الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقص منفرد على الجمر

آرام كربيت

2020 / 4 / 11
الادب والفن


الإنسان السوري كائن حالم، حلمه يسبقه إلى الحلم، حلم أقرب إلى اليوتوبيا، يبحث فيه عن الكمال في هشاشة الواقع وخرائبه وتناقضاته، يتجاوز الممكن إلى الخيال، يدفعه إلى التمرد على كل القيم الموجودة في الوصول إلى النيرفانا.
أكاد أقول أن أغلب المثقفين الحالمين بالتغيير، يتجاوز أحدهم الواقع ليعانق الخيال، وأغلب الذين عملوا في السياسة والفكر والأدب والفن كان خيالهم معلقًا في السماء، يربط الأنا بالجمع، بالوطن.
هل نذهب إلى الحلم كرغبة أبدية خفية في الدمار الذاتي، في الذوبان، في التوحد بين الذات والموضوع؟
إن ينتقل من ذات هائمة لا تعرف إلى أين يفضي خط سيرها، في البحث عن حقائق كامنة في النفس المتعطشة للمعرفة، إلى ما وراء الظواهر العادية؟
هل العصامية جلد للذات، أم توحد بها؟
في يدي عمل للكاتب منير شحود، رقص منفرد على الجمر، أستطيع القول أن العنوان موفق جدًا في التعبير عن التناقض بين الواقع الثقيل والفكر والأدب الذي ينظر إلى ما وراء الواقع، للأديب المرهف الإحساس أو الفنان أو العازف، الذي يريد أن يصل إلى الكمال من خلال هشاشة الواقع:
" ثمة ما يؤلم في الحياة، نسلك سبلًا ما فيها مرغمين، أو تلك السبل التي اخترناها، تحت ضغط الظروف"
ودائمًا كان منير من خلال نثر ذكرياته على الورق، على مفترق طرق، يحتار في الاختيار ويتيه فيه ويضيع.
شاب في مقتبل العمر، ذكاء متقد، ورغبة في معرفة المجهول من خلال عالم ضيق يحيط به من كل الجوانب. حصل على شهادة الطب، لديه زوجة وطفل، وبعثة دراسية إلى فرنسا ثم إلى الاتحاد السوفييتي، الحيرة هي حالة ضياع في حد ذاتها، التزامات تشده إلى البقاء، ورغبات دفينة في التحصيل العلمي والبحث، قيد ما بعده قيد يخنق عنق من يقدم عليه وفي بيئة فقيرة لها حاجاتها. من أين يبدأ المرء؟
من أين يبدأ، هذا هو السؤال الذي يحير عالم الحالم المتناقض، بين الأنا العليا، والأنا في دمج المجتمع بالذات، وتأتي الرغبات تحدد الذي تريدها، هذا الأنا المعذبة تبقى حائرة،.
اتساءل احيانًا كثيرة:
هل الإنسان السوري مأزوخي، يبحث عن تعذيب ذاته ليتوحد بها، يقترف الذنب، ليكون مبررًا ليبكي على نفسه، ويتمتع بهذا القهر والذل المأزوخي؟
اسئلة يطرحها الكائن الحساس دون إدراك لمكنونات هذا الإحساس:
" كم عشت في خضم الحياة، أو مت على هامشها، وأنجرفت في تيارها، لا أعرف الجواب بالضبط، لكن من المؤكد أني عشت هذه الحالات كلها.
حتى في اللحظات الحميمية العليا يشعر المرء بتأنيب الضمير، وكأنه يقترف ذنبًا، خيانة، يتفارق عن نفسه وتدفعه الرغبة الجارفة، الحب، حضن المرأة من بهاء وسحر ودوافع، هل هذا الذنب هو صوت الأم السورية الضارب في جذور التاريخ لمنطقتنا الذي يعج بالفكر الديني والمثالي، أو أن مسارنا في الحياة معوج ويجب تقويمه، لنكون كائنات لا عيوب فيها ولا اخطاء، وإذا أخطأ أحدنا يشعر أنه تمرد على الإله ووجب معاتبة الذات أو معاقبة الذات للوصول إلى رجم الذات.
أحيانًا كثيرة نقع في فخ الواجب، الالتزام الأخلاقي والأدبي اتجاه الأخرين، وعلى الباب، باب القلب حب أخر يطرق القلب، نداء غريب، نداء قادم من وراء الغيم والمطر، امرأة، الفخ الجميل الذي تضعه الحياة أمام الرجل، تمسك بتلابيب الذات وتقيده وتعنفه إن لم يذهب إليه، يدخل في صراع قاتل، أنا، هم، هي، ماذا أفعل؟
هل اتحول إلى راهب في صحراء، كصحراء سيناء، حيث الرمال والوجع والعزلة أم أدخل في ثنايا الربيع والورد والماء السلسبيل، أنها أحجية ولدها القدر، هي المواجهة، والمرأة هي العطاء، نعمة، حب ملون وزينة لا يمكن ردها إلى الغيب، أنها امامه تناديه، تعال نكتشف بعضنا في بعضنا.
هذا الكتاب الأدبي الجميل يستحق أن يكون رواية سورية بامتياز، يتحدث في جزء كبير منه عن البيئة السورية في أغلب مناطق سوريا، الساحل كله تقريبًا، اللأذقية وطرطوس وقراهما، دمشق ودير عطية في ريف دمشق، ودمشق أثناء عمله في الجامعة كمحاضر في الطب بعد حصوله على الدراسات العليا من الاتحاد السوفييتي، كباحث واستاذ، ودير الزور وصحراء تدمر ومحافظ الحسكة وغيرها، وغامر في الكتابة عن الواقع السياسي في دولة الصمت، في فترة عصيبة من تاريخ سوريا الحديث في ظل حكم الرئيس حافظ الأسد، لهذا يمكننا أن نتساءل:
كيف يستطيع مدرس جامعة، كلية الطب، أن يمارس حلمه، أخلاقياته وقناعاته في هذه البيئة الصعبة، في اللأذقية، أغلب القائمين عليها، القيمين، ضباط المخابرات وكبار ضباط الجيش، وكل واحد يضغط عليه من أجل تسريب الاسئلة لأولادهم وأبناءهم أو ترفيعهم من مرحلة إلى أخرى، دون معاناة أو شغل جاد في كلية خطرة تحتاج إلى قدرة إنسانية عالية؟
هو سؤال كبير، إنه السير على الشوك والوجع، في دولة لا ترحم المخالف، لهذا قلت لو أنه دخل معترك الرواية، الفضاء هنا، فيها أوسع واكثر قدرة على التعبير والخروج من قيد الذكريات إلى العالم الواسع، خاصة كما قلنا، أن منير، لديه لغة أدبية سلسة وجميلة ولديه روح الشاعر والفنان والكاتب والناقد، والقدرة على اختراق عيوب المجتمع وتعريته، وتعرية الناس الذي سقطوا وما زالوا يسقطون.
كان من الممكن أن يكون هناك تحليل أوسع للشخصية السورية من الناحية السيكولوجية، وتناقضات وتقاطعات هذه الشخصية، كما حلل الشخصية الليبية والسودانية.
لو كنت مكان منير لبقيت في مدينة دنقلا، في السودان، هناك، حيث البساطة والصدق، وانسجام الطبيعة، نهر النيل الخالد والطمي والخيال والإنسان وهي أقرب لشخصيته كما فهمتها من خلال الكتاب، أما بلادنا فهي تفتقد إلى الراحة. بلدنا قلق، إنسانه قلق يبحث عن المعنى في اللامعنى.
الكتاب شيق وغني، مذكرات، تتناول رحلة الكاتب من سوريا إلى الاتحاد السوفييتي في زمن البساطة، إلى سوريا فليبيا حيث الجفاف والقسوة والصحراء، فالسودان.
يمكنني أن أكتب الكثير، بيد أن قراءة الكتاب أفضل ليكتشف كل قارئ مقدار تقاربه أو بعده عنه.
يقع الكتاب في 342 صفحة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا