل هذا التكرار والألفاظ والعبارات والصيغ الصرفية والتجانسات الصرفية، وتوازٍ دلالي أيضا قام على الترادفات وأحيانا على التضاد أو التناسب. من الأمثلة على التكرار الصوتي هو تكرار حرف الياء (٤٨) مرة.
النمط كان سردي بامتياز وذلك من خلال استخدام الأفعال الماضية والمضارعة لوضع المتلقي في خضم الاحداث (أفعال حركة), وطغيان الأساليب الخبرية للجمل (واختفاء الانشائية تقريباً) واستخدام ظروف الزمان والمكان وكثرة الروابط مثل حروف العطف.واما من ناحية التشبيه فتجلى الايجاز والايضاح وتحسين الكلام والخيال ( تشخيص المعنى)..
وبالنسبة الى الحقول الدلالية المهيمنة في النص والعلاقة الوشائجية القائمة بينها، بالإمكان تحديد حقلين دلاليين وحقل ثالث اختلف من الناحية الشكلية لكنه شكّل الحيّز الرابط بين الحقلين الأوليين وكما يأتي:-
1- حقل الدلالي الأول/ الذات الشاعرة ( ظلي، روحي، أنا، إنّي، أنّي، انعكاسي، عني، آهاتي، طيني، شمسي، غربتي، ديجوري، وجوهنا، بنا).
2- الحقل الدلالي الثاني/ الطبيعة وتشكلاتها ( شتاء، الخريف، الرصيف، ظل، الطريق، الأشياء، الريح، الأنواء، المرايا، النهاية، ديجور، جليد، صقيع، المدى، الحجاب، شمس…).
3- الحقل الدلالي الآخر/(لغوي)صيغة الأفعال ( ملّني، أسلمت، عدت، تخلى، يراوغها، تختفي، شرب، يمتد، تلقيني، تراكمت، تكوبست، تكدست، تأكسدت، تكسرت، نبتل، تهرّ، يسل، استريح، تجمد).
مضمون نص بأنه سرد حالة التواصل بين الطبيعة والإنسان بأشكالها المتعددة، وسواء استنطقهم الحضور بما أوحى لهم من اختصار في أزمنة النفور ووقفة الانحسار أو ما أقصاه الغياب او التغييب، وربما نستشف أن مصباح الذات انعكس على ما حوله فبات يؤنسن عوالم المعيش والخطوط المتماسة والمتقاطعة معه، وخلال لحظة تأمل هادئة أحيانا ومضطربة حد القلق أحيانا أخرى من زمنه الشعري.
عتبة العنوان حملت شفرة مهمة في الدخول إلى المتن فكانت بحق إجادة تستحق الإعجاب، كما أن وضوح حالة العلاقة الجدلية بين الطبيعة والذات, الذات و الآخر ( الآخرين)، والذات مع الذات الشاعرة.
صفة ( الغربة أو التغييب) اتخذت اشكالاً متعددة داخل النص(الحزن, الوجع ,الخوف ,الموت ,الزحام ,الظلام , الضياع والهروب الى المقابر بحثاً عن الصمت ) وكما ظهر جليا في المقاطع الآتية:
"متوجعٌ طيني وإنّي
متوزعٌ ما بين آهاتي وأَنّي
حتى انعكاسي في المرايا
قد تخلى الآن عنّي"

وفي مقطع آخر
"شمس/ يراوغها الحجاب القرمزي/ فتختفي خلف المدى/ في غربتي البرداء/ قد شرب الجليد صقيعه/ فتجمدا".
وايضاً:
"من غربتي البرداء
قد شرب الجليدُ صقيعَهُ
فتجمدا
وتتجلى هنا الخوف والزحام والعدم
" متهالكين كما الخريف
أنا والذين
تكوبست أحلامهم
وتكدست أملاحهم
وتأكسدت آمالهم
وتكرست آلامهم
نبتل من سح تهرب من شتاءْ"
وثم:
" يمتدّ ديجوري
كأرقام إلى ما لا هداية
والريحُ والأنواء
تلقيني إلى غول النهاية"

وقد يأخذ التأويل المتلقي إلى فهم أبعد من الحياة، بل إلى العدم ( الموت)، وهذا استنتاج فيه الكثير من الابتعاد عن ما قد أضاءه النص لنا، حين أعلن ومنذ البداية في عتبة العنوان ( ظلي معي) ولا ظل لميت، والظل للأشياء دليل البقاء والحياة، ويتكرر التأكيد وبتعبيرات وألفاظ وصور شعرية عديدة، فتتضح حالة الديمومة في ظل حياة قاسية " تعبٌ أنا لا أستريح/ وحداء قافلتي جريح "، ويستمر الشاعر بوصف الحالة الحياتية وقسوة الطبيعة بكل ما تحمل من تجليات " أنا والذين/ تراكموا فوق الرصيف/ متهالكين كما الخريف" هنا يرمز الشاعر لزمنه الخريفي، وهذا انزياح دلالي عن الاستمرارية في الزمن الحي، ولا يوحي الانزياح هنا إلى الموت بمعناه الفاني، بل هو اسقاطة لحالة الإحباط والشعور بالعدمية في ظل حياة قاسية يسودها الظلم والاستبداد
لو استطعنا تفكيك الصور وبناء معنى على انقاض عالم الواقع للشاعر و الذي يكشفه المعجم في دلالته اللغوية الاصلية, لتبين لنا ان الخيال الاسترجاعي استخدم الصور المتداولة وقد استقاها من ذاكرتهِ, وان الخيال التوليدي للشاعر , ابتكر صور جديدة مولّدة مع الحالي.. ولِأقتنعنا باننا امام نص جديد يلتصق بدواخل الانسان واعماقه (اغتراب الذات أو التغييب) وينفتح على التجربة الإنسانية بشكل عام ..
ولا يفوتني أن أذكر أن الانزياح رافق أغلب المقاطع الشعرية للنص، والرمز ظهر جليا وأدى فاعليته، لكن لم يسجل النص أي توظيف لعنصر للأسطورة، وقد سجّل بتفاصيله دهشة فنية موفقة، منحتنا لذة المتعة ونحن ننتقل بين خطوط وألوان لوحة مائزة أبدعها شاعرنا القدير زياد السعودي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد