الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا: موت النظرية والإنسان الصغير

محمد السعدنى

2020 / 4 / 12
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


تنبؤنا حركة التاريخ أنه كانت للحروب والأوبئة أثرها الأكبر فى تشكيل النظم السياسية والاقتصادية وتوازن القوى فى عالمنا عبر كل الأزمنة، ولعل جائحة كورونا ليست استثناء من ذلك القانون الذى فرض نفسه على عالمنا المعاصر، فبدا هشاً ضعيفاً أمام فيروس هو من أصغر وأضعف المخلوقات.
فقد شكلت الحربين العالميتين الأولى والثانية أكبر تحدى للبشرية بما خلفتاه من دمار وضحايا سقطت معه إمبراطوريات ودول ونشأت على أنقاضها قوى أخرى، وتشكل على وهج نيرانها نظام عالمى جديد أسس لعصبة الأمم ثم للأمم المتحدة ومقرها نيويورك حيث القوة العظمى الأمريكية البازغة ومؤسساتها الاقتصادية والمالية كالبنك الدولى وصندوق النقد، وتحكمها الاقتصادى والمالى فى العالم ونظامه غير العادل، الذى ربما أطاحت به جائحة كورونا وأثبتت هشاشته وتهاوى أسسه ونظرياته، تماماً كما كان الطاعون الكبير 1346-1351م الذى أفنى ربع سكان الأرض وثلث سكان أوروبا نقطة تحول تاريخى وحركة انعتاق فكرى ودينى ساهمت فى التأسيس لعصر النهضة الأوروبية.
وفى تقديرى وأياً ماكانت أسباب جائحة كورونا، بفعل الطبيعة وأقدار السماء، أو بفعل فاعل آثر إعادة رسم خرائط العالم وإحداث إنتصار تاريخى حاسم ضد قوى مناوئة للتسيد الأمريكى بدت قادرة وفاعلة فى الصين وروسيا ومنظمة شنغهاى ومجموعة البريكس: البرازيل، روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وما اقترحته من نظم مالية واقتصادية تهدد الدولار كعملة دولية وتهدد أمريكا تكنولوجيا فى صناعاتها التكنولوجية والعسكرية.
ونحن هنا فى غنى عن سرد الحروب الاقتصادية والتكنولوجية التى شنها رجل النظام العالمى الأرعن "دونالد ترامب" لتقويض قوى المنافسين فى أوروبا ومحاولاته تفكيك وحدتها وتماسكها بتشجيع البريكست لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وضرب اتفاقيات التجارة العالمية، وفرض رسوم باهظة على الواردات الصينية الأوروبية، وفرض عقوبات على روسيا، ومحاولة تحجيم التفوق التكنولوجى والاقتصادى الصينى، وتعويق تعاونها مع أوروبا فى شبكة الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات التى إذا ماتمت ستسقط حتماً القدرات التكنولوجية الأمريكية وتحد من قدرتها على التحكم فى أوروبا والعالم بشركاته المتعدية للجنسيات.
لقد حاولت الولايات المتحدة رسم خرائط سياسية واقتصادية جديدة للعالم على مقاسها، وتمثلت خطتها وفرصتها فى ذلك الأرعن – ترامب، الذى نصبته قوى التحكم العظمى فى العالم "الكوربوقراط" أى رجال المجمع الصناعى التجارى العسكرى ومن وراءه رجال المال والبنوك وشركاتها الكبرى، وبعض الأكاديميين من مدرسة "شيكاغو فى الإغتيال الاقتصادى للدول، من أمثال مستشاره ومساعده البروفسيور "بيتر نافارو" مدير المجلس الاقتصادى للبيت الأبيض، الذى أسست أطروحاته " الموت على يد الصين"، " النمر الرابض: ماذا يعنى صعود الصين العسكرى إلى العالم" للحرب الاقتصادية على الصين.
وسبق أن كتبت لك عن "الكربوقراط يهددون العالم"، "الإغتيال الاقتصادى للدول"، وعن أطروحات فوكوياما عن "نهاية التاريخ والإنسان الجديد" وعن هنتنجتون فى "صراع الحضارات"، وكلها إرهاصات كان تؤسس للمحاولات الأمريكية لإجهاض كل القوى المحتملة لمنافسة نفوذها ومعادلة القطبية الأحادية لتحكم أمريكا فى العالم. فى ظل كل هذا جاءت جائحة كورونا التى لا استبعد أن يكون ورائها سياسات هندستها، كتبت لك عنها فى مقال سابق "هل كورونا حرب صينية أمريكية؟".
المحصلة أننا أمام لحظة فارقة فى تاريخنا الإنسانى لن يكون العالم بعدها كما كان قبلها. لقد سقط كل التقدم التكنولوجى وكل النظريات الحاكمة عن التعاون الدولى والتضامن الإنسانى والوحدة الأوروبية والتفوق العلمى للدول الكبرى. لقد أصاب الفيروس جسد الناس وأدخل النظم السياسية العالمية إلى العوازل الاختيارية، وضرب الاقتصاد العالمى، وأثبت أن الباقى فى هذا العالم المفلس هو قيمة الإنسان الذى سقطت نظرياته، فبدا صغيراً عليه أن يبحث عن نظريات أخرى ونظم تشف عن قدر أكبر من العدالة والتضامن والإنسانية. لقد فككت "كورونا" كل تصوراتنا بل أوهامنا السابقة عن هذا العالم، ووضعتنا فى وجه زوبعة عملاقة وعلينا البحث عن رؤى جديدة وأفكار جديدة ونظريات أخرى أكثر فعالية وموضوعية، بعد أن سقطت النظرية وبدا الإنسان صغيراً عارياً كما فى الصورة التى رسمها "جان فرانسوا باتالييه" يسائل الكون حوله فى هلع: هل من أحد هنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو بنك الأهداف الإيرانية التي قد تستهدفها إسرائيل في ردها


.. السيول تجتاح مطار دبي الدولي




.. قائد القوات البرية الإيرانية: نحن في ذروة الاستعداد وقد فرضن


.. قبل قضية حبيبة الشماع.. تفاصيل تعرض إعلامية مصرية للاختطاف ع




.. -العربية- ترصد شهادات عائلات تحاول التأقلم في ظل النزوح القس