الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذيان

محمد أبو قمر

2020 / 4 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سينتصر الإنسان بالتأكيد في معركته مع كورونا ، ويخيل لي أن أمورا كثيرة ستتغير ليس بالنسبة لنا بالطبع ولكن بالنسبة للعالم الذي يمتلك قواعد علمية ينشيء عليها حضارته ، العالم المتحرك الذي يؤمن بنسبية الأشياء والأحداث والوقائع ، وليس العالم الراكد الذي ترتكز حضارته علي مجرد كلام وأجوبة جاهزة وحقائق لا يجوز دحضها وإلا صار الأمر ضربا من التجديف والشرك والكفر وهلم جرا.
يقول لي عقلي المتواضع إنه ربما يعيد العالم المؤمن بالعلم وحتمية التغير والتطور ، أقول ربما يعيد تأسيس قاعدة علمية أخري تهتم أكثر بضرورة التناسب بين التكوين البيولوجي للإنسان مع التكوين البيولوجي للكون ، إذ كما يبدو وكما أكد كثير من العلماء الحقيقيين أن التطور التقني والتكنولوجي يجري الآن بطريقة مخلة أثرت علي التآلف الطبيعي بين الإنسان ومفردات البيئة الكونية وعناصرها ، فشجيرة البرتقال مثلا لكي تنتج برتقالا مثاليا ناضجا ومستديرا وصلبا ومتخما بالعصير فائق اللذة تحتاج إلي بيئة طبيعية صافية لا يداخلها أي عنصر مصطنع يؤثر علي شروطها ، كذلك بالضبط هو ما تحتاجه البشرية ، بيئة كونية طبيعية صافية لكي ينشأ البشر نشأة طبيعية خالية من أي خلل بيولوجي يضعفها ويجعلها نهبا للأمراض.
من هنا ربما يكون التغير القادم هو محاولة بناء قاعدة علمية جديدة تراعي فيما تنشئه من علوم وما تبدعه من اختراعات عدم اختراق أو علي الأقل التقليل بنسبة كبيرة من عمليات اختراق الشروط الطبيعية للبيئة الكونية المحيطة بالإنسان والتي ينشأ ويعيش ويتحرك ويبدع بالضرورة متلائما مع شروطها.
هل أنا أهذي ؟؟!! ، أنا بالفعل تنتابني كثيرا حالات من الهذيان ، لكنني أتذكر الآن مسألة ثقب الإيزون وما قيل عن تأثيره علي درجة حرارة الأرض ، الأمر الذي يفهم منه أن الشروط الطبيعية لحياة الإنسان قد أصابها بعض الخلل بسبب عمليات التطور الصناعي التي لا تراعي ولا تهتم بالمكونات البيولوجية الكونية المحيطة بالإنسان، وبالتالي قد تصبح حياة الإنسان أو علي الأقل صحته مهددة بكثير من المخاطر..
دعك إذن من كل ما سبق ، فهو مجرد خيالات بائسة من شخص غير متخصص ، فالمهم هو أن هذه الكارثة الوبائية سوف تغير بالتأكيد اتجاهات العلم ، وستدفع العلماء الحقيقيين للبحث في طريقة أخري لإحداث تطور ونمو مختلفين يجنب البشرية الوقوع في مثل هذه الكارثة.
وفي هذا الصدد أتذكر أنني قرأت كتابا منذ سنوات بعيدة عن حضارة الإغريق ، وفهمت من هذا الكتاب أن الدوائر العلمية في الغرب تفكر بالعودة إلي التراث الإغريقي ، ويقولون " نحن انطلقنا من زاوية معينة في هذا التراث فحققنا هذا التقدم العلمي والتكنولوجي والتقني والنقدي والفلسفي والإنساني الهائل ، فلماذا لا نعود إلي هذا التراث مرة أخري وننطلق من زاوية مختلفة أخري ونري ما الذي يمكننا أن نحققه من تقدم نوعي آخر في كل هذه المجالات ".
ربما تكون رؤية علماء الغرب هذه هي السبب فيما قلته في مبتدأ كلامي إن التغير المنتظر حدوثه لا شأن لنا به ، فنحن مع شديد الأسف مجرد مستهلكين لمنجزات الفعل الحضاري للغرب لا مشاركين في إنتاجها ، ولك أن تنظر في الاجراءات والتجارب والسباق العلمي الهائل الذي يقوم به علماء الغرب لمواجهة الوباء ، ثم تنظر وتتأمل في كمية ونوعية الكلام الذي تسمعه في منطقتنا عن الفيروس وأصله وفصله وكونه عقابا ربانيا وما إلي ذلك من كلام ، مجرد كلام ، فالفرق واضح بين حضارة قوامها الفعل وحضارة قوامها الكلام.
ففي الوقت الذي ارتكز فيه الغرب علي زاوية عملية عقلية وانطلقوا منها متجاوزين مضامينها ومفارقين لها تمام المفارقة ، في الوقت ذاته ورطنا جهابذتنا في الارتكاز علي زاوية في تراثنا شكلية غيبية خالية من أية تجربة يمكن البناء عليها ، وكلما عادوا إلي هذا التراث كلما أخرجوا لنا مزيدا من الخرافات ومزيدا مما لا يجوز أو يجوز ، ومزيدا مما هو حرام أو حلال ، هل أخرجوا لنا في أي مرة شيئا أزيد من شكل ملابس المرأة ، أو أزيد من العلاج بالرقيا ، أو أزيد من كيفية دخول الحمام ، أو شيئا يزيد عن نواقض الوضوء ، أو شيئا يزيد عن الفخر بالفتوحات ، وبالمناسبة ينبغي لي أن أذكرك بما أسموه ب (الصحوة) ذلك المصطلح الذي يوهمك ببعث هائل لحركة علمية تجريبية وحركة نقدية وفكرية هائلة ، في حين أنه لم يتمخض إلا عن مزيد من إنكار العقل وكراهة العلم والارهاب واحتقار المرأة وشيوع الخرافة والعلاج بالرقيا والحبة السوداء وقتل تارك الصلاة ، فضلا عن تزييف التاريخ وإخراجنا بالكلية من الزمن.
المهم هو أن الإنسان سينتصر علي تلك الكارثة الوبائية ، وسيبدأ العالم من حولنا مرحلة جديدة ربما سيراعي فيها ذلك التناسب الرباني بين الإنسان وبيئته الكونية ، والشيء المثير للفكاهة البائسة أننا سنستهلك منجزات ذلك النصر بلا حياء ونحن نعيد ونكرر نفس الكلام الذي قيل منذ ما يزيد علي الألف عام باعتبار أنه العلم الذي لا علم بعده ولا قبله وباعتبار أننا خير أمة أخرجت للناس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف


.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب




.. مأزق العقل العربي الراهن


.. #shorts - 80- Al-baqarah




.. #shorts -72- Al-baqarah