الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرمادي والبلاستيك وأمور مغايرة في يوميات سجين مصري

جليل المنصوري

2020 / 4 / 12
أوراق كتبت في وعن السجن


لم تكن الليلة الأولى سهلة ولم تكن الأخيرة أقل صعوبة. كان علي أن اتعلم بعض المصطلحات لأفهم ما يدور حولي وأجيد التعبير بلغة هؤلاء القوم.
تذكرت كيف وصفت بعض أحاديث الصوفية بالشطحات لأن هؤلاء القوم هم أيضا قد اتفقوا على مصطلحات يمكنها أن تتحمل التعبير عن أحوالهم. من باب ضيق العبارة عند هؤلاء وهؤلاء قد مسهم من الجنون. فإن كان شطاح الصوفية قد سجدت عقولهم على أبواب الحب، فقومنا هذا سجدت عقوله على أبواب العنبر.
يقولون المساجين إخوان المجانين حسنًا سأخبرك واحكم.
تتلون جدران السجون دائما بلون الرمادي أو تلك التي رأيتها على الأقل لا اعلم على وجه الدقة لماذا لكن للرمادي قوة الشك. لا شيء هنا يقيني بقدر كل هذا الرمادي حتى الأفكار والمعتقدات بمرور الوقت وهول اثر الرمادي قد تتغير بالجملة الناس هما مشوشون وهذا ما اسميه بقوة تأثير الرمادي .
لكن هل لهذا التأثير الرمادي سببا في ما اصطلحوا عليه في تسمية الأشاء ربما وربما أن كل واقع يفرض من بين ما يفرض باطنه كما يفرض شخوصه وقواه الغيبية عندما وجدة هذا الكم الهائل من الحقائب والأكياس البلاستيكية ضاقت عيناي وقتا بما رأت قبل أن تحتار بل ترا فيه جمالا نابعا من قوة كل هذا لبلاستيك حتما سيكون كل هذا لبلاستك سببا في خراب كوكبنا لاكن حتى الأن هو سبب في نجات بضع عشرات الأشخاص في هذا العنبر.
عادةً لا نرى هنا سوى ضوء النيون أحياناً تتسلل الشمس بشعاع أو أثنين على استحياء لا يلتقطها الا من ايقظته فكرة أو عبرة أو غزا جارهُ في النومة جسدهُ بقدم طائشة او يد متيبسة.
أنا الأن من هذا الصنف الأخير استلفت أوراقاً قليلة بالحيلة وقلم أقايضه في كل مرة بسيجارة وقد تسنى لي أذ ذاك أن ارى شعاعي الشمس خطين على اجساد الجثث المتهاوية في هذه الفوضى المنظمة جداً لدرجة الشجار على امتيازات السجن رغم أن السجن لا يعطي أي أمتيازات لعلها قوة التأثير الرمادي على مستولى الأدراك .
يعبر شعاع الشمس أن عبر ثقوب ضيقة جداً بين الشباك المزدوج المسند بقضبان الحديد على شباكين مستطيلين يخبأن عنا العالم بعد ان خبأته مرة جدران شاهقة تسد عين الشمس.
لكن في حين أننا لا نرى من الشمس ألا قليلها وتحت رحمة حالة الطقس ألا ان هذه الشبكة الحديدية المزدوجة لولاها لشاركتنا الأكياس لبلاستيكية في العنبر و الغبطة التي نلقي عليها أجسادنا وبدلاً من ذلك علقنا على هذه الشبكة احبالاً صنعت من كل شيئ القماش و لبلاستك المقوى و الخيوط او حتى اكياس بلاستكية مفتولة و مجدولة وعقدنا في هذه الأحبال علاقات قلم فرشات اسنان مكينة حلاقة مشابك وقداحات و أوراق مقواة في المحصلة تصبح هناك دلايات معقودة تحمل ما يكفي من حاجياتنا .
وعلقوت على هذه الشبكة ايضاً امالهم ف اصطلحوا على تسمية هذه الدلايات المعقودة الواحدة منها عصفورة أو ربما انهم علقو عليها يأسهم لأنها كعصفورة مدلاة من رقبتها هنا أذاً الكثير من العصافير المشنوقة .
انذرني ذلك بشأم حقيقة أذ لم ارى في دخلتي الأولى ألا يأساً الكثير منه معلقاً على جدران رمادية جداً فوق اموات محتملين وأحياء مشوشين مذبذبين لا إلى هؤلاء .
لكنها أيام قليلة جداً حتى التحمت مع هذه الحالة بشكل مخيف وصرت أرى جمالاً محتملاً في كل هذا حتى أنني كنت انازع نفسي خشية أن اعتاد الأمر وقد زينتهُ لي هذه الأمارة بسوء بادىء الأمر ربما لأني جئت من غياهب الجب حرفياً.

فجأة شعرت أنني بحاجة ماسة للإمساك بقلم كان الأمر يراودني بإلحاح بثقل وطأة المكان عادي السقف نسبيًا الذي بقيت فيه منفردًا بضع ليال وأيام بين زمرة خائفة من جهة ومطمئنة من أخرى .
أفتقر العالم طرق شتى في مواجهة الملل لا أخفي أن في الأمر بعض من أبتذال من جهتي سلمت لهذا الأبتذال وأستسلمت لأول فكرة راودتني لمواجهة الملل القلم .
لم يكن لدي خطة واضحة لما سأفعله بالقلم أن وجد لكنني صرتُ مهوساً بهِ وقد شغلني ذلك شيئاً ما عن الملل وكان اقصى ما يكنني فعله أبتذالاً للأبتذال .
وهبني احدهم قلمهُ اثناء أحدى عروض من يفرض أن يخلى سبلهم .
كان شاباً دورتهُ السجون لأكثر من خمس سنوات يخلا سبيله مرتين وثلاث وفي كل مرة يرى من الشارع قسطاً بقدر العبور إلى سيارة الترحيلات التي ستنقلهُ إلى مستقره الجديد وهكذا حتى اصبح بأمكان أخينا أن يرى الشارع بل ويذهب إلى البيت مدة 12 ساعة في اليوم و ال12 الأخرى يقضيها في المراقبة في قسم الشرطة . نصف حرية لخمس سنوات اخرى أو كما قال .
لما رأني منكمشاً على نفسي مستقراً على قدر حيز مؤخرتي ف المكان وقدماي مصطفتين أمامها تفرسَ أني لست جنائياً . شكلك سياسي فهززت رأسي أيجاباً قنوعاً بأنه من المحتمل جداً الا يصله صوتي وأنا جالس وهو واقف وقد حجز بيننا 10 مساجين وقوف وجلوس على خط مستقيم من بين قرابة الستين في غرفة لا تتجاوز 12 متر مربع .
عند أذاً تخلل الناس ووقف نصفه في مواجهته وبدأ يعرض علي مما يحملهُ في كيسه لبلاستيكي . منشفة؟ لا شكراً لدي واحدة تركها زميل نودي عليه قبل أيام ثم اختفى . دواء لنزلات البرد ؟ هذا مفيد لمساجين الأداري خلف العالم، وصوت سعالي العالي تبخر مع رذاذه . ملابس ؟ لا شكراً اخبرتك عن حقيبة زميلي ثم تفطنت أن اطلب منه قلماً فأعطاني أياه ملحقوقا بأسف من كونه لا يمتل ورقة فأيقظني هذا الأسف لأني فكرت في القلم ولم أفكر في مسألة الأوراق كنت أريد قلماً فقط .
مش مشكلة كثر خيرك . كانت المناديل الورقية التي تركها زميلي سابق الذكر والذي للمناسبة ألتقيتهُ لاحقاً.
كانت هذه المناديل بديلاً للأوراق محلي الصنع جداً اكثر مما توقعت .
أصبح عندي الأن قلم وورق بقي أن أعرف ما الذي سأفعله بهما قلت لنفسي الدنيا أخر الليل والصباح رباح .

يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال