الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لِماذا يُهْدِر اَلْسُّوْدَانِيُّون ثروتهم الحيوانِيَّة ؟!

فيصل عوض حسن

2020 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


تَمَنَّيتُ أنْ يُحْدَثَ التغييرُ طَفْرَةً نَوْعِيَّةً مَحسوسة، في تطبيق الإدارة العلميَّة في قطاعاتنا الاقتصادِيَّة عموماً، وقطاع الثروة الحيوانِيَّة خصوصاً، باعتباره محور رئيسي (حتمي) لأي إصلاح ونهضة اقتصادِيَّة (حقيقيَّة)، لكنَّ الواقع الفعلي يعكس تَخبُّطاً مُتزايداً، في جميع مُمارسات وتَوجُّهات هذا القطاع الحيوي، وفَشَل في حِفظِ وتعظيمِ مِيْزَتِه النِسبِيَّة الكبيرة، وعدم إيقاف (الاستنزاف/الهَدْر) المُتصاعد باضطراد لهذه الثروة، دون عوائدٍ اقتصادِيَّةٍ معلومةٍ ومُؤثِّرة.
في هذا الإطار، قَرَأتُ بصحيفة الرَّاكوبة يوم 4 أبريل 2020، عن تصدير 5 آلاف رأس ضأنٍ، من جُمْلَة 300 ألف رأس للسعودِيَّة، واعتبر مُدير المُؤسَّسة المُتَّحدة للماشية، أنَّ تصدير هذه الكميات المَهُوْلَة بمَثَابة (فَتْحْ) للسُّودانيين! مُشيراً لوجود 30 ألف رأس في منطقة الخِوَيْ بشمال كردفان، سيتم تصديرها للسعوديَّة في الأيَّام المُقبلة! وقبل هذا، أعلَنَت سونا يوم 12 مارس 2020، عن تصدير 10 آلاف رأس لسلطنة عُمَّان، و14 ألف رأس إبل و499 أبقار إلى مصر! ثُمَّ فُوجِئتُ بخبرٍ صادمٍ بصحيفة الرَّاكوبة يوم 8 أبريل 2020، يتعلَّق برَفْض السعوديين إدخال الـ5 آلاف رأس، التي صُدِّرَت إليهم يوم 4 أبريل 2020 (أي بعد 4 أيَّامٍ فقط)، بِحجَّة ضعف مَنَاعتها وعدم مُطابقتها للاشتراطات! وفي تناقضٍ مفضوحٍ، ادَّعى أحد أعضاء لجنة مُصدِّري الماشية، بأنَّ (مَنَاعَة) الشُحْنَة كانت 70% ببورتسودان، و(انخفضت) إلى 14% بعد وصولها جِدَّة، وفي ذات الوقت تأسَّفَ لـ(تَجَاهُل) اشتراطات الصادر من الجهات المُختصَّة (دون توضيح هذه الجِهات)! ولم يَصدُر أي بيان أو تصريح رسمي، من وزارة الثروة الحيوانِيَّة، أو نظيراتها من الوزارات ذات العلاقة بالتصدير، رغم (جَسَامَة) الحدث والآثار المُكلِّفة المُترتِّبة عليه!
بعيداً عن (استهتار) الحاكمين عموماً ووزارة الثروة الحيوانِيَّة خصوصاً، وتَجَاهُلهِم المُخزي لهذه الكارثة، لا أدري أين ذلك (الفَتْحْ) الذي تحدَّثَ عنه مُدير مُؤسَّسة الماشية، وهو في الواقع (إهدارٌ/استنزافٌ) سَافِرٌ لثرواتنا الحيوِيَّة، إرضاءً للسعوديَّة التي (تتعَمَّد) إيذاءنا، وتشويه سُمعة مُنتجاتنا في السُّوق الدَولِيَّة! لأنَّ هذه ليست المَرَّة الأولى، فقد رَفضَ السعوديُّون شُحنةً سابقة في أكتوبر 2019، بحِجَّة إصابتها بـ(حُمَّى الوادي المُتَصَدِّع)، ثُمَّ تَلَقَّى السُّودان إعلاناً (رسمياً) من المُنظَّمة العالمِيَّة لصحَّة الحيوان، بـ(خُلُو) بلادنا من هذا المرض. وقبلها، في أغسطس 2019، احتَجَزَ السعوديُّون 6 بَوَاخِر مُحَمَّلة بالضأن لأكثر من أُسبوع، رغم استيفائها لكافَّة الإجراءات الصحِّيَّة/البيطريَّة، مما أدَّى لنفوق 25 ألف رأس ضأن! وفي الحالتين أعلاه، أغسطس وأكتوبر، تَكَبَّدَ السُّودانيُّون (وحدهم) خسائر مالِيَّة ومعنويَّة فادحة، و(تَحَاشي) مسئولينا مُطَالَبَة السعوديَّة بالتعويض، عن تلك الخسائر التي تَسَبَّبوا فيها للسُّودان، أو على الأقل دفع جُزء من تلك الخسائر. ومن أعماقي، أتمنَّى من ذلك المُدير أن يشرح لنا (الفَتْحْ) الذي يُشَكِّله (إهدار) تلك الكميات من الضأن، وأثر ذلك على اقتصادنا العام، أو على الأقل قطاع الثروة الحيوانِيَّة بالأرقام، وماذا فعلوا بعوائد ذلك (الفَتْحْ) المزعوم، لتطوير هذا القطاع الاستراتيجي؟! ومدى الالتزام بـ(الإجراءات/الشروط) الصحِيَّة والبيطريَّة، مَقْرُونةً بـ(تأسُّف) مُدير لجنة غرفة تسيير الماشية أعلاه، على (تَجَاهُل) اشتراطات الصادر من الجهات المُختصَّة (التي لم يُحدِّدها)! وهل تتم هذه الضوابط بشكلٍ مُشتركٍ (السودان والدول الأُخرى)، ولماذا تتكرَّر المُشكلة ويتحمَّل السُّودان (وحده) خسائرها وإلى متى؟
جميع الدول المُحترمة تعمل على تحقيق الاكتفاء الذَّاتي، أو ما يُعرَف بالأمن الغذائي، بتلبية احتياجات السوق المُحلِّيَّة وبلوغ مُواطنيها مرحلة الإشباع، أو على الأقل تحقيق الأمن الغذائي النسبي، من خلال توفير السِلَع/المُنْتَجَات التي يتميَّز فيها البلد المَعْنِي نسبياً. ولو طَبَّقنا هذا المبدأ في حالتنا، فذلك يعني توفير اللحوم للمُواطن السُّوداني أوَّلاً، وبنحوٍ دائمٍ وبأسعارٍ في مُتَنَاوَلِه، ودونكم ما جرى في أزمة الغذاء العالميَّة عام 2008، حينما (امتَنَعَت) الكثير من الدول عن تصدير الغذاء، حِمايةً لحقوق وحاجات المُسْتَهْلِك (الدَّاخلي/المُواطِن)! والأوضاع الدَولِيَّة الرَّاهِنة، تُؤكِّد تَوَجُّه العالم نحو (الامتناع) والانغلاق، إذ تَزَايَدَت الأصوات المُنادِية بدعم وتأمين احتياجات المُواطنين أوَّلاً، عقب انتشار مرض كرونا، بغض النظر عن انعكاسات هذا الاتجاه، كالكساد واختلال التَوَازُن المالي العالمي والإقليمي وغيره، فالمُواطن هو الأهمَّ لدى الدول المُحترمة. وهذا يتماشى مع قاعدة العرض والطلب، التي تقول بأنَّ السعر والطلب يرتفعان بانخفاض (كِمِّيَّة) المعروض والعكس صحيح، وهذا يعني الاهتمام بـ(قِيْمَة) الصادر وليس (كِمِّيَّته)، بعرض (كميات) أقلَّ للتصدير فيرتفع الطلب عليها وبالتالي أسعارها، ونُحقِّق ذات العوائد السابقة (إنْ لم يكن أكثر)، وفي ذات الوقت نُحافظ على (توازُن) الأسعار المحليَّة، وإشباع حاجة المُواطن (المالك الحقيقي) لهذه الثروة.
قد يقول قائل، بأنَّنا لو انغلقنا وامتنعنا عن تصدير ثروتنا الحيوانِيَّة للسعوديَّة، فإنَّها ستَجْلِب اللحوم من دولٍ أُخرى، خاصَّةً إثيوبيا أو استراليا وغيرهما، وأنَّنا سنفقد عوائد تصدير تلك الكميات، فهذه جميعاً حِجَجٌ مردودة، لأنَّ إثيوبيا ما تُصدِّره إثيوبيا من ضأن وغيره، سواء كان حَيَّاً أو ذَبيح مُستحيل يكون من إنتاجها، لأنَّها ببساطة لا تملك مَرَاعي تحتوي هذه الأعداد (المَهُولة) من الحيوانات، بخلاف الأصناف/السُلالات المرغوبة في السوق السعوديَّة، وفي الغالب تأتي تلك الأعداد من خارج إثيوبيا، خاصَّةً من السُّودان، الذي أصبح (مُسْتَبَاحاً) في عهد المُتأسلمين الظَّلامي، وازدادت (استباحته) الآن بشكلٍ أكثر خطورة. وبالنسبة لأستراليا، فإنَّ المُسْتَهْلِك السعودي يُفضِّل اللُّحوم السُّودانِيَّة، لأنَّها قليلة الدَسَم مُقارنةً بالأسترالِيَّة، والأهمَّ من هذا كله أنَّ بإمكاننا تسويق لحومنا (المُمَيَّزة) في أسواقٍ أُخرى، عقب (اكتفاء) المُواطن السُّوداني منها. وأمَّا عوائد (الإهدار) المُسمَّى تصدير، فهي أصلاً مجهولة وغير محسوسة، ليس فقط على مُستوى الاقتصاد العام، بل حتَّى على صعيد قطاع الثروة الحيوانِيَّة نفسه، الذي ما يزال يُعاني من الإهمال ويفتقر لأبسط المُعينات، والشواهد عديدة ولا تحتاج لاستدلال!
إنَّ الأقاويل الدَّائرة في الأسافير بشأن قُدرات الدكتور حمدوك، لا تَتناسب إطلاقاً مع التَرَاجُع الاقتصادي المُتسارع في عهده، وأخُصَّه دون غيره باعتباره المسئول التنفيذي الأوَّل، ولأنَّه يَتَلَكَّأ و(يُرَاوِغ) في أداء مهامه (الأصيلة) التي أُخْتِيْرَ لأجلها، ويَنْشَط فقط في الجوانب (الانصرافيَّة) مما عَقَّدَ مشاكلنا الاقتصادِيَّة، التي أوضحتها في عددٍ من المقالات، آخرها مقالتي (فَلْنَحْذَر صِنَاعة الطُغَاة) بتاريخ 6 أبريل 2020. وبالنسبة لمقالتنا هذه، فقد تَجَاهَلَ الدكتور حمدوك الحادثة أعلاه تماماً، ولم يَتَّخِذ حِيالها أي خُطوة حتَّى الآن رغم فَدَاحتها، مما يعني أنَّه غير مُتابع لأحوال البلد وقضاياه الخطيرة، أو يعلم ولكنه (يتغافل)، وفي الحالتين مُشكلة! واللافت أنَّه يتعَمَّد (التضليل) وصَرف الأنظار، كتشكيله لِلَجْنَة وصفها بـ(العليا)، لإنجاح الموسم الزراعي (الصيفي)، مُهِمَّتها رصد إحتياجات الموسم، وتوفير مُدْخَلات الإنتاج والآليات ووضع خطة لتحديد كيفيَّة توفير الموارد اللازمة! وهذه مهام إحدى إدارات وزارة الزراعة، ولا ترتقي بأيَّة حال لمُستوى رئاسة الوُزراء، الذي من المُفترض أن يهتم بالاستراتيجيَّة (العامَّة) للدولة، ومن ضمنها القطاع الزراعي بشقَّيه (الحيواني والنَّباتي)، وحتَّى لو تَطَلَّبَ الأمرُ تَدَخُّلَه فلا يتعدَّى ذلك نطاق المُتابعة والإشراف!
من المُؤسِفِ والمُفْزِعِ، أنَّ الدكتور حمدوك لم يَرتَقِ (لخُصُوصِيَّة) قطاع الثروة الحيوانِيَّة، وعدم تَعَامُلِه معه كمِيْزَةٍ نِسْبِيَّةٍ استراتيجيَّة، ومحورٍ (رئيسيٍ) من محاور نهضة السُّودان المَرْجُوَّة. ولم نَرَ منه أي فكرة أو عمل (جاد) لتهيئة مَراعي دَّائمة، وإنشاء مصانع مُوازِية للأعلاف الطبيعيَّة، وتوفير الإرشاد البيطري والرعاية الصحِّيَّة للقِطعان، أو سياسات وضوابط/تشريعات لتطوير عمليات التصدير، وضبط الأعداد والأوزان والأنواع (المُصدَّرة)، وتحقيق (التَوازُن) بين الحاجة المحلِّيَّة والتصدير، وإنشاء حظائر التربية ومُلحقاتها قُرب موانئ التصدير، تقليلاً للمسافات الطويلة التي تقطعها (القِطعَان) من مناطق الإنتاج، بما يُنعِشْ مناطق جديدة ويفتح فُرَصاً إضافيَّةً للعمل، سواء برعاية القِطْعَان أو إنتاج محاصيل الأعلاف، ويُعزِّز الاستفادة من مُخَلَّفات الحيوانات، ويُقلِّل هَلَاك وفُقدَان الشُحنَات التصديريَّة، فضلاً عن تطوير برامج وتقانات الإكثار، وزيادة أعداد الثروة الحيوانِيَّة و(عائداتها)، وهذه جميعها مهام وواجبات (أصيلة)، للسُلطة التنفيذيَّة التي يَرْأسها الدكتور حمدوك!
ليس من العدلِ ولا المنطقِ، حِرمان السُّودانِيّين من خيراتِ بلادهم، وتَمَتُّعِ الآخرون بها دون مُبَرِّراتٍ أو عوائدٍ محسوسة، وهذه (فوضى) تتطلَّب المُحاكمة الجنائِيَّة والتاريخيَّة، ونحن المَعنِيُّون بإيقافها وحسمها. فلنبدأ بمعرفة الشروط التفصيليَّة لهذه الصفقات، وعوائدها الحقيقيَّة وكيفيَّة استلامها، وما تم استلامه فعلياً وأين ذهب، وتحريك دعاوي قضائيَّة مُباشرة وعاجلة لكل من يثبُت تورُّطه، سواء في هذه الصفقة أو في الجرائم السابقة. وبالتوازي علينا (تقنين) عمليات التصدير، بعد تغطية السوق المحليَّة وتلبية احتياجات المُواطن، دون مُساومةٍ أو نقاش، هكذا نستحصل حقوقنا المَسْلُوبة، والحقوق تُقْتَلَع ولا تُسْتَجْدَى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح