الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيروس كورونا بين متدينين ولا دينيين

هشام حمدي

2020 / 4 / 12
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


في عام 1865 قررت الأكاديمية العلمية الفرنسية بصواب نظرية الجيل التلقائي لصاحبها العالم لويس باستور ضد زميله فيليكس بوشي، نظرية تقول بأنه يستحيل أن تنمو ميكرو-عضوية في وسط دون أن يتم إدخاله. وفيروس كورونا واحد من الكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة -والذي انتقل من الحيوان إلى الإنسان- لكن قدرة الفعل لديه رهيبة بإدخاله أكثر من نصف ساكنة الكرة الأرضية الحجر الصحي لأكثر من شهرين، وهو بذلك أصبح فاعلا اجتماعيا لا يرى لكنه خلق ردود أفعال وأسئلة ارتقت في طرحها إلى حرب بين متدينين ولا دينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فهل كورونا نعمة أم نقمة على الإنسانية؟
متدينون دافعوا بضراعة على فكرة أن الفيروس هو نقمة موجهة وعذاب مسلط على الكفرة والمشركين، وأتوا بأحاديث منسوبة للنبي مثل: {{لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم من الطواعين، والاوجاع التي لم تكن فيمن مضى من أسلافهم الذين مضوا.}}، {{ ما ظهر البغي -أي الظلم والجور والعدوان- في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان}}، كما في القرآن ويزيدون بأن القرآن سبق كل العصور وحذر من أكل الحشرات، وأتوا بآيات مثل: {{ "حَتَّى إِذَا أَتَواْ عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِن قوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِين"}}؛ {{ "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَات مُفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إِسْرَآءيلَ" }}؛ {{ لا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) }}؛ بل حتى أن منهم من قال بأنه جند من جنود الله مرتكزا على الآية {{ وما يعلم جنود ربك إلا هو}}، ومجيئه بأنه نوع من العقاب الإلهي لحكومة الصين لأنها تقمع إخوانهم الإيغوريين المسلمين وكأن هذا الفيروس سيبقى منحصر في الصين. فظهر في أوربا وخصوصا إيطاليا وإسبانيا فقالوا بأنه عقاب لهما بسبب الحروب الصليبية. ثم وصل لأمريكا فقالوا بأنه عقاب إلهي لها على حربها في العراق والخليج وجرائمها الاستعمارية في آسيا. والمضحك هو عندما تم إلغاء حفلات الغناء والموسيقى في السعودية فخرجوا جماعات وفرادى للقول بأن الكوفيد 19 جاء ليمنع الفسق والمجون وِليُلبِس الرجال "ويستثنون أنفسهم" النقاب في العالم بأسره، وسؤال هنا يطرح نفسه: فما عساكم تقولون حين تم إلغاء الصلاة بالمساجد وصلوات الجمعة بمكة المنورة؟
لا دينيون انتقدوا بنباهة وسخروا بمنطق على أقوال وأفعال المتدينين، بالقول إن المتدين يرى أن أكل الصينيين للخفافيش والضباع والضباء والتماسيح والسلاحف شيء مقزز، في حين ينسى بأن تلكم الحيوانات هي حلال أكلها في الإسلام {{كلوا من طيبات ما رزقناكم}}، ثم هل شرب بول البعير شيء يفتح شهية الإنسان للأكل. والمتدين يعتقد يقينا بأن كورونا لا يصيب إلا الذين هادوا والنصارى والصابئة والمجوس والذين أشركوا ويفصل عنهم المتدينين، المتدينون استطاع أن ينفذ لهم مثل معشر البشر من الكفار والمشركين، فهل بإصابة المتدينين انتقلوا من أصحاب اليمين والنعيم ليخلدوا في النار والجحيم مع أصحاب الشمال والضلال والخارجين عن الملة والدين؟ . وهناك من المتدينين من يربط وجود إلهه ويشبهه بكورونا التي لا ترى حتى يفحم اللاديني ناسيا أو متناسيا بأن كورونا يمكن رؤيته في المختبر عبر المجهر ومضفيا صفة البشاعة على أفعال آلهتم كما تفعل كورونا، والملاحظ أن المتدينين لديهم هوس بثقافة الموت ويحملون صورة بئيسة ويائسة عن آلهتم فهم لا يتخيلونها إلا آلهة تقتل وتميت، ويقول بعض أئمة ووعاظ وفقهاء المتدينين بأن تلاوة دعاء منسوب للنبي يدفع بلاء وباء كورونا، فيرد اللادينيون بأن على المتدينين الذهاب للحرم المكي ليصلوا، مع تسوية الصفوف وعدم ترك الفراغات بين الأرجل حتى لا يدخل كورونا وليس الشيطان بينهم، لأن مصل القرآن ولقاح السنة والمضاد الحيوي الإيماني المتمثل في القول بعدم الإصابة إلا ما كتب الإله عليكم فعالة ضد كورونا. واللادينيون يتساءلون ويسألون المتدينين لماذا غلق بيت أذن الإله أن يذكر ويرفع اسمه فيه؟ وهل سيعاقب كورونا الذي منع اسم الإله من أن يذكر في بيته الحرام؟ وهل أصبح المتدينون نجس لأنهم ممنوعون من الصلاة في الحرم المكي؟
أخيرا، الآلهة أرضية أو سماوية هي كأشجار باسقة. عند جذوعها، ذئاب تفترس نعاجا، ولا تتحرك ورقة واحدة من تلك الأشجار كما قال النحات كوسطانتين برانكوزي؛ فالتضامن الإنساني أصبح ملحا، ولكن، إذا لم نفهم أننا بحاجة إلى وعي مشترك بمصير الإنسان وإذا لم نتقدم في التضامن، إذا لم نغير التفكير الديني والسياسي، فإن الأزمة الإنسانية ستزداد سوءا. فرسالة كورونا واضحة، ويل للإنسانية إذا كانت لا تريد سماعها!
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح