الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستنتقل إيطاليا لمعسكر الشرق

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


أزمة كورونا كشفت عمق الخلافات بين دول الاتّحاد الأوروبي ولاسيّما بين إيطاليا أكبر المتضررين صحيّاً من الأزمة وبين بقيّة دول الاتّحاد, وهنا جاءت روسيا التي لم تدّخر جهدها يوماً للمساهمة في خلق وتعميق الصراعات بين دول الاتّحاد الأوروبي للعمل على تفكيكه ومن ثمّ تقديم نفسها كبديل وحاضنة للدول التي تفكّر بترك المعسكر الغربي.
جاءت روسيا ومن خلفها الصين هذه المرّة وقدّمتا نفسيها كملاك الرّحمة والإنقاذ لإيطاليا, وذلك عن طريق ارسال شحنة أدوية منتهية الصلاحيّة وكمامات غير مطابقة للمواصفات وبضع أجهزة للتنفّس معطّلة من مخلّفات الحرب العالمية الثانيّة, بالإضافة لعرض الصين إرسال مجموعة من الأطباء لمساعدة إيطاليا في محنتها, ولا أدرِ إن كانت الصين (كحكومة) ستجلب هؤلاء الأطباء الذين ســ"ترسلهم" لإيطاليا من مستودع الأطباء الحكومي في بكين أم أنها ستقوم بتصنيعهم على عجل في المصانع!!!
ولأنّ الغريق يتعلّق بقشة فقد ابتلع الطليان الطعم وتناسوا عن عمد تلك السنوات الطوال الّتي استندوا فيها على أوروبا للنهوض من آثار الحرب العالمية الثانية وتطوير البنية التحتية والاقتصادية لبلدهم عن طريق معاهدات التجارة الحرّة وقروض إعادة الإعمار وغيرها , وأيضاً لتطوير قطاع السياحة وتقويته عن طريق الدخول في اتفاقيّة منطقة "شنغن", وباختصار فإيطاليا كانت على الدّوام واحدة من أكبر الدّول المستفيدة من الانضمام للاتّحاد الأوروبي.
هذه الاستمالة الروسيّة وهذا الميل الإيطالي نحو المعسكر الشرقي لم يبدآ مع كورونا, بل بدآ مع وصول اليميني الشعبوي "ماتيو سالفيني" لرئاسة الحكومة, وكعادة اليمينيين فهم يميلون للمعسكرات والتحالفات الدوليّة التي تسحق المواطن والديمقراطيّة لصالح النّخب السياسيّة والاقتصاديّة في البلاد, في الوقت ذاته الذي تقدّم به هذه الدّول نفسها في الإعلام على أنّها نصير المستضعفين من الأمم والمعقل الأخير للاشتراكيّة والحصن الحصين لحماية العالم من التوحّش الرأسمالي, بينما نجد "ويا للمفارقة" أنّ زعماء دول هذا التحالف هم من أغنى أغنياء زعماء العالم, ودولهم تلك تضمّ كبرى الشركات العابرة للقارات وثروات أثرى أثرياء العالم, وأنّ الفوارق الطبقيّة في مجتمعاتهم لا تجدها في أي دولة غربية. وأقصد من ذلك "المعسكر الشرقي" الذي يضم أمّة المليار جائع (الصين) بالإضافة لكوريا الشمالية مهد حقوق الإنسان, وأيضاً القيصريّة البوتينيّة في روسيا والتي تحمل رسالة السلام لكل العالم وخاصّة الشرق الأوسط.
هذا الميل للمعسكر الشرقي نجده عند جميع أحزاب اليمين ودعاة الانغلاق والنزعات القوميّة في أوروبا وليس فقط إيطاليا, فتجده مثلاً عند اليمين الألماني المتمثل بحزب البديل, الذي دفعت روسيا من جيبها لقادته تكاليف الطائرة الخاصة التي أقلّتهم من ألمانيا لزيارة دمشق22.05.2018 DW.com. وايضاً نجد هذا الميل عند اليمين النمساوي الذي دوت فضيحة زعيمه "هاينز كريستيان شتراخه" عندما حاول عقد صفقة لبيع أجزاء من وطنه النمسا لمليارديرة روسيّة, وذلك مقابل حصول الحزب على دعم سياسي من عند روسيا. راجع: dw.com 18.05.2019
وغير ذلك من فضائح اليمين الأوروبي في معظم دول الاتّحاد, والتي ترى في روسيا والمعسكر الشرقي مخلّصاً وبديلاً لهم من سطوة "بروكسل" وخلاصاً من الديمقراطيّة الأوروبيّة, والتي هي بنظر اليمين الأوروبي ديمقراطيّة تهدد ثقافة أوروبا وحضارتها بسبب سياسات الانفتاح والعولمة والهجرة, أي السياسات التي تنتهجها أحزاب الوسط التي تشكّل غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي حاليّاً.
بالعودة لإيطاليا وجدنا كيف أنّ الطليان بين ليلة وضحاها قاموا بنزع أعلام الاتّحاد الأوروبي من العديد من المباني ورفعوا بدلاً منها أعلام روسيا والصين, وقد ساهم الإعلام العربي بالتطبيل لصورة ملاك الرّحمة الرّوسي الذي هبط على إيطاليا, هذا الإعلام نفسه الذي يطبّل لكل زعيم معادٍ لحقوق الإنسان ولكل جنرال انقلابي مدعوم من روسيا وبوتينها راعي الديكتاتوريّات في العالم.
وقد جاءت ردّة فعل الأوروبيين على الأصوات الإيطاليّة التي تنادي بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وإنزال العلم, على الشكل الذي جاءت به ردّة فعل صاحبنا حين سمع بخبر خطوبة حبيبته على شابّ آخر في اليوم المحدد:
جاء صاحبنا في اليوم الموعود تحت شرفة بيت الفتاة, في الوقت ذاته الذي كان فيه أهل العروس يستقبلون العريس وأهله في منزلهم, ويقومون بقراءة الفاتحة ووضع المحابس في الأصابع, وقرر صاحبنا أن يشاركهم الفرحة ويحتفل معهم على طريقته الخاصة.
جلب صاحبنا جهاز مضخّم صوت كبير (امبلي فاير) وقام بإيصاله ببوق كالذي تجده على المآذن وفي السّاحات الكبيرة أثناء إلقاء الزعماء لخطاباتهم الجماهيريّة, وأخيراً أوصل الكل بمشغّل أقراص, وأدرج في المشغّل قرصاً كان قد أعدّه خصيصاً لهذه المناسبة, عليه جميع أصوات الضرطات (جمع ضرطة) التي كان صاحبنا قد قام بتسجيلها بنفسه على القرص طوال الأسبوع الفائت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصين
بارباروسا آكيم ( 2020 / 4 / 13 - 13:09 )
الصين أرسلت مساعدات طبية الى ايطاليا ب (( أسعار زهيدة ))
ليتبين لاحقاً أَن هذه المساعدات كانت قد أرسلتها ايطاليا في وقت سابق الى الصين

يعني كما يقول المثل : كُلْ.. هذا لحم ثورك

لاشك أن الصين تتحمل جزءاً كبير من إنتشار الوباء
فالأطباء الذين تم محاسبتهم و تهديدهم في الصين و الذين حذروا من هذه الكارثة
كانوا يمكن أن يصنعوا تغييراً كبيراً

و أكبر دليل على صحة وجهة نظر هؤلاء الأطباء
هي عودة الحكومة الصينية لتضع قائمة للأطعمة المسموح بها و غير المسموح بها
و مراقبة المزارع و فصل الحيوانات

تحياتي و تقديري


2 - وامريكا استاذ باربوسا
ابو ازهر الشامي ( 2020 / 4 / 14 - 09:15 )
استغرب من تحميل كل المسؤولية للصين وامريكا على سبيل المثال لا الحصر ادعت في تصريحات لترامب قبل عدة اشهر بان فيروس الكورونا فيروس صيني وركز على كلمة صيني وانه لن يشكل مشكلة في الغرب وغيرها من الشعارات
التي اخرت الاجراءات المضاءة لانتشاره
!!!!!!!!!!!!!

اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات