الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصادنا ينتحر، ثم لا يجد له منقذ!

عبد العزيز المسلط
سياسي وباحث اكاديمي

(Abdulaziz Meslat)

2020 / 4 / 12
الفساد الإداري والمالي


هذه ببساطة شعار المناخ الراهن في سورية.
تصريح غريب من نوعه لحاكم مصرف سورية المركزي يعتبر فيه أن بلاده تتعرض لحملة وصفها بالـممنهجة للنيل من الاقتصاد السوري والعملة الوطنية، وأن ارتفاع الدولار في السوق المحلية وهمي.

نفترض جدلاً أن بعض مما جاء في كلام حسام غربول صحيح بشكل مقارب للواقع الاقتصادي السوري، لكن ليس الى الحد الذي يطلقه بتصريحاته هذه ويعزو بها حالة الركود الاقتصادي الشامل الى حملات ممنهجة تطلق من الخارج، وعلى أي أساس أعتبر أن ارتفاع الدولار في السوق المحلية هو ارتفاع وهمي!
كان يجب عليه كخبير وأستاذ في الاقتصاد أن يقرأ بشكل "منهجي" أعمق مسببات تباطؤ النمو الاقتصادي او الركود الاقتصادي في دولة تخوض حرب منذ 10 سنوات على الاقل، اضافة الى حجم المقاطعات الاقتصادية والعقوبات المفروضة عليها.
وكان يجب عليه العودة للوراء قليلاً على الرغم من أن طبيعة المقاربات لا تتماثل بشكل أو بآخر، لكنها تضع اضاءة ما على مقاربته هذه بالشكل الذي يجلي حقيقة ما يقع فيه الاقتصاد السوري حالياً من مطبات قاسية.
كان يجب العودة إلى فترة الثمانينيات والتي كانت سورية تعيش ظروفاً اقتصادية أقل ما يطلق عليها "كارثية" ومع ذلك كانت هناك جملة من السياسات الاقتصادية "الحمائية" تدار بشكل موضوعي و علمي مدروس بناء على خطط وبرامج اطلقها أستاذه الدكتور محمد العمادي محاولة منه إنعاش الاقتصاد السوري الراقد في العناية الفائقة آنذاك.
نعرف جيداً كخبراء في السياسة والاقتصاد أنه في الاقتصاد لا يوجد مفهوم يسمى -الموت السريري للاقتصاد-.
هناك مصطلحات متعددة تشير الى ضعف النمو الاقتصادي، أو تباطؤه أو بعض الاطلاقيات اللفظية من هنا وهناك تعبر عن مفاهيم ومصطلحات شأنها ان توضح بشكل أو بآخر عجز اقتصادي ما في الدولة.
لقد ذكر الدكتور العمادي الذي كان وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية وأحد أبرز مهندسي السياسات الاقتصادية في سورية، أن كثير من القرارات التي كانت سائدة والتي تعنى بالدرجة الاولى بالأمن الاقتصادي وتمس بشكل مباشر حياة المواطن الفرد، "تلك القرارات كان علي إعادة النظر فيها وإعادة التحقق من صلاحيتها بشكل لا يقبل المساومة أبداً لإن ذلك يمس بشكل أو بآخر استقرار الوضع الاقتصادي الذي ينعكس بشكل مباشر على الواقع السياسي والأمني للدولة.
كانت البرامج الحديثة التي عملنا بها قد يستصعبها المواطن للوهلة الاولى، لكن سرعان ما يستوعب انها حالة إيجابية بالمرحلة المقبلة. حيث ان سياسات التقشف لم تكن تقشفية بالمفهوم الانمائي بل كانت تدابير احترازية تعمل على تطويق الكثير من نقاط الضعف في سياسات وبرامج الدولة الاقتصادية وما تلاها من فشل في كثير من برامج القطاع العام الذي استنفذ كامل شروط البقاء في مواجهة أزمات الاستمرارية الريعية لأسباب كثيراً يأتي الفساد في مقدمتها".
وكأن الدكتور العمادي كان يشير بتقيّة ما أنه تمت معالجة العلاقات الإنتاجية بين الفرد العامل والدولة من خلال اعادة تعريف مفهوم العامل والفلاح والتاجر والصناعي ورأس المال وغيرها من المفاهيم التي أوصلت القطاع العام إلى طريق شبه مسدود.
يقول الدكتور العمادي "كان علينا أن نقوم بتوفير المواد الأولية لتشغيل الحرفيين والمعامل والمصانع العامة ودراسة موارد ونفقات خطة القطع الأجنبي والعمل على إعادة النظر فيها. وكان يجب إطلاق قوى الإبداع لدى عمالنا لتصنيع القطع التبديلية وكل ما يمكن أن نستغني به عن الاستيراد. وكانت خطة العمل التي اتبعتها تسير باتجاه إيقاف استيراد الخضار والفواكه والاستعاضة عنه بالإنتاج المحلي والتشجيع على التصدير. مع الاحتفاظ بحق زيادة رواتب العاملين في الدولة وكيفية تمويل هذه الزيادة، دونما اغفال تشجيع القطاع الخاص لاستثمار أمواله داخلياً. والاهم في هذا واللبنة ألاساسـية في هذا التوجه هو السياسات التسعيرية التي يجب ان نتعاطى بها عبر دراسة معمقة لواقع الحال الاجتماعي".

يقول الدكتور العمادي "أنه كان قد بدئ في أواخر 1985 إصدار بعض القرارات المتخذة في لجنة ترشيد الاستيراد والتصدير والاستهلاك تلامس قضايا المؤونة النقدية الواجب على المستورد إيداعها لدى المصرف التجاري السوري قبل الاستيراد بقصد الإقلال من نسبتها تسهيلاً للمستوردين. وعندما بدأت العمل، كنت مصمّماً على إيجاد الحلول للقضايا الأساسية ومنها:
– نقص المواد الأولية اللازمة لتشغيل المعامل وتشغيل شركات تعهدات القطاع العام.
– تخصيص الأموال لسداد ديون مؤسسات التجارة الخارجية وتأمين تخصيص اعتمادات جديدة لها للقيام بأعمال الاستيراد.
– إعادة النظر بأسعار القطع الأجنبي المستخدمة في تسعير مبيع مستوردات مؤسسات التجارة الخارجية.
– المشاركة في تحديد مجالات العمل الاستثماري لكل من القطاعين العام والخاص.
– إعداد الاستراتيجيات والخطط الطويلة والمتوسطة الأجل التي تساهم في التخفيف من الطوق الترشيدي -التقشفي- لصالح البدء في عملية تحرير الاقتصاد السوري بشكل علمي مدروس.
– معالجة المشكلات الناجمة عن طلب الدول الاشتراكية تعزيز الاعتمادات المفتوحة من قبلنا للاستيراد منها لعدم قيامنا بوفاء التزاماتنا تجاهها، وإعداد اتفاقات لإعادة جدولة ديونها. (وهذه كانت نقطة نظام حقيقة يمكن البدء والعمل عليها لتجاوز رواسب الخطط الاقتصادية المترهلة).
– تحقيق التعاون بين مؤسسات القطاع العام الإنتاجية ومؤسسات التجارة الخارجية لتأمين سلع للتصدير والمقايضة.
– معالجة ما نجم عن القرار المتعلق بقبول التسوية بالليرات السورية عوضاً عن توريد القطع الأجنبي، وفقاً لتعهدات إعادة القطع، والاجتماع مع المصدّرين لإعلامهم بوجوب توريد القطع.
– الحصول على القروض من فرنسا وغيرها لشراء القمح.
– متابعة معرفة الديون المستحقة علينا وأنواعها وأسبابها ومصادر تحقيق هذه الديون بالدقة اللازمة.
– الإسهام بإعداد أنظمة جديدة للتجارة الخارجية والاستثمار والقطع وغيرها.
- تسعير المحروقات وغيرها بأسعار الدول المجاورة سيؤدي إلى خفض الاستهلاك وزيادة الإيرادات، فقمت بمعالجة أسعار السلع غير الأساسية التي استوردها عن طريق مؤسسات التجارة الخارجية كما يجب أن تعالج.
كما وكان الهم الأكبر هو فيما يتعلق بالدولار وسعر الدولار الاستيرادي للبضائع المستوردة، وتقلبات أسعار الصرف ومكافحة خطط وتلاعبات كبار التجار في هذا التذبذب لصالح إبقاء سعر الصرف متناسب مع قوة الليرة السورية الشرائية دونما تعويم".
هذه بعض النقاط التي سجلها الدكتور العمادي في الخطة السياسية او السياسات والبرامج الاقتصادية التي عدلت سفينة الاقتصاد السوري وصولاً الى فترة الانتعاش في بداية التسعينيات.
وبما أن مدير المصرف المركزي السوري يعلم أن الشعرة التي يمكنها أن تقصم ظهر بعير اقتصاد سورية هي العملة الصعبة وفي مقدمتها الدولار، وايضاً في السياسات التسعيرية. فيجب أن يأخذ بالحسبان قبل ان يدلي بأي تصريح إعلامي غير مسؤول عدة عوامل تساعد على إنقاذ هذا الغريق الذي اسمه الاقتصاد وهي؛
الإعفاءات الضريبية المساعدة على جذب الرساميل ورؤوس الأموال السوريين وغير السوريين الذين هربوا بسبب الأزمة او بسبب إفرازاتها، مع منحهم الضمانات الشاملة والأكيدة بحمايتهم من أية معوقات داخلية.
دعم القطاعات الزراعية والصناعية بالشكل الذي يعيد إنعاش الاقتصاد الزراعي-الصناعي، وإقامة جسور دائمة بين كل من الدول الصناعية كالصين وماليزيا والهند وغيرها من الدول التي تمتلك آفاق كبيرة للعمل والتعاون مع سوريا في مجالات التنمية الزراعية والصناعية.
تأهيل البنية التحتية الزراعية والصناعية في سورية بالشكل الذي يخدم قوام التنمية الشاملة.
اعادة النظر في قوانين الاستثمار التي أصدرت في المراحل المختلفة.
وكما أن جهوزية الاقتصاد السوري في التعافي يمكن أن تبدأ بفكرة واضحة هي الفكرة التي اعتمدتها دول كثيرة في مقدمتها الصين وفيتنام بعد ويلات الحروب والصراعات المدمرة التي عاشتها مجتمعاتها، وهي فكرة الترشيد الإنتاجي والاستغناء عن قيم الاستيراد غير المطلوب. والبدء بعملية التبادل الانتاجي سواء الزراعة او الصناعة لصالح مؤسسات الدولة فقط وهذه العلمية تتيح المجال بشكل أكبر من تنامي العائدات النقدية للدولة بالشكل المضمون عبر أستثمار قطاعات صناعية وزراعية في دول اخرى لصالح التنمية الخاصة بدولة أخرى، مع وقف مبدأ الإغراق الأجنبي للسلع والبضائع، و تخفيض الاعتماد على التجار كمستوردين للسلع والمنتجات ألاجنبية وإبقاء نافذة الاستثمار متاحة للدولة مباشرة حتى لو ضمّنت التاجر كوكيل توزيع او وسيط عمولة.
بداية يجب أن نتفق أن الحفاظ على النمو يحتاج لوسائل كثيرة اهمها التخلي عن التركيز على منهج تحقيق النمو بأي ثمن والمحاولة من التحول بالاقتصاد من النمو القائم على الاستثمار البسيط والواردات الرخيصة إلى النمو القائم على الاستهلاك المحلي وإنتاج السلع عالية الجودة.
وذلك عبر تحفيز الطلب المحلي وتعزيز الثقة في أسواق الأسهم المرتبط بقطاعات المال إلاقليمية والدولية.
إن قوة الدولار الأمريكي ليست بالضرورة ذات فائدة ترجى فأحياناً كثرة قد تلحق الضرر بالصادرات الأمر الذي يحدّ من القدرة التنافسية للصادرات.
كما يجب الاتفاق على إصدار جملة من التشريعات الخاصة الرامية الى دعم برامج التيسير الكمي الضخمة في المناطق المستقرة والآمنة في سوريا. فضلاً عن إطلاق موجة من برامج التيسير النقدي التي يجب اعتمادها بشكل مشروط وفرضها على المصارف الخاصة في سوريا.
وايضاً يجب التركيز على أهمية تلافي ما يسمى بـانكماش الأسعار، حيث إن انكماش الأسعار في السلع المدعومة يقلص الفارق بين المدخلات الإنتاجية ودورة رأس المال ما يعني أنه سيعرقل النشاط الاقتصادي لأنه يشجع المستهلكين على تأجيل الإنفاق تحسباً لانخفاض الأسعار في المستقبل.
وهذا أيضاً يرتبط بانخفاض نمو الأجور. لإن البطء في نمو الأجور هو أحد الأسباب المحتملة للتباطؤ في النشاط الاقتصادي. فارتفاع متوسط الدخل الحقيقي في يساهم في الأداء القوي لسوق العمل، وهذا يعني أن القدرة الإجمالية على الإنفاق بين العاملين سينعكس تأثيره على الاستهلاك.
وفي حين أن ارتفاع الاستهلاك قد يستغرق بعض الوقت، إلا أن التراجع في الاستثمار سيتحقق بدرجة أسرع. ولذلك، فمن المرجح أن يعاني الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة قصيرة بسبب الاستقطاعات من موازنة الاستثمار.

في النتيجة العادلة وغير الاخيرة نرى أن تعافي الاقتصاد السوري بشكل يعيد وتيرة النشاط التنموي مجدداً لا يرتبط بالدولار على الإطلاق إلا في حسابات -الحقل والبيدر- لدى تجار السوق السوداء.
لأن التنمية ليست عملية جباية، او احتكار، او -اضرب واهرب- بل هي إعمار كامل للمقدرات الحيوية في الدولة بدءاً من الفرد العالم داخل المجتمع وانتهاءاً من اعادة هيكلةالاقتصاد بالكامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س