الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل الى فيزياء الكم

سلمان الشمس

2020 / 4 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مدخل إلى فيزياء الكم

حين يشيع الجهل والخرافة والسحر والشعوذة ويشك بكروية الأرض بمجتمع مرتد الى القرون الوسطى فكرا وسلوكا... نجد أنفسنا منخرطين بمشروع تنويري ، لشرح وتبسيط النظريات العلمية والفلسفية....نواصل هنا مشروعنا الذي بدأناه بالتفكير المستقيم والتفكير الأعوج ونظرية التطور والفلسفة البراغماتية والنظرية النسبية.....

قوانين نيوتن
في القرن السابع عشر وضع العالم الانكليزي نيوتن قوانينه الثلاث بالحركة........
وفق القانون الأول إذا تحرك جسم ما على خط مستقيم فانه سوف يستمر بالتحرك على مساره الى ما لا نهاية إلا ان تسلط عليه قوة توقفه او تحرفه عن مساره ، إذا دفعنا كرة فإنها ستسير بخط مستقيم إذا لم تؤثر عليها قوة وتحرفها عن طريقها............
ووفق القانون الثاني فان لكل فعل رد فعل مساويا له بالمقدار ومعاكس له بالاتجاه...أثناء السباحة نقوم بدفع الماء الى الخلف فيدفعنا الماء الى الأمام بنفس القوة.
ووفق القانون الثالث تتجاذب الأجسام فيما بينها عن بعد وهو ما أطلق عليه نيوتن قوى الجاذبية....هذه القوى هي التي تسقط التفاحة على الأرض وهي التي تحفظ القمر بمداره حول الأرض.

تصف قوانين نيوتن بمعادلات رياضية ما الذي يحصل لجسم أثناء الحركة ومن خلال هذه القوانين نستطيع ان نتنبأ بمستقبل الجسم إذا توفرت معلومات عن أحواله الابتدائية مثل سرعته واتجاهه....فإذا قذفنا كرة باتجاه الحائط وكنا نعرف سرعتها الابتدائية واتجاهها ...فمن الممكن ان نتنبأ بمكان سقطوها بعد ارتدادها من الحائط....كذلك إذا عرفنا الموضع الحالي للأرض بالنسبة للشمس والقمر وعرفنا سرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس فإننا نستطيع التنبؤ بكسوفات الشمس القادمة بل ممكن معرفة كسوفاتها الماضية...وهذا ما يحصل الآن حيث تعلمنا المراكز العلمية عن موعد ومكان كسوف الشمس القادم او خسوف القمر.

لقد بلغت القناعة بإمكانية التنبؤ عند نيوتن حدا الى القول الى انه لو قيض للبشر معرفة كل المعلومات الابتدائية المتعلقة بنشأة الكون لاستطعنا التنبؤ بكل الأحداث التي تعرض لها الكون بالماضي وما ينتظره بالمستقبل.

ان تصورات نيوتن تقود الى تصور حتمي جبري للكون ،فكل ما جرى ويجري وسوف يجري قد تم تقريره في مطلع الأزمان وما الكون إلا ماكنة جبارة تعمل بدقة وفق العوامل الأولى التي أطلقت حركتها، ووفق قوانين دقيقة تنطبق على الأجسام الأرضية والسماوية.

ظلت قوانين نيوتن هي السائدة لفترة طويلة ، ومع تطور العلم وجد العلماء أنفسهم إزاء ظواهر لا يمكن تفسيرها بهذه القوانين فجاءت نظرية الكم من اجل تكميل واحتواء القديم دون إلغاءه...... من خلال تطوير وجهات نظر أكثر شمولية تساعدنا على تفسير الكون....فقوانين نيوتن ما تزال صالحة لتفسير ظواهر العالم الكبير كالنظام الشمسي وحركة القمر والكواكب ولكنها عاجزة عن تفسير الظواهر الصغرى بعالم الذرة والجسيمات الدقيقة ....بمعنى ان إنزال مركبة فضائية على سطح القمر غير ممكن بدون قوانين نيوتن ، أما فهم حركة الذرات والاستفادة من طاقتها فيتطلب التحول الى ميكانيك الكم.

ميكانيك الكم
الكم هو كمية من شيء ما ، من هنا فأن تعبير ميكانيك الكم يعني دراسة حركات الكمات او الكموم ، فالطبيعة تبدو وكأنها تحدث على شكل دفقات ويقوم ميكانيك الكم بملاحظة ودراسة هذه الظاهرة.

تصور فلاسفة الإغريق المادة مكونة من عدة لبنات أساسية أو وحدات لا يمكن تقسيمها وقد سميت هذه الوحدات بالذرات....بعد ذلك لاحظ الفيزيائيون ان هذه الذرات ليست الوحدات الصغرى النهائية المكونة للمادة وإنما هي تتألف بدورها من وحدات اصغر هي البرتون والنيترون والإلكترون ، دعوا مكونات الذرة هذه بالجسيمات الأولية......

هذه الجسيمات الأولية لا تنطبق عليها قوانين نيوتن والمفاهيم التقليدية مثل المكان والسرعة والحجم واللون....لنضرب مثلا على حادثتين بالعالم التقليدي وعالم الجسيمات...إذا أقلعت طائرة من مطار بغداد الى دمشق وبسرعة مقدارها 800 كم/ساعة فممكن القول ان الطائرة بعد ساعة ستكون بدمشق وإنها الآن على ارتفاع كذا.....بينما التجارب على الجسيمات الدقيقة (عالم الكم ) برهنت عدم قدرتنا معرفة سرعة جسم وموضعه بنفس الوقت ففي الوقت الذي نستطيع ضبط سرعته نفقد موضعه وعند تحديد موضعه نفقد سرعته ....وهذا ليس سببه قصور بأجهزتنا بل هو وضع ناجم عن طبيعة عالم الكم الذي تتحدى ظواهره تجاربنا اليومية وفهمنا المعتاد.....

فلو أردنا قياس موضع جسيم وسرعته فأفضل طريقة هي تسليط كمية ضوء قليلة عليه وحين يتشتت الضوء نستطيع تحديد مكان الجسيم ....المشكلة هنا ان كمية الضوء المسلطة ستجعل الجسيم يضطرب ويغير سرعته بطريقة لا يمكن التنبؤ بها وهكذا نجاحنا بقياس موضعه يفقدنا قياس سرعته....ان عدم قدرتنا على تقرير سرعة وموضع الجسم يعني إننا لا نستطيع التنبؤ بدقة بأحواله المقبلة كما هو الحال مع الأجسام المتحركة بعالمنا المعتاد ، بمعنى ان ميكانيك الكم لا تتنبأ بإحداث محددة بل باحتمالات وقوع هذه الأحداث....الفيزياء التقليدية تقول اذا كانت الأمور الآن كذا فان كذا لا بد حاصل ومتحقق ،أما فيزياء الكم فتقول اذا كانت الأمور الآن على حالة كذا فمن المحتمل حدوث كذا وكذا...... عدم الدقة بتحديد السرعة او الموضع تسمى بعلم الكم اللاتاكدية.

الجسم الحقيقي يجب ان يتمتع بسرعة معينة وبنفس الوقت يوجد بمكان معين ولكن الوضع بنظرية الكم يخيرنا بين معرفة واحد من هذين الخيارين ، وهذا له بعد فلسفي عميق فنحن لم نعد مراقبين ومتفرجين على ظواهر الطبيعة فقط ،كأن نراقب طائرة ، أصبحنا الآن مشاركين بالحدث بل نساهم بخلقه ،فخيارنا لقياس السرعة يظهر لنا السرعة وخيارنا لمعرفة الموضع يظهر لنا الموضع....

من المعروف ان الضوء يسلك سلوكا ماديا في بعض الظواهر و سلوكا موجيا في ظواهر أخرى ، أي أنه يتصرف كمادة تارة وكموجة تارة أخرى.....حيث أثبتت التجارب وبما لا يدع مجالا للشك بان للضوء بنية جيبيه تؤلفها الفوتونات التي تنتمي بشكل ما الى زمرة الأجسام المادية ،أي ان الضوء هو موجه وجسيم بنفس الوقت .... فهناك تجارب يتصرف بها الضوء كموجه وتجارب أخرى يتصرف كمادة.....وهذا لا ينطبق على الضوء فقط بل يشمل الأجسام الأولية ، فهذه الأجسام المشكلة للمادة ورغم تركيبها الحبيبي فإنها تتصرف كالأمواج أيضا.....من يحدد اذا كان الضوء او الجسيمات سوف تتصرف كموجة او كمادة ؟ نحن من نحدد ، حسب معدات التجربة ، اذا تم ترتيب المعدات لإثبات ان الجسيم يتصرف كموجة سوف يتصرف كذلك ، واذا تم الترتيب لإثبات سلوكه المادي سيكون سلوكه ماديا.... بمعنى نحن من يختار ويحدد ما هو السلوك القادم للجسيم...يبدو إننا حين نختار خاصية ما ، كأننا نعمل على خلقها... وهنا يزول مفهوم الإنسان المراقب للطبيعة ليحل محله الإنسان المشارك بالطبيعة....وهذه احد أعاجيب نظرية الكم التي هزت أركان المنطق القديم والفيزياء التقليدية.

هناك تجربة واضحة تجرى دائما لإثبات تداخل الأمواج الضوئية ، فإذا جئنا بحاجز به ثقبين صغيرين وسلطنا عليه ضوء مصباح بحيث يسقط الضوء الخارج من الثقوب على جدار......سنلاحظ على الجدار مناطق متناوبة ، مظلمة ومضيئة ثم مظلمة وهكذا.... وهذا ناشئ من تداخل الموجات الضوئية مع بعضها ، حين تلتقي قمة موجة مع قمة أخرى تكون منطقة مضيئة وحين تلتقي قمة مع قعر تتلاشى الموجة فتبدو المنطقة مظلمة....ما الذي يحدث اذا استبدلنا الضوء بحزمة من الالكترونات وهي جسيمات مادية لها كتلة ، وأطلقنا هذه الحزمة باتجاه الحاجز ذو الشقين ، سنحصل على نفس النتيجة مناطق مزدحمة بالالكترونات وأخرى خالية أي ان الالكترونات سلكت سلوكا موجيا...

ان الجزء المثير من التجربة هو قيام المجرب بإطلاق الالكترونات بالتجربة السابقة بشكل فردي أي الكترون بعد الكترون...النتيجة تكونت لديه مناطق مزدحمة وأخرى خالية من الالكترونات بنتيجة مشابهة لإطلاق حزمة الالكترونات....فكيف يعرف الالكترون وهو يتوجه نحو الشق ان الشق الثاني مفتوح ؟؟ وكيف له ان يعرف ماذا ينوي الالكترون القادم بعده ان يفعل فيمتنع عن السقوط بالمناطق الخالية مفضلا السقوط بالمناطق المزدحمة ؟؟

ثمة ظاهرة أخرى مثيرة ، فلو تفكك احد الجسيمات سوف نحصل على جسمين آخرين ،ينطلقان كل واحد في خط معاكس للأخر ، وفي اتجاه دوران معاكس أيضا فإذا كان احدهم يلف للأعلى كان الآخر يلف نحو الأسفل واذا كان الواحد يلف نحو اليمين كان الآخر يلف نحو اليسار....لنفترض الآن إننا تركنا مسافة كبيرة بين الجسمين لا تسمح بأي نوع من الاتصال بينهم ، ثم تعمدنا الى تغير اتجاه لف احدهم بتسليط مجال مغناطيسي عليه ، عند ذلك تحدث ظاهرة لا يمكن تفسيرها وهي ان الجسيم الآخر الذي لم يسلط عليه مجال مغناطيسي ، سيغير من اتجاه لفه بنفس الوقت الذي غيرنا به لف الأول ، بمعنى انه كلما غيرنا اتجاه احدهم فان الثاني سيغير اتجاهه...رغم المسافة الشاسعة بينهم وعدم وجود اتصال! هذا التواصل بين الجسمين لا يوجد به فاصل زمني أي ليس تواصلا عن طريق الإشارة.....يبدو كـأنه ترابط عميق يتخطى مفاهيمنا المعتادة ولذلك يصعب فهمه او تخيله.

ان فيزياء الكم تقودنا الى استخلاص نظرات جديدة الى الكون فهي تخبرنا بعدم وجود لبنات أساسية او مكونات أولية للمادة ، فقد قادت فيزياء الجسيمات خلال الأربعين سنة الأخيرة الى اكتشاف ما يزيد عن المائة نوع من أنواع الجسيمات الأولية وجميعها ليس أوليا بمعنى الكلمة فمعظم هذه الأنواع لا يعيش بعد تخليقه في المسارعات النووية أكثر من جزء من مليون جزء من الثانية......وكل جسيم هو تركيب محتمل لبقية الجسيمات...بمعنى ان الجسيم يتحول الى جسيم أخر...فالنيترون هو قناة تفاعل يمكن تشكيلها من تصادم جسيمات أخرى هي بروتون وبيون سالب...واذا توفرت طاقه اكبر يمكن تخليق النيترون من تصادم جسيمات أخرى وهكذا الى أخر هذه الممكنات واحتمالات تحقيقها...يبدو وكأن كل جسيم متضمن في غيره .....وهذا يعني بشكل ما ان كل جزء من الطبيعة في العالم الصغري ينضوي على الأجزاء الأخرى .... وهنا يجب ان لا نتخيل ان كل جسم يحتوي على بقية الجسيمات وفق مفاهيم الفيزياء التقليدية بل نتخيل تلك الجسيمات وهي تتضمن بعضها بمفهوم فيزياء الكم..
قد يرى البعض ان فيزياء الكم لا تمت بصلة لحياتنا اليومية ، لان نتائجها تنطبق فقط على الجسيمات الدقيقة...ولكن الحقيقة ان عالمنا الكبير يتألف من ذرات خاضعة الى مبادئ الكم ، ففي حفنة صغيرة من المادة هناك المليارات من الذرات وكلها تتفاعل وتتصادم ملايين المرات بالثانية.... واذا كانت كل أشكال المادة مؤلفة من ذرات وجسيمات دقيقة ، جسيمات يتحول بعضها الى بعض وتفنى وتخلق بكل لحظة ،ألا يعني هذا ان الأجزاء المؤلفة للكون تلتقي مع بعضها عند مستوى معين ،تلتقي عند مستوى أساسي وعميق للوجود ، وتتصل بطريقة مباشرة ، وكأنها تذوب في لجة لا تتمايز فيها الأشياء......

الرؤية الفلسفية

ان نظرية الكم تقدم يوميا معطيات جديدة لها تبعات فلسفية عميقة حول نظرتنا للكون ....فإذا كان كل جزء ينضوي على الأجزاء الأخرى وكانت جميع المواد تلتقي بالنهاية عند مستوى أساسي واحد ألا يذكرنا هذا بقول بوذا...كذا هو حال الكون، ان كل شيء فيه ليس نفسه فقط ، بل يحتوى على كل شيء أخر...

وإذا كانت الحوادث تبقى معلقة بالفضاء كمجموعة من الاحتمالات إلى ان يتدخل الإنسان مجبرا احد هذه الاحتمالات على التحقق....فالفوتونات تتصرف كموجات ما سمح لها ان تتصرف كذلك وتنتشر بالفضاء دون ان يكون لها موضع معين ولكن بمجرد ان يسأل المراقب عن مكانها كأن يجعلها تصطدم بحاجز فإنها تغدو فجأة جسيمات مادية.... ألا يعني هذا ان الإنسان لم يعد كائنا غريبا يأتي للعالم ويخرج منه عبثا، بل هو عنصر يشارك بصنع العالم وإظهاره لحيز الوجود....ألا يعني هذا أننا نعيش بعالم تشاركي من الوعي والمادة ،لا غنى لأحد مكونيه عن الأخر كأن المادة والوعي متضمنان ببعضهما في عروة وثقى لا تنفصم ...

يعتبر الفيزيائي دافيد يوهم واحدا من أهم الفيزيائيين الذي سار بنظرية الكم نحو نتائجها الفلسفية....فالعالم كما يتبدى لهذا الفيزيائي عالم متعدد الأبعاد وليس المستوى الذي تجري به حياتنا اليومية إلا المستوى السطحي للوجود وهو مستوي ذو أربعة أبعاد ، يسميه بالمستوى المنبسط ، ومن الممكن وصف هذا المستوى اعتمادا على مظاهره غير ان فهمه غير ممكن إلا باختراقه نحو المستوى الأعمق للوجود ، المستوى المنطوي ، وهو المستوى الذي يشكل الخلفية الشاملة التي تقوم عليها خبرتنا الفيزيائية والسيكولوجية والروحية .... عند هذا المستوى الخفي الباطني تتحد كل الظواهر التي تبدو متمايزة ومستقلة في المستوى المنبسط الظاهري ، وفيه تجد الأحداث الفيزيائية الغامضة تفسيرها .....

ان النتائج الضمنية للنظرية النسبية ونظرية الكم تظهر الحاجة الى رؤية العالم ككل غير مجزئ ، تندمج فيه الأجزاء وتتحد ... فأن ننظر الى المادة مكونة من مجموعة من الذرات ، فهذا نوع من التبسيط ،يصلح ضمن مجال محدد ، أما الرؤية الجديدة المسماة بالكلانية غير المجزئة والتي على ضوءها لا يمكن اعتبار العقل والمادة جوهرين مستقلين ، بل وجهين مختلفين لحركة كلانية متصلة ، وبهذه الطريقة يكون بمقدورنا النظر الى جميع جوانب الوجود في اتصالها لا في انفصالها......هكذا نجد أنفسنا قد اقتربنا من النظرة الصوفية للعالم ومفهوم وحدة الوجود ......

كان هذا مدخلا لنظرية الكم التي ما زالت تطرح يوميا أسئلة واحتمالات جديدة............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا